حزب الدعوة ينقلب بـ"نعومة" على المالكي.. الصف الأول يتبعثر ومجلس خاص لـ"تصحيح المسار"

انفوبلس/ تقارير
في خضم المنافسات الانتخابية التي اشتعلت لاسيما في بغداد، اشتعل حزب الدعوة هو الآخر، لكن اشتعاله كان داخلياً هذه المرة، انقلاب "ناعم" على أمينه العام نوري المالكي وانشقاقات وانسحاب قيادات من الصف الأول أبرزها الزهيري والأديب والعلاق والذهاب لتشكيل "مجلس الدعوة الخاص" في خطوة تهدف لتصحيح مسار الحزب بعد انحرافه عن نهج الشهيد الصدر وفق بيان لـ"الدعاة" المنقلبين، فماذا جرى؟ وبمَ حذر "الدعاة" في حال عدم استجابة المالكي لخطوات إصلاح الحزب؟ انفوبلس وتقرير مفصّل عن ما يدور حالياً داخل الدعوة.
انقسامات وانقلاب بـ"نعومة" على المالكي
منذ أيام، يدور حديث "خافت" في الأوساط السياسية والإعلامية، عن خلافات حادة داخل حزب الدعوة الإسلامية نجم عنها انسحاب قيادات من الصف الأول من الحزب.
ورغم أن الحديث عزا تلك الخلافات إلى إعادة انتخاب نوري المالكي أمينا عاما لحزب الدعوة، إلا أنها في الحقيقة أقدم وتعود إلى التسريب الذي ظهر على المالكي يدافع فيه عن محافظ بغداد عبد المطلب العلوي، سبقها أيضا خلافات حول موقف الحزب من أزمة انتخاب رئيس البرلمان عندما ظل فارغا لأشهر.
وبهذا الصدد، قالت مصادر سياسية رفيعة آنذاك، إن انقساماً داخل حزب الدعوة ظهر على السطح بشأن قضايا سياسية مختلفة؛ منها محافظ بغداد، وموقف الحزب من أزمة انتخاب رئيس البرلمان، ما أجبر المالكي على التحرك لوقف محاولات قد ترقى لاحقاً إلى "وضع أكثر احتقاناً".
وأوضحت المصادر أن الخلافات لم تكن ترقى حتى اليوم إلى الانقسام داخل دولة القانون، لكنها تتعلق الآن بملفات حساسة، كان آخرها آلية التعامل مع حزب تقدم بزعامة محمد الحلبوسي، رئيس البرلمان المقال.
وأضافت، إن قيادات مقربة من المالكي كانت تضغط باتجاه المضي في اتفاق متماسك مع الحلبوسي بوصفه حليفاً يمكن التعامل معه، بأغلبية سنية واضحة.
استمرت الخلافات داخل حزب الدعوة للأسباب المذكورة، لكنها تفجرت مؤخرا بعد إعادة انتخاب نوري المالكي أمينا عاما لحزب الدعوة في الثاني عشر من نيسان/ أبريل الماضي، إذ ورغم ادعاء الحزب بأن الانتخاب تم بالإجماع، إلا أن مصادر سياسية أكدت أن ما حدث لم يكن كذلك، وأن العديد من قيادات الصف الأول في الحزب عارضت ذلك الانتخاب وبدأت تمردا داخليا تمثل في انسحاب العديد منهم.
وبهذا الشأن، أكدت مصادر سياسية أن أبرز المنسحبين من حزب الدعوة هم كل من "عبد الحليم الزهيري، وطارق نجم ، وعلي العلاق ، وعلي الاديب ، ووليد الحلي".
وأضافت المصادر، أن هؤلاء القيادات وصفوا واقع الحزب بـ”المنحرف عن خط الشهيد الصدر”، وانتقدت القيادة الفردية والتحالفات السلطوية التي أفرغت الدعوة من جوهرها العقائدي.
وأوضحت، أن الزهيري والأديب والعلاق خرجوا عن صمتهم وأسسوا مجلس الدعوة الخاص في خطوة تهدف لاستعادة هوية الحزب من سطوة المالكي.
الدعاة يحذرون وحزب الدعوة يرد بشكل مبطن
بعد التمرد الداخلي وانسحاب القيادات آنفة الذكر، حذرت مجموعة تطلق على نفسها "الدعاة" من حزب الدعوة الإسلامية، قيادات الحزب بسبب ما وصفتها بـ"منظومة الفساد المتغلغلة بمفاصل الحزب.
