مبدأ "السلة الواحدة" يعود من جديد اليوم.. جلسة "ساخنة" في مجلس النواب واحتمالات الصدام واردة
انفوبلس/ تقرير
في خطوة لمنع كسر النصاب القانوني الذي بات يهيمن على جلسات مجلس النواب العراقي، تم رهن تمرير تعديل قانون الموازنة الاتحادية مع القوانين "الجدلية" في جلسة البرلمان المقرر انعقادها اليوم الثلاثاء، فهل ستتكرر الخلافات والصدامات كما حصل في الجلسات السابقة أم يوجد اتفاق يقضي بالتصويت على القوانين الجدلية بـ"سلة واحدة"؟
موضوع تمرير القوانين الجدلية والخلافية بنظام ما يُعرف بـ "السلة الواحدة" ليس جديداً على البرلمان العراقي، وهو إجراء يتم اللجوء إليه في حال وصول الخلافات بشأن قانون معين الى طريق مسدود، وبشكل يعزز مصلحة الكتل السياسية واستقطاباتها الطائفية والفئوية والجهوية.
*جلسة اليوم والقوانين الجدلية
أعلنت الدائرة الإعلامية لمجلس النواب العراقي، أمس الاثنين، جدولاً معدلاً لجلسة البرلمان المقرر انعقادها اليوم الثلاثاء 21 كانون الثاني/ يناير 2025، وذلك بإضافة تعديل الموازنة على رأس الجدول.
ويتضمن جدول جلسة البرلمان، اليوم الثلاثاء، التصويت على مشروع قانون التعديل الأول لقانون الموازنة العامة الاتحادية للسنوات المالية (2023-2024-2025)، كما يتضمن الجدول التصويت على مقترح قانون الأحوال الشخصية، إلى جانب التصويت على مشروع قانون إعادة العقارات إلى أصحابها المشمولة ببعض قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل، كذلك التصويت على مشروع قانون التعديل الثاني لقانون العفو العام، ومقترح قانون التعديل الأول لقانون أسس تعادل الشهادات والدرجات العلمية العربية والأجنبية، والتصويت على قرار بالتوصية لوزارة التربية لإعادة العمل بنظام المحاولات، إلى جانب التصويت على مشروع قانون الصحة النفسية، فضلا عن القراءة الأولى لمقترح قانون نقابة الرياضيين، ومناقشة القراءة الثانية لمقترح قانون التعليم العالي الأهلي، بالإضافة إلى تقرير اللجنة النيابية المؤقتة لمتابعة الحفاظ على أملاك الدولة.
وشهدت جلسة البرلمان، يوم الأحد، كسراً للنصاب عبر خروج النواب من القاعة، بعد الوصول للتصويت على فقرة بقانون الموازنة الاتحادية، المتعلقة بالمادة 12 الخاصة بمستحقات كلفة برميل نفط كردستان.
ولوّح رئيس مجلس النواب، محمود المشهداني، الأحد، خلال ترؤسه اجتماعاً لرؤساء الكتل النيابية في القاعة الدستورية داخل مبنى المجلس بتفعيل قواعد السلوك النيابي مع النواب المتغيبين، داعياً الكتل السياسية بضرورة تحمل مسؤولياتها في التزام النواب بحضور الجلسات لإنهاء حالة عدم تحقق النصاب القانوني لانعقاد الجلسات النيابية.
وفشل مجلس النواب الأربعاء الماضي، بعقد جلسته الاعتيادية على خلفية مقاطعة أغلب الكتل السياسية للجلسات. وعزا رئيس كتلة أجيال النيابية النائب محمد الصيهود، مؤخرا، أسباب تعطيل عمل مجلس النواب إلى عدة أسباب بمقدمتها غياب الانسجام بين رئاسة مجلس النواب وتغييب متعمد لدور رؤساء الكتل السياسية للمشاركة في تحديد مواعيد الجلسات وتحديد جداول عمل الجلسات.
ويتضمن تعديل المادة 12 من قانون الموازنة صرف 16 دولاراً تكلفة استخراج النفط من إقليم كردستان على أن يتم استقطاع المبلغ المذكور من مبيعات النفط في الإقليم، كما أن المبلغ المتبقي من سعر برميل النفط يذهب إلى خزينة الدولة العراقية، بدورها تقوم الدولة بصرف رواتب موظفي الإقليم.
ورهنت اللجنة المالية التصويت على التعديل الجديد بحسم الأمر مع وزيرة المالية سيما مع وجود خلافات سياسية حادة حول طبيعة والية التعويضات التي ستدفعها الحكومة في هذا التعديل.
وكانت كتلة تقدم البرلمانية قررت في 13 كانون الثاني/يناير الجاري، مقاطعة جلسات مجلس النواب بسبب عدم إدراج مشروع تعديل قانون العفو العام والالتزام بالاتفاقيات السياسية، وأكدت أنها ستستمر بالمقاطعة لحين إدراج القانون على جدول الأعمال.
