عمليات غسيل الأموال في الإقليم تبلغ ذروتها.. مطار أربيل هو الواجهة ودور خفي لعائلة بارزاني تكشفه انفوبلس
انفوبلس/ تقارير
شخصيات من الصف الأول متورطون، يتصدرهم برهم صالح ويسانده "مارين بارزاني" ، مطار أربيل هو المقرّ، والخليج والاتحاد الأوروبي أبرز "الزبائن"، شركات فضائية ومكاتب حوالة وهمية، عشرات ملايين الدولارات ومثلها لم تُكتشف بعد، هذا ما كُشف مؤخرا جرّاء عمليات غسيل الأموال التي تجري في إقليم كردستان، والتي أكد مختصون أنها باتت تضاهي ما موجود في الوسط والجنوب مجتمعَين، فما تفاصيل هذا الكشف المدوّي؟ وما علاقة شركة "زاكروس" بكل ما يحدث؟ انفوبلس سلّطت الضوء على الموضوع ووضعت بين أيديكم أبرز عمليات غسيل الأموال في الإقليم طوال عقدين من الزمن.
50 مليون دولار قادمة من مطار أربيل
في عام 2008 اعترضت السلطة المدنية لمطار نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية أموالا نقدية بقيمة 50 مليون دولار، قادمة من مطار أربيل، ومسجلة باسم مسؤول رفيع في حكومة إقليم كردستان العراق.
المسؤول الذي كان يتواجد في واشنطن كممثل لحكومة الإقليم، أرسل خطابات إلى السلطات الأمريكية للسماح له باستلام الأموال، إلا أن السياقات المتبعة في التحويلات المالية المحكومة بالنظام الأمريكي لم تكن سليمة.
برهم صالح يتدخل
ولحل المسألة، اضطر برهم صالح (رئيس الجمهورية السابق)، الذي كان حينها – أي في عام 2008 - رئيسا لحكومة الإقليم، إلى التدخل، وإجراء تنسيقات على مستوى عال مع الإدارة الأمريكية.
استفاد برهم صالح من منصبه الرسمي آنذاك وعلاقاته مع الولايات المتحدة للتأكد من وصول الأموال إلى المسؤول المعني.
شخصيات من قيادات الصف الأول متورطة
فتحت هذه الحادثة العين على مطار أربيل، الذي كان ينقل شهريا عشرات ملايين الدولارات إلى دول الاتحاد الأوروبي ودول الخليج، وكانت الشبهات تدور حول جريمة غسيل الأموال، واتهمت الصحافة الكردية حينها شخصيات من قيادات الصف الأول في حكومة الإقليم بتسهيل جريمة غسيل الأموال.
وكان العراق قد أصدر قانونا في عام 2015 يجرّم غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وأُقر القانون استجابةً لأنشطة غسيل الأموال الكبيرة في العراق، بما في ذلك تهريب 800 مليون دولار بشكل غير قانوني خارج العراق أسبوعيا (بحسب تقرير المفتش العام الأمريكي الخاص ببرنامج “إعادة إعمار العراق” ستيوارت باوين في 2013)، لكنه لم يُفلح في إيقاف هذه الجريمة المستفحلة.
أساليب وطرق غسيل الأموال
تُستخدم أساليب مختلفة لغسل الأموال في العراق، تشمل تنقل الأموال من حساب إلى آخر، أو من بلد إلى آخر، لإخفاء مصدرها، وشراء عقارات، أو سيارات، أو مجوهرات، باستخدام الأموال غير المشروعة، والمقامرة لاستخدام الأموال غير المشروعة للمراهنة في الكازينوهات وغيرها، فضلا عن تأسيس شركات وهمية لغسل الأموال، وغيرها من الحيل.
غسيل الأموال في الإقليم يضاهي الوسط والجنوب
يعتقد البعض أن الأمر يتركز في بغداد والبصرة، لكن الحقيقة هي أن جريمة غسيل الأموال في إقليم كردستان تضاهي ما يجري في مدن الجنوب والوسط، بحسب مسؤولين ومراقبين وأصحاب محال وشركات تحويل مالي.
وقد تصاعدت عمليات غسيل الأموال خلال الفترة الحالية، حتى بلغت ذروتها بالتزامن مع التحولات الأمنية والسياسية في المنطقة، ما أثر على سعر صرف الدولار في السوق الموازي.
