كركوك بين التحرير والانفلات.. حكومة كردستان تعود لفرض سيطرتها على نفط كركوك عبر البيشمركة بعد تحريرها عام 2017
انفوبلس/..
تشهد العلاقة بين الحكومة الاتحادية العراقية وإقليم كردستان توترات متزايدة بشأن إدارة الموارد النفطية والاقتصادية، حيث تفجّرت في الآونة الأخيرة اتهامات خطيرة حول تجاوزات واسعة على حقول النفط وعمليات تهريب منظمة.
وفي هذا السياق، كشف النائب المستقل وعضو لجنة النزاهة النيابية، هادي السلامي، عن وثائق رسمية تشير إلى سيطرة قوات حرس الإقليم على حقول نفطية بمحافظتي كركوك وصلاح الدين باستخدام السلاح، بالإضافة إلى تهريب النفط عبر عشرات المنافذ غير الرسمية. هذه الممارسات، بحسب السلامي، أسفرت عن خسائر ضخمة للاقتصاد العراقي وسط غياب واضح للإجراءات الحازمة من الحكومة الاتحادية.
وذكر عضو لجنة النزاهة النيابية، هادي السلامي، أن شركة "كار" الكردية تجاوزت على حقول النفط في محافظتي كركوك وصلاح الدين، مشيراً إلى وجود 20 منفذاً غير رسمي للتهريب في إقليم كردستان.
وقال هادي السلامي، في حديث متلفز تابعته INFOPLUS، إنه "لدينا وثائق صادرة عن شركة نفط الشمال تتحدث عن قيام حرس الإقليم بالسيطرة على مجموعة من حقول كركوك بواسطة السلاح، وقيام مجموعة شركات كار (كار گروپ) الكردية الخاصة بتهريب النفط والسيطرة على حقل "خورمالا" النفطي الواقع شمال غرب محافظة كركوك".
وأضاف السلامي: "لدي معلومات موثقة وبكتب صادرة عن رئاسة الوزراء تشير إلى وجود 20 منفذاً غير رسمي يتم تهريب النفط عبره، بالإضافة إلى المخدرات والسجائر، وكتاب رسمي آخر صادر عن شركة نفط الشمال يثبت تجاوز الإقليم على حقول النفط في كركوك وتهريب النفط، فضلاً عن التجاوز على حقول نفط في محافظة صلاح الدين وتهريب 280 ألف برميل نفط يومياً، وهناك تجاوزات كثيرة أخرى، مع عدم إرسال 4 تريليونات و500 مليار دينار بذمة الإقليم".
كُلفة استخراج النفط من الإقليم
وكان النائب هادي السلامي، قد كشف الثلاثاء الماضي، عن كُلفة استخراج النفط من إقليم كردستان سنوياً، وفق ما ورد في تعديلات المادة 12 من قانون الموازنة العامة.
وقال السلامي، إن "تعديلات المادة 12 ثانياً من الموازنة تمنح 16 دولاراً لكل برميل يتم إنتاجه من إقليم كردستان، وإذا أجرينا عملية حسابية بسيطة بضرب 16 دولاراً في 400 ألف برميل يومياً على مدار 365 يوماً في السنة، فإن الناتج سيكون مليارين و336 مليون دولار".
وأضاف، إن "هذا المبلغ، عند تحويله بسعر 1500 دينار لكل دولار، يصل إلى ثلاثة تريليونات و504 مليارات دينار سنوياً، ككُلفة لاستخراج النفط من إقليم كردستان".
وأشار السلامي إلى أن "هذه الفقرة الخاصة بتعديلات قانون الموازنة دفعت نواب جبهة الوسط والجنوب إلى كسر نصاب جلسة التصويت، بسبب غياب العدالة والإنصاف في هذه التعديلات".
وأكد أن "الحكومة لم ترسل الجداول اللازمة ليتمكن مجلس النواب من إنصاف الشرائح المختلفة، فضلاً عن وجود العديد من الملاحظات على التعديلات"
.
سيطرة على نفط كركوك والموصل
وأكد القاضي والوزير السابق، وائل عبد اللطيف، الأحد، أن إقليم كردستان يسيطر على موارد النفط في كركوك وعلى 8 من أغلى الحقول النفطية في الموصل، مستغلًا قوات البيشمركة لتنفيذ ذلك، وسط صمت من الحكومة الاتحادية.
وقال عبد اللطيف، إن "الحكومة الاتحادية منذ عام 2004 تُجدد فقرة في الموازنة تنص على ضرورة تسديد إقليم كردستان للديون المترتبة عليه، دون اتخاذ أي إجراءات صارمة لتطبيقها، وهو ما سمح للإقليم بالتحكم بموارد الدولة بشكل منفرد".
