فاجن يُعيد تدوير الحلبوسي.. رئيس "تقدم" يجتمع مع الأمريكان وتسريبات تكشف كواليس "صفقات الظل"

انفوبلس/ تقارير
في عصر يومٍ قائظ من تموز، خطت سيارة سوداء مدججة بالحراسة إلى مقر حزب "تقدّم". الباب الحديدي الكبير فُتح بصمت، وخرج محمد الحلبوسي لاستقبال ضيفٍ طالما انتظره؛ القائم بأعمال السفارة الأميركية في العراق ستيفن فاجن. لم يكن هذا اللقاء مجرّد تبادل مجاملات دبلوماسية، بل مشهدًا من مشاهد الصراع الخفي على السلطة، والنفوذ، والتوازنات الإقليمية والدولية التي تتقاطع فوق أرض العراق.
كانت تحرّكات الحلبوسي في الأيام الماضية توحي بأن ثمة طبخة سياسية تُعدّ بهدوء، وأنه يسعى للعودة بثقلٍ جديد، أو على الأقل، لترميم صورته بعد أشهر من الضغط والإدانة. فبعد عزله من رئاسة البرلمان وتراجع نفوذ حزبه في بعض المحافظات السنية، بات الحلبوسي بحاجة إلى "رافعة خارجية" تعيده إلى المشهد، أو تحميه من الإزاحة الكاملة. ويبدو أن واشنطن فتحت الباب لعودة الاتصال، ولو بشكل غير معلن.
ما الذي دار في اللقاء؟
في ذلك اللقاء الذي لم تُسمع تفاصيله الكاملة من خلف الجدران، دار حديث بدا دافئًا بحسب ما ظهر في الصور. لكن خلف الابتسامات الدبلوماسية، كانت تُخاض معركة لوبيات. الحلبوسي، الذي استطاع خلال سنوات حكمه أن ينسج شبكة من المصالح العميقة داخل مؤسسات الدولة، وفي عالم المال والمقاولات والإعلام، يعرف كيف يُعيد تسويق نفسه في لحظات التحوّل. هذه الشبكة التي يصفها بعض خصومه بـ"لوبي الحلبوسي"، تحرّكت على أكثر من مسار لإعادة توجيه البوصلة الأميركية نحوه بعد فترة من الفتور.
وبهذا الصدد، أكدت مصادر لشبكة انفوبلس، أن اللقاء مع فاجن لم يكن وليد الصدفة. فقد سبقته اتصالات ووساطات غير مباشرة، شارك فيها رجال أعمال، ونواب سابقون، وحتى شخصيات تعمل كمستشارين أمنيين غير معلنين. كانت الرسالة بسيطة: الحلبوسي لا يزال الرقم الصعب في المعادلة السنية، وإذا كانت واشنطن تبحث عن استقرار هش في العراق، فلا بد من دعم "حليف موثوق"، على حد تعبير مقرّبيه.
وأضافت المصادر، أنه "عند مدخل القاعة، جلس فاجن وهو يحمل ملفًا صغيرًا، قيل إنه يتضمن تقارير عن واقع المحافظات الغربية، وتقييم الأداء السياسي للسنة في البرلمان. لكن داخل الملف، أيضًا، أوراقٌ غير رسمية، تتضمن خريطة الأسماء الجديدة التي بدأت تظهر كبدائل محتملة عن الحلبوسي داخل المعسكر السني. وقد بدا واضحًا أن الحلبوسي يعلم بهذا تمامًا، لذا لم يُضِع الوقت. بدأ حديثه بلهجة هادئة، لكن فيها الكثير من الحزم، مستعرضًا ما وصفه بـ"فشل الآخرين" في تمثيل الشارع السني، محذرًا من تفكك النسيج السياسي إذا ما استُبعِد التمثيل الحقيقي لـ"تقدّم".
وأكملت، "لم يُظهر فاجن اعتراضًا، بل كان يُدير الحديث بذكاء الدبلوماسي المخضرم. سأل عن الانتخابات المقبلة، وعن استعداد الحزب لها، وعن رؤيتهم لمستقبل الحكومة. أجاب الحلبوسي بإسهاب، مؤكّدًا أن عودة الاستقرار تمرّ من خلال "أجندة تنموية" تركز على إعادة إعمار المدن المدمّرة، وأن "الحكم المركزي لا يمكن أن ينجح دون تمكين المحافظات"، في إشارة ربما إلى رغبته في التفاوض على المزيد من الصلاحيات المحلية التي تخدم نفوذه".
في الكواليس، كان الحضور يلاحظون لهجة جديدة لدى الحلبوسي، أقل صدامية، وأكثر نضجًا سياسيًا. بدا وكأنه يُحاول أن يظهر أمام الأميركيين كشخصية مرنة، قابلة للتفاوض، وقادرة على جمع أطراف متنازعة. حتى حين تطرق النقاش إلى الفصائل المسلحة وتدخلات طهران، لم يُفلت الحلبوسي عباراته كما في السابق، بل اكتفى بالتلميح إلى ضرورة "احترام السيادة العراقية" و"ضبط السلاح المنفلت" ضمن سياق الدولة، بحسب مصادر مقربة منه.
تراشق إعلامي
بعيدًا عن أضواء اللقاء، كانت الأوساط الإعلامية المقربة من "تقدّم" تُروّج أن اللقاء يؤكد "استمرار الشراكة الأميركية مع الحلفاء المعتدلين"، وأن الحلبوسي "لا يزال رجل المرحلة". وانتشرت صور اللقاء على مواقع التواصل، في محاولة لإعادة تعويم حضوره، وتذكير الداخل والخارج بأنه ما زال موجودًا، رغم محاولات التهميش.
لكن خصوم الحلبوسي لم يلتزموا الصمت. فبعد ساعات من اللقاء، صدرت تسريبات تتحدث عن رفض عدد من الشخصيات السنية، حتى داخل حزبه، لهذا التقارب مع الأميركيين. قيل إن البعض يعتبر أن واشنطن باتت ورقة محروقة لدى الشارع، وإن الاعتماد عليها لن يُنتج سوى مزيد من العزلة. حتى أن بعض أطراف "الإطار التنسيقي" بدأت تربط هذا اللقاء بمحاولات أميركية لخلق توازن داخل المكون السني، في ظل التوترات مع الحلفاء الإيرانيين.
بالمقابل، يرى مراقبون أن الحلبوسي يلعب ورقة استراتيجية. فهو لا يراهن فقط على دعم أميركي مباشر، بل يسعى لتقديم نفسه كـ"حارس البوابة السنية" في وجه التمدد الإيراني والتركماني، مستفيدًا من حالة الغموض التي يعيشها العراق عشية الانتخابات.
عقود مشبوهة وشركات ضغط
في تقرير نشره موقع أميركي مؤخرا، كشف أن الحلبوسي وقّع عقدًا مع شركة "BGR Group" الأميركية، لمدة سنة، بقيمة 600 ألف دولار أميركي، لتقديم خدمات ضغط سياسي تشمل:
ـ الترويج له في الأوساط الأميركية
ـ تحسين صورته لدى الإعلام الغربي
ـ التنسيق مع منظمات غير حكومية ومؤسسات رسمية أميركية
ـ التأثير في مراكز القرار بواشنطن
لقاؤه مع فاجن.. هل هو تنسيق أم تنفيذ لأجندة؟
اللقاء الأخير بين الحلبوسي والقائم بالأعمال الأميركي لم يكن مجرد لقاء بروتوكولي، فالتوقيت الحساس، وسجل العلاقات السابقة، يفتح الباب أمام تساؤلات حول الدور الذي يلعبه الحلبوسي في إعادة تشكيل الخارطة السياسية السنية في العراق بما يتماشى مع مصالح واشنطن، وربما تل أبيب أيضاً.
في النهاية، فإن ما يجري خلف الكواليس يضع الحلبوسي أمام علامات استفهام كبرى، هل هو منفذ لأجندات خارجية؟ وهل ستتحرك الدولة العراقية لفتح ملفات التعاقدات المشبوهة، أم أن هناك قوى نافذة تحصّن الحلبوسي من أي مساءلة قانونية أو شعبية؟