مجلس القضاء يُطمئن ومجلس النواب يخالفه.. هل يشمل قانون "العفو العام" خاطفي الإيزيديات؟

انفوبلس/ تقرير
على الرغم من دخول قانون "العفو العام" حيز التنفيذ، وتطبيق بعض المحاكم لتفاصيله، لكن لا يزال السؤال المطروح حول شمول القانون "خاطفي الإيزيديات" رغم تطمينات مجلس القضاء الأعلى، يثير الجدل داخل الأوساط السياسية والشعبية العراقية، فماذا تقول اللجنة القانونية النيابية عن "النصوص المثيرة" في القانون؟
أنهت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، في وقت سابق من أمس الثلاثاء، خلافاً حاداً مع مجلس القضاء الأعلى، بعدما ردّت طعوناً في 3 قوانين خلافية شرّعها البرلمان بطريقة "السلة الواحدة"، هي (العفو العام والأحوال الشخصية والعقارات المشمولة بقوانين البعث)، ما يمهد الطريق أمام المضي بالقوانين والعمل بها.
*مجلس القضاء الأعلى
أكد رئيس المركز الوطني للتعاون القضائي الدولي، علي حسين جفات، اليوم الأربعاء 12 شباط/ فبراير 2025، أن قانون العفو العام لا يشمل مرتكبي جرائم اختطاف وسبي الإيزيديات والمكونات الأخرى.
وذكر بيان لمجلس القضاء الأعلى، تلقته شبكة "انفوبلس"، أن "رئيس المركز الوطني للتعاون القضائي الدولي، القاضي علي حسين جفات، نظم اجتماعاً مع مدير عام المديرية العامة لشؤون الناجيات في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، سراب إلياس بركات في مبنى المركز الوطني للتعاون القضائي الدولي".
وذكر رئيس المركز خلال الاجتماع بأن "مرتكبي جرائم اختطاف وسبي الإيزيديات لم يتم شمولهم بقانون العفو العام رقم (27) لسنة 2016 ولا سيما التعديل الأخير الذي تم إقراره من قبل مجلس النواب بتاريخ 21 /1 /2025، خاصة وأن المادة (9/ أولاً) من قانون الناجيات الإيزيديات رقم (8) لسنة 2021 تنص على (لا يُشمل مرتكبو جريمة واختطاف وسبي الإيزيديات بأي عفو عام أو خاص)".
من جانبها، أعربت مدير عام المديرية العامة لشؤون الناجيات في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، سراب إلياس بركات عن "امتنانها بتقديم المساعدة والتعاون وتذليل الصعوبات من أجل توثيق الجرائم المروعة بحق الإيزيديات".
وأضافت، أنه "في اجتماع لاحق مع عدد من منظمات المجتمع المدني المهتمة بدعم الطوائف الإيزيدية والمكونات الأخرى، تمت مناقشة موضوع الناجيات اللاتي تعرضن إلى جرائم السبي والاغتصاب من قبل عصابات داعش الإرهابية سنة 2014 وقد تمت مناقشة أرشفة الأدلة الخاصة بالناجيات من قبل المركز الوطني وفقاً للمعايير الدولية وكذلك توثيق الشهادات".
وأشار إلى أن "الاجتماع اللاحق الذي عقد في مبنى المركز الوطني، حضره كل من منظمة يزدا ممثلة عنها كل من ناتيا نافروزوف وزوي باريس ومنظمة حمورابي ممثل عنها وليم وردا والتحالف للتعويضات العادلة ممثلها حسن جميل خالد".
*تطمينات شخصية!
لكن عضو اللجنة القانونية النيابية، رائد المالكي، اعتبر أن التطمينات التي أرسلها مجلس القضاء الأعلى بشأن عدم شمول خاطفي الإيزيديات بالعفو العام "غير منصوص عليها بالقانون"، بل عبارة عن تطمينات شخصية.
"قانون العفو العام لم يتضمن صياغات بشمول وعدم شمول الفئات بالتفصيل، وفقا للطائفة والمكون، لذلك فإن النص القانوني يسمح ويحتمل ان يخرج خاطفو الايزيديات"
وقال المالكي، إن "البرلمان سوف يعود الى عمله ولكن وتيرة أدائه ضعيفة كما هو ملاحظ "، معتبرا أن "تشريع قوانين العفو والعقارات والاحوال لم يؤثر على وضع البرلمان وكتله السياسية التقليدية المعروفة على اعتبار ان مثل هكذا توافقات على القوانين هي عادة سائرة لديهم وعملوا عليها سابقا، لكن المختلف هو بالنسبة للقوى الناشئة والنواب المستقلين أصحاب الإرادة الحرة".
