شباب 2025.. كيف أعاد الجيل الجديد رسم الخريطة الانتخابية في العراق؟
انفوبلس..
لم تكن مشاركة الشباب العراقي في انتخابات 2025 حدثًا عابرًا، بل تحوّلت إلى واحدة من أهم مفاتيح فهم النتائج الجديدة، ومسار التحولات في الوعي السياسي والاجتماعي داخل البلاد. فبعد سنوات من الشعور بالإحباط والابتعاد النسبي عن صناديق الاقتراع، عاد الشباب بقوة هذه الدورة، ليقدّموا ما يشبه “التصويت المسؤول” الذي يوازن بين انتماءاتهم الدينية والاجتماعية، وبين حاجتهم إلى الاستقرار والخدمات وفرص العمل.
الكتلة الأكبر سياسيًا واجتماعيًا
يمثل الشباب العراقي – وفق التقديرات السكانية – ما يفوق نصف المجتمع. وهذه الكتلة الضخمة تواجه تحديات معيشية واقتصادية كبيرة، من البطالة إلى السكن إلى مستقبل التعليم. لكن في انتخابات 2025، أظهر الشباب أنهم لا يقفون خارج العملية السياسية، بل عادوا إليها بمزاج مختلف تمامًا عن الدورات السابقة.
فبعد سنوات من التوتّر الاجتماعي بين الاحتجاجات والركود السياسي، جاء تصويت الشباب ليعكس رغبة في "الاستقرار الذكي"، أي الحفاظ على الهوية الدينية والوطنية من جهة، والبحث عن فرص وتحسين الخدمات من جهة أخرى.
مشاركة لافتة رغم محاولات المقاطعة
كثفت عدة منصات إعلامية محلية وإقليمية حملاتها الداعية إلى مقاطعة الانتخابات، وركّزت بشكل خاص على استهداف الشباب باعتبارهم الفئة الأكثر تأثرًا بالخطاب العاطفي والاحتجاجي. ولكن ما حدث يوم الاقتراع أثبت العكس تمامًا، حيث ارتفعت نسب المشاركة الشبابية في المحافظات الشيعية، ما مثل انعكاسا واضحا لرغبتهم في تثبيت الاستقرار لا هدمه، فضلاً عن تجاهل شبه تام لخطاب المقاطعة والانفعال.
لقد أدرك الشباب أن غيابهم يعني وضع مستقبل بلدهم بيد الآخرين، وأن خيار المقاطعة لم يعد وسيلة للتغيير، بل وسيلة لتعطيل المجتمع وفتح الباب أمام المجهول. وهذا الوعي الجديد هو ما أعطى الانتخابات قوتها هذه السنة.
لماذا لم يصوّت الشباب للمستقلين؟
كان يُتوقع – كما حدث في انتخابات 2021 – أن يمنح جزء كبير من الشباب أصواتهم للتيارات المستقلة أو للقوى المدنية. لكن انتخابات 2025 قدمت مشهدًا مختلفًا؛ إذ جاءت نتائج المستقلين متواضعة بشكل كبير، وتراجع حضور التيارات المدنية إلى حد الاختفاء تقريبًا.
ويعود ذلك إلى عدة أسباب، أهمها غياب التنظيم لدى المرشحين المستقلين، وافتقارهم للبنية الانتخابية التي تمتلكها الأحزاب، وعدم وجود قيادة موحدة أو مشروع متماسك يجمع القوى المدنية، فضلا عن تشتت الأصوات على العديد من القوائم غير القادرة على المنافسة الفعلية، بالإضافة إلى تفضيل الشباب للبرامج الواقعية على الشعارات، خصوصًا في بيئة اجتماعية تبحث عن حلول لا عن خطابات.
لقد أثبتت نتائج 2025 أن المجتمع – بما في ذلك الشباب – بدأ ينظر إلى الاستقرار السياسي بوصفه شرطًا أساسيًا لتحسين حياته اليومية.
حضور الهوية الدينية الخالية من التعصب
رغم وجود شريحة من الشباب منفتحة وحيوية، إلا أنها ما تزال جزءًا من بنية اجتماعية محافظة تحترم الدين والمرجعية والقيم الإسلامية. وهذا الانتماء انعكس بوضوح على خياراتهم الانتخابية.
