شكل جديد للتحالفات الانتخابية.. السوداني يكوّن كتلة في البرلمان مع فصله التشريعي الأخير.. هل ينجح بفرض الولاية الثانية على خصومه؟

انفوبلس..
بينما يقترب موعد الانتخابات البرلمانية، برز تطور سياسي لافت تمثّل بإطلاق كتلة "الإعمار والتنمية" المرتبطة برئيس الوزراء محمد شياع السوداني. الكتلة التي تضم عشرات النواب، أعادت خلط أوراق المشهد السياسي، وطرحت تساؤلات حول مستقبل التوازنات داخل البرلمان ومعركة التجديد للسوداني.
وفي خطوة مفاجئة حملت أبعادا سياسية وانتخابية، تم الإعلان عن تشكيل كتلة نيابية جديدة تحت مسمى “ائتلاف الإعمار والتنمية”، تضم أكثر من 50 نائبا، مرتبطة برئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وسط تساؤلات حول أهداف هذا التحرك وتوقيته، وعلاقته بإعادة رسم موازين القوى داخل البرلمان، وفيما إذا كان مقدمة مبكرة لصراع “الكتلة الأكبر”، أو تمهيدا لـ”ولاية ثانية”.
الكتلة الجديدة، وصفها مراقبون بأنها محاولة لتأسيس ظهير سياسي صريح للسوداني، بعد أن كانت حكومته محاطة بتحالف هش يقوم على التوافق، لا الانتماء السياسي الصريح، ويأتي هذا التشكيل في وقت أبدت فيه بعض قوى الإطار التنسيقي معارضتها لمنح السوداني ولاية أخرى، بالتوازي مع أحاديث خلف الكواليس عن سيناريوهات “استجواب” أو تأجيل أو تعطيل الانتخابات.
ويقول رئيس مركز أفق للدراسات، جمعة العطواني، إن “تشكيل كتلة الإعمار والتنمية لا يرتبط بأي مساع لتأجيل الانتخابات، ولا يعكس ضغوطا داخلية أو خارجية كما يروج”.
ويضيف العطواني، إن “الكتلة لم تولد بشكل مفاجئ، بل كانت نواتها موجودة منذ عدة أشهر، وتم تسجيلها رسميا في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات”، موضحا أن “السوداني كان يعمل بصمت على بلورة هذا التشكيل، الذي بدأ يأخذ طابعا برلمانيا فاعلا منذ جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب”.
ويشير إلى أن “الكتلة تجاوز عدد مقاعدها الآن 54 نائبا، ولها تأثير واضح في رسم مسار البرلمان”، مضيفا أن “مقبولية السوداني الشعبية وزعامته السياسية الصاعدة شجعت العديد من النواب، خصوصا المستقلين وبعض الشخصيات المنضوية سابقا ضمن قوى الإطار التنسيقي وخارجه، على الانضمام إليه”.
ويتابع أن “هذه الكتلة لن يكون لها دور مرحلي فقط، بل ستكون قوة انتخابية مؤثرة خلال الاستحقاق المقبل، وتشكيلها يأتي في سياق طبيعي واستعداد مبكر للانتخابات، ولا يمكن ربطه بأي توجه لتعطيل العملية الانتخابية”.
وينتمي أعضاء الكتلة الجديدة لخلفيات سياسية متنوعة، بعضهم من محافظات سنية، وآخرون من المستقلين، فيما يبرز بينهم نواب سابقون ضمن الإطار التنسيقي، في وقت رأى مختصون أن ولادة الكتلة، إيحاء بتنظيم صفوف “الولاية الثانية”.
وكان المتحدث باسم كتلة الإعمار والتنمية، فراس المسلماوي، أكد يوم أمس، أن الكتلة الجديدة التي يتزعمها رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، هي أكبر كتلة نيابية في البرلمان، وقدمت كتابا رسميا بتواقيع 53 نائبا إلى رئاسة مجلس النواب، وستأخذ على عاتقها المبادرة لتشريع القوانين المهمة خلال الفصل التشريعي الحالي، لا سيما تلك المتعلقة بالقطاعات الخدمية والصحية والتعليمية، إضافة إلى قوانين تتعلق بالحشد الشعبي والأجهزة الأمنية.
وفي هذا السياق، يرى المحلل السياسي محمد علي الحكيم، أن “رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يواجه تحديات كبيرة قد تعيق تجديد ولايته، رغم إعلانه عن تشكيل كتلة انتخابية جديدة تضم 54 نائبا”.
ويبين الحكيم، أن “الواقع السياسي في العراق ما زال مرهونا بالتوافقات الداخلية والإقليمية”، موضحا أن “بعض قوى الإطار التنسيقي، ترى أن السوداني وضع جميع بيوضه في السلة الأمريكية والغربية، وهذا ما يزعج تلك القوى التي تدعمه حاليا، ولكنها لا ترى تجديد الولاية له خيارا مطروحا”.
