فيدان يحط رحاله في العراق للمرة الثانية.. محاولات للتوسع التركي أم تحولات جديدة بين البلدين؟

انفوبلس/ تقرير
في ظل أجواء مشحونة بالتوتر على الصعيدين المحلي والإقليمي، أجرى وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، زيارة سريعة إلى العاصمة بغداد هي الثانية له إلى البلاد منذ توليه منصبه في حزيران 2023، حيث تركزت على مستجدات الأحداث في كل من سوريا وغزّة ولبنان ومذكرات التفاهم بين البلدين وطريق التنمية.
فبعد سلسلة لقاءات مع المسؤولين في بغداد، توجه وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، إلى أربيل لبحث ملفات مهمة أبرزها حزب العمال الكردستاني والوساطة مع الإدارة السورية الجديدة.
ملفات متعددة
وقال مراقبون، إن "فيدان من المقرر أن يلتقي رئيس حكومة إقليم كردستان وعدد من المسؤولين الكرد لبحث عدة ملفات، أهمها تشكيل حكومة الإقليم، وملف حزب العمال الكردستاني، كذلك الوساطة التي يقوم بها الحزب الديمقراطي وزعيمه مسعود بارزاني بين تركيا من جهة، وقوات “قسد” وأكراد سوريا من جهة أخرى، حيث سيطلب من قادة الإقليم إيصال رسائل إلى قادة "قسد".
وأضاف، أنه "كما من المقرر التطرق إلى استئناف تصدير النفط عبر ميناء جيهان التركي، فضلاً عن ملفات اقتصادية أخرى".
وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، قد التقى في وقت سابق من يوم أمس الأحد، وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في بغداد، حيث جرى بحث العلاقات الثنائية بين البلدين ومناقشة التطورات الإقليمية والدولية، بما في ذلك الأوضاع في سوريا وغزة ولبنان، فضلاً عن متابعة الحكومة لملف العلاقات الثنائية، وتنفيذ ما تم توقيعه من مذكرات تفاهم في ضوء زيارته إلى أنقرة في تشرين الثاني الماضي، وكذلك في إطار زيارة أردوغان إلى بغداد التي جرت في نيسان من العام الماضي".
كما نقل فيدان، بحسب البيان الذي تلقته "انفوبلس"، "تحيات الرئيس التركي إلى رئيس مجلس الوزراء، وأعرب عن رغبة بلاده بالتنسيق الوثيق مع العراق بشأن تطورات الأوضاع في المنطقة"، مشيراً إلى "الرغبة في الارتقاء بالتعاون في العلاقات الثنائية، وذلك في ضوء الزيارتين المتبادلتين للسوداني والرئيس التركي، فيما جدد وزير الخارجية التركي التأكيد على جدّية بلاده بالعمل في ما يتعلق بمشروع طريق التنمية الاستراتيجي، وكذلك ما يخص التعاون في ضوء مذكرات التفاهم التي وُقِّعت بين البلدين في مجالات الطاقة والتعليم والتبادل التجاري والتعاون المصرفي، وفي مجالات أخرى".
كما بحث مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي ووزير الخارجية التركي هاكان فيدان، التعاون الثنائي بين البلدين في كافة المجالات، لاسيما الملف الأمني والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات، وكذلك تطورات الأوضاع على الساحة السورية وضرورة توحيد المواقف الدولية بشأنها وبما يضمن وحدة الأرض والشعب السوري.
كذلك بحث وزير الخارجية التركي، خلال مؤتمر صحفي مع نظيره العراقي، فؤاد حسين، القضاء على تنظيم الدولة “داعش” وحزب العمال الكردستاني، وكذلك تفاهمات بين العراق وتركيا بشأن كيفية التعامل مع الوضع في سوريا.
وأكد هشام العلوي، وكيل وزارة الخارجية، أن زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى بغداد تأتي في إطار متابعة القضايا الثنائية ذات الأولوية للبلدين وتفعيل مذكرات التفاهم خاصة في مجالات الأمن، والمياه، والاقتصاد، وطريق التنمية، والطاقة، وإعادة تشغيل أنبوب تصدير النفط.
وأشار العلوي إلى أن الزيارة بحثت تطورات الأوضاع في سوريا في ظل الإدارة الجديدة، وأهمية التنسيق الأمني، ومحاربة تنظيم داعش "الإرهابي"، الذي استغل التغيير في سوريا ليتمدد، حسب توصيف المتحدث.
كما تم بحث موضوع وجود قوات سوريا الديمقراطية في سوريا، وحزب العمال الكردستاني، بالإضافة إلى الأوضاع في لبنان وفلسطين، وأهمية تثبيت وقف إطلاق النار في غزة.