وجاء في تحذير "الدعاة" لقيادات حزب الدعوة: هذه "فرصتكم الأخيرة قبل المواجهة، وإلى المالكي، وما تبقّى من قيادة حزب الدعوة الإسلامية، وإلى لجان العمل والانضباط، وإلى منظومة الفساد المتغلغلة في مفاصل الحزب، وعلى رأسها حسن السنيد، عامر الكفيشي، محمد الياسري، ومن تبعهم من المتسلّطين على القرار الحزبي والتنظيمي: بعد أن بلغ السيل الزبى، وبعد صبر طويل وعشرات المناشدات والنصائح واللقاءات، وبعد أن أقسمنا عليكم بالله وبدماء الشهداء أن تتقوا الله في هذا الحزب المبارك، إلا أنكم تماديتم في غيّكم، وعاندتم طريق الإصلاح، وسخّرتم اسم الدعوة الإسلامية لتصفية الحسابات، ومارستم الإقصاء والتمييع والتخريب من الداخل، حتى أصبح الحزب واجهة لشرعنة الفاسدين، ومأوىً لأبناء العوائل البعثية، ومتجرًا لبيع المناصب والمواقع".
وأضاف "الدعاة" مخاطبين المالكي وباقي قيادات الحزب، "إنّكم باستهزائكم بمشاعر الدعاة الرساليين، وبسكوتكم عن الانحراف، قد خنقتم أصوات النصيحة، وكمّمتم أفواه المخلصين، وأضعتم الأمانة التي أُودعت في أعناقكم، وعليه، نُعلنها بوضوح وصراحة إنّ إبعاد الفاسدين وأبناء البعث والعوائل البعثية من كل مفاصل الحزب، هو الشرط الوحيد الذي يجعلنا نُعيد النظر في قرارنا باللجوء إلى المرجعية العليا".
وأتم "الدعاة" تحذيرهم بالقول: "وإلّا فإننا، وبعد أيام قليلة، سنشرع بتشكيل وفود تمثّل الدعاة الرساليين، تتوجّه إلى المراجع العظام، لتقديم الاستفتاءات الشرعية النهائية، وكشف الحقائق كما هي، دون رتوش أو مجاملات، لعلّ الفتوى المرتقبة تكون فصلًا بين عهد الشهداء وعهد التجار، وبين الدعوة الحقيقية ودعوة المقاولات، فصبرنا قد نفد، وأبوابنا لن تُفتح بعد اليوم للمساومة، وإننا نحملكم كامل المسؤولية الشرعية أمام الله، وأمام الأمة، وأمام المرجعية الدينية".
بعد هذا التحذير، ردّ حزب الدعوة "بشكل مبطن" وأصدر بيانا رسميا جاء فيه: "يؤكد حزب الدعوة الإسلامية أن التصريحات التي نُسبت في الآونة الأخيرة إلى مَن وصفتهم بعض المنصات الإعلامية بـ"شخصيات قيادية" في الحزب، لا تمثّل الموقف الرسمي للحزب ولا تصدر عن جهات مخوّلة.
وجدد الحزب وفق بيانه، تأكيده بأن المخوّل الوحيد بالتعبير عن مواقفه هو "الأمين العام، أو ما يُنشر رسمياً عن طريق المكتب السياسي أو المكتب الإعلامي للحزب".
وتابع، "وعليه، يُهيب الحزب بجميع وسائل الإعلام توخّي الدقة والرجوع إلى المصادر الرسمية عند تناول مواقفه".
"مجلس الدعوة الخاص"
بالعودة إلى "الانقلاب الناعم" وتأسيس مجلس الدعوة الخاص من قبل مجموعة من أبرز قيادات الصف الأول في حزب الدعوة الإسلامية، أكد أحد المقربين من الدعوة، أن كل ما ذُكر صحيحا بل إن هنالك تصعيد أكثر في حال أصرّت قيادات الحزب على عدم تنظيف الداخل وإعادة تصحيح المسار.
وقال المقرب من الحزب طالباً عدم الكشف عن اسمه، إن "ما حصل هو رد فعل طبيعي على هيمنة المالكي على الحزب لنحو 20 سنة، فالمجلس لا يسعى إلى انقلاب لكي يستلم أحد أعضائه الحزب، بل يريد إصلاح الحزب وتصحيح مساره بعد أن انحرف بشكل واضح عن أهدافه".
وتولى المالكي الأمانة العامة للحزب منذ العام 2006 إبّان توليه رئاسة الحكومة العراقية، بدلا عن إبراهيم الجعفري الذي انشق عن حزب الدعوة وشكل جناحا سياسيا جديدا.
