فشل منذ 2018 والمشهداني لا يختلف عن الحبلوسي.. هل توقف البرلمان عن محاسبة الوزراء؟

انفوبلس/ تقرير
يواجه مجلس النواب العراقي، بقيادة رئيسه محمود المشهداني، اتهامات متزايدة بالسير على خطى سلفه محمد الحلبوسي في ملف الرقابة البرلمانية، لا سيما فيما يتعلق باستجواب الوزراء. فمع استمرار الجدل حول عدم تحقيق المجلس مع أي وزير منذ عام 2018، تتصاعد التساؤلات حول فعالية الدور الرقابي للبرلمان وقدرته على محاسبة الحكومة.
يثير هذا الوضع مخاوف بشأن تعطيل إحدى أهم أدوات الرقابة الدستورية، مما قد يؤثر على مبدأ الفصل بين السلطات ويعزز غياب المحاسبة.
ما الجديد؟
أثار تصريح المحلل السياسي مهند الراوي بأن مجلس النواب "لم يشهد استجواب أي وزير منذ عام 2018" جدلاً واسعاً خلال حوار تلفزيوني. وقد قوبل هذا التصريح باعتراض مباشر من قبل النائب السابق حسن فدعم، الذي أكد أن الدورتين البرلمانيتين السابقة والحالية قد شهدتا بالفعل عدة استجوابات، ولهذا يتقصى تقرير شبكة "أنفوبلس"، الحقائق حول مدى ممارسة مجلس النواب لدوره الرقابي خلال السنوات الأخيرة.
خلال حوار تلفزيوني، قال المحلل السياسي مهند الراوي، إنّ مجلس النواب "لم يشهد استجواب أي وزير منذ عام 2018"، وهو ما اعترض عليه النائب السابق حسن فدعم، مؤكدًا أنّ الدورتين السابقة والحالية لمجلس النواب شهدتا استجوابات، مع إقالة "مدير هيئة الإعلام والاتصالات".
لكن المحلل مهند الراوي وقع في خطأ خلال هذا التصريح، إذ إنّ البرلمان سجل استجواب وزير عام 2018، فيما جاء رد النائب حسن فدعم بالمقابل مضللاً.
في 31 كانون الثاني/يناير 2018، قام مجلس النواب في جلسته الاعتيادية الثامنة، باستجواب وزير الكهرباء، قاسم الفهداوي. وجاء استجوابه للاستفسار عن أسباب إبرام وزارة الكهرباء عقود جباية وخدمة في بغداد والمحافظات، وكذلك حول عقود الاستثمار التي تسببت بـ "هدر المال العام".
بعد ذلك غابت نشاطات المساءلة والاستجواب حتى 3 آذار مارس 2021، في الجلسة رقم 39 من الفصل التشريعي الأول - السنة الثالثة، من دورة البرلمان الرابعة، حين جرى استجواب المجلس رئيس هيئة الإعلام والاتصالات علي ناصر الخويلدي، وفق طلب من النائب علاء الربيعي، والذي انتهى بالتصويت على عدم القناعة بالأجوبة.
الدورة الانتخابية الخامسة: استجواب واحد فقط
وخلال الدورة البرلمانية الحالية (الخامس)، لم يشهد مجلس النواب إلا استجوابًا وحيدًا، استجواب رئيس شبكة الإعلام العراقي نبيل جاسم في شباط/فبراير 2024، والذي انتهى بعدم القناعة بأجوبته. أما بالنسبة للوزراء، فلم يتم إنجاز أي استجواب رسمي رغم تقديم 8 طلبات لاستجواب وزراء مختلفين، على خلاف ما تحدث به النائب السابق حسن فدعم.
على هذا الأساس تصنف الدورة الحالية للبرلمان والتي سبقتها باعتبارهما "الأسوأ"، بالنظر إلى غياب المعارضة بشكل كامل وتفكك القوى الجديد ضمن تحالفات تدعم أطراف السلطة.
وتلّقى رئيس البرلمان الحالي، محمود المشهداني، طلبات عدة لاستجواب وزراء منها طلبات بشأن؛ وزير النفط حيان عبد الغني، وزير الكهرباء زياد علي فاضل، وزيرة الاتصالات هيام الياسري، رئيس هيئة الإعلام والاتصالات علي المؤيد، إلا أن موعد الاستجوابات لم يحدد وجرى تعطيل الاستجوابات من قبل القوى التي ينتمي إليها الوزراء.
وتتكرر الاتهامات بأن مجلس النواب لم يحقق مع أي وزير منذ عام 2018، وهو ما يثير قلقاً واسعاً في الأوساط السياسية والشعبية. يرى المنتقدون أن هذا الوضع يعكس فشلاً في ممارسة الدور الرقابي للبرلمان، ويؤدي إلى غياب المحاسبة الفعالة للسلطة التنفيذية. هذا التعطيل المزعوم لاستجواب الوزراء، وهي أداة رئيسية لضمان الشفافية ومحاربة الفساد، يثير مخاوف جدية بشأن مبدأ الفصل بين السلطات ويعزز الشعور بالإفلات من العقاب.
وعند تولي رئيس جديد لمجلس النواب وهو محمود المشهداني، رأى البعض أن هناك فرصة لتفعيل الدور الرقابي للبرلمان بشكل أكبر. ومع ذلك، فإن رئيس المجلس الجديد سار على خطى سلفه محمد الحلبوسي في التعامل مع ملف استجواب الوزراء، ما أدى إلى استمرار الوضع الراهن من عدم الفعالية.
