تعرّف على سيرة جاسب الحجامي.. "المُعيَّن من قبل الإمام المهدي" يُنقل من وزارة الصحة إلى وزارة البيئة
انفوبلس..
ذاع صيته خلال فترة انتشار كورونا في العراق، وعُرف بتوصياته للمواطنين بالالتزام بإجراءات الوقاية وتنفيذ تعليمات الحجر الصحي حتى وصل الأمر بطرح اسمه كمرشح لوزارة الصحة ولكن انتماءه للتيار الصدري ثم براءة التيار منه، وبعض الشبهات التي رافقت عمله، حالت دون تسنمه مناصب أعلى.
جاسب لطيف الحجامي، طبيب ومدير عام في وزارة الصحة سابقاً، ومدير عام في وزارة البيئة حاليا، حيث أصدر وزير الصحة صالح الحسناوي، السبت الماضي، قرارا بنقل الحجامي من منصبه مديرا عاما لدائرة صحة الرصافة إلى منصب مدير عام دائرة حماية وتحسين البيئة في منطقة الوسط / بغداد في وزارة البيئة، وجاء ذلك النقل استنادا الى كتاب من الأمانة العامة لمجلس الوزراء، ضمن موجة تغيير الدرجات الخاصة المنتهجة من قبل حكومة السوداني.
ويُعد هذا التنقل هو الرابع من نوعه خلال عام واحد للحجامي، حيث سبق لوكيل وزارة الصحة هاني العقابي، إعفاءه من منصبه، مديراً لصحة الكرخ ونقله الى مقر وزارة الصحة، الأمر الذي طعن به الحجامي قبل أن تقضي محكمة قضاء الموظفين في نيسان 2022، بإعادته إلى منصبه مديراً لدائرة صحة الكرخ.
وفي نهاية العام الماضي قام رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بتعيين الحجامي مديرا عاما لصحة الرصافة.
إرهاب إداري
الحجامي وبعد قرار المحكمة بإعادته لمنصبه، أصدر بياناً شديد اللهجة ذكر فيه: "بعد عام كامل من التعسف وسوء استعمال السلطة و الإرهاب الإداري والسياسي من داخل وزارة الصحة ومن خارجها، أصدرت المحكمة الإدارية العليا قرارها التمييزي وصادقت على القرار المتضمن إلغاء أمر نقلي من دائرة صحة بغداد- الكرخ. وسيعقب ذلك رفع دعوى قضائية بحق من أساءوا استعمال السلطة ومارسوا الإرهاب الإداري بكل صوره بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ الوزارات العراقية".
وأضاف، "إنني إذ التزمت الصمت كل هذه المدة حفاظا على عمل الوزارة وعدم حصول الإرباك في تقديم الخدمات الصحية للمواطنين، فقد جاء الوقت المناسب للخروج عن هذا الصمت والحديث عن كل ما جرى في الفترة الماضية إذا بقيت الحياة، وإذا لم تبقَ فكل ذلك مكتوب ومحفوظ عند ناس أُمناء سيقومون بنشره بكل أمانة".
وطلب الحجامي من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني فتح "تحقيق تقوم به لجنة مهنية محايدة للوقوف على الحقائق".
فرعون الصحة
عام 2012، وعندما كان يشغل الحجامي منصب المدير العام لدائرة التخطيط في وزارة الصحة، كشفت مصادر طبية وصحية عن قيامه بالاعتداء لفظياً على عدد من الأطباء الذين كان يتم توزيعهم للإقامة القدمى، ما أثار استياء الأطباء، الذين أنشأوا صفحة على الفيس بوك بعنوان (مَن يحاسب چاسب)، احتجاجاً على ما أسموه ديكتاتورية المدير العام لدائرة التخطيط في وزارة الصحة.