واعتبر، إن "السؤال هو ما مدى تأثير ما حصل على القوة الناشئة وعلى النواب المستقلين أصحاب الإرادة الحرة والمعترضين والفاعلين منهم وعددهم لا يتجاوز الـ 20 نائبا"، مشيرا الى أنه "بالنسبة لنا مستمرين بعملنا وبأداء مهمتنا وما قمنا به هو واجبنا وهذا الامر سيتضح أهميته الآن وفي المستقبل لأنه أعطى حيوية للبرلمان وأخرجه من دائرة الجمود".
وأكد، إنه "في المستقبل سوف تنكشف سلبيات وآثار بعض القوانين التي تم تشريعها ومنها قانون العفو العام والملاحظ أن مجلس القضاء الأعلى بدأ يرسل رسائل وتطمينات نحن نعتبرها شخصية لأنها لم ترد بالنصوص القانونية، على سبيل المثال الايزيديات او سبي الايزيديات غير مشمول بقانون العفو العام".
واعتبر، أن "قانون العفو العام لم يتضمن صياغات بشمول وعدم شمول الفئات بالتفصيل، وفقا للطائفة والمكون، لذلك فإن النص القانوني يسمح ويحتمل ان يخرج خاطفو الايزيديات لهذا فأن مجلس القضاء الاعلى قدم تطمينات قضائية من عنده وليس من النص حيث انهم يريدون ان يعملوا بهذه الصيغة لحماية هذه الفئة او المكون وهذا يرجع لتدخلهم القضائي والشخصي وهو جزء من واجبهم لكن هذا يؤكد ان القانون غير محكم في صياغته وهذا أحد اسباب اعتراضنا عليه، حيث لم تحكم نصوص قانون العفو وتضبط بشكل يمنع حصول انتهاكات وخروقات".
وأصدرت المحكمة الاتحادية، في 4 شباط/ فبراير الجاري، أمراً ولائياً بإيقاف تنفيذ القوانين الثلاثة، الأحوال الشخصية، العفو العام، العقارات، المقرة من مجلس النواب إلا أن هذا الأمر جوبه بالرفض الواسع من قبل قوى سياسية سنية وكردية.
ومع حلول مساء الثلاثاء 4 شباط/فبراير الجاري، بدأت محافظات سنية تعطل الدوام الرسمي، احتجاجا على الأمر الولائي، بدءا محافظة نينوى، ومن ثم تلتها محافظة الأنبار، ومن ثم التحقت صلاح الدين بهذه المحافظات، وأعلن أخيرا محافظ كركوك، ريبوار طه تعطيل الدوام الرسمي في المحافظة.
وكان مجلس القضاء العراقي الأعلى، افتى في 5 شباط/ فبراير الجاري، بعدم جواز إيقاف تنفيذ القوانين التي يتم تشريعها من قبل مجلس النواب قبل نشرها في الجريدة الرسمية، فيما اعتبر قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية، وإعادة العقارات الى أصحابها يقتضي التريث في إصدار أي قرار يتعلق بهما، شدد على أن المحاكم في البلاد ملزمة بتنفيذ قانون العفو العام.
هذا وشرعت المحاكم في محافظات العراق اعتبارا من الخميس الماضي، بتنفيذ تعديل قانون العفو العام على وفق نصوصه والتعليمات التي أصدرها مجلس القضاء الأعلى بهذا الخصوص رغم اعتراض المحكمة الاتحادية العليا اعلى سلطة قضائية في البلاد.
كما تباينت المواقف السياسية في العراق حول رد المحكمة الاتحادية العليا الطعون المقدمة بالقوانين المثيرة للجدل وهي (العفو العام والأحوال الشخصية والعقارات المشمولة بقوانين البعث) يوم أمس، بين الرفض والتأييد وسط مخاوف من تبعات تلك القوانين على الداخل العراقي.
*تخوف الأوساط الإيزيدية
اتهمت الأوساط الإيزيدية الحكومة والقوى السياسية العراقية بعدم استشارتها أو الاستجابة لمخاوفها أثناء إعداد القانون وإرساله إلى البرلمان وإقراره، مبدية مخاوفها من أن يؤدي تطبيقه إلى إطلاق سراح آلاف المشاركين في جريمة الإبادة الجماعية التي طالتهم في صيف 2014 على يد تنظيم "داعش" الإرهابي، وراح ضحيتها عشرات آلاف المدنيين الإيزيديين، خصوصاً من النساء والأطفال.
