رغم الموافقة على إنهاء عمل البعثة.. الأمم المتحدة تُعيّن العماني محمد الحسان رئيساً لـ"يونامي" في العراق خلفاً لبلاسخارت
انفوبلس..
على الرغم من طلب رسمي قدَّمه العراق إلى الأمم المتحدة لإنهاء أعمال بعثة (يونامي) في البلاد وموافقة الأخيرة عليه، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أمس الاثنين، تعيين العُماني محمد الحسان رئيساً جديداً للبعثة في العراق خلفاً لجينين بلاسخارت، وعلى الرغم من بقاء نحو عام ونصف على الموعد الرسمي لإنهاء عمل البعثة في أواخر 2025، أُثيرت بعض المخاوف من تراجع المجلس عن قراره، وإن تعيين الحسان قد يكون بداية لذلك.
ووفقاً لبيان للأمم المتحدة فإن "الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أعلن تعيين محمد الحسّان من سلطنة عُمان ممثلاً خاصاً جديداً له في العراق ورئيساً لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) خلفاً لجينين هينيس بلاسخارت"، مبينا أن "الحسان، الذي يتحدّث اللغات العربية والإنجليزية والنرويجية والروسية، لديه خبرة تمتد لأكثر من ثلاثين عاماً في مجال الدبلوماسية الوقائية وبناء السلام والتنمية".
وشغل محمد الحسان أخيراً منصب الممثل الدائم لسلطنة عُمان لدى الأمم المتحدة في نيويورك (منذ عام 2019). وقبل ذلك، تولى مهامّ مختلفة في وزارة الخارجية بمسقط، بما في ذلك وكيل الوزارة للشؤون الدبلوماسية بالإنابة (2016)، ورئيس الديوان (2015)، ورئيس دائرة مكتب الوزير (2012). وأكد البيان أن الحسان شغل أيضاً مناصبَ سفير فوق العادة ومفوض لسلطنة عُمان لدى الاتحاد الروسي وسفير غير مقيم لدى بيلاروسيا وأوكرانيا وأرمينيا ومولدوفا. كما شغل سابقاً منصب نائب الممثل الدائم لسلطنة عُمان لدى الأمم المتحدة في نيويورك، وقبل ذلك، كان يشغل منصبَ نائبِ الممثل الدائم لعُمان لدى الأمم المتحدة في جنيف.
وأشار بيان الأمم المتحدة إلى أن محمد الحسان "يحمل درجة بكالوريوس الآداب في العلوم السياسية من جامعة واشنطن في سياتل بالولايات المتحدة، ودرجة الماجستير في العلوم في العلاقات الدولية من جامعة سانت جون في نيويورك، ودرجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة موسكو الحكومية للاقتصاد والإحصاء والمعلوماتية (MESI) في موسكو.
وغادرت بلاسخارت منصبها نهاية مايو/ أيار الماضي، وكانت قد أشادت في إحاطتها الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي، منتصف الشهر نفسه، بما حققه العراق خلال السنوات العشرين الماضية، منذ أن جرى نشر بعثة الأمم المتحدة فيه لأول مرة، مشددة في الوقت نفسه على وجود تحديات كثيرة ما زالت تواجه البلد، ومنها الفساد والانقسامات والإفلات من العقاب والتدخل غير المبرر في وظائف الدولة والجهات المسلحة التي تعمل خارج سيطرة الدولة.
إنهاء الأعمال
بعد الطلب الذي قدَّمه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى مجلس الأمن الدولي في الـ21 من أيار الماضي والقاضي بإنهاء عمل بعثة الأمم المتحدة (يونامي) في العراق، وافق المجلس مطلع حزيران الماضي على ذلك ورضخ للمطلب بعد أن قرر رسميا إنهاء عمل البعثة، لتنبذ بغداد بذلك بلاسخارت دون وداع وتستعيد سيادتها المسلوبة منذ أكثر من 20 عاما.
وقرر مجلس الأمن الدولي، إنهاء عمل بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) أواخر العام 2025، وذلك استجابة لطلب تقدمت به الحكومة العراقية.
وصوَّت مجلس الأمن، خلال جلسة له على هذا القرار، وأثنى على دور الحكومة العراقية في تسوية القضايا الداخلية، كما أشاد المجلس، بالتقدم الحاصل في الأهداف المحددة ببرنامج وأولويات الحكومة العراقية.