القصة بدأت كما يرويها طبيب كان حاضراً الاجتماع الذي تم في يوم الأربعاء 28 آب من عام 2012، وأطلقوا عليه تسمية الأربعاء المُخجِل، كالآتي: (دخل الحجامي مدير التخطيط الى الغرفة فتوجه نحوه لفيف من أطباء نينوى وبغداد وسواهم من المحافظات، وأمر الجميع بالتوجه الى المقاعد والجلوس. قام بتحذير الواقفين لفظيا بالجلوس بالتأشير تجاههم وأمرهم بالجلوس "اكعد, اكعد, اكعد, أكعد" ثم أشار إلى إحدى الطبيبات طالبا منها الجلوس "اكعدي" فعلقت قائلة: "دكتور, شنكعد هو انتو شفاتحين مقاعد؟".
فإذا به يصيح بأعلى صوته مستخدما أسلوباً يوحي بأنه يتحدث مع طفلة في الخامسة من عمرها: "اسكتي لج, اكعدي يلا اسكتي لتحجين" وأمام جميع من في القاعة، فما كان منها إلا أن قامت للدفاع عن حقها طالبة منه عدم رفع صوته عليها لأنها لا تعمل عنده وإنما هي بنت عائلة وطبيبة حاضرة للتوزيع، وإن كان مديرا فهذا لا يعطيه الحق بالصياح ورفع الصوت لأن لديه ورقة وقلّما يستطيع أن يتصرف فيها أن رأى ما لا يحب وليس أن يصرخ بوجه الناس ويقلل من احترامهم".
فما كان من الطبيبات والأطباء المتواجدين في القاعة بعد أن ساد بينهم الصمت لحظات نتيجة للصدمة بتصرفه، إلا التصفيق لها بحرارة نتيجة لدفاعها عن حقها وتمثيلهم بوجه تقليل الاحترام وأراد الأطباء الاحتجاج والخروج من القاعة لمقابلة الوزير.
فما كان منه إلا أن أمر الأمن بالدخول إلى القاعة لمنع الأطباء والطبيبات من الخروج وأخذ الطبيبة خارج القاعة ونزع الباج ومصادرة الموبايل الخاص بها وأمر المحيطين بمنعها من التصوير ومنعها من التكلم بالهاتف. ثم قامت اثنتان من النساء بـ (محاوطة) الطبيبة ومحاولة جرّها الى الخارج في ظل رفض الطبيبة وتعاطف الأطباء والطبيبات معها.
وقام اثنان من العساكر المسلحين بالتحدث إليها بشكل مباشر وطلبوا منها مغادرة القاعة، وهو يأمرهم "اخذوها, اسحلوها برا" وهو يستمر بالتجاوز عليها والصياح، وتكرار "اسكتي لا تحجين لج كافي يلا اسكتي يلا طلعي برا"، فيما هي تحاول الدفاع عن نفسها والثبات داخل القاعة لتهديدها بعدم التوزيع حيث خاطبها قائلا "انتي ابقي اني اعرف وين اشمرج, توزيعج يمي اني". قام الأمن بالدخول وإجبار الأطباء على الجلوس في أماكنهم حيث قام مدير التخطيط بإخبار الأطباء الذين يرغبون بالتوزيع لهذه المقاعد بالنزول لتسجيل أسمائهم وإلا فإنهم سيتوزعون غيابيا "اني عندي استعداد اوزعكم كلكم غيابي".
كما قام بمخاطبة الأطباء: "انتو رياجيل انتو؟ تقودكم بنية؟" و"انتو مو مال احترام ما اسمحلكم تحجون ويايه لان انتو مو مال احترام"، وعبارات أخرى تقلل من احترام المقابل وتعامله كمخلوق أدنى وكأنّ مَن أصبح مديرا عاما استعبد الناس.
"اسكتوا واكعدوا ما اسمحلكم تحجون اي شي ما اسمح بالاعتراض لان انتو رفضتوا التوزيع فاني راح اوزعكم مثل ما اريد" وغيرها من عبارات الترهيب والتخويف بالتحكم بالمستقبل المهني لشريحة من العراقيين مستقبلها هو أعز ما تملك!