أوراق الضغط
من جهته، أكد حيدر السلامي، عضو لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان العراقي، أهمية كفاءة المفاوض العراقي وإدارته الحوارات مع الجانب التركي بصورة تخدم المصالح الوطنية، واستغلال أوراق الضغط المتاحة.
ويرى السلامي، أن زيارة وزير الخارجية التركي للعراق، تأتي في سياق متابعة الاتفاقيات السابقة التي تم توقيعها، وتطورات الأحداث الإقليمية، خاصة في سوريا، مؤكدا ضرورة تحقيق مكاسب للعراق ومعرفة آخر المستجدات من الجانب التركي، ومراجعة الاتفاقيات الموقعة خلال زيارة الرئيس التركي.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد زار بغداد، ووقّع مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في 22 نيسان من العام الماضي على اتفاق الإطار الاستراتيجي بين البلدين، الذي يُعد خارطة طريق نحو شراكة اقتصادية شاملة.
وأشار السلامي إلى أن ملف حزب العمال الكردستاني يأتي في مقدمة اهتمامات الجانب التركي في أي حوار، في حين يعتبر ملف المياه أولوية بالنسبة للعراق، مؤكدا أن جميع الحوارات، بما فيها الزيارة الحالية، تخضع لعدة عوامل أساسية، من بينها طبيعة التعاون والتبادل التجاري بين البلدين.
وشدد المتحدث ذاته على أن تركيا تسعى لمصالح اقتصادية في العراق، وأن ورقة الاستثمارات قد تلعب دورا في معالجة قضايا أخرى مثل المياه التي يستخدمها الجانب التركي كورقة ضغط.
ويختتم السلامي بالقول، إن المفاوض العراقي يجب أن يكون على مستوى عالٍ من الكفاءة في مثل هذه اللقاءات لتحقيق نتائج إيجابية، وأن يستغل علاقاته الإقليمية والدولية خلال الحوار مع الجانب التركي، خاصة فيما يتعلق بالملف السوري وغيره من الملفات.
ملفات معقدة
وستتركز المحادثات التركية العراقية بشكل أساسي على التعاون الأمني، حسب الباحث السياسي إسماعيل الجنابي، حيث تسعى تركيا للحصول على موافقة بغداد لشن عمليات عسكرية ضد قوات حزب العمال الكردستاني المتمركزة في شمال العراق.
ويربط الجنابي ذلك بالاتفاقية الأمنية الموقعة بين البلدين، والتي تسمح للقوات التركية بالتوغل في الأراضي العراقية لملاحقة المقاتلين الأكراد.
وقال الجنابي، إن إيران تلعب دورا محوريا في هذا الصراع، حيث ترى تركيا أن العمليات الأخيرة لحزب العمال الكردستاني تحظى بدعم إيراني، وذلك في إطار سعي طهران لزيادة نفوذها في المنطقة وابتزاز الدول الغربية، وبالتالي، تسعى تركيا إلى إضعاف نفوذ إيران عبر التعاون مع العراق، الذي يعتبر الحلقة الأضعف في معادلة القوى الإقليمية، بحسب تحليل الجنابي.
من جانب آخر، يواجه العراق تحديات اقتصادية وأمنية متعددة، منها تدهور الأوضاع الاقتصادية، وتأثير الأزمة الإيرانية على إمدادات الطاقة، وتهديد تنظيم داعش، خاصة بعد حديث الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن عدم السماح للعراق باستيراد المشتقات النفطية من طهران، التي تفرض عليها عقوبات اقتصادية.
ويرى الباحث السياسي نفسه أن الزيارة التركية تأتي في سياق التنافس الإقليمي على النفوذ في المنطقة، وأن العراق يمثل ساحة صراع بين القوى الإقليمية والدولية، مؤكدا أن نجاح هذه الزيارة يعتمد على قدرة الطرفين على التوصل إلى حلول توافقية للملفات الشائكة التي تُطرح على طاولة المفاوضات.
كما أشار إلى أن تركيا تسعى إلى دعم مشروع طريق التنمية، الذي يعتبر استراتيجيا بالنسبة لها، وسيعمل على تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين.
ويرى الجنابي أن الزيارة التركية تحمل في طياتها فرصا وتحديات للعراق، وأن نجاحها يعتمد على قدرة الطرفين على تحقيق التوازن بين المصالح الوطنية والاحتياجات الإقليمية".
تأكيد للتوسع التركي بالمنطقة
الى ذلك، قال مراقبون: "في وقت تشهد فيه المنطقة توترات متصاعدة نتيجة السياسات العدوانية لبعض الدول، تأتي زيارة هاكان فيدان، وزير الخارجية التركي، إلى بغداد على رأس وفد دبلوماسي لتؤكد مرة أخرى على الوجه الحقيقي للتوسع التركي في المنطقة".