ويضيف أن “بعض الأطراف داخل الإطار، أبلغت السوداني صراحة بأنه سيكون في خانة المرفوضين في حال ترشحه مجددا، رغم إعلانه عن كتلته الجديدة”، مبينا أن “الوصول إلى ولاية ثانية ليس مرهونا بعدد المقاعد، بل بتوافق القوى السياسية كافة، وهو أمر معقد، خاصة وأن المناصب العليا في العراق تُحدد غالبا بتفاهمات إقليمية ودولية أكثر من كونها نتائج لصناديق الاقتراع”.
وتدور أحاديث في الأوساط السياسية عن نية الإطار التنسيقي وتحديدا ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، بمضايقة حكومة السوداني واستجوابه في البرلمان، خاصة بعد وصول حليف المالكي، محمود المشهداني، إلى سدة رئاسة البرلمان، وعلى هذا الأساس بدأ الأخير بمحاولة تقوية نفوذه، مع الأطراف السنية والكردية.
وخلال الفترة القليلة الماضية، تواردت أنباء حول خلافات تعصف بقادة الإطار التنسيقي دفعت زعيم حركة عصاب أهل الحق قيس الخزعلي، الى سحب الدعم عن حكومة السوداني، وذلك على خلفية “ملف التنصت”.
في المقابل، يرى المحلل السياسي نبيل العزاوي، أن “الكتلة التي أعلن عنها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، والتي حازت على دعم واسع من داخل البرلمان، تمثل القوة السياسية القادمة”.
ويؤكد العزاوي، أن “السوداني نال ثقة برلمانية واضحة من داخل المؤسسة التشريعية، وكتلته الجديدة تعكس تطلعات مختلف فئات الشعب العراقي، بمكوناته وتوجهاته كافة”، مشيرا إلى أن “المرحلة المقبلة هي مرحلة تصحيح وإكمال للمسار الذي بدأ به رئيس الوزراء منذ توليه المسؤولية”.
ويضيف أن “هناك شعورا متزايدا لدى المواطنين بأن الخدمات تحولت إلى واقع ملموس، لا سيما بعد أن تحولت الكثير من المشاريع التي كانت حبرا على ورق إلى إنجازات فعلية”، مشددا على أن “المشروع الذي يقوده السوداني ليس فقط مشروع سلطة أو حكومة، بل يمكن أن يتحول إلى واقع شامل يمثل كل فئات المجتمع”.
ويخلص العزاوي، إلى أن “الانتخابات المقبلة ستكون مفصلية، ويمكن مقارنتها بانتخابات عام 2006 من حيث التأثير والتأسيس لمرحلة سياسية جديدة قائمة على الشراكة والتوازن، وأن ما يُطرح اليوم يمثل فرصة حقيقية لإنتاج مخرجات انتخابية أكثر واقعية تلبّي احتياجات المواطن وتضمن استقرار الدولة”.
يشار إلى أن السوداني يسعى للحصول على ولاية ثانية، عبر تحركات سياسية عديدة، فضلا عن مشاركته في الانتخابات بالرقم واحد عن قائمته في العاصمة بغداد، وهو ما دفع المالكي للعودة الى الانتخابات بشخصه، وأيضا عبر الرقم واحد في بغداد.
ومن المفترض أن تجرى الانتخابات في 11 تشرين الثاني نوفمبر المقبل، وقد بدأت الاستعدادات لذلك بعد الانتهاء من تسجيل الكيانات السياسية
ويمثل إعلان تشكيل كتلة "الإعمار والتنمية" البرلمانية المرتبطة برئيس الوزراء محمد شياع السوداني، تحوّلاً استراتيجياً في مسار الحكومة الحالية، ويكشف عن رغبة واضحة في تجاوز الصيغة الهشة للتحالفات التي حكمت المشهد السياسي بعد انتخابات 2021. وبينما يرى البعض أن هذا التكتل يمهّد لمرحلة جديدة من الاستقرار التشريعي والتنفيذي، يتخوف آخرون من أن يكون مجرد تموضع تكتيكي للعبور إلى "ولاية ثانية" محفوفة بالتعقيدات.
منذ تسلمه المنصب، سعى السوداني إلى الموازنة بين قوى الإطار التنسيقي الداعمة له، وبين الشارع العراقي الذي يعاني من إرث الفساد وضعف الخدمات. ورغم أن حكومته تشكّلت تحت عباءة "توافق هش"، إلا أن أدائه النسبي وقدرته على تنفيذ بعض المشاريع الخدمية، شكّلا حافزاً له لتثبيت موقعه كلاعب مستقل نسبياً، يسعى الآن إلى ترجمة هذه المكاسب إلى مشروع سياسي واضح المعالم.
