"عبد الهادي العراقي" من القاعدة إلى غوانتانامو
انفوبلس/..
لم تكن العلاقات بين جماعة "التوحيد والجهاد" وتنظيم القاعدة، طيبة إلى حد ما، بل كانت تتخللها صراعات "جمّة"، وما لا يختلف عليه اثنان أنه إبان قيادة أبو مصعب الزرقاوي للتنظيم في بلاد الرافدين شهدت عمليات إرهابية كارثية أوقعت آلاف الضحايا من العراقيين، تمثل ذلك بالتفجيرات والاغتيالات والتخريب، لكن في جانب آخر، لو كانت قيادة التنظيم آنذاك لـ"عبد الهادي العراقي" لربما شهدت البلاد عمليات أقل حدة.
يعد نشوان عبد الرزاق عبد الباقي او ما يسمى بـ"عبد الهادي العراقي" أحد الضباط السابقين في الجيش العراقي، و شارك في الحرب الأفغانية السوفيتية، كما كان قائداً لكتيبة الأنصار وقائداً لقطاع شمال افغانستان في تنظيم القاعدة.
نشوان المولود في مدينة الموصل سنة 1961، كان أحد أبرز مستشاري أسـامة بن لادن (مؤسس تنظيم القاعدة وزعيمه السابق)، بالإضافة إلى أنه كان حلقة الوصل بين ابن لادن ومسؤول التنظيم في العراق أبو مصعب الزرقـاوي.
قبل 11 أيلول/سبتمبر 2001، كان عضواً في مجلس الشورى الحاكم في تنظيم القاعدة، فضلا عن اللجنة العسكرية للتنظيم التي كانت تشرف على العمليات الإرهابية وحرب العصابات والتدريب شبه العسكري. وكان عبد الباقي عضواً في تنظيم القاعدة منذ أواخر التسعينيات من القرن العشرين، وعمل مدرباً في أحد معسكرات التدريب التابعة للتنظيم في أفغانستان. وكان يحظى بثقة ابن لادن وأيمن محمد ربيع الظواهري، وكان على اتصال مباشر مع كلا الزعيمين، وعمل في وقت من الأوقات حاجباً للظواهري.
كان هذا الشخص بين عامي 2002 - 2004 مسؤولاً عن الهجمات التي تُشن عبر الحدود في أفغانستان ضد "القوة الدولية للمساعدة الأمنية". وقاد أيضاً عدة محاولات لاغتيال معارضين لتنظيم القاعدة، منهم الرئيس الباكستاني برويز مشرف وأحد المسؤولين في الأمم المتحدة. وحاول عبد الباقي العودة إلى وطنه الأم (العراق)، لإدارة شؤون القاعدة وربما للتركيز أيضاً على القيام بعمليات خارج العراق ضد أهداف غربية.
قابل عبد الباقي أعضاء تنظيم القاعدة في إيران وأبلغهم أنه يتعين عليهم مضاعفة جهودهم، بما في ذلك دعم الجهود التي يبذلها التنظيم في العراق وإثارة المشاكل داخل إيران. ووفر عبد الباقي القيادة والدعم الاستخباري خلال هجوم صاروخي شُن في خريف عام 2003 على القوات العسكرية للولايات المتحدة في أفغانستان.
*ولادة داعش
عبد الهادي العراقي منع الزرقـاوي من تأسيس دولة مستقلة للقاعدة في العراق، وأراد المجيء إلى البلاد سنة 2006 لإنشاء دولة إسلامية تمهيداً لـ"تنظيم الدولة الإسلامية" أو ما تعرف بـ"داعش"؛ لكنه اعتُقل. وبما أن عبد الهادي كان جالساً في سجن الشرطة، فقد كان يعلم أن مهمته فشلت، لكنه لم يكن يعلم مدى سوء الفشل، فباعتقاله؛ خسر تنظيم القاعدة أبو مصعب الزرقاوي وأدى ذلك لفقدان السيطرة على الفرع العراقي المتمرد، الذي سيتصدر المشهد الجهادي العالمي، ويصبح مستقبلا تنظيم "الدولة الإسلامية".
ومع أن التنظيم لم يعلن "الخلافة" حتى عام 2014، إلا أنه كان قد أعلن "الدولة الإسلامية في العراق"، قبل يوم واحد من اعتقال عبد الهادي، بدون استشارة قيادة تنظيم القاعدة المختبئة في مناطق باكستان القبلية، حيث مثّل هذا الإعلان تحديا كبيرا لسلطة القاعدة، وأكد على الانفصال العلني والعنيف بين القاعدة وتنظيم الدولة.
*اعتقال نشوان
في شهر تشرين الأول 2006 تم اعتقال نشوان عبد الرزاق من قبل الشرطة التركية في غازي عنتاب بينما كان في طريقه إلى سوريا والعراق، ثم تم تسليمه إلى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA، التي احتجزته باعتباره "معتقلا ذا قيمة عالية"، ليقبع 170 يوماً في معتقل سري، ويشير محاموه إلى أن نشوان تعرض هناك للتعذيب، الذي تسبب بإصابته في عموده الفقري، فيما ينفي تقرير اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ الأمريكي في الصحيفة 448، تعرض نشوان للتعذيب.
نشوان سجين منذ نيسان 2007 في المخيم رقم 7 بسجن غوانتانامو، ويُعرف المخيم بأنه خاص بالسجناء الأشد خطورة، ويضم الآن 40 من أعضاء تنظيم القاعدة.
