"شرقي وغربي".. إقليم كردستان مُهدّد بالانقسام: هذا مصير مبيعات النفط وتوزيع الثروات
انفوبلس/..
تصاعدت وتيرة الخلاف بين الحزبين الحاكمين في كردستان، مطلع تشرين الأول/2022 لتصل إلى نقطة حرجة بعد اتهام الحزب الديمقراطي مسؤولين في جهاز أمني تابع للاتحاد الوطني الكردستاني بالوقوف وراء اغتيال ضابط في جهاز الاستخبارات كان قد انشق عن الاتحاد بمدينة أربيل، بعد حوالي عام من الشدّ والجذب حول أزمة مالية خانقة تشهدها مناطق نفوذ حزب طالباني، الذي يتهم شريكه في الحكومة حزب بارزاني بفرض حصار مالي على مناطقه، وأبرزها محافظة السليمانية، بينما يتهم الأخير متنفذين في الاتحاد بالاستحواذ على إيرادات المحافظة وعدم الالتزام بإعادتها إلى الخزانة العامة.
وقاطع قوباد طالباني، نائب رئيس الحكومة عن حزب الاتحاد الوطني بزعامة بافل طالباني، منذ نحو شهرين اجتماعات حكومة الإقليم التي يقودها الحزب الديمقراطي بزعامة مسعود بارزاني، احتجاجاً على النهج السيئ في إدارة الحكم، بحسب وصفه، معلناً رفضه المشاركة مع الوفد الكردي المفاوض مع الحكومة الاتحادية حول الملفات الخلافية.
اتساع الخلاف بين الحزبين، يُثير قلق واشنطن وحلفائها في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، خاصة وأنها تسعى إلى إعادة توحيد قوات الحزبين التي كانت قد انقسمت بين إدارتين منفصلتين، إحداها في أربيل يحكمها حزب بارزاني والثانية في السليمانية خاضعة لحزب طالباني، نتيجة حرب أهلية خاضاها منتصف تسعينيات القرن الماضي، وذلك في إطار مذكرة تفاهم موقَّعة مع وزارة البيشمركة، ومؤشر هذا القلق بدا واضحاً في اللقاءات المكثفة التي أجراها خلال الأيام القليلة الماضية ممثلو البعثات الدبلوماسية لدول أعضاء التحالف مع قادة الحزبين في محاولة لإيجاد مخرج للأزمة.
ويفتقر الحكم في كردستان بشكل عام، إلى الشفافية والعمل المؤسساتي منذ تأسيسه قبل ثلاثة عقود، وبالتحديد فيما يخص الإيرادات النفطية أو الجمركية وغيرها، حيث لا توجد أرقام دقيقة تحت ظل الانقسام الحكومي على منطقتين، إحداها تخضع لحزب الاتحاد الوطني برئاسة بافل طالباني، والثانية تخضع للتأثير التركي المتمثل بالحزب الديمقراطي الذي يتزعمه مسعود بارزاني، وكلا الحزبين لا يمتلكان القرار فيما لو أرادا العودة لنظام حكم الإدارتين أو حتى الدخول في حرب أهلية جديدة، وهذا الأمر يخضع للمعادلة الدولية والإقليمية.
رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني، وفي خطوة هي الأولى من نوعها، زار شمال وشرق سوريا، والتقى القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، برفقة قائد قوات الاحتلال لما يسمى بـ"عملية العزم الصلب" ماثيو ماكفارلين، قرب مدينة الحسكة، حيث وصل الوفد المشترك جواً إلى المنطقة، بحضور قيادات عسكرية كردية من سوريا وكردستان، لبحث الجهود المشتركة لمكافحة إرهاب خلايا داعش، وتطوير الحوار بين الأطراف لتحقيق الأهداف المشتركة في الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة، بحسب بيانات صدرت عن اللقاء الذي كان مغلقاً أمام الصحافة، فيما تُعد هذه الزيارة تحدياً واضحاً للطرف الكردي الآخر في الإقليم.
تقاسم الإيرادات في الإقليم
الخلاف المُزمن على تقاسم الإيرادات في كردستان بات يفرض نظام حكم منقسم على إدارتين بين الحزبين التقليديين الحاكمين، وسط مطالب باتباع صيغة جديدة، فيما نفت الحكومة صحة تلك المزاعم، مؤكدة مواصلتها دعم إجراء الإصلاحات، فيما ما زال الحزبان الحاكمان يواجهان عقبات في تجاوز آثار نظام حكم الإدارتين على وقع خوضهما حرباً أهلية منتصف تسعينيات القرن الماضي، عندما فرض الديمقراطي سيطرته على محافظتي أربيل ودهوك، بينما انحسر نفوذ الاتحاد في نطاق محافظة السليمانية وتوابعها.
ووجّه القيادي في "الاتحاد" ونائب رئيس الحكومة، قوباد طالباني، انتقادات للمعادلة المعتمدة في توزيع الإيرادات المالية في الإقليم، حيث ذكر في منتدى الاقتصاد والاستثمار المنعقد في السليمانية أن "الإقليم عموماً يعاني عجزاً، لكن في السليمانية يبدو أنه أشد، جرّاء التفاوت في توزيع الواردات والموازنات مقارنة بأربيل"، موضحاً، أنه "كانت هناك معادلة متّبعة خلال فترة حكم الإدارتين، قُسِّمت بموجبها الإيرادات، 57 في المئة منها لأربيل و43 للسليمانية، وهذا الحل ربما كان يناسب تلك الظروف، لكنه لا يناسب الظروف الآنية، لذا من الأهمية إلغاء هذه المعادلة إذا كان لدينا حكومة موحدة، من خلال فصل نفقة المشاريع عنها، وكذلك الرواتب التي تُعد من الأمور السيادية".
