جاسم محمد عبود.. كيف صعق الطبقة السياسية بأكملها؟
انفوبلس/..
في العراق تتنوع البيئة السياسية وتقود مقاليدها عدّة جهات، كل جهة تريد مصالحها، وتسعى لتحقيق هذه المسألة، حتى اتخذت تلك الجهات من المحكمة الاتحادية العليا باباً للفصل في شتّى القضايا، فكانت قرارات هذه المحكمة برئاسة جاسم محمد عبود، خير حاكم، بل إنها صعقت الطبقة السياسية في أكثر من مناسبة.
*من هو جاسم محمد عبود؟
هو قاضٍ عراقي من مواليد 1964، تدرّج في عدّة محاكم عراقية حتى عُيّن رئيساً للمحكمة الاتحادية العليا بعد تصويت مجلس النواب العراقي يوم 15 آذار سنة 2021.
كان مدرساً في المعهد القضائي في بغداد من سنة 1999 إلى سنة 2001، ثم عُيّن قاضياً في محافظة كركوك سنة 2001، ليكون بعدها قاضيا في المحاكم المدنية والمحاكم الجنائية من سنة 2001 إلى سنة 2012.
كُلِّف جاسم محمد عبود بمهام رئاسة محكمة استئناف ديالى الاتحادية سنة 2012. بعدها كُلِّف بمهام رئاسة محكمة استئناف بغداد/ الرصافة الاتحادية سنة 2015. أعقب ذلك تكليفه بمهام رئاسة هيئة الإشراف القضائي سنة 2017، إلى أن أصبح رئيساً للمحكمة الاتحادية العليا في البلاد.
*تطبيق القانون
وضع هذا الرجل مسألة تطبيق القانون في مقدمة أولوياته، لكن لم ينصفه الإعلام في الكثير من الأحيان، فأغلب الجهات التي أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارات لم تصبّ في مصلحتها عمدت نحو توجيه سهام الخُبث نحوه ونحو هذه المحكمة.
*الجلسة الأولى
منذ أول جلسة عُقِدت للبرلمان بدورتها الخامسة، نشبت عدّة صراعات بين الكتل الفائزة، ما دفع أعضاء بعض الكتل السياسية إلى رفض الإجراءات التي دارت في تلك الجلسة، مشكّكين بشرعيتها. ففي 13 كانون الثاني 2022، قررت المحكمة الاتحادية إيقاف عمل هيئة رئاسة مجلس النواب بشكل مؤقت، حيث جاء القرار بعد دعوتين مقدَّمتين من قبل النائب المستقل باسم خشان، والنائب محمود المشهداني، بشأن ما شاب الجلسة الأولى من مخالفات دستورية، وللنظام الداخلي للمجلس، وعليه صدر الأمر الولائي من المحكمة الاتحادية العليا بإيقاف الإجراءات كافة التي اتخذها ويتخذها مجلس النواب ورئيس المجلس ونائبيه.
بعد 12 يوماً من ذلك القرار، حسمت الاتحادية الجدل، وقررت في 25 كانون الثاني 2022، ردّ دعوى الطعن بدستورية الجلسة الأولى.
*ردّ "الكتلة الأكبر"
لم تسِر الأمور على ما يرام، عقب حسم مسألة دستورية الجلسة الأولى، حتى ظهر خلاف جديد يتمثل بالكتلة الأكبر، فخلال تلك الجلسة تقدّم كل من الإطار التنسيقي والكتلة الصدرية، بطلب إلى رئاسة البرلمان باعتباره "الكتلة البرلمانية الأكبر" التي ستُكلّف بتشكيل الحكومة.
تحرّك الإطار التنسيقي عبر النائبين عالية نصيف وعطوان العطواني، صوب المحكمة الاتحادية لحسم ملف الكتلة الأكبر، وأصدرت نصيف، آنذاك، توضيحاً بشأن الدعاوى التي رفعتها أمام المحكمة الاتحادية.
وقالت في بيان، إن "الضليع بالقانون والمتتبع للأحداث السياسية يجد أن هذه الدعاوى سواء المتعلقة بالكتلة الأكبر أو غيرها هي من أهم الدعاوى التي يمكن أن تُقام أمام المحكمة الاتحادية، على سبيل المثال أن الدستور في المادة 54 لم يحدِّد صلاحيات رئيس السن وذكر فقط انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه، في حين أن الكثير من الأمور حدثت في ظل الصلاحيات التي يمتع بها رئيس السن خلال الدورات النيابية الماضية، وبالتالي فإن هذه القرارات تقنِّن السِّنَن التي سار عليها مجلس النواب".
