جناح في التيار الصدري يصعّد تحريضه ضد الانتخابات من صور المرشحين إلى مراكز الاقتراع.. إرباك أمني ومحاولة انقلاب
انفوبلس..
في بلد يحكمه النظام البرلماني، تقوم سياسته بمجملها على العملية الانتخابية التي تُنتج ممثلين عن الشعب في مجالس النواب والمحافظات، يُعد أي تهديد أو خرق لهذه العملية بمثابة الإرهاب مهما كانت الجهة الفاعلة ومهما كانت أفعالها، ومع اقتراب موعد انتخابات مجالس المحافظات في العراق ظهرت بعض التحركات في عموم مناطق البلاد تعمل على إفشال الانتخابات وتصاعدت لهجة خطابها من مرحلة تمزيق الدعايات الانتخابية إلى مرحلة التحريض على سفك الدماء.
التيار الصدري، مرة أخرى يظهر كبطل لهذه القصة، حيث بدأ الأمر برسالة لزعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر إلى أتباعه، في الثالث عشر من الشهر الماضي، يبلّغهم فيها بأنه سيموت حزيناً إذا شاركوا في الانتخابات، وإن مقاطعتها ستُسعِدُه.
الخطوة الأولى كانت بتهديد المرشحين التابعين أو القريبين من التيار الصدري وإرغامهم على سحب ترشيحهم، وهو ما حدث فعلا خلال أيام، تبع تلك الخطوة تحركات ممنهجة للصدريين بدأت في مدينة الصدر وانتشرت لعموم العراق تعمل على إتلاف الدعايات الانتخابية للمرشحين، وذكر أشخاص من مدينة الصدر وأصحاب عمارات فيها بأنهم تلقوا تهديدات مباشرة إذا سمحوا لأحد المرشحين باستخدام بناياتهم لرفع لافتاته الانتخابية، أما الساحات والأماكن العامة فقد تعرضت اللافتات فيها للتخريب والتمزيق، كما افتعل الصدريون عشرات المشاجرات مع مَن كانوا ينشرون لافتات الدعايات الانتخابية في الشوارع.
عمار العراقي و"أصحاب الأرض"
من بين مئات حسابات الظل غير الرسمية التابعة للتيار الصدري، برز في الآونة الأخيرة حساب على منصة أكس ويمتلك قناة على التليغرام باسم "عمار العراقي"، وهو حساب مؤسَّس في الشهر الخامس من عام 2020.
عمار العراقي أنشأ أيضا منصة أخرى باسم "أصحاب الأرض" بتاريخ 19/11/2023، وغايتها الأولى والمباشرة استهداف الانتخابات المحلية، ومن خلال متابعة المنصَّتَين يمكن للمتابع ملاحظة ما يسير نحوه التيار الصدري لإفشال الانتخابات المقبلة.
وفي أول منشور لحساب عمار العراقي بعد رسالة الصدر لأتباعه، قال: "أقفُ "شخصياً" مع أي محاولة لعرقلة وتخريب الانتخابات المحلية "غير الشرعية" سواء ذلك في الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، أو ميدانياً لكون ذلك ينبثق من مسؤوليتي أنا كمواطن عراقي ومسؤولية مَن يوافقني في تدمير مشاريع أذناب الاستعماريين من كلا الطرفين وعلى جميع الأوجه الشيعية والسنية والكردية، فلو اختلف العملاء لتركيا والعملاء لإيران والعملاء لأمريكا فهم يتشاركون في كيفية نهب وتدمير هذه الأرض وتمكين القوى الاستعمارية من استغلالها بأي صورة ممكنة".
وأضاف، "ذلك ليس تحريضاً مني على مهاجمة مراكز الاقتراع او دعايات المرشحين فلا أود توريط الآخرين والمجازفة بهم، لكن كلما سنحت لي الفرصة أن أخرّب سأُخرّب حتى وإن كان التخريب بسيطاً نسبياً، ولو تضمن ذلك انتزاع وتمزيق صور المرشحين فذلك كلما ازداد وانتشر يُعتبر غضبة شعبية واضحة معارضة لهذه الانتخابات ولجميع الوجوه المتربعة فيها".
وتابع: "من الشجاعة أساساً أن تكون هنالك حملات واسعة لهذا الغرض فيجب على المواطن ألا يكتفي بانتقاد ومقاطعة الانتخابات، بل تخريبها ومنعها بصورة واسعة وفي كل المدن ليكون ذلك التعبير الأقوى على رفضها فهي لا تتماشى مع رغبة أصحاب الأرض أي العراقيين، وعندما تكون هذه رغبة الشعب أي أهالي المدن والمحافظات بصورة عامة فلن تستطيع حتى السلطات اعتقالهم أو ملاحقتهم".
تصاعد التحريض
بعدها استمرت التوجيهات وتصاعدت حدّتها، فنشر: يجمع أهالي مدينة ما على مقاطعة الانتخابات وحشد جميع الأهالي والتوجه بليلة واحدة لإزالة كل الدعايات الانتخابية من مدينتهم، وتكون أشبه بالمسيرة الغاضبة، ولن تقوم السلطات باعتقال أهالي هذه المدينة فهذا أمر غير ممكن ومعناه تزايد الغضب والشدة والتمرد ضدهم، لا داعي لاستهداف المرشحين وتهديد حياتهم، الموضوع وما فيه هو إزالة الإعلانات الانتخابية وتخريب حملاتهم وبالخصوص حزب الدعوة وتحالف نبني وما يُسمى بقوى الدولة.
وأضاف: بالنسبة لجماعة بغداد ركزوا على إعلانات حزب تقدُّم التابع للحلبوسي ونبني التابع للعصائب وبدر والفصائل، وائتلاف الأساس العراقي التابع لمحسن المندلاوي ودولة القانون التابع المالكي وقوى الدولة التابع للحكيم والعبادي وإشراقة كانون.
وفي تحريض واضح على أركان الديموقراطية، نشر العراقي: المفوضية إطارية ومراكز الاقتراع إطارية والمحكمة الاتحادية إطارية وجميع الأحزاب إطارية.
أما قناة "أصحاب الأرض" على التليغرام، فقد نشرت، قبل نحو أسبوعين، إحصائية لعدد الدعايات الانتخابية التي تم إتلافها من قبل عناصر التيار الصدري، وذكرت أنها بلغت أكثر من 14 ألف لافتة، قيمتها المالية تبلغ أكثر من 420 مليون دينار، وفق ادعاء القناة.
ويوم أمس نشر الحسابان تحريضاً صريحاً ضد المراكز الانتخابية وجّهوا فيها أتباعهم بالعمل على إتلاف مراكز الاقتراع مثلما تم إتلاف الدعايات الانتخابية.
إرباك أمني
بسبب الفوضى التي افتعلها جمهور التيار الصدري، دخلت العاصمة بغداد وعدة محافظات عراقية بإرباك أمني كبير، فمن جهة أن واجب القوات الأمنية حماية العملية الانتخابية الدستورية من أي تخريب، ومن جهة أخرى فإنها تعمل بمستوى عالٍ من ضبط النفس لعدم الانجرار وراء مخطط واضح يهدف إلى افتعال أزمات بمختلف المستويات لمنع إجراء الانتخابات في موعدها، حتى لو تسبب ذلك باندلاع مواجهات مسلحة، وهو الأمر الذي حدث بمستويات ضيّقة في عدة مناطق، ولكن تم احتواؤه بسرعة.
"تبادل أسرى"
مصدر محلي من مدينة الحسينية شمال شرق بغداد، ذكر أنه في أواخر أيام شهر تشرين الثاني الماضي (قبل نحو أسبوعين)، ألقت قوات الشرطة الاتحادية المسؤولة عن حماية المدينة القبض على عدد من المخرّبين للدعايات الانتخابية واقتادتهم إلى مركز الشرطة، تطبيقاً للقانون.
بعدها بنحو ساعة، قام العشرات من عناصر سرايا السلام في المدينة بمهاجمة نقطة أمنية للشرطة الاتحادية واختطاف عنصرين منها وأخذهم لأحد مقرات الجناح المسلح للتيار الصدري في الحسينية.
المصدر أضاف، أن اتصالات جرت بين قيادات في سرايا السلام وبعض مسؤولي الشرطة الاتحادية في المدينة لعقد صفقة "تبادل أسرى" بحسب تعبير المصدر، وهو الأمر الذي حدث فعلا، حيث قام مركز الشرطة بإخلاء سبيل المعتقلين وقامت قوات سرايا السلام بإطلاق سراح الشرطيَّين المختطفَين.