وعقد مجلس النواب في فصله التشريعي الماضي عدة جلسات لتمرير القوانين الجدلية، لكنها لم تسفر عن شيء، ما دفعه لترحيل هذه القوانين إلى الفصل التشريعي الحالي، فيما يرى نواب أن هذه الخلافات وكذلك اعتماد أسلوب السلة الواحدة في تمرير القوانين أدت لتعطل قوانين أخرى مهمة ينتظرها الشارع، داعين إلى التخلي عن هذا الأسلوب الذي سبق وأن أثبت فشله.
ويصر النواب الشيعة في البرلمان على تمرير قانون الأحوال الشخصية الذي يعدّ بمثابة تعديل جذري على القانون رقم 188 والذي تم تشريعه عام 1959 على عهد عبد الكريم قاسم، فيما يطالب السنة بتمرير قانون العفو العام، بينما يسعى الكرد إلى تمرير قانون إعادة العقارات إلى أصحابها والتي أُخذت منهم على عهد النظام السابق، ولكون هناك خلافات جوهرية حول كل قانون من هذه القوانين فقد سميت "القوانين الجدلية" بحيث يحتاج تمرير أي قانون منها إلى تمرير القوانين الأخرى.
ويتوقع مراقبون للشأن السياسي تمرير القوانين الثلاثة الجدلية خلال الفصل التشريعي الجديد لمجلس النواب العراقي لتكون ورقة للكتل السياسية تستغلها انتخابياً، لذلك من المرجح حصول الاتفاق عليها قبل أشهر قليلة من الانتخابات البرلمانية المقبلة المفترض إجراؤها بحلول تشرين الأول أكتوبر 2025.
ويواجه تعديل قانون الأحوال الشخصية اعتراضات كبيرة، إذ حذر خبراء قانونيون وناشطون مدنيون، من التعديلات التي ينوي البرلمان وضعها على القانون، وفيما أكدوا أنها يمكن أن تنسف أحد أهم التشريعات العراقية، لفتوا إلى أن التعديلات تضع سلطة المذاهب ورجال الدين في مكانة أعلى من سلطة القضاء والقانون.
لكن في بغداد وبابل والبصرة ومحافظات أخرى، خرجت تظاهرات شعبية تؤيد خطوة تشريع قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية، وذلك بعد الهجمة "الشرسة" التي شنتها بشكل مباشر السفيرة الامريكية لدى العراق الينا رومانوسكي مؤخراً وكذلك دول الاتحاد الأوروبي، ضد المضي بهذا التشريع.
وقد أثار التعديل المقترح لقانون الأحوال الشخصية العراقي جدلاً كبيراً داخل العراق وخارجه، وتركز الجدل حول التعديلات التي اقترحها برلمانيون حول سِنّ الزواج، وتسجيل الزواج في المحاكم، والمرجعية القانونية والشرعية للزواج المختلط، وحضانة الأطفال، وحقوق المطلقة.
كما يواجه تعديل قانون العفو العام، اعتراضات ومخاوف من شموله المدانين بتهم الإرهاب والانتماء إلى تنظيم "داعش" الارهابي، ويُعد هذا التعديل من المطالب الرئيسية لمعظم القوى السنيّة، وكان من بين أبرز الشروط التي وضعتها في مفاوضات تشكيل حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قبل التصويت عليها داخل البرلمان في تشرين الأول أكتوبر 2022.
وأكد النائب عن المكون الايزيدي محما خليل، اليوم الثلاثاء، وجود تلاعب بفقرات تعديل قانون العفو العام لصالح جهة سياسية معينة. وقال خليل إن "شمول الارهابيين تجاوز على حقوق الشهداء عموما والمكون الايزيدي خصوصا"، لافتا إلى أن "تعديل القانون جاء من الحكومة فقرة واحدة".
وأضاف، أن "هناك تلاعب بعدادات تعديل قانون العفو العام لصالح جهة سياسية معينة”، مشيرا إلى أن "أغلب أعضاء مجلس النواب يرفضون الخوض بتفاصيل شمول الإرهابيين والمتورطين بالفساد وتجارة المخدرات". وتابع أن "شمول الارهابيين خيانة لدماء الشهداء وعوائلهم"، منوها بأن "القانون تم تجييره لصالح جهة سياسية معينة لكسب أصوات انتخابية".
ويعد قانون العفو العام أحد أبرز مطالب الكتل السنية التي اشترطت إقراره أثناء مفاوضات تشكيل إدارة الدولة الذي ضم الإطار التنسيقي الشيعي والكتل الكردية والسنية والذي تمخض عن تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني.