وبحسب خبراء سياسيين، فإن قدرة مجلس النواب على استعادة ثقة الشارع وممارسة دوره الدستوري بشكل كامل تتوقف إلى حد كبير على مدى جديته في تفعيل آلياته الرقابية، وعلى رأسها استجواب الوزراء، لضمان مساءلة حقيقية للحكومة وتحقيق الشفافية المطلوبة في إدارة شؤون البلاد.
وبهذا السياق، أعربت لجنة النزاهة النيابية، عن استيائها من استمرار تعطيل الدور الرقابي لمجلس النواب، مشيرة إلى أن ذلك أسفر عن تحييد دور النواب في ممارسة الرقابة المسبقة على أداء الوزراء.
وقال عضو اللجنة، النائب حميد الشبلاوي، إن "المجاملات السياسية ساهمت بشكل كبير في تعطيل الدور الرقابي للبرلمان العراقي، وأفضت إلى غياب الاستجوابات التي تمثل أداة دستورية مهمة لمحاسبة المسؤولين التنفيذيين". وأضاف الشبلاوي أن "هناك وزراء تحوم حولهم شبهات فساد وإخفاقات واضحة في عملهم، إلا أن النفوذ الحزبي الذي يتمتعون به داخل مجلس النواب يقف عائقًا أمام أي محاولة لاستجوابهم أو مساءلتهم".
وأشار إلى أن "النواب المستقلين يواجهون صعوبات كبيرة في محاولات استجواب وزراء حكومة محمد شياع السوداني، بسبب اعتماد هؤلاء الوزراء على أحزابهم المتنفذة لحمايتهم من المساءلة". وشدد على "ضرورة تفعيل ملف الاستجوابات خلال الفترة المقبلة حفاظًا على المال العام وتعزيزًا للنزاهة والشفافية في إدارة الدولة".
وإلى ذلك، استبعد الباحث بالشأن السياسي قاسم التميمي، ذهاب مجلس النواب نحو استجواب المسؤولين المقصرين داخل البرلمان، لافتا الى ان الفترة المتبقية من عمر المجلس لن تكون كافية لأجراء الاستجوابات او مساءلة المقصرين.
وقال التميمي ان "الجميع يعمل اليوم على ترتيب اوضاعه السياسية والتحضير لأجراء الانتخابات ومعظم الكتل السياسية لديها ارتباط بائتلاف ادارة الدولة، وبالتالي فان من المستبعد ان يجري استجواب المسؤولين خلال الفترة الراهنة، خشية احداث شرخ سياسي".
وأضاف، إن "عمر البرلمان لم يعد يسمح بالذهاب نحو اجراء الاستجوابات على الرغم من ان الكثير من النواب يلوحون بالاستجواب ويستنكرون تأخير هذه العملية، الا ان المعطيات تؤكد عدم القيام باستجواب المسؤولين". وبين ان "الانتخابات اصبحت على الابواب والبرلمان قد لا يتمكن من تشريع جميع القوانين المهمة وقد يكون هناك تعطيل متعمد لجلساته في قادم الايام كما حدث في الفترة الماضية".
وكان السوداني قد جدد، نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وعوده بإجراء تعديل وزاري، في تعهد هو الرابع منذ توليه منصبه من دون أي إجراء عملي متصل بهذا التعديل، وهو ما أثار تساؤلات عدة بشأن هذا التوجه الذي يأتي قبل الانتخابات البرلمانية المرتقبة، إلا أنه (السوداني) كشف بعد ذلك أن بعض القوى السياسية عرضت عليه أن يكون التعديل الوزاري شكلياً، إلا أنه رفض، مؤكداً أن "التقييمات أكدت الحاجة لتغيير أربعة إلى ستة وزراء، لكن هناك "عرقلة مقصودة في مسألة التعديل الوزاري".
والخلاصة، فإن مع اقتراب نهاية عمره التشريعي، يواجه البرلمان العراقي الحالي موجة انتقادات حادة بسبب عجزه عن إقرار القوانين المهمة والجوهرية، وتراجعه الملحوظ عن ممارسة صلاحياته الرقابية، وفي مقدمتها ملفات الاستجواب التي ظلت رهينة أروقة البرلمان، وطواها الغبار في أدراج الخلافات الحزبية الصيقة والمساومات السياسية.
البرلمان الحالي ومنذ انطلاقته بدأ حبيساً لنزاعات الكتل وتوازنات النفوذ السياسي، وبدلاً من أن يكون منصة للمساءلة والرقابة والتشريع، تحول إلى ساحة للتجاذبات الانتخابية المبكرة، حيث تصدرت الاستعدادات لصناديق الاقتراع قائمة أولويات النواب، على حساب مصالح الشعب والدولة.
بات واضحاً أن الوقت المتبقي من عمر البرلمان لا يكفي لإحياء ما تم تغييبه طيلة سنوات، فالإهمال الرقابي وتعطيل الاستجوابات وتجميد القوانين المفصلية، كلّها مؤشرات على خلل بنيوي يتجاوز الأداء الفردي ليصل إلى مشكلة في طبيعة النظام السياسي القائم على المحاصصة والمكاسب الضيقة. وإن كانت الانتخابات القادمة تبدو فرصة لتجديد الدماء، فإن غياب المحاسبة الحقيقية سيكرس نمطاً برلمانياً عاجزاً يتقن الانتظار أكثر مما يتقن الفعل ويبرع في الخطابات أكثر من صناعة القوانين. والسؤال الأهم الآن: هل نحتاج إلى برلمان جديد أم إلى ثقافة سياسية جديدة؟