شركة "زاكروس" ودور "مارين بارزاني" في عمليات الغسيل
يرتبط غسيل الأموال بالحزبين الرئيسين في إقليم كردستان (الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني)، فقد تورط الطرفان منذ عام 2003 في عمليات من هذا النوع، عبر سيطرتهما على قطاع النفط، واحتكار الشركات المحلية، والتمويلات التي تتلقاها المنطقة من الميزانية الفيدرالية التي تسمح بالاستيلاء على أموال مخصصة للإقليم وإرسالها إلى الخارج بأسماء أُمنائها والشركات التابعة لها.
وفي عام 2011 وضعت واشنطن يدها على 20 مليون دولار قام رجل الأعمال المرتبط بالحزب الديمقراطي الكردستاني، سامان صابر، بتحويلها إلى الولايات المتحدة عبر محافظة أربيل.
وبهذا الصدد، كشفت مصادر مطلعة في أربيل، أن “مبالغ الغسيل كانت تتدفق عبر مطار أربيل الدولي، الذي تديره شركة زاكروس، والتي يديرها مارين بارزاني، ابن أخ زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني".
وبالإضافة إلى شركة زاكروس، يرأس مارين بارزاني أيضا شركة معنية بتشغيل المصافي ومحطات البترول، بالإضافة إلى مشاريع عقارية مثل أبراج زاكروس في أربيل، ومارين سيتي في دهوك، فضلا عن مشاريع أخرى مختلفة، بما في ذلك مدارس خاصة ومطاعم وفنادق.
نقل الأموال صوب الخليج والاتحاد الأوروبي وأميركا
وبحسب المصادر ذاته، فإنه “تم تنصيب ضابط برتبة رائد كمدير لمطار أربيل الدولي، والذي تعتقد الأوساط السياسية والصحفية الكردية، أن له دورا في تسهيل معظم عمليات نقل الأموال صوب الخليج العربي، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة".
في الأثناء، كانت تقارير أمريكية قد كشفت عن قيام الديمقراطي الكردستاني، بعملية منظمة لنقل ملايين الدولارات إلى فرنسا ولبنان شهريا، ولمدة ثلاثة أعوام بين 2011 و2014، لكن العملية توقفت مع بروز تنظيم داعش، وسياسة التقشف الحكومية التي فرضتها حكومة حيدر العبادي آنذاك، بالتزامن مع حرب تحرير الأراضي من سيطرة التنظيم المتشدد.
بدائل لتحويل الأموال مباشرة إلى خارج الإقليم
ووفقا لمصادر رفيعة، فإن الحزبين الكرديين وحلفاءهما من التجار والمستثمرين، يستخدمون بشكل أساسي مطاري السليمانية وأربيل، لإرسال الأموال التي حصلا عليها، وحين أصبحت الولايات المتحدة على دراية متزايدة بهذه الأنشطة، منعت حكومة الإقليم استخدام المطارين لتسهيل العملية، لكن الحزبين وحلفاءهما وجدوا بعد ذلك بدائل لإضفاء الشرعية على تحويل الأموال (بالدولار) إلى خارج المنطقة.
البديل الأول: الحصول على وثائق من شركات أجنبية توضح شراء سلع وخدمات من الخارج، والمصادقة على المستندات مع سلطات الحدود، ويجري التنسيق لتوقيع المستندات من قبل سلطات الحدود، على أن السلع والخدمات تم استيرادها بالفعل، وإظهار أن الأموال التي بحوزتهم قانونية، وهي طريقة نجحت لفترة قبل حصول الضغط الأمريكي الأخير على الحكومة العراقية لوقف التصدير غير القانوني للدولار إلى خارج العراق، فأصبح من الصعب على الحزبين الكرديين استخدام هذه الطريقة بشكل كبير.
البديل الثاني: استخدام حسابات بنكية للمواطنين العاديين لتحويل الأموال إلى خارج العراق، وبناءً على هذه الطريقة، توضع الأموال في الحسابات المصرفية للمواطنين، أو تفتح حسابات جديدة بأسماء مواطنين آخرين، وتستخدم هذه الحسابات لسحب الأموال من منافذ مصرفية خارج العراق، فيما يتقاضى المواطنون مبلغا ماليا مقابل استخدام بطاقة حسابه المصرفي.