وينص القرار الذي تم تبنيه بالإجماع في مجلس الأمن، على تمديد ولاية البعثة التي تم إنشاؤها عام 2003، لفترة أخيرة مدتها 19 شهراً حتى 31 كانون الأول 2025.
وسبق أن أيَّد عدد من أعضاء مجلس الأمن الدولي، بينهم روسيا والصين، طلب بغداد إنهاء مهمة بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) بحلول العام المقبل، لكن واشنطن لم تقدم دعمها لهذه الخطوة على الفور.
وعقب قرار مجلس الامن، أعلن العراق عن ترحيبه بإنهاء ولاية ومهام بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق/ اليونامي.
وقال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي في بيان ورد لشبكة انفوبلس، إنه "تُعرب الحكومة العراقية عن ترحيبها وتقديرها لقرار مجلس الأمن المرقّم (2734)، الذي صدر بالإجماع، والقاضي بإنهاء ولاية ومهام بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق/ اليونامي، وفق جدول زمني ينتهي بالإنهاء الكامل في 31 كانون الأول 2025".
وأضاف العوادي، إن "إنهاء عمل البعثة في العراق يأتي بناءً على طلب الحكومة العراقية، الذي عبّرت عنه رسالة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني بتاريخ 8-أيار-2024، الموجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ومجلس الأمن الدولي بهذا الشأن".
وأشار البيان إلى، أنه "في الوقت الذي نُكبِر فيه الاستجابة الدولية لطلب العراق، فإننا نؤكد أن قرار مجلس الأمن الدولي جاء نتيجة التقدم الملموس، الذي يشهده العراق وعلى الأصعدة المختلفة والاستقرار على المستوى الداخلي، واستكمال عملية البناء السياسي الذي انطلق سنة 2003، بعد إسقاط النظام الدكتاتوري، وتنامي قدرات قواتنا المسلحة البطلة بمختلف صنوفها، لحماية سيادة البلاد، وتسارع حركة النهضة الاقتصادية والعمرانية، والخطوات المتقدمة التي أُنجزت في مجالات الإصلاح والحكم الرشيد، والخدمات والرعاية الاجتماعية".
وأكد المتحدث باسم الحكومة أنه "يأتي هذا القرار معززاً للدور الإقليمي والدولي الذي يضطلع به العراق، كدولة محورية في المنطقة داعمة للاستقرار والسلام والتنمية المستدامة، كما نؤكد المضي في تقديم التسهيلات اللازمة لضمان تصفية مهام وأعمال البعثة الأممية، ووفق خطة مشتركة، بما يتسق مع سيادة العراق وإرادته، فضلاً عن الالتزام باستكمال القضايا المنصوص بشأنها في القرار، من ضمن اختصاصات البعثة، وتقديم الدعم اللازم لها في هذا الصدد".
وفي آذار الماضي، قال وكيل وزارة الخارجية لشؤون التخطيط السياسي، هشام العلوي إن الحكومة العراقية تريد التركيز على قضايا التنمية، وليست بحاجة إلى دور “يونامي” في الجانب السياسي، لأن النظام حالياً وصل مرحلة من النضج الكافي.
كما هاجمت لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان، في (17 شباط 2024)، بعثة الأمم المتحدة في العراق "يونامي"، وأشارت إلى أنها لعبت أدوارًا ليست من صلاحياتها في العراق.
وقال عضو اللجنة النائب عامر الفايز، إنّ "أوضاع العراق الاستثنائية وارتباطه ببعض القرارات الدولية هي من كانت وراء وجود بعثة يونامي في بغداد لغرض المتابعة والمراقبة وفق صلاحيات محددة لكن التدخل في شؤونه الداخلية خاصة الملف السياسي يمثل تجاوزًا لصلاحياتها وهذا ما لا يختلف عليه اثنان".
وسابقاً، أعلنت هيئة النزاهة العراقية، أنها بدأت بتنفيذ تحقيقات بشأن شبهات فساد أثيرت بحق بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي)، منها تلقي رشى من أجل الحصول على مشاريع معينة.
وكانت صحيفة “ذا غارديان” البريطانية قد اتهمت في تقرير لها موظفين لدى الأمم المتحدة في العراق بتلقي رشى من رجال أعمال عراقيين بغية كسب عقود لمشاريع إعادة الإعمار.