هجوم على الحكمة
وفجر اليوم الأربعاء، أظهر فيديو متداول قيام مجاميع من الأشخاص بأعمال شغب وتخريب طالت مقر تيار الحكمة بعد اقتحامه في حي "جميلة" بمدينة الصدر شرقي العاصمة، وذلك احتجاجا على منشور متداول منسوب إلى عضو المكتب السياسي في تيار الحكمة "بليغ أبو كلل".
وتبرّأ "أبو كلل" من ذلك المنشور الذي يهاجم التيار الصدري لمقاطعتهم الانتخابات المحلية في العراق، و يتهمهم بالانقلاب على الشيعة ومحاولة جعلهم أقلية، ويصفهم بالخوارج الذي قاتلوا الإمام علي بن أبي طالب ابن عم نبي الإسلام محمد بن عبدالله وصهره الخليفة الأول لدى الشيعة، ورابع الخلفاء الراشدين لدى السنة.
وكتب "أبو كلل" في منشور على منصة "إكس - تويتر سابقاً" وصف فيه المنشور المنسوب إليه سابقا بأنه "مزيّف".
وأضاف عضو المكتب السياسي في تيار الحكمة على الموقع ذاته، إن "القضية كالتالي: يزوّرون تغريدة وكلام معيّن، ثم يسبّون ويشتمون، ثم يهجمون ليحرقوا أو يثيروا الفوضى".
وأردف بالقول "بمعنى أنهم لا يستطيعون العيش دون فوضى لذلك يختلقون أسبابها، يكتبون ضد أنفسهم بحسابات غيرهم، يهجمون على مقرات غيرهم لأنهم زوّروا تغريدة!".
وتابع أبو كلل، إن "كل هذا حتى يعطّلوا الانتخابات. (صدك چذب، مو ألف مشروع جربتوه بهذي الطريقة وما نجح) .. ترى حتى البرلمان أخذتوه بالفوضى والعنف، وآخر شي الامور رجعت طبيعية، فلا تراهنون على مشروع جديد وهو من الاساس خاسر لأن وسيلته غير شرعية".
الصدر يخطط للانقلاب
تكررت على لسان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ومقرّبين منه، خلال الأسابيع الماضية مفردة "الشرعية". فأشار في دعوته الخاصة بمقاطعة الانتخابات المحلية (مجالس المحافظات) المقرر إجراؤها في 18 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، إلى أنها "تقلل من شرعيتها داخلياً وخارجياً"، في خطاب جديد ولافت في مناهضته للنظام السياسي برمته، ما يفسر توجها سياسيا يحضّر له الصدر، لا سيما أن مصادر قريبة منه أفادت بأنه يسعى إلى صناعة تحالف مبدئي قوامه الصدريون والمدنيون المعارضون لبدء مرحلة جديدة.
ودعا الصدر، في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أنصاره إلى مقاطعة انتخابات مجالس المحافظات. وكتب، على منصة "إكس"، إن "من أهم ما يميز القاعدة الصدرية هو وحدة صفها وطاعتها وإخلاصها، وإن مشاركتكم للفاسدين تحزنني كثيراً، ومقاطعتكم للانتخابات أمر يفرحني ويغيظ العدا (الأعداء)، ويقلل من شرعية الانتخابات دولياً وداخلياً ويقلص من هيمنة الفاسدين والتبعيين".
وفي خطبة الجمعة بمسجد الكوفة، في مدينة النجف التي يسكن فيها الصدر، قال إمام وخطيب الصلاة كاظم الحسيني، إن "النظام إذا نخره الفساد وأصبح عقيماً لا يلد إلا الخراب والدمار، ولا معنى لمحاولة إعادة إنتاجه".
وأضاف، إن "غرض مقتدى الصدر من المقاطعة هو سلب الشرعية الدولية والمحلية عن عملية سياسية تأسست على المحاصصة، ونما جذرها على الفساد، ولم تنفع كل محاولات التعديل، لأنه أصبح عصياً عليه، والمشاركة تعني إعطاء الشرعية لنظام اعترف أصحابه أنفسهم أنه فاسد ولا يُرجى منه خير للبلد".