مركز البيانات الوطني.. حجر أساس الانتقال الرقمي لـ"حكومة ذكية" تحمي المواطن من البيروقراطية والروتين
انفوبلس..
في عام 2020 بدأ الحديث في أروقة مجلس الوزراء عن مركز بيانات وطني تسعى الحكومة لإدراجه لتحجيم البيروقراطية والقضاء على الروتين والانتقال إلى مستوى الحوكمة الإلكترونية، ومع تكليف محمد شياع السوداني برئاسة الوزراء في 2022، بدأ المركز الذي تأسس في 2021 يأخذ مساراً أكثر جدية وبتطور مستمر وخطط مستقبلية، فما هو هذا المركز؟ وما مسؤولياته؟ وما هي قواعد البيانات التي يمتلكها عن الشعب العراقي؟
وبحسب موقع المركز الإلكتروني فإنه "مركز بيانات وطني تشاركي لخدمات رقمية متكاملة".
ويهدف لـ"تحقيق رؤية العراق نحو التحول الرقمي الشامل لكافة الخدمات المقدمة من قبل المؤسسات عن طريق تطوير المهارات في مجال تكنولوجيا المعلومات وبناء حكومة إلكترونية عبر منصة واحدة ومتكاملة تحت غطاء آمن للمعلومات يضمن سلامة البيانات بغية تعزيز ثقة المواطن والمقيم عند اعتماد الخدمات والحصول عليها بكل سهولة ويسر".
وقيم المركز، بحسب الموقع هي: الإبداع والابتكار والانفتاح والشفافية والاستدامة والموثوقية والجودة والتمييز.
ويشرف المركز على البوابة الحكومية الموحدة لجمهورية العراق للخدمات الإلكترونية (أور)، من خلالها يمكن للمواطن العراقي والمُقيم إكمال معاملته، وذلك من خلال توحيد الخدمات وجمعها في بوابة واحدة ووضعها كنقطة اتصال واستخدام للخدمات الحكومية وتمكين المستخدمين من التفاعل والشعور بالثقة مع هذه الخدمات.
مدير دائرة مركز البيانات الوطني، الدكتور عمار مظهر التميمي يقول إن "مركز البيانات الوطني أحد العناصر الأساسية لمشروع الحوكمة الإلكترونية، وتمثل بوابة أور للخدمات الحكومية نواة انطلاق المشروع، سعياً للوصول الى حكومة خدمات شاملة".
فيما يرى المشرف على سكرتارية لجنة الحوكمة الإلكترونية، الدكتور أحمد محسن الزبيدي، إن "مركز البيانات الوطني يعتبر حجر الأساس لمسار رقمي شامل لحكومة ذكية نسعى من خلاله الى معالجة الفجوة الرقمية وتشجيع الابتكار المفتوح، وتكوين بيئة آمنة موجهة نحو المستقبل لضمان الاستدامة".
وينشر الموقع خارطة طريق المركز ويلخصها بالشكل التالي:
ويوفر المركز مجموعة من الخدمات، وهي كل من:
- بوابة أور: منصة الخدمات الحكومية الرقمية الرسمية لجمهورية العراق وهي نقطة واحدة لكافة الخدمات الحكومية التي تقدمها المؤسسات الرسمية.
- توفير الخوادم الافتراضية: توفير بيئــة افتراضية آمنة ومعزولة بموارد مخصصة تضمن استقــرار الأداء لهذه البيئة مع إمكانية التحكم الكامل بنظام التشغيل والبرامج والإعدادات إضافة الى قابلية التطوير حيث يمكن زيــادة أو تقليل الموارد حسب الحاجة.
- تطوير المهارات في قطاع تكنولوجيا المعلومات:
برامج تدريبية لتعـــزيز مهـــارات موظفي المؤسسات والدوائر الحكــومي في مجال تكنولوجيا المعلومات، تشمل دورات تخصصيــة وورش عمل حـول الأنظمة الجديدة والتحول الرقمي، بالإضافة إلى توفير استشارات ودعم فني لتنفيذ هذه المبادرات.