ووفقاً لبيان أصدرته هيئة النزاهة، فإنها “شكلت فريقاً شرع في إجراءاته التحقيقية والتدقيقية بشأن المعلومات الواردة في المقال المنشور في صحيفة “ذا غارديان”، وأن الفريق تواصل مع محررة المقال المنشور بصدد ذلك للحصول منها على دلائل وتوضيحات وأدلة إثبات على ما ساقته من معلومات وشبهات فساد اتهمت بها موظفي الأمم المتحدة العاملين في العراق”.
تقرير الغارديان
بعد أن أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مشروع إعادة إعمار المناطق المحررة بقيمة 1.5 مليار جنيه إسترليني، عقب إعلان هزيمة عصابات داعش في العراق، أشارت مصادر مطلعة لصحيفة الغارديان البريطانية، أنه تم إهدار الكثير من المبالغ المخصصة لإعادة الاعمار، حيث أكدت الصحفية أن "موظفي الأمم المتحدة في مشروع مساعدة العراق يطالبون بالرشاوى مقابل مساعدة رجال الأعمال في الفوز بعقود في مشاريع إعادة الإعمار بعد الحرب"، بحسب التحقيق الذي أجرته الغارديان.
العمولات التي تحدثت عنها المصادر، هي واحدة من عدد من ادعاءات الفساد وسوء الإدارة التي كشفت عنها صحيفة الغارديان في تمويل خطة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP في عام 2015 البالغ 1.5 مليار دولار، بدعم من 30 جهة مانحة.
حيث كشف تحقيق أجرته صحيفة الغارديان البريطانية، أن الموظفين العاملين لدى الأمم المتحدة في العراق يطالبون برشاوى لمساعدة رجال الأعمال في الفوز بعقود في مشاريع إعادة الإعمار بعد الحرب في البلاد، مشيرة الى أن موظفي الأمم المتحدة طالبوا بنسبة تبلغ 15% من قيمة العقود.
وأشارت الصحيفة في تحقيق لها، إلى أن العمولات المزعومة هي واحدة من عدد من مزاعم الفساد وسوء الإدارة التي كشفت عنها صحيفة الغارديان في مرفق التمويل لتحقيق الاستقرار، وهو مخطط لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي تم إطلاقه في عام 2015 وبقيمة 1.5 مليار دولار لأكثر من 30 جهة مانحة.
وأوضحت، أن "المقابلات التي أُجريت مع أكثر من عشرين من موظفي الأمم المتحدة الحاليين والسابقين والمقاولين والمسؤولين العراقيين والغربيين تشير إلى أن الأمم المتحدة تغذي ثقافة الرشوة التي تغلغلت في المجتمع العراقي منذ الإطاحة بصدام حسين في عام 2003".
ووجدت صحيفة الغارديان، أن "موظفي برنامج الأمم المتحدة الإنمائي طالبوا برشاوى تصل إلى 15% من قيمة العقد، وفقًا لثلاثة موظفين وأربعة مقاولين"، وفي المقابل، يساعد الموظفُ المقاولَ على "التنقل في نظام العطاءات المعقّد التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لضمان اجتياز عملية التدقيق".
رشاوى الموظفين الأمميين
ونقلت الصحيفة عن أحد المقاولين قوله: "لا يمكن لأحد أن يحصل على عقد دون أن يدفع، لا يوجد شيء في هذا البلد يمكنك الحصول عليه دون دفع، لا من الحكومة ولا من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي"، مبينا إن "موظفي برنامج الأمم المتحدة الإنمائي اتصلوا بهم مطالبين برشاوى".
قال أحد موظفي برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إن الصفقات تمت شخصياً وليس على الورق لتجنب اكتشافها، حيث يعمل العراقيون ذوو النفوذ في بعض الأحيان كضامنين، وقالوا: "يأخذ الطرف الثالث أيضًا حصة من الرشاوى"، مضيفين أن المقاولين "سيختارون الأشخاص ذوي العلاقات والسلطة".
ويُزعم أن المسؤولين الحكوميين الذين عهد إليهم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالإشراف على مشاريع البناء يحصلون على حصة أيضاً.