البديل الثالث: تحويل الأموال من خلال مكاتب التحويل المالي المنتشرة في مدن إقليم كردستان، وتشارك المئات هذه المكاتب بنقل عملة الدولار من العراق إلى خارجه، بدعم من جهات ومسؤولين نافذين.
ويرى خبراء الشؤون المالية عدم إمكانية تحويل المبالغ الكبيرة إلى خارج العراق من دون دعم ومشاركة من جهات وأحزاب نافذة، لا سيما وأن هذه المكاتب تقوم فعليا بتحويل عشرات الملايين من العملة الأمريكية يوميا.
شركات وهمية
تحتاج عملية تبرير الأموال المنقولة إلى شركات مسجلة رسميا، لكن ما يجري في إقليم كردستان هو تسجيل الشركات على الورق فقط، دون أن تكون لها أية أعمال أو أنشطة تجارية حقيقية، إذ يقوم النافذون (حسب المصادر) بمفاتحة مواطنين عاديين لإقناعهم بفتح شركات من خلال وثائقهم القانونية والرسمية، ويُمنح المواطنون المجندون لهذا الغرض مبالغ تتراوح بين 300 و500 دولار أمريكي، يحصلون أيضا على طمأنة وضمانات ليثقوا بأن الوثائق التجارية للشركة هي قانونية، ولن تجري مساءلتهم أو ملاحقتهم قانونيا.
وتضيف المصادر، “كما يجري تعريف الشركة الوهمية في الاوساط الحكومية وشركات القطاع العام وغيرها، على أنها تشارك في تجارة قانونية مع شركات أجنبية، بما في ذلك شراء السلع والخدمات من الشركة الأجنبية، وعادة ما تكون من قبل إيران أو تركيا”، لافتة إلى أن “الشركة ببساطة لتبرير وتحويل الأموال المكتسبة بطرق غير مشروعة، إذ تزعم الشركة أنها بنَت مصانع ومشاريع اقتصادية أخرى غير موجودة في الواقع".
استغلال المواطنين والنصب عليهم
في حزيران يونيو 2023، كشف النائب الكردي في مجلس النواب، سوران عمر، عن قيام وسطاء كرد باستغلال خمسة آلاف مواطن من إقليم كردستان لإنشاء شركات وكيانات تجارية وهمية لتهريب الدولار، مؤكدا أن البنوك المشمولة بالعقوبات الأمريكية (بما في ذلك مصرفا الشرق الأوسط والشمال) متورطان بالمساهمة في تقديم تسهيلات لهذا النمط من التحايل.
استخدم السماسرة (أعضاء الشبكة) وثائق خمسة آلاف مواطن لتبرير صفقات تجارية وهمية، بعد أن قاموا بنقل المواطنين ذوي الدخل المنخفض (معظمهم من سكان السليمانية) إلى بغداد واستولوا على أوراقهم وتوقيعاتهم مقابل 200 دولار، وتوكيل محامين لهم لإنشاء كيانات تجارية، ذات رأسمال ضخم، لكن النشاط التجاري لجميع هذه الكيانات كان ضئيلا.
ورأى النائب الكردي، خلال حديثه لوكالة محلية، أن رأس مال الشركات المتورطة يزيد عن مليار دينار، إذ قام المحامون ببيع أسهم هذه الشركات من خلال توكيل رسمي حصلوا عليه من هؤلاء المواطنين الذين استغلهم السماسرة الأكراد. وبعد التحديثات الأخيرة التي أجراها البنك المركزي أصبحت هذه الشركات تستلم الدولار من مزاد العملة في البنك المركزي العراقي بذريعة التجارة.
وقال النائب سوران عمر “خلال المتابعة الدقيقة لإحدى نقاط الصرف في المنطقة، اتضح تحويل 165 مليون دولار إلى الخارج خلال 29 يوما، دون علم البنك المركزي العراقي بذلك، لأن مراقبة شركات الصرافة في كردستان تخضع لمتابعة حكومة إقليم كردستان فقط".
وأشار النائب، إلى “وجود شخصيات نافذة تقف وراء هذه الشركات الوهمية التي ألحقت ضررا باقتصاد البلاد”.