تشكيل الكتلة الجديدة لا يمكن فصله عن هذا الطموح. فالسوداني بحاجة إلى "ظهير برلماني" يمنحه غطاءً تشريعياً وشرعية سياسية، بعيداً عن ابتزاز بعض الكتل أو تقلب مواقف الإطار التنسيقي الذي بدا منقسماً على ذاته.
كما أن اختيار اسم الكتلة نفسه –الإعمار والتنمية– يعكس محاولة لتسويق خطاب تنموي جامع، قد يستثمره لاحقاً في حملته الانتخابية.
التحركات الأخيرة أثارت امتعاضاً داخل الإطار التنسيقي، خصوصاً من جناح نوري المالكي، الذي يرى في تصاعد نفوذ السوداني تهديداً مباشراً لزعامة "دولة القانون". وتواتر الحديث عن استجواب رئيس الوزراء، أو حتى عرقلة بعض مشاريع حكومته، يشي بأن التوافق داخل الإطار لم يعد مضموناً، وأن مرحلة الصراع الخفي قد دخلت طوراً جديداً.
مواقف شخصيات بارزة كالشيخ قيس الخزعلي، وانسحاب الدعم على خلفية ملفات خلافية (مثل "ملف التنصت")، تعزز فرضية أن بعض أطراف الإطار بدأت تشعر أن السوداني لم يعد مجرد "رئيس وزراء توافقي"، بل لاعب مستقل يملك مشروعاً وزعامات متصاعدة. هذا التغيّر في التموضع السياسي من شأنه أن يعمّق الفجوة داخل الإطار، ويفتح الباب لتحالفات جديدة تتجاوز الاصطفافات التقليدية.
التحضير للانتخابات المقررة في تشرين الثاني/نوفمبر 2025 دخل فعلياً مراحله الجدية، وظهور كتلة الإعمار والتنمية هو أول تجليات هذا الحراك. فالسوداني، بترشحه "بالرقم واحد" في بغداد، لا يراهن فقط على ثقل حكومته أو منجزاتها، بل على حضوره الشخصي المتنامي. في المقابل، عاد نوري المالكي إلى المشهد الانتخابي بترشح مماثل، ما ينذر بمواجهة مباشرة بين جناحين متنافسين داخل الطيف الشيعي نفسه.
لكن التحدي الأكبر أمام السوداني لا يكمن فقط في مواجهة المالكي أو تحصين كتلته الجديدة، بل في قدرته على اجتذاب الدعم الكردي والسني، وتوسيع رقعة تمثيله لتشمل قاعدة جماهيرية عابرة للهويات الطائفية. وهذا يتطلب أداءً ميدانياً فعّالاً، واستثماراً ذكياً في ملفات مثل الخدمات، والتوظيف، والحشد الشعبي، وهي ملفات قد تكون سيفاً ذا حدين إذا لم تُدار بحذر.
إن تأكيد كتلة الإعمار والتنمية على نيتها تشريع قوانين خدمية وأمنية في الفصل التشريعي الحالي، يوحي بأن دورها لن يكون شكلياً أو انتخابياً صرفاً. بل هناك مسعى واضح لتحويلها إلى ذراع تشريعي مؤثر، قادر على فرض أولويات الحكومة داخل البرلمان، وربما تأمين الغطاء القانوني اللازم لتمرير قرارات أو مشاريع استراتيجية.
لكن هذا الهدف يواجه تحديين: الأول هو حجم المعارضة المحتملة من كتل منافسة، والثاني هو مدى تماسك الكتلة نفسها، في ظل تركيبتها المتنوعة التي تضم مستقلين ومنسحبين من كتل تقليدية. ومع غياب مرجعية فكرية أو أيديولوجية موحّدة، قد يكون الحفاظ على وحدة الموقف داخلها تحدياً مستقبلياً.
كتلة "الإعمار والتنمية" تمثل محاولة جريئة لإعادة تشكيل ملامح السلطة في العراق، من خلال بناء قاعدة سياسية صلبة لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني. ومع أن هذه الخطوة تمنحه هامشاً أوسع للحركة، إلا أنها في ذات الوقت تفتح جبهة صراعات جديدة مع خصومه في الإطار التنسيقي وخارجه. والنجاح في عبور هذه المرحلة يعتمد على قدرته في إدارة التحالفات، وتهدئة الصراعات، وتقديم منجزات ملموسة تقنع الشارع بجدوى تجديد ولايته.
الانتخابات المقبلة قد تكون فعلاً نقطة مفصلية، لا فقط في مستقبل السوداني، بل في شكل النظام السياسي العراقي برمته.