وأوضح، إن "الإقليم يسيطر على موارد النفط في كركوك وعلى 8 حقول في الموصل، بواسطة قوات البيشمركة" مشيراً إلى أن "كميات كبيرة من النفط يتم تهريبها بطرق غير قانونية دون رقابة أو محاسبة من الحكومة الاتحادية".
وأضاف، إن "حكومة الإقليم تستمر في طلب صرف رواتب الموظفين من بغداد رغم هذه التجاوزات، وهو أمر يثير الاستغراب".
وتابع قائلاً: "الحكومة الاتحادية التي تدير الموازنة العامة فشلت في فرض سيطرتها، حيث إن الإقليم يتحكم في قراراتها ويتصرف بحرية كاملة".
وأشار عبد اللطيف إلى أن "التقصير يعود إلى الحكومات المتعاقبة التي تتجنب المواجهة الجادة مع الإقليم، لدرجة أنه حتى لو تم منح الإقليم نصف العراق، فإنه سيظل يطالب بالمزيد".
خسائر العراق من غياب التنسيق
تُقدر خسائر العراق جراء تصدير النفط من قبل الإقليم بشكل منفرد بأكثر من 50 مليار دولار منذ عام 2007
وتشكل العقود النفطية التي أبرمتها حكومة إقليم كردستان مع الشركات الدولية مصدر جدل دائم بين الإقليم والحكومة المركزية في بغداد، حيث تتمحور الخلافات حول غياب الشفافية وعدم اطلاع الحكومة المركزية على تفاصيل هذه العقود. ويثير هذا الوضع تساؤلات عميقة حول إدارة الموارد النفطية وأثرها على الوحدة الاقتصادية والسياسية للعراق.
منذ عام 2003، بدأ الإقليم بتوقيع عقود نفطية بشكل مستقل مع شركات دولية كبرى مثل "شيفرون" و"اكسون موبيل"، دون التنسيق مع بغداد أو تسليم الإيرادات النفطية المستحقة، وتعتبر الحكومة المركزية هذه العقود غير قانونية، نظراً لأنها تُبرم بسرية تامة دون مشاركة البيانات الفنية والمالية، وهو ما بررته حكومة الإقليم بحماية مصالحها الاقتصادية.
وتُقدر خسائر العراق جراء تصدير النفط من قبل الإقليم بشكل منفرد بأكثر من 50 مليار دولار منذ عام 2007، وفقاً لتقارير وزارة النفط العراقية. ولا تتوقف الخسائر عند هذا الحد، إذ يُضاف إليها عمليات تهريب النفط المستمرة، ما أدى إلى تفاقم الأضرار الاقتصادية على البلاد وتعميق الخلافات السياسية بين الطرفين.
استعادة حقول النفط في 2017
في 16 أكتوبر 2017، شنت القوات العراقية عملية عسكرية لاستعادة كركوك والحقول النفطية التي كانت تحت سيطرة البيشمركة منذ عام 2014
وفي عام 2017، شهدت محافظة كركوك تحولاً استراتيجياً بعد أن تمكنت القوات العراقية من استعادة السيطرة على المدينة والحقول النفطية التي كانت تحت سيطرة قوات البيشمركة التابعة لإقليم كردستان. هذا التحول جاء بعد استفتاء الانفصال الذي أجرته حكومة الإقليم في سبتمبر من نفس العام، والذي رفضته الحكومة الاتحادية في بغداد والمجتمع الدولي.
في 16 أكتوبر 2017، شنت القوات العراقية عملية عسكرية لاستعادة كركوك والحقول النفطية التي كانت تحت سيطرة البيشمركة منذ عام 2014، بعد انسحاب القوات العراقية إثر تقدم تنظيم داعش. القوات العراقية نجحت في استعادة المدينة والمناطق النفطية الرئيسية دون أن تواجه مقاومة تذكر من البيشمركة، الذين اختاروا الانسحاب بدلاً من المواجهة.
العملية لم تقتصر على استعادة الأراضي فحسب، بل شملت أيضاً استعادة السيطرة على الحقول النفطية في كركوك، التي كانت تسيطر عليها شركات كردية، أبرزها مجموعة "كار" التي كانت تشارك في عمليات تهريب النفط بشكل غير قانوني. كما تم إيقاف عمليات سرقة النفط التي كانت تتم عبر شبكات تهريب منظمة عبر المنافذ غير الرسمية. هذه العمليات التي دامت سنوات أسفرت عن خسائر كبيرة للاقتصاد العراقي.
استعادة الحقول النفطية في كركوك من قبضة الإقليم كانت خطوة هامة نحو استعادة السلطة المركزية على الموارد الطبيعية في العراق، لكن التوترات بشأن توزيع العائدات النفطية لا تزال قائمة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان. وبالرغم من استعادة العراق السيطرة على النفط، فإن الخلافات حول حقوق الإقليم في هذه الموارد تبقى محور جدل مستمر، مما يزيد تعقيد المشهد السياسي والاقتصادي في البلاد.