ويتضمن البرنامج الحكومي، وفق نواب من المكون السني، إصدار قانون العفو العام والتدقيق الأمني في محافظاتهم وإلغاء هيئات أو إيقاف العمل بها كانت تشكل مصدر قلق وأزمة لديهم، منها هيئة المساءلة والعدالة.
وفي تموز يوليو 2024، أدرج مجلس النواب مشروع قانون العفو العام على جدول أعماله، وهي المرة الأولى التي يفتح فيها هذا الملف في البرلمان، على الرغم من مرور سنوات على المطالبة به من شرائح مجتمعية واسعة وأحزاب سياسية، وسط مخاوف من عرقلته.
وشرع العراق أكثر من قانون للعفو خلال السنوات الماضية، ومنها قانون العفو العام لسنة 2016 إلا أن الاعتراضات بقيت قائمة بحق القانون، لأن هناك الكثير ممن صُنفوا إرهابيين انتُزعت اعترافاتهم بالقوة في أثناء التحقيق، بحسب قوى سياسية.
أما بشأن إعادة العقارات لأصحابها، فقد أعلنت الكتل الكردية الخمس في مجلس النواب، في أيلول سبتمبر الماضي، توحيد موقفها لدعم مشروع قانون يهدف إلى إلغاء قرارات حزب البعث المتعلقة بالأراضي الزراعية في المناطق المشمولة بالمادة 140 من الدستور العراقي.
ويقول نواب ومسؤولون كرد، إن مشروع القانون يخص الاملاك التي تُعاد إلى أصحابها الأصليين من الكرد والتركمان، وتمت مصادرتها بموجب 8 قرارات صادرة عن مجلس قيادة الثورة المنحل خلال الأعوام من 1975 ولغاية 1979، وكان الهدف منها إجراء عمليات تغيير ديموغرافي في المناطق المتنازع عليها.
اتفاق سياسي - نيابي
كشفت مصادر نيابية، عن نتائج اجتماعات زعماء الكتل السياسية والنيابية للوصول إلى اتفاق يقضي بالتصويت على القوانين الجدلية بـ"سلة واحدة"، خلال جلسة من المقرر عقدها اليوم الثلاثاء.
وذكرت المصادر، أن "جلسة الثلاثاء، من المؤمل أن تعقد بنصاب كامل لتمرير القوانين الجدلية الثلاثة ومن بينها التصويت على مقترح قانون الأحوال الشخصية، والتصويت على مشروع قانون إعادة العقارات إلى أصحابها (التعديل الثاني المشمول بقرارات مجلس قيادة الثورة المنحل)، وأيضا التصويت على مشروع قانون التعديل الثاني لقانون العفو العام".
وأشارت المصادر، إلى أن "القوانين الجدلية سترى طريقها للتصويت في جلسة اليوم، بعد اتفاق جميع الأطراف السياسية والنيابية على ذلك".
بدورها، طالبت كتلة "صادقون" النيابية هيئة رئاسة المجلس، بإدراج قانون الحشد الشعبي لإقراره. وقال عضو الكتلة ثامر ذيبان، إن "قانون الحشد الشعبي مهم وحيوي، ويفترض أن يتم إقراره خلال الجلسات المقبلة"، موضحا أن "كتلة صادقون لديها مبادرة للتنسيق مع الكتل السياسية لإقرار القانون، لكون الحشد الشعبي مؤسسة أمنية مرتبطة بالقائد العام للقوات المسلحة".
وبين، أنه "من الضروري أن يكون لمؤسسة الحشد الشعبي قانون أسوة بالمؤسسات الأمنية الأخرى، وذلك تثمينا لجهودهم وتضحياتهم في حفظ أمن البلد".
وسبق أن كشفت اللجنة القانونية في البرلمان العراقي عن وجود 170 قانوناً معطلاً من الدورات البرلمانية السابقة، ويعود هذا التعطيل من ناحية الإقرار أو التعديل لغياب التوافق السياسي بشأن الكثير منها، كقوانين الموازنة، وتعديل رواتب الموظفين، وقانون النفط والغاز، والتجنيد الإلزامي، وجرائم المعلوماتية، وغيرها، وفقاً لعضو اللجنة القانونية البرلمانية، النائب أوميد أحمد.
واعتبر مواطنون أن جميع مشاكل البلاد كانت بسبب نواب البرلمان "فهم مختلفون فيما بينهم، وانعكس ذلك على الشعب" بينما عبر آخرون عن عدم ثقتهم به ولا بنوابه "الذين لا يمثلون الشعب" ورأى آخرون أن مجلس النواب "مؤسسة غير ضرورية، ومن الأفضل أن يلغى".
ووصف محللون وباحثون سياسيون، الدورة البرلمانية الخامسة لمجلس النواب العراقي، بأنها "الأسوأ منذ العهد الملكي"، كونها رسّخت مفهوم المحاصصة، بحسب تعبيرهم.