فالتحليلات الميدانية تؤكد أن جزءًا كبيرًا من الشباب فضّل القوائم ذات الطابع الإسلامي الوطني، وإن الخطابات التي احترمت القيم الدينية لاقت قبولًا أكبر، كما إن المشاريع التي قدّمت رؤية اقتصادية واقعية جذبت الجيل الجديد.
في هذه الانتخابات لم يبحث الشباب عن خطاب “شعاراتي” أو “ثوري”، بل عن قوى سياسية تجمع بين الهوية والانجاز، بين القيم والتنمية. هذه المعادلة هي التي منحت القوائم الإسلامية المتزنة حضورًا قويًا في نتائج 2025.
موقف الشباب من الحشد الشعبي
من أهم مؤشرات تصويت الشباب في 2025 هو موقفهم من الحشد الشعبي. فقد خاضت بعض القوى الانتخابات بخطاب صريح أو ضمني يهاجم الحشد، ويشكك في دوره، أو يدعو إلى تحجيمه. لكن النتائج كشفت بوضوح أن هذا الخطاب لم يجد له جمهورًا بين الشباب.
فقد أظهر الجيل الجديد احترامًا واضحًا للحشد باعتباره مؤسسة وطنية تحفظ أمن البلاد، وجزءًا من الهوية الشعبية، ورمزًا للتضحيات والانتصارات، وعنصرًا أساسيا في معادلة الاستقرار.
لقد أثبت الشباب أنهم لا ينسون من دافع عنهم، وأن استهداف الحشد سياسيًا لا يزال خطًا أحمر في الوعي الاجتماعي الجديد.
دور وسائل التواصل… من الفوضى إلى الوعي
الانتخابات السابقة في عام 2021 شهدت تأثيرًا كبيرًا لخطاب الفوضى والتحريض عبر منصات التواصل. لكن هذه الدورة مختلفة تمامًا؛ فقد بدا الشباب أكثر قدرة على التمييز بين الأخبار الحقيقية والدعاية المنظّمة.
وقد ساهمت عدة عوامل في هذا الوعي الجديد، منها تجربة سنوات الاحتجاج وما تلاها، ونضج المجتمع بعد أزمات كبرى، وتراجع تأثير الحسابات الوهمية الممولة خارجيًا، وانتقال الشباب من الغضب إلى العمل السياسي، حيث صار للخطاب المسؤول مساحة أكبر، وبدأ الشباب يدركون أن مستقبلهم لا يُبنى على الفوضى، بل على الاستقرار والإصلاح التدريجي.
الشباب… من الاحتجاج إلى البناء
الظاهرة البارزة في انتخابات 2025 هي انتقال الشباب من مربع الاحتجاج إلى مربع المشاركة والإسهام. فهم لم يختاروا الانسحاب كما أرادت بعض الجهات، ولم يدخلوا في صدام مع السلطة، بل ذهبوا إلى صناديق الاقتراع ليقولوا كلمتهم وموقفهم بالحصول على دولة قوية واستقرار سياسي وتحسين الخدمات وفرص عمل.
إنه جيل جديد لا يرفض الهوية الدينية، ولا يبتعد عن قيمه، لكنه يطالب بمستقبل أوضح وأكثر استقرارًا.
أثبت الشباب في انتخابات 2025 أنهم قوة سياسية لا يمكن تجاهلها. فقد جاء تصويتهم مزيجًا من الوعي الديني، والشعور الوطني، والرغبة في الاستقرار، والبحث عن حلول واقعية لمشكلاتهم اليومية. وبرغم كل الضجيج الذي سبق الانتخابات، فإن الجيل الجديد اختار طريقًا مختلفًا: طريق المشاركة والمسؤولية.
لقد وجّه الشباب رسالة واضحة إلى القوى السياسية، مفادها إن الأمن، والهوية، والخدمات، والعمل تمثل أبرز أولوياتهم.
ومَن يقترب منهم عبر هذه الأولويات، سيحظى بدعمهم في الاستحقاقات القادمة.