وأضافوا، إن "زيارة فيدان لا تحمل في طياتها سوى المزيد من التهديدات لسيادة العراق واستقلاله، وتضيف صفحة جديدة في سجل التدخلات التركية المستمرة في شؤون دول الجوار".
وأشاروا الى، أنه "منذ سنوات، وتركيا تمارس سياسات التوسع والهيمنة على أراضٍ ليست لها، متجاهلةً الأعراف الدولية، متبعةً استراتيجية تسعى إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة وتدعيم نفوذها بالقوة العسكرية. احتلال تركيا لأراضي إقليم كردستان، بموافقة أو دون موافقة الحكومة العراقية، أصبح أمرًا مألوفًا، وكأنها لم تكتفِ بإطلاق تهديداتها في جميع الاتجاهات، بل أصبحت تفرض هيمنتها بالقوة على مناطق بعينها".
وتابعوا بالقول، إن "زيارة فيدان تأتي في وقت يتزايد فيه التوتر على حدود العراق وتركيا، وتطرح تساؤلات عديدة حول نوايا أنقرة، هل الهدف حقًا هو تعزيز التعاون التنموي؟ أم أن هذه الزيارة ما هي إلا ستار لسياسات استعمارية جديدة؟ فتركيا التي لا تتوقف عن التدخل في شؤون دول المنطقة، والمستمرة في شن هجماتها العسكرية على الأراضي العراقية والسورية، لا يمكن أن تكون شريكًا حقيقيًا في السلام والاستقرار".
وبحسب مراقبين، فإنه "في ظل هذه الظروف، من المؤسف أن هناك من يعتقد أن هذه الزيارات الدبلوماسية قد تحمل معها أملاً حقيقياً في إيجاد حلول للأزمات المستمرة. فتركيا، التي لا تزال تنتهك سيادة العراق وسوريا، ليس من المتوقع أن تكون جسرًا للسلام، بل هي أحد أبرز الأسباب التي تغذي الصراع في المنطقة".
ليست الزيارة الأولى
وكان فيدان، أجرى زيارة للعراق في آب أغسطس عام 2023، وكانت شاملة ومكثفة، التقى فيها مسؤولين في بغداد، بمن فيهم قادة كتل الإطار التنسيقي، ومن ثم زار أربيل، وبحث في تلك الزيارة مجمل القضايا العالقة بين البلدين، ولاسيما الأمنية منها.
وتأتي زيارة هاكان فيدان في وقت حساس للمنطقة، حيث تستعد الإدارة التركية لمصالحة وُصفت بالتاريخية مع حزب العمال الكردستاني، بعد دعوات المرشد الروحي للحزب ومؤسسة، عبد الله أوجلان، إلى ما وصفها “الأخوة الكردية التركية، وإنهاء الخلافات".
حيث تسعى أنقرة إلى إدراج ترحيل عناصر حزب العمال الكردستاني PKK من العراق في بنود وشروط مباحثات التسوية التي يلعب فيها زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، دور الوساطة بين أنقرة وحزب العمال، بحسب مصادر مطلعة.
وأجرى رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، في 7 كانون الثاني يناير الجاري، زيارة سريعة إلى العاصمة التركية أنقرة، حيث التقى خلالها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبحث معه العلاقات الثنائية بين إقليم كردستان وتركيا، والتطورات في سوريا ومستقبلها مع مرحلة السلام الجديدة وحل القضية الكردية في تركيا".
وأكد أردوغان خلال المباحثات، أن “هناك حاجة إلى تنفيذ مشاريع من شأنها زيادة استقرار وازدهار المنطقة، وخاصة مشروع “طريق التنمية".
وأوضح، أنه “في ضوء التطورات في سوريا، تُولي تركيا أهمية كبيرة للحفاظ على استقرار وأمن العراق”، مؤكد أن “أنقرة تسعى جاهدة للحيلولة دون أن تؤدّي التطورات في سوريا إلى حالة عدم استقرار جديدة في المنطقة".
وشدد أردوغان أنه “لا مكان للتنظيمات الإرهابية وأذرعها في مستقبل سوريا الجديدة".
وعلى مدى العقدين الماضيين، أقامت تركيا عشرات القواعد العسكرية في إقليم كردستان العراق لمحاربة حزب العمال الكردستاني المعارض (PKK) الذي يقيم في هذه المنطقة قواعد خلفية.
ويعلن الجيش التركي بشكل متكرّر تنفيذ عمليات عسكرية جوية وبرية ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني ومواقعهم شمالي العراق، ودفع هذا الأمر الحكومة العراقية المركزية إلى الاحتجاج مراراً.