تعيينات مقابل المشاركة في الاقتراع.. ماذا تعرف عن مشروع قانون الحوافز الانتخابية؟
انفوبلس/ تقارير
تعيينات، وأولوية في الضمان الاجتماعي، وخدمة ستة أشهر للموظفين، كلها مقابل التصويت في الانتخابات، هذا ما طُرح مؤخراً في قانون "الحوافز الانتخابية" الذي يسعى إلى توسيع قاعدة المشاركة في الاقتراع.. فعلى ماذا نص أيضا؟ وهل سينجح؟ إليك أبرز الامتيازات التي تضمنها والمواقف الشعبية والسياسية منه.
الحوافز الانتخابية.. الهدف والموجبات
قبل أيام، قدم النائب عامر عبد الجبار مقترح قانون الحوافز الانتخابية موقَّعاً من عشرة نواب، إلى رئيس البرلمان، الذي وافق بدوره على المقترح وأحاله إلى اللجنة القانونية.
وقال عبد الجبار، في تصريح صحافي تابعته شبكة انفوبلس، إن "موجبات القانون هو تراجع نسب المشاركة في الانتخابات الماضية"، مبيناً أن "النسبة تدنّت إلى 20 بالمائة وأقل في الانتخابات الماضية، وأن القانون يضمن نسبة مشاركة تضمن عملية ديموقراطية فعالة عن طريق الحوافز والامتيازات التي تضمنها القانون".
وأضاف، أن "تشريع القانون سيضمن نسبة مشاركة تزيد عن 60 إلى 70 بالمائة"، داعياً إلى "دعم تشريعه". كما قال عبد الجبار في تصريحات أخرى، إن "المشاركة الحقيقية في الانتخابات العراقية لا تتجاوز 20%، إذ إن 15% منها تمثل جمهور الأحزاب التقليدية، و5% تذهب للمستقلين، بينما تمثل النسبة المتبقية ما يتم تسجيله من عمليات تزوير، ما يعني أن 80% من العراقيين يقاطعون الانتخابات، وهذه النسبة تتألف غالباً من شريحة واعية ومثقفة، لكنها تعاني من إحباط شديد يدفعها لعدم المشاركة".
وأوضح، أن "العراق بحاجة إلى تغيير جذري في العملية السياسية، لكن هذا التغيير يجب أن يتم بعيداً عن العنف، ولتحقيق ذلك، يجب تحفيز نسبة الـ80% المقاطعة للمشاركة في الانتخابات، لكن ما يمنعهم هو الشعور بعدم جدوى المشاركة الفردية"، مشيرًا إلى أن "الحل يكمن في إحداث صدمة إيجابية وحقيقية تدفع هذه الشريحة إلى التحرك وإعادة الثقة في العملية الديمقراطية". الامتيازات يسعى القانون إلى منح الناخبين المشاركين في الاقتراع امتيازات مالية ومعنوية، في محاولة لتحفيز المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقررة أواخر عام 2025، وفق ما جاء في نص المقترح.
ويشمل المقترح، منح الموظفين من المدنيين والعسكريين المشاركين في التصويت، كتاب شكر مع احتساب خدمة إضافية لمدة ستة أشهر، أما المواطنون الذين يشاركون في الانتخابات ويدلون بأصواتهم فستُمنح لهم الأولوية في التعيين ضمن الوظائف الحكومية.
كما يشمل منح كل مُصوّت من المشمولين بالالتزامات الضريبية من العاملين في القطاع الخاص بمختلف القطاعات إعفاءً ضريبياً يصل إلى مليون دينار عراقي للمشاركين في التصويت مما يخفف العبء المالي عليهم.
وبالنسبة للمواطنين المشمولين بدفعات الضمان الاجتماعي المقدمة من وزارة العمل، فسيتم منحهم أولوية في إنجاز معاملاتهم الرسمية في الوزارة.
ولتسهيل تنفيذ هذا القانون، تعدّ المفوضية قوائم إلكترونية بجميع الناخبين الذين شاركوا في التصويت تُرسل نسخ منها إلى مجلس الوزراء للتحقق ومتابعة تطبيق الحوافز من قبل الجهات المختصة، ونسخة أخرى إلى مجلس النواب لضمان المتابعة والإشراف.
هل يحظى بتأييد الإطار؟
لم تعلن القوى السياسية الكبيرة، ومنها قوى "الإطار التنسيقي" وغيرها موقفاً واضحاً إزاء المقترح، إلا أنها تؤيده وستصوت له، بحسب ما أكده عضو في اللجنة القانونية في البرلمان العراقي.
وقال العضو مشترطاً عدم ذكر اسمه، إن "اللجنة القانونية تسلمت المقترح وستعمل على دراسته، ليتم طرحه على التصويت"، مبيناً أنه "من الواضح أن المقترح يحظى بتأييد قوى الإطار، إذ إن معظم النواب عن تلك القوى في اللجنة القانونية لم يبدوا اعتراضات على فقرات القانون".
وأكد أن "عدم الاعتراض على الفقرات تأتي لكونها فرصة مهمة جيدة لضمان مشاركة واسعة في الانتخابات وتبديد المخاوف من تدني نسبتها"، مضيفاً أن "تأييد قوى الإطار وقوى كبيرة أخرى للمقترح يجعل من فرص تشريعه كبيرة في الفترة المقبلة".
