جميع الأطراف مُصرّة على موقفها.. سلسلة من الجدل والتدخلات الخارجية تُفشل عقد جلسة البرلمان وتؤجل تعديل قانون الأحوال الشخصية
انفوبلس..
اضطر مجلس النواب، يوم أمس الثلاثاء، بعد فشله بعقد الجلسة إلى تأجيلها لأجل غير مسمى وذلك بسبب خلافات كبيرة بين النواب بعد إدراج رئاسة المجلس فقرة القراءة الثانية لمشروع قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، وذلك بعد 4 ساعات ونصف من الجدالات الداخلية بين أعضاء البرلمان. فهل الجبهة الرافضة لتعديل القانون قوية كفاية لإفشال النصاب؟ ومن هم النواب المعترضون؟ وما طبيعة التدخلات الخارجية بهذا الشأن؟
وتسببت الخلافات على بعض فقرات جدول الأعمال بين النواب وخاصة قانون الأحوال الشخصية إلى تصاعد لغة الخلافات السياسية داخل البيت التشريعي من جديد مما أدى لتأجيل جلسة مجلس النواب الى إشعار آخر، بعد فقدان النصاب.
وبشكل عام، فإن خريطة القبول والرفض النيابي لتعديل القانون غير واضحة المعالم بشكل قطعي، ولكن عموماً فإن تعديل القانون يحظى بقبول شيعي متمثل بقوى الإطار التنسيقي في مجلس النواب فيما يجابه برفض من قبل قوى كردية كالحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الجيل الجديد، وكذلك مرفوض من قبل قوى سنية كحزب تقدم، فضلا عن الجبهة "المدنية" في البرلمان العراقي، أما بقية القوى فموقفها ضبابي تجاه التعديل ويرجح مراقبون بأنهم بانتظار تحديد الجبهة المنتصرة والانضمام إليها.
أحد أوجه الرفض
ورداً على مضي مجلس النواب، باستكمال قراءة وتمرير قانون الأحوال الشخصية، هاجمت النائبة سروة عبد الواحد، هذا الإصرار على القراءة الثانية.
وقالت عبد الواحد، في تدوينة عبر “إكس”، تابعتها “انفوبلس”: “ماذا يعني الإصرار على القراءة الثانية لتعديل قانون الأحوال الشخصية وسط الاعتراضات الكثيرة؟! ولماذا تحاول بعض أحزاب السلطة تقزيم دور مجلس الشعب ليكون مجلساً لتمرير إرادات حزبية معينة بغض النظر عن النتائج؟!”.
وأضافت: “البرلمان سيكون بعد تشريع هذا التعديل مكاناً لإبادة المجتمع، وسيكره المجتمع هذا البرلمان أكثر فأكثر”.
وتابعت عبد الواحد: “لم نطلب الكثير سوى معرفة المدونات قبل القراءة الثانية، ولسنا ضد التعديل كمفهوم بقدر ما نرى ضرورة أن تنسجم البنود الأساسية للمدونات مع واقع الأسر العراقية”.
مواقف داعمة
ويوم أمس الثلاثاء، عقد العديد من أعضاء مجلس النواب مؤتمراً صحفيا أكدوا فيه أن تعديل قانون الأحوال الشخصية ينسجم مع الدستور.
وذكر بيان تمت قراءته في المؤتمر، أن "مقترح قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل، هو خيار غالبية واضحة لممثلي الشعب في مجلس النواب، وهو يمثل استجابة لمطلب شعبي يمثل ايضاً غالبية شعبية".
وأضاف، أنه "ينسجم مع احكام الدستور العراقي التي أقرت المادة (2) (أولاً) منه، عدم جواز سَن القوانين التي تتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام ومبادئ الديمقراطية)، وكذلك يأتي تشريع هذا القانون تنفيذاً لحكم دستوري آخر ورد في المادة (41) من الدستور الذي نص على: العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية وحسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وينظم ذلك بقانون وهو حكم ملزم شرعاً واخلاقاً، فضلاً عن كونه ملزم لأعضاء مجلس النواب في أداء دورهم التمثيلي وهو ايضاً بات وملزم للشعب والسلطات العراقية".
وشدد النواب في بيانهم: "نؤكد أن مسودة مشروع القانون قد ضمنت لجميع العراقيين بمختلف دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم اختيار الاحكام القانونية المنظمة لأحوالهم الشخصية من خلال منحها المواطن العراقي الخيار في تنظيم أحواله الشخصية وفق القانون الحالي أو اختيار إحدى المدونتين الملحقتين بمقترح تعديل القانون، وهذا من أكبر المصاديق التطبيقية لروح الديمقراطية ومبادئها".
وأكد النواب: "من هنا نؤكد على أهمية المضي بالإجراءات التشريعية للقانون والتزام أعضاء المجلس بثوابت الدين الإسلامي والقيم النبيلة للشعب العراقي ومبادئ الديمقراطية، بما يضمن الوفاء للشعب العراقي بكل مكوناته وأطيافه، كما أنه يضمن للقضاء التطبيق الدستوري السليم للأحكام القانونية في مسائل الأحوال الشخصية للمواطن العراقي دون التعارض مع أحكام الدين الإسلامي".
وفي يوم الاثنين الماضي، كشف الإطار التنسيقي، حقيقة وجود ضغوطات خارجية من دول مختلفة لمنع مجلس النواب من تعديل قانون الاحوال الشخصية.