ونوّه النائب علي صالح، إلى أن "الإقليم منقسم على حكومتين، وكان الأطراف يرفضون هذه الحقيقة، أما اليوم أصبحوا يُقرّون بهذا الواقع، فالمعادلة التي أشار إليها قوباد طالباني لم تُعد قائمة"، مؤكدا أن "ما يجري الآن هو أن كل محافظة لها دخلها الخاص، 26 في المئة للسليمانية و74 في المئة لأربيل ودهوك، لأن المعادلة الآنية التي طُبِّقت لغاية عام 2014 من دون إشكالات ليست سبب الانقسام الحاصل، إذ كان الإقليم يتسلم حصته من الموازنة الاتحادية ثم يجري تقاسمها، لكن الأزمة ظهرت بعد قطع بغداد لهذه الحصة"، ومبيناً أن "مجموع العائدات النفطية يوزَّع وفق هذه المعادلة، فيما تتولى كل محافظة سد العجز من إيراداتها شهرياً لتكملة مبلغ الرواتب والمشاريع وشراء الأدوية والنفقات العسكرية والأمنية الحزبية وغيرها".
الخلاف على عائدات النفط والغاز
أدّت الخلافات حول النفط والغاز في مناطق كردستان، إلى المزيد من الخلافات المالية الكبيرة، فوفقًا لتفاهم مُسبق، يتم تقسيم ميزانية ودخل إقليم كوردستان بين مناطق نفوذ الحزبين على أساس مبدئي 57% لمنطقة الحزب الديمقراطي الكوردستاني و43% لمنطقة الاتحاد الوطني الكوردستاني، ولكنهما تبنيا منذ ذلك الحين وجهات نظر متباينة بشكل متزايد حول كيفية تخصيص دخل المنطقة.
ويشير مراقبون، إلى أنه من منظور بارزاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، يجب على حكومة الإقليم دفع رواتب المحافظات وتحديد ميزانياتها بناءً على دخل كل منهما، ومقابل هذه الرؤيا، يقترح طالباني والاتحاد الوطني الكردستاني أن تجمع حكومة إقليم كوردستان كل المداخيل من إقليم كردستان ومن ثم توزيعها على جميع المناطق بحسب الحاجة.
ويزعم قادة الاتحاد الوطني الكردستاني أن دخل محافظة السليمانية، بين عائدات النفط والضرائب ودخل معبرين حدوديين دوليين، لا يزال غير كافٍ لتغطية الاحتياجات الأساسية لميزانية المحافظة ورواتبها، فقد تسبب نقص الأموال بأزمة أجور في مناطق السليمانية مثل حلبجة وگرميان ورابرين، ما أدى إلى تأخر توزيع الرواتب.
كما يؤكد المراقبون، أنه في منطقة الاتحاد الوطني الكردستاني، يبدو إنتاج الغاز الطبيعي واعداً، إذ بلغ معدل إنتاج حقلي نفط خور مور وجمجمّال في نهاية العام 2021 مثلًا 452 مليون متر مكعب يوميا، وفقا لمشروع جديد بين شركة “دانة غاز” والمؤسسة الأمريكية للتنمية المالية المعروفة باسم (KM250)، والتقديرات تُشير إلى أن غالبية الغاز الطبيعي في إقليم كردستان قد يكون تحت سيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني، وهذا ما يدفع شركات مثل دانة غاز باتجاه توسيع العمليات، أما فيما يتعلق بحقل خور مور، تتوقع “دانة غاز” وصول الإنتاج إلى 700 مليون متر مكعب يومياً بحلول نيسان/إبريل 2023، وبعد ذلك، يهدف مشروع (KM500) قيد التنفيذ، إلى إنتاج مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي يومياً.
السليمانية تدفع ضريبة الخلاف
ضريبة الخلاف السياسي بين الحزبين الكرديين تدفعها محافظة السليمانية، حيث تعاني بشكل أساسي من سوء الخدمات، وعدم توفر النفط الأبيض وارتفاع أسعاره، كما أن الكهرباء سيئة جدا، وفي بعض المناطق لا يتجاوز معدلها اليومي 7 ساعات تشغيل، وهذه الخدمات السيئة، هي نتائج الخلاف السياسي بين الحزبين الكرديين، الذي يدفع ضريبته المواطن.
ووجه محافظ السليمانية، هفال أبو بكر، رسالة شديدة اللهجة إلى الحزبين الرئيسين في إقليم كردستان، محذراً من انقسامات اجتماعية داخل المجتمع الكردي، حيث أشار إلى أن الصراع السياسي الذي يشهده إقليم كردستان حالياً كان له تأثير كبير على الاقتصاد والحكم والخدمات والسلام والاستقرار.
ومع تزايد الانشقاقات بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني على خلفية عدد من القضايا، يفقد إقليم كردستان استقراره الاقتصادي والسياسي، حيث أن العلاقة المتوترة التي تجمع اليوم بين الحزبين الحاكمين في كردستان تنتج من النزاع الذي دام 60 عامًا والذي أضفى طابعًا مؤسسيًا على الانقسام بين هذين الحزبين بانقسام تاريخي وأيديولوجي وجغرافي، وحتى لغوي، على مدى عقود.