قمع الحريات السياسية في الإقليم يتصاعد مع اعتقال مرافقي أدهم بارزاني
اعتقالات سياسية في كردستان
انفوبلس..
في حادثة جديدة تؤكد تصاعد قمع الحريات السياسية في إقليم كردستان، اعتقلت قوات أمن إقليم كردستان، التابعة لحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي)، أربعة من المرافقين المقربين للسياسي المعارض أدهم بارزاني، في نقطة سيطرة “هيران” التابعة لسلطات أربيل، بعد عودتهم من محافظة السليمانية باتجاه سوران، في خطوة تضاف إلى سلسلة الانتهاكات والتضييق التي تمارسها حكومة الحزب الديمقراطي ضد المعارضين السياسيين وأصوات المعارضة في الإقليم.
وأوضح بيان صادر عن مكتب أدهم بارزاني، أن المعتقلين هم: (فائق سوفی خضر، مروان إسكندر أحمد، نهاد أحمد محمد، وشوان نعمت حسين) وتم احتجازهم تحت ذريعة مخالفة تعليمات لجان الحزب الديمقراطي التي تمنع زيارة السليمانية أو حتى التواصل مع أدهم بارزاني، الذي يعد أحد أبرز القيادات السياسية المعارضة داخل الإقليم.
ووصفت عائلات المعتقلين وضعهم بأنه مأساوي، حيث يعيشون حالة من القلق والحزن، خصوصًا مع انعدام أي معلومات واضحة عن مكان وجود أبنائهم، ما يعكس الطريقة القمعية التي تتبعها السلطات في تعاملها مع خصومها السياسيين.
القمع وسيلة للحفاظ على السلطة
هذه الممارسات القمعية لا تقتصر فقط على الاعتقالات التعسفية، بل تنسجم مع واقع مأساوي يشهده الإقليم، من تدهور في الخدمات الأساسية مثل انقطاع الرواتب، وانعدام الماء والكهرباء، وتعطيل باقي الخدمات، مما جعل الحياة اليومية في كردستان أكثر صعوبة، في ظل فشل واضح في إدارة الحكم.
الأحداث التي جرت ليست سوى حلقة جديدة في مسلسل طويل من الممارسات الاستبدادية التي يتبعها الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي يتصرف كدولة داخل الدولة، ويرفض أي صوت معارض أو رأي مخالف، وهو ما يعكسه إصدار مذكرة اعتقال بحق أدهم بارزاني في تموز 2024، بعد انشقاقه عن الحزب ومحاولته بناء تحالفات سياسية مستقلة في الإقليم.
وفقًا لمصادر مطلعة، فقد تم تعميم أمر الاعتقال على جميع نقاط التفتيش، الحدود، ومطارات أربيل ودهوك، في محاولة واضحة لمنع بارزاني من الحركة السياسية وتشكيل قائمة انتخابية جديدة تخالف هيمنة الحزب الديمقراطي على المشهد السياسي في كردستان.
السياسي المستقل فائق يزيدي وصف هذه الإجراءات بأنها “محاولة لتقييد حرية التعبير والقضاء على المعارضة”، مؤكدًا أن القضاء في الإقليم “مسيّس بالكامل ويعمل كأداة في يد الحزب الديمقراطي”.
الصراع السياسي ودور الحزب الديمقراطي
يرى معارضون أن الخلافات بين أدهم بارزاني والحزب الديمقراطي تتجاوز الصراعات الحزبية التقليدية، إلى مسائل استراتيجية تتعلق بموقف الحزب من التدخل التركي في الأراضي العراقية، إذ أن أدهم بارزاني يعد من أبرز المعارضين لتغلغل الجيش التركي في الإقليم، وهو أمر يتجاهله الحزب الديمقراطي بل ويُتهم بالتعاون مع القوات التركية، ما أثار غضب قطاعات واسعة من المجتمع الكردي.