قال المقاولون وموظفو برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذين أشرفوا على المشاريع، إن المسؤولين استخدموا تلك السلطة "لابتزاز" للحصول على الرشاوى من الشركات مقابل التوقيع على المشاريع المكتملة، وقال اثنان من المقاولين للغارديان، إنهما أُجبرا على دفع مثل هذه المدفوعات.
وقال الأشخاص الذين تمت مقابلتهم، والذين تحدث الكثير منهم بشرط عدم الكشف عن هويتهم خوفاً من الانتقام، إن البرنامج قد شهد توسعاً وتمديداً غير مبررَين أدى في الغالب إلى الحفاظ على بصمة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مع إعفاء الحكومة العراقية من التزاماتها الخاصة بإعادة بناء البلاد.
ورش تافهة وغير متماسكة
وتشير الصحيفة أيضاً، إلى أن معظم مَن أُجريت معهم المقابلات وصفوا التدريب وورش العمل التي يديرها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في إطار هذه المبادرات بأنها "تافهة" و"تفتقر إلى التماسك الاستراتيجي".
وقيل لصحيفة الغارديان، إن الجلسات حضرها مسؤولون حكوميون وأفراد من المجتمع في الغالب من أجل الاستمتاع برحلة مجانية وصرف البدلات المالية، وقال أحد الموظفين السابقين: "يريد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي فقط حرق الأموال والإظهار للمانحين أنهم يقومون بورش عمل".
ووصف موظف سابق، مبادرة سبل العيش، التي أطلقها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لتعليم النساء النازحات، الخياطة، بأنها "غير واقعية" لأن العراقيين يميلون إلى شراء الملابس المستوردة الرخيصة من الأسواق المحلية: "لقد كانوا يحاولون إنشاء اقتصاد غير موجود". وأضافوا: "كان الأمر أشبه بالعودة إلى العصور الوسطى".
وقال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إن مبادرات مثل التدريب على المهارات تم تطويرها بناءً على احتياجات المجتمع وبالتشاور الكامل مع السلطات المحلية أو قادة المجتمع.
وقد اعترف المانحون بصعوبة متابعة كيفية إنفاق تمويلهم والاعتماد على برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للقيام بالرصد والتقييم من خلال وحدة داخلية وصفتها الوكالة بأنها "مستقلة تماماً"، على الرغم من أنها تتبع إدارة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وقال خمسة ممن أُجريت معهم مقابلات مطلعون على تقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إنها لا تعكس الواقع على الأرض.
وقال أحد المستشارين الذي أجرى مراجعة خارجية لبرنامج آخر لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي: "الكثير من هذه الوثائق هي في الغالب لأغراض العلاقات العامة، عندما تذهب فعليًا إلى هذه المقاطعات وتجلس مع المستفيدين من هذه الأموال وتنظر فعليًا إلى المشاريع، فإن ذلك يختلف تمامًا عما تتصوره من خلال قراءة هذه التقارير".
هل بلاسخارت متورطة؟
يذكر أن المبعوثة الأممية، جينين بلاسخارت من هولندا، تسلمت مهامها كممثلة خاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق ورئيسة لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) في 17 كانون الأول 2018.
وعيّن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بلاسخارت بتاريخ 31 آب 2018، حيث خلفت في المنصب يان كوبيش من سلوفاكيا الذي أعرب الأمين العام عن امتنانه لخدماته.
ويؤكد مراقبون، أن بلاسخارت ربما كانت جزءاً من عمليات الفساد وسوء الإدارة التي كشفت عنها صحيفة الغارديان، في تمويل خطة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، باعتبار أنها شغلت منصب رئيسة لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي).
وكانت أطراف سياسية عراقية فاعلة، قد اتهمت ممثلة الأمم المتحدة بلاسخارت والسفارة الأميركية في بغداد بممارسة الضغوط على المحكمة الاتحادية للمصادقة على نتائج انتخابات البرلمان العراقي 2021، التي تضمنت عمليات تزوير كبيرة قدمت خلالها الكتل أدلة لوجود تزوير.
ويؤكد مراقبون، أن "بلاسخارات طوال فترة ما بعد الانتخابات كانت تمارس الضغوط على المحكمة الاتحادية في الخفاء من أجل المصادقة ورد الأدلة بشأن تزوير الانتخابات".