- المشروع الوطني لإلغاء معاملات صحة الصدور (نظام الوثائق المؤمنة): نظام إلكتروني وطني رائد لإلغاء ترويج معاملات صحة الصدور للوثائق، منجز من قبل ملاكــات مركز البيانات الوطني، بدأ العمل به بتاريخ 24/5/2022 ليشمل كافة الوزارات والمحافظات والهيئات المستقلة والدوائـر التابعة لها، حيث حقق نجاح كبير في تسهيل معاملات المواطنين.
- منصة البيانات الذكية (XDATA): منصة إلكترونية مختصة بتوفير كل ما تحتاجه لتنظيف بياناتك وإلغاء تكرارها ومقاطعة البيانات بين الجهات. كما توفر المنصة خدمات مشاركة البيانات وخدمات بحثية وخدمات مخصصة لجهة معينة وحسب الصلاحيات والمعايير المثبتة مسبقاً.
- منصة إنشاء الخدمات: هي منصة مقدمة من قبل مركز البيانات الوطني التابعة لبوابة أور للخدمات الحكومية تقوم بتقديم الخدمات للمواطنين و معالجتها إلكترونياً من قبل الجهات المقدمة للخدمات.
- العرضحلجي الإلكتروني: دليل إلكتروني شامل لكافة الخدمات الحكومية، تلغي عنكم عبء المراجعة وتوفر الجهد والوقت، حيث يمكنك من خلال منصة أور الوصول الى تفاصيل المعاملات فـي المؤسسات الحكومية والتعرف على كافة المتطلبات والوثائق.
- الخدمة الإرشادية: هي خدمة تواصلية خصصتها الأمانة العامة لمجلس الوزراء كجزءٍ من بوابة أور الالكترونية للخدمات الحكومية لغرض إرشاد المواطنين ومساعدتـهم للاستفادة من الخدمات الالكترونية التي تقدمها البوابة لهم، حيث يمكن للمواطن الاتصال على الرقم المجاني (5599) طيلة أيام الأسبوع من الساعة الثامنة صباحاً ولغاية الثانية عشرة ليلاً.
وبحسب الموقع، فإن المركز يسعى لتقديم خدمتين جديدتين، وهما:
- التطبيقات الشاملة (SuperApp): هو تطبيق من ضمن تطبيقات التحول الرقمي الشامل على الهواتف الذكية حيث يعتبر منصة اتصال مع مكالمات مرئية وصوتية مجانية ورسائل فورية. والهدف منه تعزيز الكفاءة وتبسيط العمليات وتقديم الخدمات الحكومية بطريقة عصرية وتعزيز مشاركة وتفاعل أكبر للمواطنين مع الحكومة ضمن نظام أساسي واحد ومتميز.
- الخدمة السحابية: يهدف مشروع مركز البيانات السحابي في العراق إلى إنشاء بيئة تكنولوجية حديثة تمكن المؤسسات والأفراد من استضافة تطبيقاتهم وخدماتهم على السحابة بطريقة آمنة وفعالة من حيث التكلفة، يشمل ذلك توفير مساحة للتخزين وقدرات الحسابات والشبكات اللازمة لتحقيق هذا الهدف.
البرمجيات كخدمة "SaaS ".
المنصة كخدمة "PaaS ".
البنية التحتية كخدمة "IaaS ".
ويتكون المركز من 3 أقسام وهي:
- قسم التقييم وإدارة المشاريع.
- قسم الموارد والبنى وأمن المعلومات.
- قسم الحلول التكنولوجية وإدارة البيانات.
وفي 20 آب من عام 2023، افتتح رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، منشأة مركز البيانات الوطني في الأمانة العامة لمجلس الوزراء ضمن معايير Tier lll، و"ضمن خطوات مشروع الحكومة الإلكترونية".
ومعيار Tier III، هو دليل إرشادي معترف به دوليًا لتصنيف وتقييم موثوقية وتوافر مراكز البيانات، فهو يحدد مستويات الموثوقية بناءً على متطلبات محددة لبنية مركز البيانات والبنى التحتية، وحيث يوضح هذا المعيار المتطلبات الواجب توفرها لتحقيق الموثوقية.