وتعكس هذه السياسة المعلنة والسرية معًا، غيابًا تامًا للسيادة الوطنية والكرامة، إذ يتعامل الحزب الديمقراطي كوكيل إقليمي يحمي مصالح أنقرة على حساب مصالح ومطالب الكرد في العراق.
معتقلون سياسيون
في رسالة وجهها أدهم بارزاني إلى الرأي العام في آذار 2023، كشف عن معاناته الشخصية، إذ مُنع من العودة إلى أرضه وأرض آبائه، كما أن مسؤول حمايته معتقل منذ أكثر من 4 أشهر، وسط محاولات مستمرة لإرغام الحراس على قطع علاقتهم به مقابل الإفراج عنهم.
يطرح بارزاني سؤالاً محوريًا: "هل هذه هي السلطة والحرية والديمقراطية التي يروج لها حزب الديمقراطي الكردستاني؟" مشيرًا إلى أن هذه الممارسات تعكس غيابًا واضحًا لحقوق الإنسان والقانون، مع استبداد واضح يطغى على كافة مفاصل الحكم.
كما تحذر قيادات حقوقية ومدنية من أن استمرار هذه الانتهاكات القمعية، في ظل صمت دولي مريب، يعزز ثقافة العنف والفساد ويزيد من تعقيد الأزمة السياسية في الإقليم، ما قد يؤدي إلى انفجارات اجتماعية لا يمكن السيطرة عليها.
مطالب المجتمع المدني والدولي بإنهاء القمع
ويعلن مكتب أدهم بارزاني في بيانه استنكاره الشديد لهذه الأفعال “البعيدة كل البعد عن أي قيمة إنسانية”، ويطالب الجهات الحقوقية، السياسية، والمنظمات الدولية بتبني موقف واضح وحازم ضد هذه “الجريمة” التي تمثل اعتقال الأبرياء على خلفية الانتماء السياسي.
ويؤكد البيان، أن هذه الممارسات تعمق الفجوة بين السلطة والشعب، وتزيد من حالة انعدام الثقة الشعبية في نظام الحزب الديمقراطي، الذي يواجه أزمة شرعية متصاعدة، خصوصًا في ظل انقطاع الخدمات الأساسية وتفاقم معاناة المواطنين.
أزمة حكم وشعب يعاني
إقليم كردستان يمر بواحدة من أخطر أزماته منذ تأسيسه، حيث تتجسد ملامح الانهيار في مؤسسات الدولة والحكم، مع فشل واضح في إدارة شؤون الناس، وتغول حزبي يهدد وحدة الصف الكردي.
المواطنون لم يعودوا يرون في الحزب الديمقراطي سوى نظام سلطوي لا يهمه سوى المحافظة على مكتسبات قادة الحزب ودوائر النفوذ، على حساب الحريات والحقوق الأساسية.
هذه الأوضاع تزيد من الهوة بين القيادة والشعب، وتدفع العديد من الكرد نحو خيارات المعارضة السياسية الحقيقية، التي تسعى إلى بناء كردستان ديمقراطية حرة تقوم على احترام الحقوق، وسيادة القانون، وفصل السلطات.
نموذج يعكس واقع حكم أربيل
قضية اعتقال مرافقي أدهم بارزاني ليست مجرد حادثة فردية، بل هي نموذج صارخ يعكس واقع حكم الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يرفض أي صوت معارض ويستخدم كل أدوات القمع السياسي لإسكات خصومه.
في الوقت الذي تعيش فيه كردستان أزمات متعددة، من انقطاع الخدمات إلى الاستبداد السياسي، يبقى الأمل معلقًا على مقاومة القوى الحية التي تدعو إلى التغيير الحقيقي وإرساء الديمقراطية التي تحمي حقوق الإنسان وتحترم إرادة الشعب.
إن استمرار صمت المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية أمام هذه الانتهاكات هو تغذية للفساد والقمع، ويعني استمرار معاناة شعب كردستان الذي يستحق حياة كريمة وحكمًا يعكس تطلعاته في الحرية والعدالة.

