دعوات تحويل "حلبجة" لمحافظة تتجدد.. ما عراقيل تحقيق هذا المطلب؟ وأين وصل القانون؟

انفوبلس/ تقرير
بمرور الذكرى السنوية لقصف مدينة "حلبجة" العراقية بالأسلحة الكيميائية الذي نفذه نظام الرئيس المقبور صدام حسين قبل 37 عامًا أي في الأشهر الأخيرة من الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، تجددت المطالبات بتحويلها إلى محافظة، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس" الضوء على آخر مستجدات هذا الملف المثير للجدل.
وتتبع "حلبجة" محافظة السليمانية في الوقت الحالي، وتقع في أقصى شرقها، وتبعد عن العاصمة بغداد زهاء 240 كيلومترا إلى الشمال الشرقي، ولا يفصل بينها وبين الحدود الإيرانية سوى حوالي 14 كيلومترا فقط، وتقع هذه المدينة عند سفح منطقة هورامان الجبلية التي تمتد على الحدود الإيرانية العراقية، ويتكلم معظم أكراد المدينة الكردية باللهجة السورانية.
واشتهرت حلبجة بفاجعة تعرُّضها لقصف بالأسلحة الكيميائية في الأشهر الأخيرة من الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) حيث أسفر عن مقتل أكثر من 5 آلاف شخص من أهالي المدينة، أغلبهم من الشيوخ والنساء والأطفال، وإصابة أكثر من 7 آلاف آخرين، كما مات آلاف المدنيين من حلبجة العام التالي للقصف، وذلك نتيجة المضاعفات الصحية والأمراض والتشوهات الخلقية.
*الذكرى الـ37 لقصفها بالكيميائي
قرر مجلس الوزراء العراقي تعطيل الدوام الرسمي، يوم الأحد 16 مارس/آذار الماضي، تزامنا مع ذكرى الجرائم التي ارتكبها نظام الرئيس العراقي المقبور صدام حسين بحق أبناء الشعب العراقي، والتي شملت مجازر (حلبجة والأنفال والمقابر الجماعية والانتفاضة الشعبانية واغتيال العلماء واستهداف الأحزاب).
في المقابل، دعت رئاسة الجمهورية، مجلس النواب إلى ضرورة التصويت على مشروع قانون محافظة حلبجة تكريما لهذه المدينة الغالية التي قدمت شهدائها، اذ ذكرت الرئاسة في كلمة خلال وقفة صمت وحداد بمناسبة الذكرى السنوية لقصف مدينة حلبجة بالأسلحة الكيمياوية بحضور رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد (أمس الاثنين): "نستذكر اليوم ذكرى جرائم البعث بحق الشعب العراقي ومنها جرائم الابادة في حلبجة والانفال والمقابر الجماعية وقتل العلماء والرموز الوطنية".
وأضافت، أن "العراقيين جميعا يرفضون الظلم باشكاليهاويتطلعون لحياة حرة كريمة"، مبينة ان "الهجوم على حلبجة واحدة من الاعتداءات المباشرة حيث فاقت بوحشيتها ما فعلته النازية في اوروبا خلال الحرب العالمية الثانية".
وأردت، أن "اهالي حلبجة كانوا ضحايا سياسات هوجاء وجريمتها احدى الجرائم ضد الانسانية"، مشيرة الى ان "حلبجة ليست شاهدة على الموت حيث انتفضت محافظات العراق من الوسط والجنوب عام 1991 وكانت المقابر الجماعية بانتظارهم".
وحثت "المجتمع الدولي لمنع انتشار اسلحة الدمار الشامل المحرمة دوليا ووقف الحروب والنزاعات"، داعية الى "خدمة ذوي الضحايا وتقديم الدعم اللازم لهم". واكدت على "ضرورة اعادة المدن المتضررة"، داعية "مجلس النواب، الى التصويت على مشروع قانون محافظة حلبجة تكريما لهذه المدينة الغالية التي قدمت شهدائها، ونحث القوى السياسية على تأييد هذا المطلب".
وفي السياق، دعا رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، الأحد، الحكومة الاتحادية إلى الوفاء بالتزاماتها الدستورية والقانونية تجاه إنصاف وتعويض عوائل ضحايا الإبادة الجماعية، مطالباً في الوقت ذاته مجلس النواب بالإسراع في تحويل حلبجة إلى محافظة.
وقرر مجلس النواب العراقي في العام 2023 تأجيل التصويت على استحداث محافظة حلبجة، بسبب الخلافات السياسية واشتراط طلب عدد من الكتل السياسية في مجلس النواب استحداث محافظة تلعفر بالتزامن مع محافظة حلبجة.
وبدأت عملية تحويل حلبجة إلى محافظة عام 2013، حيث صوت برلمان الإقليم على القرار لتكون محافظة رابعة إلى جانب أربيل والسليمانية ودهوك، ومن ثم دعمت الحكومة الاتحادية السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي هذا المشروع، لكن لم يصدر قرار بشأنها، حتى قررت الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني في عام 2023، تحويل حلبجة لمحافظة، عبر مشروع قانون قدم للبرلمان العراقي.
ووافق مجلس الوزراء العراقي في 13 اذار/ مارس 2023 على مشروع قانون استحداث محافظة حلبجة، بعد عقد من الزمن على موافقة حكومة إقليم كردستان على استحداثها في يونيو (حزيران) 2013 ومصادقة برلمان الإقليم عليها في فبراير (شباط) 2015.
*تخصيصات مالية كبيرة
بحسب حديث عضو اللجنة القانونية بمجلس النواب العراقي النائب محمد عنوز فأن استحداث محافظة حلبجة أو أي محافظة أخرى يتطلب تخصيصات مالية كبيرة.
اذ قال عنوز، إن القانون الخاص باستحداث محافظة حلبجة هو مشروع أرسل حينها من الحكومة، وقد تمت قراءته قراءتين أولى وثانية وعرض للتصويت أكثر من مرة، ولم يتبق سوى التصويت عليه، مشيرا إلى أن جلسة البرلمان لا تنعقد بسبب عدم تحقيق النصاب، مما حول الأمر إلى مأساة للشعب بسبب انتظاره لتشريعات تتعلق بحياته وكرامته.
وأضاف عنوز أن القانون موجود في أدراج مجلس النواب وهو بصيغته النهائية، موضحا أن استحداث محافظة حلبجة يستلزم تخصيصات مالية لتكوين إدارة على مستوى المحافظة من كوادر وغيرها، إضافة إلى جوانب سياسية واقتصادية.
وشدد عنوز على أن البرلمان لا يحتاج إلى مقترح قانون جديد بقدر حاجته إلى توافق سياسي لتمرير الموجود في أدراجه والتصويت عليه، مؤكدا أن هذا التوافق معطل بسبب رغبة أطراف سياسية في تحويل مدن أخرى إلى محافظات، مما حول الأمر إلى مساومة قانون بقانون آخر وهذا هو نتاج نظام المحاصصة.
يذكر أن نواباً كُردا، لوحوا مطلع 2024، بالتوجه للمحكمة الاتحادية، في حال عدم تسريع إجراءات تحويل حلبجة إلى محافظة، فيما انتقدوا عدم تعامل البرلمان معها كمحافظة.
وبدورها، أكدت عضو مجلس النواب العراقي عن الاتحاد الوطني الكردستاني سوزان منصور، وجود مساعٍ برلمانية سابقة لم تحقق أهدافها لإدراج قانون استحداث حلبجة كمحافظة والتصويت عليه قبل الذكرى السنوية الحالية لقصف المدينة بالأسلحة الكيميائية.
وأوضحت سوزان منصور، أن كتلتها النيابية بذلت جهودا متواصلة لتحقيق هذا الهدف، مشيرة إلى أن استحداث حلبجة كمحافظة يعد أقل تقدير لتضحياتها والمعاناة التي تعرضت لها في عهد النظام السابق.
وأعربت عن أسفها لعدم تمكن المجلس من التصويت على القانون قبل الذكرى السنوية، على الرغم من وجود توافق سياسي واسع حول ضرورة إقراره، وذلك بسبب تعليق جلسات البرلمان في الفترة الماضية.