تباين في المواقف السياسية والشعبية
أثار مقترح القانون الجديد تباينًا واسعًا في الآراء، حيث اعتبره بعض النواب خطوة إيجابية لتحفيز الموظفين والمواطنين على المشاركة في الانتخابات، مشيرين إلى أنه قد يسهم في تغيير طبيعة النتائج المقبلة، إذ ستشهد مشاركة فئات غير مرتبطة بالأحزاب السياسية.
في المقابل، واجه المقترح انتقادات حادة من قبل المراقبين، الذين رأوا أن تخصيص امتيازات للمصوّتين يتعارض مع مبدأ المساواة بين المواطنين، ويقوض الأسس الديمقراطية القائمة على حرية القرار والمشاركة الطوعية، وسط تحذيرات من أعباء مالية التي قد تنجم عن هذه الامتيازات.
بدوره، يرى الباحث في الشأن السياسي محمد التميمي، أن "اللجوء إلى مثل هذه الخيارات يعكس بشكل واضح فشل الأداء الحكومي في كسب ثقة المواطن، حيث إن الإخفاق في تحسين الخدمات العامة وتحقيق إنعاش اقتصادي ملموس أدى إلى تفاقم الإحباط الشعبي".
وأضاف التميمي، أن "العزوف عن الانتخابات لا يمكن معالجته من خلال تقديم حوافز مالية أو معنوية، بل يتطلب معالجة جذرية للأسباب التي دفعت المواطنين لفقدان الثقة بالعملية السياسية برمتها، والتي تتمثل في انتشار الفساد، وضعف الإدارة الحكومية، وتردي مستوى الخدمات الأساسية التي تمس حياة المواطن اليومية".
وأشار إلى أن "تقديم الامتيازات للمصوّتين قد يبدو حلاً قصير المدى لتحسين نسب المشاركة، لكنه لا يعالج الأزمة الحقيقية، بل ربما يزيد من تعميق الفجوة بين الطبقة السياسية والمواطنين، الذين يرون في هذه الخطوة محاولة لشراء أصواتهم بدلًا من السعي الجاد لتلبية مطالبهم وتحقيق الإصلاحات الضرورية".
وبحسب مراقبين، فإن هذا الجدل يعكس أزمة أعمق في العراق تتعلق بفقدان الثقة في النظام السياسي. ففي حين تسعى القوى السياسية إلى تعزيز المشاركة عبر حوافز مادية ومعنوية، يرى البعض أن الخطوة تُظهر عجز النظام عن تقديم حلول جوهرية تُعيد بناء ثقة المواطن وتُحسّن واقع الحياة اليومية، ما يجعل هذه الإجراءات أقرب إلى “مسكنات سياسية” قد تفاقم المشكلة بدلاً من حلها.
هل ينجح مقترح القانون؟
رغم الانتقادات، تشير المؤشرات إلى إمكانية تمرير القانون بدعم قوى سياسية نافذة، حيث تُظهر مداولات اللجنة القانونية في البرلمان غياب الاعتراضات الجوهرية على نصوص المقترح، ومع ذلك، يبرز تساؤل حول قدرة هذه الحوافز على تحقيق الهدف المنشود، وسط حالة عامة من انعدام الثقة بين المواطنين والطبقة السياسية.
وشهد العراق تراجعًا كبيرًا في نسب المشاركة الانتخابية خلال السنوات الأخيرة، حيث بلغت نسبة المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات التي جرت نهاية عام 2023 حوالي 41%، بينما سجلت الانتخابات البرلمانية لعام 2021 نسبة إقبال بلغت 44% فقط.
وتصاعد مؤشر التراجع في الانتخابات البرلمانية العراقية لعام 2018 حيث بلغ حينها 44.5%، ما يعكس تراجعًا ملحوظًا مقارنة بالدورات السابقة، فعلى سبيل المثال وصلت نسبة المشاركة إلى حوالي 80% في انتخابات عام 2005، قبل أن تنخفض تدريجيًا إلى ما يقارب 60% في عامي 2010 و2014.
بدوره، أكد عضو حزب الوعد العراقي، كريم نبهان، أن "معالجة تراجع نسب المشاركة في الانتخابات يجب أن تبدأ بتطوير النظام السياسي بما يضمن تمثيلًا حقيقيًا لمطالب المواطنين، بدلًا من التركيز على حلول مؤقتة قد لا تحقق الأهداف المرجوة".
وأضاف نبهان، أن "إعادة الثقة بالعملية الانتخابية تتطلب إعادة النظر في أسس الترشيح والانتخاب، من خلال تقليل تأثير الأحزاب الكبيرة وتوسيع فرص المستقلين والشباب لتقديم رؤى جديدة وقادرة على تلبية رغبات الشعب".
وأشار إلى أن "تقديم الحوافز المالية أو الامتيازات لا يمكن أن يعالج الإحباط الشعبي، بل المطلوب هو ضمانات فعلية للنزاهة والشفافية وإطلاق حوار مجتمعي واسع لإشراك الجميع في صياغة مستقبل البلاد السياسي".
ويرى مراقبون ومختصون، أن حالة الإحباط التي تسود الأوساط الشعبية إثر تفشي الفساد المالي والإداري والمحسوبية أدت إلى تآكل الثقة بين المواطن والمؤسسات السياسية، حيث لم تقتصر هذه الظواهر على تعميق مشاعر الخيبة، بل ساهمت في تعزيز حالة الاغتراب السياسي لدى المواطنين، الذين باتوا يرون في العملية الانتخابية أداة لا تعكس تطلعاتهم ولا تلبي احتياجاتهم.