المكتب الإعلامي للسوداني ذكر في بيان، أن "رئيس مجلس الوزراء اطلع على مراحل إنجاز المرحلة الأولى للمركز، باستخدام الشاشات الذكية، ومجسّمات تجسّد مراحل نصب منشأة السحابة الوطنية، وكذلك في ما يخص التحوّل الرقمي، ومنها برنامج إلغاء معاملة (صحّة الصدور)".
وأوضح، أن "السوداني تابع عمل النافذة الواحدة لتقديم الخدمات الإلكترونية البالغة 299 خدمة، التي تحمل اسم (بوابة أور الإلكترونية)، واطلع على خارطة التحوّل الرقمي، ومركز التدريب الدولي، حيث جرى عرض محاكاة حقيقية لإحدى مـعاملات دوائر الكُتاب العدول، والاطلاع على النظام الإلكتروني لتتبع اتصالات المواطنين عبر الخدمة الإرشادية، والاستخدام الفعلي لمنصّـة غرامة المركبات إلكترونياً، مثالاً لإحدى خدمات البوابة".
وأشار السوداني، بحسب البيان إلى "ضرورة اطلاع وسائل الإعلام على هذه الخدمات؛ من أجل التوعية والتثقيف"، مبيّناً أن "هذا المشروع سيدعم برنامج الحكومة في مكافحة الفساد المالي والإداري، الذي يُعد تحدياً خطيراً لكل مشاريع التنمية والإعمار والخدمات"، حاثّاً على "أهمية أن تكون هذه الخطوات أوسع وأشمل، مثمناً كل الجهود التي بُذلت لإنجاز هذا المشروع".
وأوضح البيان أن "رئيس مجلس الوزراء، التقى بالخبراء الدوليين الذين يمثلون الجهات الداعمة للمشروع، وهي البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة والبنك الدولي ومركز الخدمات الرقمية في بريطانيا GDS، وبرنامج الغذاء العالمي والوكالة الإنمائية للتعاون الدولي، ومؤسسة الشؤون الخارجية الكندية ومنظمة IMMAP، واستمع إلى عرض موجز عن خارطة طريق التحول الرقمي الشامل في العراق".
وأشار إلى أن "السوداني ترأس اجتماعاً للفريق الاستشاري للّجنة الحكومة الإلكترونية، أكد خلاله أهمية تجميع البيانات بما يُيسّر تقديم الخدمة للمواطن ومعالجة ملفات الفقر والبطاقة التموينية، والعمل على اختزال الوقت".
وأكد أن "التداول الإلكتروني للأموال، يمكن من خلاله معالجة مشاكل سعر الصرف، وتدارك الاختلافات، ومعالجة مشاكل أخرى عديدة تصب في خدمة المواطن كهدف نهائي"، مبيناً "استعداد الحكومة لتهيئة كل المتطلبات المالية أو على صعيد القرارات والإجراءات المواكبة للتحول الرقمي".
لم يكن الحديث عن الحوكمة الإلكترونية وليد الحكومة الجديدة، بل مستمر منذ سنوات عديدة، وسط فشل متعاقب في تطبيق هذا الأمر.
يستكمل العراق في المؤسسات الحكومية، مشروع الحوكمة والأتمتة، عبر إطلاق منصات إلكترونية وربط دوائر الدولة ببرامج مركزية، هدفها الحد من البيروقراطية الإدارية والحد من الفساد، لتعزيز مفاهيم الشفافية والسلامة الرقابية. لكن العمل فعلياً يسير بإيقاع بطيء.
ووقّع العراق في يوليو/ تموز 2022، مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مذكرة تفاهم لتعزيز الخدمات الرقمية وبناء القدرات في مجال الحوكمة الإلكترونية، ركزت على تسخير وزيادة استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحديث العمليات والأنظمة الحكومية وتحسين الخدمات للمواطنين وتعزيز الاقتصاد الرقمي.