وحسب CIA، فإن نشوان اعتُقل وهو في طريق العودة إلى العراق لتسوية الخلافات بين تنظيم القاعدة في العراق وقيادة التنظيم في أفغانستان.
*فشل القاعدة في العراق
وتغيرت قيادة تنظيم القاعدة في العراق قبل أن يقترب عبد الهادي من البلاد، حيث قُتل الزرقاوي بغارة أمريكية في حزيران/ يونيو 2006، وحل مكانه: أبو حمزة المهاجر، الذي أبعد الفرع العراقي أكثر عن القيادة المركزية.
وفي 15 تشرين الأول/ أكتوبر 2006، أعلن مجلس شورى المجاهدين أن كل عناصره تم حلهم، وتشكيل قيادة جديدة تحت اسم "الدولة الإسلامية في العراق"، التي ستصبح بعد ذلك "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، ثم تعلن الخلافة تحت اسم "الدولة الإسلامية"، في سوريا، بعد ذلك بسنوات.
وشعرت حينها قيادة تنظيم القاعدة بالصدمة، فهي لم تُستشر بالإعلان، وفشلت الدولة الإسلامية بالعراق بخلق "وحدة" بين العراقيين الجهاديين، برفضها التعاون مع أنصار السنة، والتي ظلت حذرة من التنظيم، حتى بعد موت الزرقاوي، مما أشعرهم بأن عبد الهادي كان قرب الحدود وقد يستطيع فعل شيء، لكن هذه اللحظة كانت قصيرة، فقد كان عبد الهادي معتقلاً.
وبهذا الاعتقال، فشلت أكبر جهود القاعدة للتحكم بالمشهد الجهادي في العراق، وابتعدت الحركة التي أسسها الزرقاوي أكثر فأكثر عن فضاء تنظيم القاعدة.
*عبد الهادي يقاطع محكمة غوانتانامو
رفض عبد الهادي العراقي المعتقل في غوانتانامو أن تقوم الحارسات النساء بالمعتقل باقتياده إلى جلسات المحكمة، مشيراً إلى أنه سيقاطع الجلسات التحضيرية لمحاكمته طواعية والبقاء في زنزانته إذا كان الحراس المكلفون باصطحابه واقتياده من المعتقل من النساء.
وقد أثار العراقي هذا الطلب بعد حادثة وقعت في يناير (كانون الثاني) 2017 بعد أن قامت حارسات من النساء بالمعتَقَل بتقييده واقتياده بالقوة إلى الجلسة الافتتاحية للجلسات التحضيرية، التي يتعين على المتهم حضورها شخصياً ليسأله القاضي مباشرة، إذا كان يفهم حقوقه ويدرك الإجراءات التي تجري في جولة جلسات الاستماع أم لا، ويتم تسجيل رد المعتقل في السجلات الرسمية.
وفي ذلك اليوم رفض العراقي أن تقوم الحارسات النساء باقتياده إلى جلسة المحاكمة في القاعة المخصصة داخل القاعدة العسكرية الأميركية، وعندما علم القاضي أَمَر بإحضاره إلى قاعة المحكمة، مشيراً إلى أن بإمكانه التغيبَ عن بقية الجلسات (إذا أراد ذلك طواعية وباختياره)، وقامت الحارسات من النساء باقتياده بالقوة وإجباره على ارتداء سترة خاصة لتقييد حركته، وتم اقتياده إلى القاعة.
وثارت ثورة عبد الهادي العراقي في ذلك اليوم، ونقل إلى فريق الدفاع عنه أن يتقدم بطلب إلى المحكمة بأن يكون له حق الاختيار في الحضور إلى قاعة المحكمة والغياب عن الجلسة إذا كان الحراس الذين يقتادونه من زنزانته إلى جلسة المحاكمة من النساء، سواء كان ذلك في اليوم الأول من جلسات الاستماع (التي يتحتم عليه حضورها لمواجهة القاضي) أو الجلسات الأخرى بقية الأسبوع. وأشار العراقي إلى أن معتقداته تحرم عليه لمس نساء غريبات.
وقد رفض ممثلو الادعاء والقاضي الكولونيل البحري بيتر روبن الاستجابة لطلب العراقي انطلاقاً من أن تحديد الحراس من الرجال فقط لاقتياده، سيُعدّ تمييزاً ضد النساء في الجيش الأميركي، خصوصاً أن الحارسات يقمن بواجباتهن، وهنّ موظفات عسكريات، ولديهن حقوق وواجبات.
*تدهور صحي
يعاني عبد الهادي، من مرض متطور في عظام أسفل ظهره عندما اعتُقل ونُقل إلى غوانتانامو عام 2007، وساء كثيراً مرض ظهره، رغم عمليات جراحية كثيرة أجريت له.
وتقول محاميته سوزان هانسل، إنه "يعاني من مشكلات صحية، واضطر إلى الخضوع لخمس عمليات جراحية زادها سوءًا تجاهل إدارة معتقل غوانتانامو لحالته الصحية، حتى وصل به الحال إلى ما هو عليه الآن".
وتضيف هانسل: "موكلي مقعد ومريض بشكل كبير، أريد أن يُنقل إلى بلد لديه نظام صحي جيد، أتمنى أن يحدث هذا الأمر بسرعة".