وأكدت نصيف، أن "الهدف من هذه الدعاوى هو جعل المحكمة الاتحادية توضح وتفسّر المواد التي لم يوضحها الدستور، وهذا الأمر يخدم الجميع ويحقق المصلحة الوطنية".
وفي 3 شباط من ذلك العام، قررت المحكمة الاتحادية رد دعوى الإطار بشأن الكتلة الأكبر.
*عدم دستورية النفط والغاز
في منتصف شباط من عام 2022، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا، حكماً يقضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان، الصادر عام 2007، وإلغائه لمخالفته أحكام مواد دستورية، فضلاً عن إلزام الإقليم بتسليم الإنتاج النفطي إلى الحكومة الاتحادية.
وقال بيان المحكمة، المنشور على موقعها الإلكتروني، إن القرار شمل إلزام حكومة الإقليم بتسليم "كامل إنتاج النفط من الحقول النفطية في الإقليم والمناطق الأخرى، التي كانت وزارة الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كردستان تستخرج النفط منها، وتسليمها إلى الحكومة الاتحادية والمتمثلة بوزارة النفط العراقية، وتمكينها من استخدام صلاحياتها الدستورية بخصوص استكشاف النفط واستخراجه وتصديره".
ويعتبر ملف النفط أحد أبرز الملفات العالقة بين بغداد وأربيل، وكان إقليم كردستان قد بدأ في بيع النفط بمعزل عن الحكومة الاتحادية، بعد أزمة مالية خانقة نتيجة انهيار أسعار النفط خلال اجتياح "داعش" لمناطق في العراق، فضلاً عن الخلافات مع بغداد التي دفعت الأخيرة إلى إيقاف صرف رواتب موظفي الإقليم.
*ترشيح ريبر
ردّت المحكمة الاتحادية العليا في 24 آذار 2022، دعوى مقدَّمة من النائب عن الإطار التنسيقي عالية نصيف ضد ترشيح ريبر أحمد لاستلام منصب رئيس الجمهورية العراقية، ذلك بعد أن أعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني والكتلة الصدرية وائتلاف السيادة، تشكيل تحالف "إنقاذ الوطن النيابي"، فيما قدّموا "ريبر أحمد" مرشحاً لمنصب رئيس الجمهورية و"جعفر الصدر" لرئاسة الوزراء. في النهاية لم يفُز أي منهما بالمناصب المذكورة.
*رد الدعم الطارئ
منتصف أيلول 2022، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا حكماً بإلغاء قانون الأمن الغذائي الذي أرسله مجلس الوزراء إلى مجلس النواب بعد دعوى تقدّم بها النائب باسم خشان.
*رفض طلب صدري
ردّت الاتحادية في أيلول من العام الماضي، دعوى حل مجلس النواب التي تقدّم بها التيار الصدري. قائلة، إن حلّ المجلس ليس من اختصاصاتها المحدَّدة في الدستور وقانون المحكمة، وإن قرار الحل يُفرض في حال عدم قيام المجلس بواجباته.
وأضافت المحكمة أن دستور عام 2005 رسم الآلية الدستورية لحل مجلس النواب، وأوضحت أن الدستور لم يغفل عن تنظيم أحكام حل مجلس النواب ولا مجال لتطبيق نظرية الإغفال الدستوري.
وشدّدت المحكمة أنه لا يجوز لأي سلطة الاستمرار في تجاوز المُدد الدستورية إلى ما لا نهاية، لافتة إلى أن استقرار العملية السياسية يفرض على الجميع الالتزام بأحكام الدستور.
*تحويل الأموال لكردستان
أرسلت حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي عدّة دفعات مالية بصورة شهرية إلى إقليم كردستان خلال عامي 2021 و2022، وذلك بغية دفع حكومة الإقليم رواتب موظفيها، على أن يتم اقتطاعها لاحقاً من أموال الموازنة المالية العامة للدولة العراقية.
واتساقاً مع حكومة الكاظمي، أعلن رئيس الوزراء الجديد محمد شياع السوداني في ديسمبر/ كانون الأول الماضي إرسال دفعة جديدة بقيمة 400 مليار دينار لحكومة الإقليم.
لكن، في كانون الثاني الجاري، قضت المحكمة الاتحادية العليا، بإلغاء كل قرارات مجلس الوزراء الخاصة بتحويل الأموال لإقليم كردستان، باعتبارها "مخالفة للقانون ولمواد الدستور".
*الإنصاف
بتلك القرارات، لم تقف المحكمة الاتحادية العليا ورئيسها مع جهة دون ثانية، بل أنصفت الجميع وفق الدستور والقانون، وأنقذت البلاد من مخالفات جمّة، وحفظت هيبة الدستور، وأسهمت بالحفاظ على المال العام، وتصدّت لمحاولات أرادت النيل من العملية السياسية في العراق.