قصف حلبجة بالأسلحة الكيميائية عام 1988 يمثل جريمة ضد الإنسانية لم يشهد لها التاريخ مثيلا، تقول سوزان منصور وتضيف أن أي جهود تبذل لخدمة المدينة لن تفي بحقها، ولن تعوضها عن حجم الضرر والإبادة الجماعية التي تعرضت لها.
عباس البياتي نائب رئيس الحركة القومية التركمانية أكد أن حلبجة لا تتوفر فيها الشروط الواجب توافرها في خطوات استحداث أي محافظة. وقال البياتي، إن تحويل أي منطقة إلى محافظة له شروط يجب أن تتوفر فيها من حيث المناطق الإدارية والأقضية والنواحي التي يجب أن تتبع إليها، وهذه الشروط حاليا غير متوفرة في هذا الموضوع.
وأضاف أن موضوع التعاطف مع حلبجة إنساني وسياسي أكثر مما هو إداري "وباعتقادي ونحن مقبلون على الانتخابات البرلمانية ستعود إلى الواجهة هذه القضية من أجل دعاية انتخابية حالها حال الكثير من المواضيع التي هي مادة جيدة للدعاية الانتخابية وكسب ود الشارع العام".
ولفت إلى أن من وجهة النظر الإنسانية حلبجة تستحق كل الاهتمام كونها وصمة عار على جبين النظام السابق، وستبقى دليلا شامخا على وحشيته لذلك يجب على الجميع عدم الرقص على جروح أولئك الذين تعرضوا لهذه الجريمة الوحشية.
وتشمل محافظة حلبجة مركز قضاء حلبجة والنواحي الثلاث (سيروان، خورمال، وبيارة)، وبحسب إحصاء رئاسة البلدية فإن عدد سكان حلبجة ومحيطها يبلغ نحو 200 ألف شخص، فيما يضم مركز قضاء حلبجة 14 ألف أسرة تتألف من 66 ألف شخص.
وعزت رئيسة كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في مجلس النواب العراقي فيان صبري عرقلة التصويت على قانون استحداث محافظة حلبجة إلى أسباب وحجج غير منطقية من قبل بعض الكتل السياسية. وأوضحت فيان، أنه لم يتم رفض تحويل حلبجة إلى محافظة بل تمت قراءة المشروع قراءة أولى وثانية، لكن غياب الاتفاق السياسي والإرادة السياسية في مجلس النواب العراقي حال دون التصويت على القانون.
وأشارت إلى أن حكومة كردستان أقرت حلبجة كمحافظة في يونيو/حزيران 2013، وصوت برلمان الإقليم على ذلك في فبراير/شباط 2015، لكن مجلس النواب العراقي لم يدرج القانون في جدول الأعمال للتصويت عليه بسبب مطالب بعض الكتل النيابية بتحويل أقضية أخرى كمحافظات من بينها تلعفر والفلوجة كشرط للموافقة على حلبجة.
وأكدت فيان أن مجلس النواب العراقي لا يزال لديه فرصة لإنصاف مدينة حلبجة المنكوبة والتصويت على القانون، مطالبة المجلس ورئاسته بإدراج التصويت على حلبجة كمحافظة مع التعويض العادل لأبنائها وفقا للمادة 132 من الدستور.
وجاءت فكرة جعل حلبجة محافظة تعويضا لها عن التضحيات التي قدمها أهالي المدينة عندما أقدم نظام المقبور صدام حسين في آذار/مارس عام 1988 بقصف المدينة بالأسلحة الكيمياوية وقتل منهم خمسة آلاف شخص وجرح آلافا آخرين.
وينقسم العراق إلى 18 محافظة، وفي حال اعتماد حلبجة محافظة ستكون 19، وهذه المحافظات بدورها تنقسم إلى أقضية وإلى تقسيمات أُخرى أقل شأنا تُسمى نواحي.
يذكر أنه من الناحية الإدارية تم توزيع مناصب "المحافظة" بين الأطراف الرئيسة في إقليم كردستان الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني وحركة التغيير والاتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية.