عام على "مجزرة برخ" التي ارتكبها الأتراك شمالي العراق.. فشل واضح لوزارة الخارجية في تدويل الجريمة
انفوبلس/..
أكثر من 47 ضحية من المدنيين العراقيين، بالإضافة الى آلاف الجرحى خلال أقل من ست سنوات، هذه ليست حصيلة ضحايا هجمات عصابات داعش الإرهابي أو الاحتلال الأمريكي، إنها حصيلة ضحايا الاعتداءات العسكرية التركية المستمرة على الأراضي العراقية وخاصة في شمالي العراق وقضاء سنجار، منذ العام 2016، وفقاً لتقارير منظمات حقوقية وجهات رسمية.
إلا أن الأشد فظاعة في تلك الاعتداءات، هي المجزرة المروعة التي ارتكبها جيش النظام التركي، في ظهيرة يوم الأربعاء الموافق 20 تموز 2022، عندما استهدف بالأسلحة الثقيلة، مصيف برخ السياحي في زاخو التابعة لمحافظة دهوك بإقليم كردستان، والتي راح ضحيتها أكثر من ثلاثين شخصاً بين قتيل وجريح معظمهم من النساء والأطفال، وغالبيتهم من محافظات وسط وجنوبي العراق.
معظم الناجين من تلك المجزرة أكدوا أن جيش النظام التركي شنَّ قصفاً مدفعياً عنيفاً على المصيف، بعد دقائق من وصول نحو 20 حافلة تحمل سيّاحاً من مختلف المحافظات العراقية، معظمهم من النساء والأطفال، حيث تحولت جوانب الحياة البعيدة عن صخب المدينة في تلك المنطقة إلى جحيم، اختلط فيه مياه الطبيعة مع دماء الأبرياء، وتلطخت الأشجار والحجارة بالأشلاء.
تنصل تركي من المجزرة
بعد المجزرة صرّح قائممقام مدينة زاخو مشير محمد بشير أن الهجوم ناجم عن قصف تركي، ونددت الحكومة العراقية بالمجزرة، التي سارع النظام التركي إلى محاولة التنصل من المسؤولية عن ارتكابها، واتهم مقاتلي حزب العمال الكردستاني بتنفيذها، لكن الإدانات الرسمية من العراق والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وبعض الدول الأخرى، حمّلت أنقرة بشكل مباشر أو غير مباشر، المسؤولية عن ارتكاب المجزرة.
لم تشفع دموع الأمهات اللواتي أثكلتهنّ المجزرة الشنيعة التي ارتكبها جيش النظام التركي، في دفع الألم وشفاء صدور ذوي الضحايا بإنصافهم وتحقيق العدالة لقضيتهم، بما يزيل شيئاً من القهر والحرمان الذي عايشوه إثر تلك المجزرة وما يزالون، وهذه دموع أم مفجوعة بفقد ولدها البكر وفلذة كبدها تروي ما عجزت الكلمات أن تعبر عنه.
فشل تدويل القضية
وعلى إثر المجزرة، اكتفى مجلس الأمن الوطني العراقي بقرارات، اعتبرها رداً على الجانب التركي، منها تكليف وزارة الخارجية بإعداد ملف حول اعتداءات تركيا على سيادة العراق وأمنه، ورفع هذه الملفات إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وقرر المجلس، استدعاء السفير التركي وتسليمه مذكرة احتجاج، واستقدام القائم بالأعمال العراقي في أنقرة للتشاور ووقف إجراءات إرسال سفير جديد إلى تركيا، ومطالبتها باعتذار رسمي وسحب قواتها من كامل الأراضي العراقية، والتنسيق مع الإقليم لمنع تكرار الانتهاكات، مع متابعة أوضاع ضحايا الهجوم وعوائلهم، وتقديم التعويض لهم.
لكن معظم هذه الإجراءات والمقررات لم تبصر النور حتى الآن، ولم تلتفت أي من الجهات المعنية لقضية الضحايا ومناشدات ذويهم، وفشلت وزارة الخارجية العراقية بتدويل القضية.
احتجاجات في مدن عراقية
الصدمة التي عاشها ذوو الضحايا كانت مضاعفة، تحت وطأة الإهمال الحكومي والتراخي في التعاطي مع القضية
ونُظِّمت احتجاجات حاشدة في عدد من المحافظات العراقية تنديداً بالمجزرة والاعتداءات التركية، فأغلقت المكاتب القنصلية التركية التي تصدر التأشيرات بسبب الاحتجاجات، وحاصر المحتجون السفارة التركية في بغداد، فيما شُكِّلت لجنة أمنية برلمانية للتحقيق في المجزرة، وأُجريت زيارات ميدانية للمسؤولين إلى موقع ارتكابها، فيما شددت الحكومة على أن بغداد تحتفظ بحق الرد عليها، وقيامها بالإجراءات اللازمة لحماية شعبها وتحميل الطرف المعتدي كل تبعات التصعيد المستمر.
الصدمة التي عاشها ذوو الضحايا كانت مضاعفة، تحت وطأة الإهمال الحكومي والتراخي في التعاطي مع القضية، حيث جرى تجاهل مرتكبي المجزرة في التحقيقات والأوراق الرسمية، وجاءت البيانات في ملفات التحقيق وكأنها تريد تقييد الفعل ضد مجهول، ليبقى ذوو الضحايا يراوحون بين المؤسسات الحكومية في العراق وإقليم كردستان، والتي لم تمنح رسمياً للضحايا صفة شهداء، أو تكلف نفسها عناء متابعة قضيتهم أو التواصل مع عوائلهم.
كردستان بموقف مخيب للآمال
أما موقف حكومة إقليم كردستان، فقد جاء مخيباً لتطلعات الشارع العراقي، حيث عمدت حكومة الإقليم إلى سياسة توزيع المسؤولية على حزب العمال الكردستاني والنظام التركي كعادتها بعد كل اعتداء تركي، وهو توزيع منحاز يساوي بين الضحية والجلاد، ويحاول صرف النظر عن المسؤول المباشر في ارتكاب أعمال القصف للمناطق المأهولة بالسكان، وقتل المدنيين وترويعهم، وتدمير الطبيعة.
وبعد عام على مجزرة زاخو ما تزال الجهات الرسمية تحاول طيّ صفحتها، بإهمال مطالب ذوي الضحايا ومعظم العراقيين بالرد على مرتكبيها ومحاسبتهم، مكتفية ببيانات الإدانة والتنديد، وسط تجاهل تام لسبل الرد المناسبة، بدءاً بإنهاء الوجود التركي على أراضي العراق وإقليم كردستان، ومنع أي اعتداءات أخرى تزعزع استقرار البلاد وتهدد سيادتها وسلامة مواطنيها.
ردود أفعال محلية ودولية
ولاقى القصف الذي طال مصيف برخ في قضاء زاخو بمحافظة دهوك، ردود أفعال مستنكرة وغاضبة، على الصعيدين الشعبي والرسمي، محلياً ودولياً، في وقت شهدت عدد من المدن العراقية تظاهرات احتجاجية.
وانتاب السياح في تلك المنطقة حالة من الذعر والرعب، عند سماع أصوات القصف المدفعي العنيف الذي استهدف ظهيرة الأربعاء (20 تموز 2022)، قرية برخ في ناحية دركار، ما أسفر عن استشهاد 9 مواطنين وإصابة 31 آخرين.
وكان المجلس الوزاري العراقي للأمن الوطني، قرر حينها استقدام القائم بالأعمال العراقي من أنقرة، لغرض المشاورة، ووجّه وزارة الخارجية بإعداد ملف متكامل بالاعتداءات التركية المتكررة على السيادة العراقية وأمن العراقيين، وتقديم شكوى عاجلة بهذا الشأن إلى مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة.
ووجه المجلس الوزاري، الخارجية العراقية باستدعاء السفير التركي لدى العراق وإبلاغه الإدانة، وإيقاف إجراءات إرسال سفير جديد إلى تركيا، وتوجيه قيادة العمليات المشتركة بتقديم تقرير بشأن الحالة على الحدود العراقية التركية، واتخاذ كل الخطوات اللازمة للدفاع عن النفس، ومتابعة أحوال جرحى الاعتداء وعائلات الشهداء وتعويضهم، التنسيق مع حكومة إقليم كردستان بشأن أخذ إجراءات حاسمة لمنع الانتهاكات، ومطالبة تركيا بتقديم اعتذار رسمي وسحب قواتها العسكرية من جميع الأراضي العراقية.
مجازر بدون حساب
المرصد العراقي لحقوق الإنسان: الحكومة التركية تتمادى في عمليات القصف التي تطال مساحات جغرافية من الأراضي العراقية،
كل تلك المجازر والجرائم التي خلفت مئات الضحايا من المدنيين والعسكريين، مرت دون محاسبة لمرتكبيها، ودون أن تحرك السلطات العراقية والمجتمع الدولي والمؤسسات المعنية ساكناً لوقفها، أو مجرد المطالبة بإنهاء وجود جيش النظام التركي من الأراضي العراقية، ما يجعل الباب مفتوحاً أمام ارتكاب المزيد من المجازر في تلك المناطق، طالما أصبح المنطق السائد فيها إفلات المجرمين من العقاب.
وأكد المرصد العراقي لحقوق الإنسان في بيان، أن "الحكومة التركية تتمادى في عمليات القصف التي تطال مساحات جغرافية من الأراضي العراقية، وأغلبها أعيان وفق القانون الإنساني الدولي، الذي يلزم أطراف النزاع المسلح بالتمييز في جميع الأوقات بين المدنيين والمقاتلين، وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، وباتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية المدنيين، ومناطق سكناهم، وأراضيهم الزراعية، ومصادر رزقهم".
وأشار إلى، أن "القوات التركية تتخذ من حزب العمال الكردستاني حجة لتحقيق نفوذ عسكري أكبر في العراق، وتستهدف مناطق مدنية، وتسببت بقتل العشرات من المدنيين خلال السنوات الماضية، وسط صمت عجيب من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة".