توصية حكومية بفسخ عقد إطعام الجيش العراقي في وزارة الدفاع.. هل يسكت ساسة السُنة عن ذلك؟
انفوبلس/ تقرير
أوصى مكتب رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، باتخاذ الإجراءات القانونية لإنهاء وفسخ عقد إطعام الجيش العراقي في وزارة الدفاع لكونه مخالف للقوانين والتعليمات النافذة، وذلك حسبما أعلن عضو لجنة النزاهة النيابية النائب هادي السلامي اليوم الخميس 22 حزيران/ يونيو 2023 في تغريدة عبر منصة تويتر.
وقال السلامي في التغريدة، إنه "بعد متابعة لمدة سنة ونصف فإن مكتب رئيس الوزراء يوصي بفسخ عقد إطعام الجيش ونقل الفريق الحقوقي (ع ل ي) (ش د ة) إلى إمرة دائرة الإدارة". مبينا، "نحن ننتظر قرار المحكمة المختصة بخصوص شبهات الفساد".
وبحسب السلامي فإن توصيات اللجنة المشكَّلة من قبل مكتب السوداني وجهت بفسخ عقد إطعام الجيش العراقي في وزارة الدفاع وجاءت كالآتي:
-الإيعاز إلى وزارة الدفاع باتخاذ الإجراءات التالية:
*اتخاذ الإجراءات القانونية لإنهاء العقد لكونه مخالف للقوانين والتعليمات النافذة وألحقَ ضرراً بأفراد المؤسسة العسكرية، على أن يكون وفق بنود العقد والقوانين والتعليمات النافذة شريطة أن لا يترتب على ذلك ضرر بالمال العام من حيث طلب تعويض أو أي مطالبات قضائية أخرى.
*وضع آلية مدروسة بتجهيز الأرزاق لمنتسبي الجيش العراقي من قبل الوزارة تمهيداً لعرضها على مجلس الوزراء لاتخاذ ما يراه مناسباً.
كما وفي وقت سابق، بيّن السلامي في لقاء متلفز أن "أغلب عقود الطعام في الداخلية والدفاع لا تصلح للاستهلاك البشري"، مشيرا الى أن "أغلب أفراد الجيش والشرطة يرفضون الطعام المقدَّم إليهم من قبل قطعاتهم".
26 مليار دينار شهرياً مقابل طعام "غير صالح للاستهلاك" في وزارة الدفاع
فيما أوضح عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية ياسر وتوت، في شهر نيسان الماضي، أن "متعهد وزارة الدفاع يستلم 26 مليار دينار شهرياً من الوزارة مقابل تجهيزها بالأرزاق"، لافتا الى أن "على وزارة الدفاع مراجعة عقود إطعام الوزارة ومحاسبة المتسببين بتوصيل طعام غير صالح للاستهلاك الى الوحدات العسكرية".
ويقول مصدر مسؤول في وزارة الدفاع العراقية، إن "الكثير من الشكاوى تصل إلى الوزارة بشأن وجبات الطعام التي تُقدَّم للجنود في مختلف القواطع من حيث النوعية وحتى الكمية مقاربة بالمبالغ المالية التي تُستقطع منهم بشكل شهري من الرواتب".
ويضيف المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن "غالبية جنود الجيش العراقي يعتمدون على الطعام من خلال شرائه من المطاعم القريبة منهم أو من خلال الطبخ في ما بينهم، فلا يوجد اعتماد حقيقي على الطعام المقدَّم لهم على شكل وجبات، بسبب نوعية الطعام المقدّم والكمية، بل حتى هناك تأخير في تقديم الطعام لهم في بعض قواطع العمليات".
وهذه هي ليست المرّة الأولى التي يُثار فيها هذا الملف حيث فجّر وزير الدفاع الأسبق خالد العبيدي "الفضيحة" عام 2016. وكذلك الشكاوى عن نوعية الطعام التي باتت تقدم لهم التي ظهرت عام 2020، بالإضافة إلى الفضيحة التي كُشِفت في 2015 وفتح الملف في مناسبات عديدة.
وبحسب نظام المحاصصة في الدولة العراقية، فإن وزارة الدفاع من حصة المكون السُني، وتخضع دائما لتدخل قادة الكتل والأحزاب السُنية، وكان وزير الدفاع الأسبق خالد العبيدي، وخلال جلسة استجوابه في مجلس النواب في عام 2016، كشف عن أكبر صفقة فساد في ملف إطعام الجيش والآليات العسكرية، واتهم فيها رئيس البرلمان آنذاك سليم الجبوري والنائب محمد الكربولي.
وقال العبيدي خلال جلسة استجوابه: إنه "خلال لقاء حضرتُهُ في منزل الجبوري وبعد حديث عن المستقبل السياسي معه، قال أحد الحضور، وهو تاجر، أعطنا عقد إطعام الجيش وأَعلِنْهُ مناقصةً، وبعد ذلك اِفعلْ ما شئتَ في الوزارة، وصمام الأمان هو رئيس مجلس النواب". وتصل قيمة عقد تجهيز طعام الجيش إلى ترليون و300 مليار دينار (أكثر من مليار دولار)، وفقاً للعبيدي.
كما وفي عام 2022، وبعد تغيير نظامه من داخل "الوحدات" الى "المركزي" ما أدى الى وصول وجبات طعام "سيئة" الى الجنود، ظهرت شكاوى عديدة انتشرت بعضها في مواقع التواصل الاجتماعي.
ورصدت "انفوبلس" تلك الشكاوى عن نوعية الطعام التي باتت تُقدّم لهم، وهي عبارة عن 3 قطع من البرغر السيئ، حيث يظهر خفيفا وجافا بالإضافة الى قطعة خبز (صمونة) واحدة فقط.
وبحسب مصادر مطلعة من عام 2020، بينت أن "نظام إطعام الجنود، تحول الى المركزي (المذاخر)، وبات في عهدة شركة تجهز الطعام وتغلّفه ويصل الى الجنود، مع استقطاع 110 آلاف دينار (نحو 90 دولارا) من كل جندي".
الجنود كشفوا من خلال منشوراتهم عن صفقة فساد كبيرة خلال تولي جمعة عناد منصب وزير الدفاع، فقد بينوا أن "أحد شروط توليه الوزارة هو تحويل إطعام الجيش الى نظام المذاخر، لأجل تحقيق مكاسب مالية عبر هذه الصفقة".
يشار الى أن إطعام الجيش كان يتم عبر الاكتفاء الذاتي (قبل 2020)، ما يوفر وجبات طعام بنوعية جيدة للجندي، وبالمستوى المطلوب، على عكس ما يقدم الآن من وجبات "لا تصلح للأكل".
كما أنه في نفس السنة (2020) وكان عضو مجلس النواب علي الصجري قد فجّر "فضيحة" من العيار الثقيل تخص رئيس المجلس محمد الحلبوسي، مشيرا إلى أنه أبرم عقداً لصالح شركة وهمية تابعة يتعلق بإطعام الجيش العراقي بقيمة خمس مليارات دولار.
وقال الصجري في تغريدة على موقعه بتويتر آنذاك، "إلى الأخ الكاظمي في ظل أزمة صرف الرواتب وبدلا عن الاقتراض عليك بمحاربة الفساد وذلك بإلغائك لعقد أبرمه وزير التجارة التابع لمحمد الحلبوسي مع وزارة الدفاع يخص إطعام الجيش العراقي بقيمة خمس مليارات دولار بواسطة شركة وهمية تابعة للحجي السارق محمد الحلبوسي".
فيما كشفت مصادر أمنية عراقية عام 2015، عن اعتقال الشرطة متعاقداً كان يعمل مع وزارة الدفاع قام بتزويد لحوم الحمير لمعسكرات الجيش العراقي ومقاتلي الحشد الشعبي لمدة 6 أشهر، على أساس أنها لحوم أبقار هندية وأسترالية مستوردة.
وفي سياق متصل، أكد الخبير العسكري عباس الجبوري، أن ملف إطعام الجيش يحمل في طياته فسادا مبطنا وغير معلن، لافتا الى أن دائرة الميرة تستقطع 125 ألف دينار من كل منتسب كأرزاق لكل شهر، في حين أن إجازة المنتسب قد تصل أحيانا إلى 14 يوما في الشهر.
وقال الجبوري، إن "المنتسب في الجيش يُستقطع من راتبه مبلغ 125 ألف دينار لغرض الطعام في حين أن المنتسب يُمنح عطلة لمدة 14 يوماً في الشهر، وهو ما يمنح المسؤول مبلغ 62 ألفا من كل منتسب أو ضابط". وأضاف، إن "هناك فسادا مبطنا في ملف إطعام الجيش، حيث لا يحصل المنتسب على طعام لمدة 30 يوما بسبب عطلته، في حين يُستقطع منه مبلغ ثابت كل شهر".
وبيّن، إن "مذاخر الطعام ودائرة الميرة تستقطع من راتب الجندي مبلغ 125 ألف دينار كل شهر، باستثناء أصحاب النزول اليومي". ولفت إلى أن "هناك تسابقا وتنافسا على شراء المناصب العسكرية لما لها من مردود مادي لآمر اللواء أو الفرقة أو الفوج، أو تكون المردودات لدائرة الميرة التي تستقطع من كل جندي 125 ألف كمبالغ أرزاق وتعمل على تسديدها للمتعهدين".
وبحسب تحقيق نشرته صحيفة عراقية، فإن "وزارة الدفاع شهدت تغييرات كثيرة على مستوى القادة العسكريين منذ بداية العام الجاري، جميعها نُفِّذت على أساس تقاسم الحصص بين الكتل السياسية، حيث تم تغيير مناصب القادة، وليست إحالتهم للإمرة أو التقاعد كما هو معروف في القانون العسكري".
وأشار التحقيق إلى أسماء الضباط الذين جرت عملية نقلهم ونشرهم وفق آلية التقاسم الحزبي للمناصب الأمنية والعسكرية. وذكرت الصحيفة أن نحو 8 قادة نُقلوا من مهمة إلى أخرى، رغم أن بعضهم من غير تخصصات.
ولا يخفي عدد من السياسيين وأعضاء الأحزاب العراقية، سيطرة الأحزاب على الأجهزة الأمنية والمحاصصة في المؤسسة العسكرية، إلا أنهم يجدونها حالة من "التوازن" في تعداد القوات المسلحة.
ويقصد بمصطلح "التوازن"، المتداول داخل الوسط السياسي في العراق، ما يرتبط بالمكونات الرئيسية في البلاد، إضافة إلى بقية الأقليات الدينية والقومية. وبرغم أن هذا التصنيف لا ينسجم مع الدستور العراقي، إلا أنه ظل لغةً سياسيةً سائدة في البلاد.