كرسي رئاسة البرلمان على طاولة الانقسام السني.. هل تؤجل الخلافات الاتفاق داخل البيت السياسي؟
انفوبلس/..
يعقد المجلس السياسي الوطني، الممثل للقوى والأحزاب السنية، اليوم الأحد، اجتماعاً وُصف بالمفصلي، في محاولة جديدة لاختيار مرشح لمنصب رئيس مجلس النواب العراقي، وسط أجواء سياسية معقّدة وحراك مكثف بين القوى الفائزة في الانتخابات، غير أن هذا الاجتماع، على أهميته، لا يبدو حتى الآن قادراً على إنهاء حالة التباين والانقسام التي لا تزال تخيّم على البيت السني، وتؤجل حسم أحد أبرز الاستحقاقات الدستورية في البلاد.
ويأتي هذا الاجتماع في توقيت بالغ الحساسية، حيث تتشابك المفاوضات لرسم ملامح المرحلة المقبلة، وتثبيت معادلة الشراكة الوطنية، قبل الدخول في تفاصيل توزيع المناصب السيادية، في ظل تحذيرات متزايدة من تجاوز المدد الدستورية والدخول في فراغ سياسي جديد.
اجتماع اليوم… محاولة لتقليص الهوّة
بحسب عضو تحالف “العزم” صلاح المرعاوي، فإن الاجتماع الذي يُعقد في مقر رئيس التحالف مثنى السامرائي، يهدف إلى حسم خيار الترشح لرئاسة مجلس النواب، سواء بالاتفاق على مرشح واحد أو اثنين، تمهيداً لعرضهم ضمن التفاهمات السياسية الأوسع. إلا أن المرعاوي أقرّ، في الوقت ذاته، بأن النقاشات ما تزال مفتوحة، وأنه من المبكر الحديث عن حظوظ الأسماء المطروحة، في ظل استمرار المداولات وعدم الوصول إلى توافق نهائي.
هذا التصريح يعكس، بشكل واضح، أن الاجتماع لا يحمل بالضرورة ضمانة للحسم، بل قد يكون حلقة إضافية في سلسلة طويلة من الاجتماعات التي عُقدت خلال الأسابيع الماضية، من دون أن تنجح في إنتاج اتفاق نهائي داخل المجلس السياسي الوطني.
تعدد المرشحين… عقدة التوافق
من جانبه، أكد عضو تحالف “السيادة” صلاح الكبيسي، أن الكتل الخمس المنضوية ضمن المجلس السياسي الوطني لا تزال في طور التفاهمات، وأن أغلب هذه الكتل تمتلك مرشحين محتملين لرئاسة البرلمان، ما يجعل عملية الاختيار أكثر تعقيداً.
وأشار الكبيسي إلى أن التحدي الحقيقي لا يكمن في نقص الأسماء، بل في القدرة على الوصول إلى مرشح يحظى بإجماع أو شبه إجماع، في ظل تداخل الحسابات السياسية والوزن البرلماني لكل طرف.
ورغم استبعاده حصول خلافات حادة أو انقسامات علنية، إلا أن حديثه عن تجاوز مرحلة “التسقيط الإعلامي” يوحي بأن الخلافات السابقة لم تُحل جذرياً، بل جرى احتواؤها مرحلياً، بانتظار لحظة الحسم التي لم تأتِ بعد.
الإطار التنسيقي يسبق الآخرين
في مقابل هذا التردد السني، تبدو قوى “الإطار التنسيقي” أكثر تقدماً في حسم خياراتها، لا سيما فيما يتعلق بمنصب رئيس مجلس الوزراء. فقد كشف عضو تيار الحكمة فهد الجبوري، عن قرب حسم هذا الملف بعد مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات، ما يضع القوى السنية والكردية أمام ضغط الوقت، ويجعل تأخرها في الاتفاق عاملاً إضافياً لإضعاف موقعها التفاوضي.
هذا التباين في سرعة الحسم بين المكونات، يعيد إلى الواجهة معادلة مألوفة في السياسة العراقية، حيث ينجح طرف في ترتيب بيته الداخلي، بينما تغرق الأطراف الأخرى في خلافات داخلية تؤثر لاحقاً على حجم مكاسبها.
حوارات بلا أسماء
القيادي في تحالف “العزم” غانم العيفان، قدّم صورة أكثر وضوحاً عن طبيعة الحوارات الجارية داخل المجلس السياسي الوطني، مؤكداً أن النقاشات الحالية تتركز على الإطار العام والمبادئ الأساسية التي ستُبنى عليها المرحلة المقبلة، دون الدخول الرسمي في تفاصيل توزيع المناصب أو التداول بأسماء المرشحين لرئاسة البرلمان.
وأوضح العيفان أن هذه المقاربة تهدف إلى تثبيت قواعد الشراكة السياسية وضمان وحدة الموقف داخل التحالف، قبل الانتقال إلى الملفات الحساسة، معتبراً أن التسرع في طرح الأسماء قد يعمّق الخلافات بدلاً من حلّها. لكنه في الوقت ذاته أشار إلى أن هذه الملفات ستُطرح الأسبوع المقبل، ما يعني أن اجتماع اليوم قد لا يتجاوز كونه محطة تمهيدية.
مخاوف من التعطيل والفراغ
في هذا السياق، حذّر محللون سياسيون من أن استمرار الخلافات داخل التحالفات الكبرى، وخصوصاً حول المناصب السيادية، قد يؤدي إلى تعقيد المشهد السياسي وتهديد الالتزام بالمدد الدستورية. ويرى هؤلاء أن أي تأخير في انتخاب رئيس مجلس النواب سينعكس سلباً على باقي الاستحقاقات، بدءاً من انتخاب رئيس الجمهورية، وصولاً إلى تكليف رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة.
المحلل السياسي والإعلامي علي الحبيب، أشار إلى أن الحراك لا يزال قائماً داخل الإطار التنسيقي أيضاً، رغم الإشارات القضائية الداعية إلى احترام التوقيتات الدستورية.
وبيّن أن القوى السنية لم تحسم حتى الآن هوية رئيس البرلمان، في حين يواجه المكون الكردي خلافاً تقليدياً بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني حول منصب رئاسة الجمهورية، ما يضاعف من تعقيد المشهد.
التوافقية… الحل أم المشكلة؟
في المقابل، يرى المحلل السياسي جاسم الموسوي، أن القوى السياسية تتجه مجدداً نحو نهج “التوافقية” الذي طبع العملية السياسية منذ 2003، حيث تُحسم المناصب الكبرى وفق معادلة النقاط والأحجام البرلمانية، وليس عبر معارضة أو أغلبية واضحة. ويؤكد الموسوي أن هذا النهج لا يزال الحاكم الفعلي لتوزيع رئاسات الدولة الثلاث، وكذلك الحقائب الوزارية.
وبحسب هذا الطرح، فإن انتخاب رئيس مجلس النواب من المكون السني سيكون خطوة أولى، تليها تسويات متدرجة تشمل باقي المناصب، على أن تبقى عقدة الخلاف الكردي هي الأكثر تعقيداً، وقد تعود للواجهة بقوة بعد حسم رئاسة البرلمان.
خلافات مؤجلة لا منتهية
المحلل السياسي محمد صلاح، بدوره، يرى أن الحوارات الجارية، سواء داخل الإطار التنسيقي أو بينه وبين القوى السنية والكردية، تعكس رغبة عامة في تشكيل حكومة مستقرة، لكنها في الوقت ذاته تكشف عن عمق الخلافات المؤجلة، والتي يجري ترحيلها من مرحلة إلى أخرى.
ويشير صلاح إلى أن الإيجابية التي تطغى على التصريحات لا تعني بالضرورة اقتراب الحسم، بقدر ما تعكس حرص القوى السياسية على إبقاء قنوات الحوار مفتوحة، خشية الانزلاق إلى أزمة سياسية مفتوحة.
في المحصلة، يبدو أن اجتماع اليوم للقوى السنية، رغم ما يحمله من رمزية وأهمية، لن يكون كافياً وحده لإنهاء الخلافات الداخلية حول منصب رئيس مجلس النواب. فالتعدد في المرشحين، وتباين الرؤى، وحسابات النفوذ داخل المجلس السياسي الوطني، ما تزال تشكل عائقاً أمام التوافق.
وبينما تترقب بقية المكونات حسم هذا الاستحقاق، يبقى السؤال مفتوحاً: هل ينجح السنة في تقديم مرشح موحّد يعيد ترتيب موقعهم في معادلة السلطة، أم أن الخلافات ستبقى سيّدة الموقف، وتؤجل الحسم إلى إشعار آخر، في مشهد بات مألوفاً في السياسة العراقية.