وقال النائب عن الإطار مختار الموسوي، إن "الأنباء التي تحدثت عن وجود ضغوطات خارجية لمنع مجلس النواب العراقي من تعديل قانون الاحوال الشخصية، غير صحيحة ولا توجد أي من تلك الضغوطات".
وبين الموسوي، إنه "حتى لو كانت هناك ضغوطات امريكية أو خارجية من أطراف مختلفة، فهي لن تستطيع منع مجلس النواب من هذا التعديل وأغلبية النواب في البرلمان من المكون الشيعي هم داعمون لهذا التعديل"، مشددا على أن "هذا التعديل سيمرر بهذه الاغلبية حتى لو قاطعت القوى السياسية السنية أو الكردية جلسة التصويت".
وتشهد الأوساط العراقية منذ مدة، تصاعدا في النقاشات وطرحا للآراء والأفكار الدينية والمدنية على حد سواء، فيما يخص تعديل القانون 188 للعام 1959 للأحوال الشخصية العراقي، والذي أظهر بما لا يقبل الشك انقسام البلاد الى خطين لا ثالث لهما "ديني ومدني".
وفي صباح اليوم الأربعاء، كشف القيادي في الإطار التنسيقي عصام الكريطي، عن حقيقة تدخل المرجعية في تعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق، فيما أكد أن التعديل سيمرر بتوافق أو بدونه.
وقال الكريطي، إن "تعديل قانون الأحوال الشخصية تحول الى صراع سياسي وبعض القوى استخدمته كورقة للمساومة والضغط لطرح قوانين جدلية ما يثير علامات استفهام كثيرة"، مؤكدا أن "الجميع يدرك أهمية التعديلات في إنهاء أزمة مجتمعية تعاني منها الأسر العراقية من خلال مبدأ إسلامي يعطي الحرية لكل الاطياف دون استثناء".
وأضاف، إنه "لا يمكن التكهن بتمرير التعديلات من عدمها في ظل تقاطعات هي بالأحرى سياسية وليست مبنية على حقائق خاصة وان الكثير من المغالطات التي طُرحت حول القانون غير صحيحة وبعيدة عن جوهر بنوده".
وأشار الى، أن "فضلاء الحوزة العلمية وبعض العلماء طرحوا آراءهم منذ سنوات حول تعديل قانون الأحوال الشخصية في أكثر من نقطة وهي مبنية على أسس إسلامية عقائدية تعالج إشكالية وتنصف الجميع"، مستدركا بالقول "لكن الأمر يبقى رهن مجلس النواب في المضي في التعديلات او التريث به"، نافيا "وجود فتوى ملزمة لمجلس النواب بضرورة المضي في إقرار القانون او إلغاء التعديل إذا لم يجر التوافق حوله".
تدخل خارجي
وفي إطار التدخلات الخارجية بالشأن العراقي الداخلي، فقبل نحو أسبوعين، كشف عضو اللجنة الخارجية النيابية، عباس الجبوري، قيام الاتحاد الاوروبي بتهديد العراق في حال عُدل قانون الاحوال الشخصية.
وقال الجبوري، إن "الاتحاد الاوروبي هدد العراق بفرض عقوبات وخفض مستوى العلاقات في حال تعديل قانون الأحوال الشخصية".
ويوم الإثنين الماضي، أكدت بعثة الاتحاد الاوروبي، ضرورة تطابق قانون الأحوال الشخصية العراقي مع القانون الدولي.
وذكرت البعثة في منشور لها على صفحاتها الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي، أن "الاتحاد الأوروبي يعمل حالياً بتحليل المراجعة المقترحة لقانون الأحوال الشخصية"، مستدركة بالقول إنها "تتواصل مع الاطراف المعنية العراقية لمعرفة آرائهم واستخدام المعلومات المتاحة لهذا الغرض".
وأضافت: "نأمل أن يضمن المشرّعون التوافق بين النص المنقح والإطار القانوني العراقي والتزامات القانون الدولي، بما في ذلك عندما يتعلق الأمر بالاتفاقيات الدولية المصدق عليها".
وفي الرابع والعشرين من تموز الماضي، نشر السيد رشيد الحسيني تغريدة على صفحته قال فيها: "بعد المطالبة الحثيثة بإعادة النظر في فقرات قانون الأحوال الشخصية المجحف والبعيد عن ضوابط الدين الإسلامي لاحظنا بارقة أمل في تعديل فقرات هذا القانون بما يتلاءم مع الشريعة الإسلامية وقوانينها السماوية وفي هذا الشأن نشد على يد كل مسن يسعى الى إعادة صياغة فقراته بشكل متوافق مع الشريعة الإسلامية وذلك لضمان حقوق المؤمنين الذين تعرّضوا للظلم بسببه على مدار سنين طويلة ومع شديد الأسف طرق أسماعنا وجود بعض من باع ضميره وهويته الوطنية والمذهبية في سبيل إرضاء بعض الجهات والسفارات لإبقاء هذا القانون على حاله على الرغم من أنه مجحف لشريحة كبيرة متضررة منه".
وردا على تغريدة نشرتها السفيرة الأمريكية في العراق إلينا رومانوسكي، ذكرت فيها: "إننا نشعر بالقلق إزاء التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية العراقي والتي من شأنها أن تقوض حقوق المرأة والطفل، ونحن نحث العراقيين على الانخراط في حوار مدني يحترم بشكل كامل حرية الدين أو المعتقد وحقوق المرأة والطفل"، قال السيد الحسيني: "لم نُخطئ حينما قلما (سفارات!) ولم نتهم، إنما هذا هو الواقع للأسف".