هل تتحرك بغداد نحو الملف الأقوى.. ماذا بعد توتر العلاقات العراقية التركية؟
انفوبلس/..
أثارت حادثة قصف دهوك الأخيرة حالة واسعة من الغضب المحتقن بين العراقيين. فبعد سقوط تسعة ضحايا من بغداد وكربلاء في مصيفٍ بزاخو إثر قصف مدفعي، سارع عراقيون إلى التفاعل مع الواقعة على مواقع التواصل الاجتماعي وأمام القنصليات والسفارة التركيّة، منددين باستهداف المدنيين، وفي ذاكرتهم القريبة عشرات الحوادث المماثلة التي تتهم قوات تركية بارتكابها، فضلًا عن الجفاف وشح المياه الذي تقول الحكومة العراقية إنّ تركيا هي السبب الرئيسي وراءه.
ويوم الأربعاء 20 تموز/يوليو، تعرّض أحد منتجعات مدينة زاخو بمحافظة دهوك التي تبعد نحو 10 كيلو متر فقط عن الحدود العراقية التركية إلى قصف صاروخي، ما أدّى لسقوط 9 ضحايا معظمهم سوّاح من بغداد وكربلاء، فضلًا عن إصابة أكثر من 30 شخصًا.
وتوّجه أول اتهام إلى تركيا بالوقوف وراء القصف، من قبل قائممقام زاخو، خصوصًا وأن هذه ليست المرة الأولى التي يسقط فيها ضحايا مدنيون في مدن إقليم كردستان بفعل قصف على يد القوات التركية التي تخوض المعارك داخل الحدود العراقية بحجة محاربة حزب العمال الكردستاني (pkk).
إلا أن الجانب التركي، أصدر بيانًا متهمًا حزب العمال الكردستاني بالوقوف وراء القصف الذي أدى لسقوط مدنيين، نافيًا مسؤوليته عن الحادث، بالرغم من أن الموقف العراقي الرسمي تعامل مع القضية باتهام الجانب التركي بالحادث بشكل رسمي، فضلًا عن نفي حزب العمال الكردستاني للاتهام التركي.
واتخذ المجلس الوزاري للأمن القومي 8 قرارات على خلفية الحادثة، التي وصفها بيان المجلس بـ"الاعتداء التركي الغاشم"، حيث وجه المجلس وزارة الخارجية بإعداد ملف متكامل بـ"الاعتداءات التركية المتكررة على السيادة العراقية وأمن العراقيين، وتقديم شكوى عاجلة بهذا الشأن إلى مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة"، بالإضافة إلى توجيه الخارجية بـ"استدعاء السفير التركي لدى العراق وإبلاغه الإدانة، واستقدام القائم بالأعمال العراقي من أنقرة وإيقاف إجراءات إرسال سفير جديد إلى تركيا".
ووجه المجلس أيضًا قيادة العمليات المشتركة بـ"تقديم تقرير بشأن الحالة على الحدود العراقية التركية، واتخاذ كل الخطوات اللازمة للدفاع عن النفس"، ومطالبة تركيا بتقديم اعتذار رسمي، وسحب قواتها العسكرية من جميع الأراضي العراقية".
وبعد قصف دهوك، لم تأتِ القرارات الحكومية "شافيّة" للعراقيين، الذين عبروا عن غضبهم تجاه الحكومة والنظام السياسي بالمجمل، بنفس قدر الغضب على الجانب التركي، معتبرين أن النظام السياسي كرّس الخضوع السياسي والأمني والاقتصادي أمام الدول الأخرى ولا سيما المجاورة.
وتنوعت الآراء بشأن طبيعة الرد الذي يجب أن يتخذه العراق، حتى وصلت بعضها لطلب الرد بقصف عراقي تجاه الأراضي التركية.
وبالمقابل، طالب مدونون ومهتمون بالشأن العام الحكومة بتحريك قوات عسكريّة تجاه نقاط ومقرات الجيش التركي وإجباره على الانسحاب خارج الأراضي العراقية، معتبرين أنّ ذلك هو الإجراء الأمثل الذي يجب أن يتخذه العراق للتأكيد على سيادة أراضيه.
وبينما تمضي الإجراءات الحكومية ضد تركيا، فضلًا عن التحركات الشعبيّة من قبيل الاحتجاج أمام السفارة التركية وإغلاق قنصلياتها في المحافظات، لا تزال الحكومة التركية تنفي مسؤوليتها عن الحادث.
الجانب الاقتصادي.. من الخاسر؟
وعلى صعيد آخر، يرى خبراء أنّ الملف الاقتصادي هو أقوى ملف يمكن تحريكه ضد الجانب التركي بعد قصف دهوك، فيما تأتي أهمية هذا الملف بالأرقام الكبيرة التي تتخلله، حيث أن حجم التبادل التجاري بين العراق وتركيا يبلغ 20 مليار دولار، ويأتي العراق كرابع أكثر مستورد من تركيا لمختلف السلع.
وفي ذات الوقت، يدخل العراقيون إلى السياحة التركية قرابة أكثر من 750 مليون دولار سنويًا.
ودشنت أوساط شعبية ومنظمات وشركات بالفعل، دعواتها وإجراءاتها لمقاطعة البضائع التركية، وقامت بعض شركات السياحة بتعليق عملها في أصدار الفيزا إلى تركيا.
من جانبها، اعتبرت نقابة المحامين العراقيين أنّ تأمين احترام سيادة العراق يتطلب شرطًا أساسيًا، وهو العمل على "إبعاد العراق - وهو الغارق في أزماته العديدة - عن المحاور والصراعات الإقليمية والدولية".
كما اقترحت النقابة وفق البيان العمل على منع أي "تواجد عسكري للقوات الأجنبية على الأراضي العراقية، واتخاذ الإجراءات الرسمية بشأن التمثيل الدبلوماسي مع تركيا، وإعلان الموقف الحكومي الرسمي بالرفض والإدانة، واتخاذ الإجراءات الأمميّة والدوليّة لصدّ العدوان"، مضيفةً "وأن تكون البيانات والإجراءات الحكوميّة متناسبة مع حجم الخطر والانتهاك الذي ما يزال مستمرًا على أراضي بلدنا العزيز، فضلاً عن العمل على إيقاف المصالح التركيّة على الأراضي العراقيّة والحد من التبادل التجاري".