المجلس الذي يضم الشيخ عبد الحليم الزهيري، والدكتور طارق نجم عبد الله، والسيد علي العلاق، والدكتور علي الأديب، ووليد الحلي، إلى جانب آخرين من القادة البارزين الذين ابتعدوا أو أُبعدوا عن مركز القرار، يؤكد أنه ليس انشقاقاً ولا إعلاناً عن ولادة كيان موازٍ، بل خطوة تصحيحية داخلية تهدف إلى “إعادة الحزب إلى خط السيد الصدر الأول” كما ورد في أول بيان غير معلن للمجلس حصلت عليه مصادر التحقيق.
في السياق، قال أحد القياديين المنضمين إلى المجلس شريطة عدم ذكر اسمه: “ما يجري داخل الدعوة مؤلم، لقد تحول الحزب من مشروع إصلاحي عقائدي إلى كيان وظيفي خاضع لأمزجة فردية، هناك من اختزل الحزب بتاريخه وحاضره بشخص واحد، وهذا ما لا يمكن السكوت عليه أكثر”.
وبحسب مصادر سياسية، فإن المجلس يعمل على عقد لقاءات تنظيمية موسعة مع الدعاة السابقين والكوادر التي تم تهميشها أو أُجبرت على الابتعاد خلال السنوات الأخيرة، بهدف إعادة فتح باب التنظيم على أساس “الالتزام بالمبادئ لا الولاء للأشخاص” والتركيز على أن حزب الدعوة لا يزال يمتلك القابلية للنهوض، إذا ما عاد إلى قاعدته الشعبية وبُني مجدداً على روح الشورى والعمل الجماعي التي أسسها الصدر الأول.
تصدع داخلي وقيادات مخضرمة قد تنسحب أيضا
إلى ذلك، كشف مصدر سياسي رفيع، عن إمكانية التحاق قيادات مخضرمة أخرى بالزهيري والعلاق والأديب والحلي وباقي المنسحبين من حزب الدعوة.
وقال المصدر، إن "تفرد المالكي بالقرار وتحكمه في شخصيات ومقدرات الحزب أثار استياءً عارماً منذ مدة طويلة، مؤكدا أن خطوة تشكيل المجلس هذا والانشقاق عن الدعوة ليست وليدة اللحظة بل جاءت بعد دراسة ومناقشة بين الأطراف المنسحبة".
وأضاف، أن "القيادات المنسحبة تؤمن بضرورة اختزال الحزب بشخصية واحدة وهي نوري المالكي أو المقربين منه، لذلك لجأت إلى هذه الخطوة بعد أن عجزت عن الكلام مع إدارة الحزب طوال الفترة الماضية".
وبحسب حديث خبير بالشأن السياسي، فإن "الانتخابات العراقية غالبًا ما تتسبب في ظهور خلافات داخلية حول توزيع المناصب والترشيحات، مما يؤدي إلى انقسامات بين قادة الأحزاب، وبالتالي فإن الانتخابات المقبلة لعبت دورًا محوريًا في تأجيج الانقسامات داخل حزب الدعوة برئاسة نوري المالكي، وذلك بسبب التنافس على السلطة وطبيعة التحالفات السياسية".
وقال الخبير الذي فضل عدم ذكر أسمه نظرا لحساسية الموضوع، إن حزب الدعوة الإسلامية شهد الكثير من الانشقاقات والخلافات على مَرّ تاريخه، وأبرزها ما حصل في انتخابات عام 2018، عندما ظهرت خلافات كبيرة بين نوري المالكي وحيدر العبادي، وكليهما من قادة الحزب، مما أدى إلى انقسامات كبيرة آنذاك"، لافتا الى أن "هناك معلومات جديدة تفيد بحدوث انشقاقات بسبب نزعة الكثير من قيادات الحزب إلى التفرد بالقرارات وضعف الشورى".
وأضاف، إن "نتائج الانشقاقات المتكررة تؤدي إلى إضعاف حزب الدعوة وتشتيت قوته السياسية، بالإضافة الى أنها تسبب تغييرات في التحالفات السياسية وتأثيرها على المشهد السياسي العراقي خصوصا مع قرب الانتخابات التشريعية"، مشيرا الى ان "ظهور الانشقاقات في الوقت القريب ستحدث جدلاً حول مستقبل حزب الدعوة ودوره في العملية السياسية، وتأثير ذلك على التحالفات السياسية الشيعية".
لقد كشف إعلان مجلس الدعوة الخاص عن تصدع داخلي كبير داخل حزب الدعوة حتى مع تأكيد أعضائه بأنهم لا يسعون إلى خلق أزمة داخل الحزب بقدر ما يريدون تصحيح مساره، رغم أن هذا الإعلان أثار ردود فعل متباينة بين مؤيد للمجلس وآخرين يرونه محاولة تشويش عمل الحزب من قوى فقدت تأثيرها".