تضارب الآراء حول مغادرة أمير قطر بغداد قبل انتهاء القمة العربية.. انفوبلس تكشف القصة

انفوبلس/ تقرير
شهدت القمة العربية الرابعة والثلاثين المنعقدة في العاصمة بغداد، حدثاً أثار الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الساعات الماضية، إذ إن أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، غادر العاصمة العراقية بعد ترؤس وفد قطر المشارك قبل انتهاء القمة، دون إلقاء كلمة فيها، والاكتفاء بلقاء رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، فما أسباب ذلك؟
وعُقدت القمة يوم أمس السبت، تحت شعار "حوار وتضامن وتنمية"، وسط أجواء سياسية مشحونة وتحديات إقليمية متصاعدة، في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتحول في سوريا، وتواصل الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا ولبنان، واستمرار الحرب في السودان.
وفي الجلسة الافتتاحية للقمة، أشار عدد من القادة المشاركين إلى التحديات الخطِرة التي تواجه المنطقة العربية، وضرورة العمل المشترك لتجاوزها. وعقب اختتام جلسة القمة العربية العادية، انطلقت جلسة رئيسية ثانية للقمة العربية التنموية الخامسة.
وحثَّ البيان الختامي للقمة العربية التي استضافتها العاصمة العراقية بغداد، المجتمع الدولي على الضغط من أجل وقف إراقة الدماء في غزة، وأكد الرفض القاطع لكل أشكال التهجير والنزوح الفلسطيني، وكذلك أدان الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، وطالب "بإيجاد حل سياسي لإيقاف الصراع في السودان".
وعبّر البيان عن دعم لبنان للحفاظ على أمنه واستقراره ووحدة أراضيه، وجدد الدعم للمجلس الرئاسي في اليمن ومساندة جهود الحكومة لتحقيق المصالحة وتأييد المساعي الأممية والإقليمية الهادفة إلى التوصل لحل سياسي شامل للأزمة اليمنية. وحمل البيان دعما لمحادثات إيران والولايات المتحدة بهدف التوصل إلى نتائج إيجابية بشأن البرنامج النووي لإيران.
انسحاب أمير قطر
على وقع أعمال الدورة الرابعة والثلاثين للقمة العربية في العاصمة بغداد، وبحضور عدد من القادة والزعماء والممثلين العرب، والأمناء العامين لمنظمة الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ومجلس التعاون الخليجي، غادر أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني العاصمة بغداد، قبل انتهاء القمة، دون إلقاء كلمة فيها، والاكتفاء بلقاء رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني.
ووفقا للوكالة القطرية للأنباء، فإن "تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد، غادر اليوم العاصمة العراقية بغداد، بعد ترؤسه وفد قطر المشارك في الدورة العادية الرابعة والثلاثين لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة"، ولم تُشِر الوكالة لأسباب المغادرة.
وعقد السوداني، لقاءً ثنائيا مع أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، بالتزامن مع انطلاق القمة العربية في بغداد، بحسب بيان رسمي صادر عن مكتب رئيس مجلس الوزراء، تلقته شبكة "انفوبلس"، حيث جرى خلال اللقاء بحث العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل تعزيزها وتطويرها في مختلف المجالات، فضلا عن مناقشة المستجدات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك".
من جانبه، بارك أمير قطر لـ"العراق ترؤسَه القمةَ العربية، مشيدا بإجراءات تنظيم عقد القمة، وما تضمنته من رسائل ومواقف تدعم تعزيز الشراكة والعلاقات الاقتصادية والتجارية، بما يسهم في إرساء دعائم الأمن والاستقرار"، وفق البيان.
وبحسب مصادر سياسية فان لقاء أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، ورئيس الوزراء، محمد السوداني، ركز على مخرجات القمة الخليجية، وزيارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وما تضمنها من رسائل، كما أن بن تميم أوصل رسالة ضمنية للسوداني فيما يتعلق بموقف دول الخليج من العراق، وكيفية التعاطي مع وساطة العراق بين أمريكا وإيران، خلال المفاوضات الجارية بين البلدين.
وعقب مغادرته، ذكر الأمير تميم بن حمد، في تغريدة على موقع "إكس": اجتمعنا اليوم في بغداد، في القمة العربية الـ34، والتي انعقدت في ظروف إقليمية ودولية تستوجب تعاونا عربيا ودوليا لحل أزماتها. وأعرب عن أمله، أن تنعكس مخرجات وقرارات القمة في تعزيز تضامننا العربي وترسيخ التكامل بين بلداننا في كافة مجالات التعاون القائم، موجهاً شكره إلى العراق جهوده في توطيد أواصر الأخوة ودورها الفاعل في تدعيم العمل العربي المشترك.
وبعدها، قال الديوان الأميري القطري في بيان إن "الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد، غادر العاصمة العراقية بغداد، وذلك بعد ترؤسه وفد دولة قطر المشارك في الدورة العادية الرابعة والثلاثين لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، التي عقدت في القصر الحكومي بالعاصمة العراقية بغداد".
وأضاف البيان، أنه "كان في وداع الأمير والوفد المرافق في مطار بغداد الدولي، وزير الدفاع ثابت محمد سعيد العباسي، وعددا من كبار المسؤولين". وتابع، أن "محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، ووفد رسمي رافقوا الأمير خلال الزيارة".
وانسحاب أمير قطر من القمة العربية لم يكن متوقعًا، خاصة في ظل التحديات الإقليمية التي تفرض على الدول العربية التكاتف والتنسيق في المواقف. ووفقًا لما أكدته مصادر دبلوماسية عربية، فإن الوفد القطري أبدى انزعاجه الشديد من طريقة ترتيب الكلمات، حيث تم منح وزراء خارجية بعض الدول أولوية الحديث قبل الرؤساء والملوك، ما اعتبره الوفد تجاوزًا صريحًا للأعراف الدبلوماسية والبروتوكول الرسمي لمثل هذه الفعاليات.
