رائحة الفساد "تفوح" من صندوق إعمار ذي قار: اختلاس المليارات ومشاريع متلكئة
انفوبلس/بغداد
تفتقر محافظة ذي قار إلى أبسط الخدمات الأساسية والبنى التحتية والمنافذ الاقتصادية، وتصاعدت وتيرة التراجع في فترة الحكومة السابقة التي ترأّسها مصطفى الكاظمي، حيث تعرّضت المحافظة خلالها إلى أكبر حِقب الفساد، وكان أبرز الملفات هو صندوق إعمار المحافظة، حيث تم شمول المحافظة بمشاريع متعددة فاقت أعدادها الـ 210 مشروع خلال موازنة عام 2021 فقط، موزَّعة إلى جميع نواحي وأقضية محافظة ذي قار، وتمت إحالة المشاريع إلى شركات متعددة بشكل غامض وتفاصيل غير واضحة، ولم تُعرض أي لافتات دلالة في مواقع المشاريع، للإشارة إلى تفاصيلها وكُلَفِها.
وبلغ حجم الأموال التي دخلت ذي قار لعام 2021 أكثر من تريليون و900 مليار دينار عراقي، فيما بلغت الأموال المرصودة لعام 2022 أكثر من 600 مليار دينار عراقي، وأغلب المشاريع المتعاقد عليها تمت عبر وسطاء بعمولات محددة مسبقا وبنظام الإحالة المباشرة دون الخضوع إلى مناقصة حقيقية وتحت إشراف الأمين العام لمجلس الوزراء حميد الغزي، الذي يدعمه التيار الصدري.
وكانت من بين أبرز المشاريع التي أثارت الشبهات والرأي العام هو مشروع "طريق يا حسين" الذي تتجاوز كلفته 41 مليار دينار عراقي بمسافة 3 كيلو متر، وتمت إحالة المشروع إلى شركة النخبة للمقاولات التي يمتلكها حسين هادي الغزي، شقيق حميد الغزي حيث تم بيع العقد عن طريق أحد الشيوخ مقابل مبلغ مالي.
ونصّت تعليمات قرار مجلـس الـوزراء رقم (172) لسنة ٢٠٢١ الخاصة بصندوق إعمار محافظة ذي قار على أن "الصندوق يهدف إلى إعمار وتأهيل محافظة ذي قار بما يحقق الأهداف التنموية ومعالجة وصيانة البنى التحتية وإنعاش وتنشيط حركة التطوير الشامل في محافظة ذي قار في المجالات العمرانية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية".
وتؤكد التعليمات أنها تهدف إلى "خلق بيئة إيجابية وجاذبة تُسهم في استقطاب أفضل الكفاءات العالمية والاستثمارات النوعية وتوفير فرص العمل لأبناء المحافظة وكذلك تنمية بيئة الأعمال للقطاع الخاص وإعداد وتنفيذ خطة استراتيجية قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى".
وشدّدت، على "ترسيخ الثقة لدى المجتمع في ذي قار من خلال إنجاز المشاريع المهمة والأكثر ملامسة للمواطن وتخفيف الضغوط وإيجاد مشاريع تنموية مستدامة ووضع حلول تحاكي حاجات المجتمع من خلال المشاريع المهمة والأكثر نفعا على المدى القريب والمتوسط".
وكشف مراقبون من ذي قار، أن مقاولات مُنحت لشركات تم توزيعها في مكتب الأمانة العامة لمجلس الوزراء، بنسب تصل إلى 15% من كلف المشاريع، مؤكدين أن محافظ ذي قار الأسبق ناظم الوائلي تم اختياره من قبل حميد الغزي، مؤكدين أن رئاسة صندوق إعمار ذي قار يديره رزاق حسين الركابي صورياً، فيما تتم إدارته بشكل فعلي من قبل الأمين العام لمجلس الوزراء حميد الغزي.
وأبدى برلمانيون في ذي قار اعتراضهم في 16 أيار 2022 على تخصيص جزء من أموال صندوق إعمار المحافظة لشراء آليات قتالية لقيادة الشرطة، فيما أشاروا إلى عدم مراعاة الأولويات والحاجة لمشاريع الخدمات الأساسية والبنى التحتية، عقب إعلان مدير صندوق إعمار ذي قار عن تخصيص 5 مليارات دينار من تخصيصات صندوق إعمار المحافظة لسنة 2021 لشراء 56 آلية منوّعة مخصّصة لقيادة شرطة ذي قار، فيما أشار معترضون إلى أن هناك برنامجا وزاريا خاصاً بتسليح القوات الأمنية، وأن تمويلها لا يدخل ضمن موازنات وتخصيصات الحكومات المحلية، وإنفاق الأموال بهذا الاتجاه يُعد مخالفة صريحة لتعليمات الصندوق وتجاهل لأولويات المحافظة وحاجتها من المشاريع الخدمية.
يُذكر أن مدير صندوق إعمار ذي قار، رزاق خوين، قد قدم في وقت سابق، طلبا بإعفائه من منصبه بسبب "ظروف خاصة"، فيما طالب النائب عن ائتلاف دولة القانون محمود شاكر السلامي الادعاء العام وهيئة النزاهة الاتحادية وديوان الرقابة المالية بوضع اليد على مدير الصندوق، ومنعه من السفر خارج البلاد، إلى حين إجراء تحقيقات حول الصندوق وخفاياه.
وقال السلامي، إن "أنباء تم تداولها بشأن إعفاء مدير صندوق إعمار ذي قار أو استقالته علماً أنه في اليومين الماضيين تمت إحالة مجموعة من المشاريع تُقدّر قيمتها بمئتي مليار دينار عراقي ضمن قانون الأمن الغذائي لصندوق إعمار ذي قار بنظام الدعوة المباشرة، موضحا أن "هذه الإحالة تغطي مجموعة من الخفايا والتساؤلات، وندعو رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني إلى إعطاء هذا الملف أهمية لما فيه من ملفات فساد ستُكشف بعد إجراء تحقيق شفاف وأصولي".
النائب عن محافظة ذي قار محسن السعيدي، أكد في حديث صحفي، أن اتهامات تلاحق صندوق إعمار محافظة ذي قار، والفساد من أكبر معوقات التأثير على ملف الإعمار، مشيرا إلى أن الصندوق نهشته أيادٍ فاسدة، وملف إعمار ذي قار دخل نفق السياسة والفساد، مبينا أن بعض الجهات المتنفذة تأخذ نسبتها بين 10 % إلى 12 % عن كل مشروع مخصَّص لإعادة الاعمار ذي قار، وهناك سوء إدارة لملف إعمار المحافظة، بسبب الفاسدين الذين يريدون الاستفادة من استمرار تلكؤ المشاريع في المحافظة.