وبعد ذلك جلس الجميع في القاعة فقام بإدخال كاميرات تصوير الوزارة وغيّر لهجته الى أسلوب هادئ وأصبح ينادي على أسماء الأطباء حسب التسلسل ويخبرهم باختيار فرع والكل يعرف نتيجة الرفض: التوزيع الغيابي. قام أيضا بإلقاء خطبة نوه فيها إلى أن من يرفض الخدمة في المحافظات الجنوبية لا يحب العراق وقام بالتشكيك بوطنيته).
هذه خلاصة القصة الدراماتيكية التي حدثت صباح ذلك اليوم في مقر وزارة الصحة التي يقول الأطباء إن د. جاسب يتصرف فيها وكأنه (فرعون)، ويوحي للجميع بأنه فوق طائلة المساءلة كونه ينتمي الى فصيل سياسي معين.
وبحسب ما نُشِر في صفحة (من يحاسب چاسب) على الفيسبوك، فإن مدير التخطيط بوزارة الصحة اتهم الطبيبة هند هاشم بإثارة الشغب، ورفع ضدها قضية طبقاً للمادة 4 إرهاب، إلا أن الطبيبة ردت بشكوى رفعتها الى وزير الصحة، فيما هدد زملاء الطبيبة بالاعتصام. ويقول أطباء إن مدير التخطيط بوزارة الصحة، استخدم صلاحياته وفصل الطبيبة هند هاشم وسحب شهادتها الطبية.
امتثالا لأوامر الصدر
وفي عام 2016، وبعد حريق مستشفى اليرموك، قدم مدير عام دائرة صحة الكرخ، استقالته من منصبه وعرض نفسه على اللجنة المشكلة للتحقيق في حادثة مستشفى اليرموك، فيما أكد أن ذلك جاء امتثالاً لأمر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.
وقال جاسب الحجامي، في بيان إنه "امتثل لأمر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بتقديم استقالته".
وأضاف، إنه "عرض نفسه على اللجنة التحقيقية المشكلة للتحقيق بالحادث الإجرامي الذي أدى إلى وفاة مجموعة من الأطفال الأبرياء".
وكان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر قد دعا مدير عام دائرة صحة الكرخ جاسب الحجامي إلى الاستقالة فوراً وتسليم نفسه للسلطات المختصة للتحقيق في حادثة مستشفى اليرموك.
وكانت وزيرة الصحة آنذاك عديلة حمود قد أعلنت، في 10 آب 2016، إعفاء مدير مستشفى اليرموك من منصبه، وفيما طالبت مجلس محافظة بغداد بعدم التمسك بمدير صحة الكرخ لـ"ضعفه وفشله"، وجهت بتشكيل لجنة للتحقيق في أسباب الحريق الذي اندلع في المستشفى.
المُعيَّن من قبل الإمام المهدي
يذكر مصدر طبي عام 2021، إنه في أحد اجتماعات صحة الكرخ قال مدير الدائرة للمجتمعين، إن "تعييني جاء بقرار من الإمام الحجة مباشرةً ولن يُقيلني سوى الإمام المهدي بنفسه".
تدهور العلاقة مع التيار
في عام 2019، قدّم النائب الصدري جواد الموسوي الى المجلس الأعلى لمكافحة الفساد، 3 ملفات أفاد فيها أنها تخص شبهات فساد مالي وإداري في دائرة صحة بغداد/ الكرخ.
وطالب الموسوي في بيان بالتحقيق مع جاسب الحجامي مدير عام الدائرة وكل من يثبت تقصيره في هذه الملفات.
بعدها بعام، وفي نهاية 2020، نشرت النائب عن التيار الصدري ماجدة التميمي قائمة بأسماء الدوائر التي لم تسلّم حساباتها الختامية منذ سنوات، وأكدت أن دائرة صحة الكرخ من ضمنها، ليردّ عليها الحجامي ببيان مطوّل يوضح حجم الخلاف الذي وصل إليه مع التيار الصدري، جاء فيه: "اطلعتُ يوم أمس على منشور للنائب ماجدة التميمي ادعت فيه أنها (تكشف عن الدوائر الحكومية التي لم تقدم حساباتها الختامية منذ سنوات)، وزعمت النائب أن من ضمن تلك الدوائر هي دائرة صحة الكرخ منذ عام ٢٠١٦".
وأضاف الحجامي: "هنا أود أن أوضح جملة من الأمور:-
1.إن دائرتنا ملتزمة بإرسال ميزان المراجعة والجداول التحليلية الختامية لكل سنة بسنتها وضمن السقوف الزمنية المحددة لذلك وحسب المرفقات المنشورة في هذا التوضيح، وهي بالأعداد ٢٨٠٥٠ و ١٨٠٧٠ و ١٦٩٩٨ و ٢٠٦٩٠ و ١٠٤٩٢ في ٢٠١٦ و ٢٠١٧ و ٢٠١٨ و ٢٠١٩ و ٢٠٢٠ و على التوالي.
2.انصح النائب أن تستبدل مصادرها الذين يزوّدونها بالمعلومات غير الدقيقة منعًا لإدخالها في إحراجات هي في غنى عنها.
3.أنصح النواب الذين بدأوا الدعايات الانتخابية مبكراً أن يزوروا عوائل الثلاثين شهيدًا في دائرتنا وتقديم الدعم المعنوي والمادي لهم فأبناؤهم و آباؤهم قدموا أرواحهم رخيصة من أجل درْء خطر فيروس كورونا عنهم وعن عوائلهم في المنطقة الخضراء وغيرها، ثم زيارة الأربعة آلاف منتسب الذين أصابهم الفايروس وبعضهم نقله لعوائلهم وتوفي بعض أفراد عوائلهم بسببهم.
وتابع مدير عام الدائرة: "كما أنصحهم بالمطالبة بالتخصيصات المالية اللازمة لإكمال المستشفيات والمراكز الصحية المتوقفة وكذلك التي لم يبدأ العمل فيها لحد الآن بسبب عدم توفر التخصيصات المالية اللازمة لذلك، وكذلك المطالبة بصرف المخصصات المنصوص عليها في القوانين والتعليمات للمنتسبين الذين لم تُصرف لهم لغاية اليوم بسبب عدم ورود الموازنة، فما هكذا يُجازى من يضحّي بنفسه وسلامة عائلته من أجلكم".
وختم بالقول: "شتّان بين من يواصل العمل ليلاً و نهارًا معرّضًا سلامته وسلامة عائلته للخطر وبين من ينعم بالراحة والأمان مع عائلته ويجلس خلف (الكيبورد) يسقط هذا وذاك".
وفي عام 2022، ذكرت مصادر أن الهيئة السياسية التابعة للتيار الصدري أعلنت براءتها من جاسب الحجامي، "بالنظر لعدم التزامه بالتوجيهات المركزية للهيئة السياسية وتنسب عدم التعامل معه مستقبلاً"، مضيفة أنه أصبح "لا يمثل التيار الصدري في وزارة الصحة".
وفي أواخر أيام ذلك العام، وجه رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، بتكليف مدير عام صحة بغداد الكرخ السابق، والمنسوب لوزارة الصحة، جاسب الحجامي، إلى منصب مدير عام دائرة صحة بغداد الرصافة.
وبحسب وثيقة، صادرة بتاريخ 13 كانون الأول الماضي 2022، "وجه رئيس مجلس الوزراء بتدوير الطبيب جاسب لطيف علي الحجامي، من مدير عام دائرة صحة بغداد الكرخ إلى مدير عام دائرة صحة بغداد الرصافة استنادا للصلاحيات المخولة له بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 71 لسنة 2011".
وبقي الحجامي في منصبه مديرا عاما لدائرة الرصافة لمدة تزيد عن الـ8 أشهر حتى صدر القرار الأخير لوزير الصحة بنقله إلى وزارة البيئة استنادا إلى كتاب من الأمانة العامة لمجلس الوزراء.