أفادت تقارير أخرى أن سبب انسحاب أمير قطر يعود إلى "عدم احترام البروتوكول المعتمد" في تسلسل الكلمات، وهو أمر يحمل دلالات سياسية في مثل هذه المحافل، ويُقرأ أحيانًا كنوع من التهميش أو التجاهل. بعض المصادر ربطت ما حدث بمحاولة تمرير رسائل غير مباشرة من قبل بعض الوفود، وهو ما لم يقبله الجانب القطري.
لكن المتحدث باسم الحكومة باسم العوادي، كشف أن مغادرة أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني العاصمة بغداد، جاءت نتيجة ارتباطات مسبقة، وتمت بالتنسيق مع الجانب العراقي، نافيا وجود أي خلاف أو انزعاج أدى إلى تقليص مدة مشاركته في القمة العربية.
وقال العوادي، إن "مغادرة أمير قطر لقمة بغداد تمت وفق جدول زمني محدد ومتفق عليه مسبقًا مع السلطات العراقية، نظرًا لارتباطات أخرى لدى سموه"، مبينا أن "الأمير سلّم كلمته بشكل رسمي قبل مغادرته، وهو أمر معتاد في مثل هذه القمم، حيث دأب في مناسبات سابقة على تسليم خطابه دون إلقائه شخصيًا". وأضاف أن "الوفد القطري كان متواجدًا في بغداد، ويمثل الأمير رسميًا في أعمال القمة، ولا توجد أي مؤشرات على وجود خلافات أو أخطاء بروتوكولية أدت إلى أي انزعاج، لا من الجانب القطري ولا من بقية الضيوف العرب".
وأكد أن "حضور الأمير تميم شخصيًا إلى قمة بغداد حمل دلالة واضحة على دعم قطر للعراق، وتقديرها لموقعه في خارطة المنطقة، ورغبتها في تعزيز التنسيق العربي عبر العاصمة العراقية"، لافتاً إلى أن "الزيارة جاءت تتويجًا لمسار متنامٍ في العلاقات بين بغداد والدوحة".
بينما المستشار السياسي لرئيس الوزراء العراقي فادي الشمري قال إن "مغادرة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، للعاصمة بغداد قبل انتهاء أعمال القمة العربية كانت جزءاً من ترتيبات مسبقة بسبب ارتباطات والتزامات لديه"، نافياً "ما تم تداوله من شائعات حول مغادرته بسبب تأخر موعد كلمته". وأوضح أن "الأمير تميم كان ضيفاً عزيزاً، وقد عُقدت معه عدة أحاديث ولقاءات قبل انطلاق أعمال القمة"، مشدداً على أن "العلاقات بين العراق وقطر مميزة ومتينة، ولا يوجد ما يعكر صفوها".
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة قد تعكس تحفظات على بعض مخرجات القمة، أو ربما جاءت نتيجة خلافات دبلوماسية غير معلنة مع بعض الأطراف المشاركة. كما أشار آخرون إلى احتمال أن يكون السبب متعلقًا بجدول أعمال طارئ خاص بالأمير. ويبقى السؤال مفتوحًا: هل تعكس هذه المغادرة احتجاجًا ضمنيًّا على مسار معين داخل القمة، أم أن الأمر لا يتعدى مسألة بروتوكولية مؤقتة؟ الأيام القادمة كفيلة بكشف التفاصيل.
وهذه ليست المرة الأولى التي يغادر بها أمير دولة قطر، إذ في القمة العربية الـ32 التي عُقدت في جدة عام 2023، وصل الأمير القطري وأخذ صورا تذكارية وغادر بعد وقت قصير من دخوله إلى الجلسة الافتتاحية من دون أي يلقي كلمة. ووقتها ربط الناشطين عبر مواقع التواصل، مغادرة أمير قطر بكلمة الرئيس السوري السابق بشار الأسد.
كما غادر أمير قطر الجلسة الافتتاحية للقمة العربية الـ30 أثناء كلمة الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، التي تلت كلمتي العاهل السعودي والرئيس التونسي، والتي عُقدت عام 2019، وذكرت تقارير وقتها أن مغادرة أمير قطر جاءت بعد "رسائل غير مباشرة إلى دولة قطر" من قبل الملك سلمان وأبو الغيط.
وتضم جامعة الدول العربية 22 دولة، ومنذ انطلاق أولى قممها العادية والطارئة عام 1946 في القاهرة، استضاف العراق أربع قمم عربية على مستوى القادة، كان أولها في بغداد بين 2 و5 نوفمبر/تشرين الثاني 1978، عقب توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد مع "إسرائيل"، حيث قررت القمة حينها نقل مقر الجامعة العربية من القاهرة وتعليق عضوية مصر. أما القمة الثانية فكانت استثنائية وعُقدت في 28 مايو/أيار 1990 بدعوة من الرئيس العراقي المقبور صدام حسين، لبحث التهديدات المحدقة بالأمن القومي العربي.
وفي مارس/آذار 2012، استضافت بغداد القمة الثالثة، التي شهدت تجميد عضوية سورية، وسط إجراءات أمنية مشددة أعقبت انفجارًا قويًّا وقع قرب السفارة الإيرانية في محيط المنطقة الخضراء. واحتضنت العاصمة العراقية أمس القمة الرابعة، والتي عقدت تحت شعار "حوار وتضامن وتنمية"، في القصر الحكومي داخل المنطقة الخضراء، وسط مشاركة عربية ودولية "ضعيفة".