وصنفت شخصيات سياسية وثقافية أيزيدية تواصلت "انفوبلس" معها القانون ودخوله السريع حيز التنفيذ وآليات تطبيقه بمثابة "خطوة إلى الوراء" في مسار العدالة الذي يعتبره الأيزيديون السكة الوحيدة لتنجب أي صِدام أهلي في منطقتهم، شمال غربي محافظة نينوى (الموصل)، مذكرين السلطات العراقية بتقاعسها عن أعمال مثل إقرار قانون تصنيف ما حدث بحق الأيزيديين "إبادة جماعية"، أو تعويضهم وإعادة بناء المناطق الأيزيدية في منطقة سنجار، وتطبيق الاتفاقية الأمنية/السياسية الموقعة مع إقليم كردستان، الموقعة منذ خمسة سنوات من دون تطبيقها.
كما ان القوى الأيزيدية نفذت طوال الأيام الماضية وقفات احتجاجية في مناطقها، محذرة من التداعيات المستقبلية لما يحدث، وأصدرت النُخب الثقافية والسياسية والاجتماعية الأيزيدية بياناً باسم "المجتمع الأيزيدي"، نددت فيه باستضعافهم سياسياً وتشريعياً، مضيفة: "نعبر عن رفضنا واستنكارنا الشديدين للتعديل الثاني لقانون العفو العام رقم (27) لسنة 2016، الذي أقره البرلمان العراقي، لأن ما يتضمنه التعديل من بنود يتيح الإفلات من العقاب لعناصر تنظيم داعش الإرهابي الذين ارتكبوا أبشع الجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب العراقي، بما في ذلك الإبادة الجماعية التي استهدفت أبناء شعبنا الأيزيدي في سنجار والمناطق الأخرى".
الباحث القانوني حسو بدران شرح، ما أسماه "التوازن التشريعي" في هذه المسألة، الذي افتقد بسبب عدم أخذ رأي المجتمع والقوى السياسية الأيزيدية في الاعتبار أثناء الإعداد والإقرار، مضيفاً أن "القوى السياسية والاجتماعية (السُنية) تعتبر تلهفها وطلبها لقانون العفو هذا محاولة لرفع الغبن والظلم عن آلاف الشُبان من مجتمعاتها، الذين حُقق معهم وحُوكموا بحسب قانون (4 إرهاب)، وتريد فقط إعادة التحقيق معهم ومحاكتهم بشكل شفاف، وخارج الضغوط السياسية والأمنية التي كانت؛ وذلك كان له أن يتحقق مع إضافة بنود واضحة تمنع الإفلات من العِقاب بالنسبة إلى أعضاء تنظيم "داعش"، أو الذين ارتكبوا أفعالاً شائنة على أساس الهويات العرقية والدينية، أو تضمينه اللجان التحقيقية قضاة من أبناء المكون، وهكذا. لكن غياب الإرادة السياسية منع ذلك".
ويؤكد النائب الايزيدي شريف سليمان، ان "رفضنا لقانون العفو العام ينطلق من منطلق اكرام الشهداء وضحايا العراق من الايزيديين وباقي العراقيين في مجزرة سبايكر"، لافتا الى ان "الايزيديين تعرضوا لأبشع الجرائم على يد الإرهاب الداعشي، اذ تم خطف نساء من المكون ودفن الأبرياء في مقابر جماعية، مشيرا الى ان "هناك أكثر من 3 الاف امرأة ايزيدية مجهولات المصير".
وأوضح، أن "هؤلاء النسوة تم خطفهن وبيعهن في سوق النخاسة الداعشي". ودعا "المختصين بالشأن القانوني وخبراء اللغة الى وضع تعريف دقيق للمجرمين المشمولين بقانون العفو العام، لضمان عدم افلات أي مجرم من العقاب".
وبعد سقوط المقبور صدام حسين تعرض الإيزيديون إلى حملة خلال فترة العنف الطائفي في 2007، وكان آخر المجازر ما وقع إثر سقوط الموصل بيد تنظيم "داعش"، عام 2014، حين قُتل واختُطف الآلاف من الإيزيديين، ولا يزال مصير الكثير منهم مجهولاً.
ويقدر عدد الايزيديين في العالم حسب أرقام المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بحوالي 800 ألف إيزيدي، يعيش حوالي 550 ألف منهم في العراق. كما ويعيش 75% من الإيزيديين في العراق في المنطقة الجبلية القريبة من الحدود السورية، و10% منهم يعيشون في المنطقة الكردية في مدن مثل دهوك والسليمانية وأربيل، فيما يقطن البقية في منطقة شيخان.