وفي أغسطس/ آب 2022، دعا البنك الدولي، الحكومة العراقية إلى إسراع الخطى في هذا المشروع، وإغلاق ذلك الملف بشكل كامل بنهاية العام الحالي 2023.
ووفقاً للأمانة العامة لمجلس الوزراء، استطاعت الحكومة العراقية عبر مشروعها التنفيذي من رفع أكثر من 75 ألف وثيقة إلكترونية وجعلها متداولة أمام المستخدمين لتلك المواقع.
وكانت الحكومة قد أطلقت في مايو/ أيار 2021، بوابة إلكترونية تسمى "بوابة أور للخدمات الحكومية"، يشرف عليها مركز البيانات الوطني في الأمانة العامة لمجلس الوزراء.
وهي موقع إلكتروني يتيح وصول المواطنين إلى الخدمات الإلكترونية التي تقدمها وزارات الدولة والدوائر غير المرتبطة بوزارة، عبر نافذة واحدة، وتُعَد من العناصر الأساسية في مشروع الحوكمة الإلكترونية.
وأطلقت بغداد، عام 2014، مشروعاً تحت اسم "حكومة المواطن الإلكترونية"، بالتعاون مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID، في أول إعلان عن عزم العراق على التوجه نحو الحكومة الإلكترونية، لكن المشروع تعثر مرات عدة ولم يكتمل.
المتحدث باسم الأمانة العامة لمجلس الوزراء، حيدر مجيد، يؤكد، أن "التحول الرقمي الشامل يحتاج وقتاً غير محدد، وأيضاً أموالاً وإسناداً"، مردفاً: "هناك مذكرات تفاهم مع منظمات دولية تتعلق بدورات تدريبية للموظفين في كل وزارة".
وأوضح أن "سير إجراءات الوثائق الإلكترونية يتم على ثلاث مراحل. الأولى، إدارتها، والثانية الربط مع الهيئات المستقلة، والثالثة الربط بدوائر المحافظات".
ويشير مجيد إلى أن "بوابة أور تقدم أكثر من 230 خدمة للمواطنين عبر أبواب مختلفة تُعنى بالبنى التحتية والسكن والوظائف العامة والقطاعات المصرفية والتعليم ودوائر السفر والجنسية وغيرها".
ويصف ما تم إنجازه حتى الآن بأنه "تقدّم كبيراً" في مجال الوثائق الإلكترونية.
وتطلق مؤسسات الدولة بين الحين والآخر منصات إلكترونية بغرض تقديم الخدمات، مثل "سلامات"، التابع لوزارة الصحة، ويُعنى بتسلّم نتيجة الفحصPCR إلكترونياً. وكذلك برنامج "راقبني" الذي أُنجز بالتنسيق مع ملاكات وزارة التجارة، ويُعنى بتسلم مقترحات وشكاوى المواطنين بشأن السلة الغذائية.
وفي 19 من أبريل/ نيسان الماضي، أعلنت دائرة مركز البيانات الوطني في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، عن انطلاق المرحلة الأولى من منصة "غرامة" التي ستمكن المواطن من الاستعلام عن تفاصيل المخالفات المرورية المسجلة على مركبته أو على إحدى مركبات أفراد أسرته والحصول على النتائج من خلال رسالة نصيةSMS عبر هاتفه النقال.
وبمجرد الاطلاع على إحصاءات تتعلق بعدد مستخدمي الإنترنت في العراق، مقارنة بنسبة الأمية الرقمية خصوصاً بين الشباب، يمكن استقراء صعوبة الوصول بالنسبة للمواطنين البالغين كافة للخدمات الحكومية.
وبحسب موقع "داتا ريبورتال"، فإن عدد مستخدمي الإنترنت، حتى يناير 2022 وصل إلى 20.58 مليوناً، ما يعادل نصف سكان العراق تقريباً، الذي قُدّر في يناير 2022، بـ41.67 مليوناً، 56.8% منهم في الفئة العمرية (18-64)، أي ممن يُتوقع أنهم قد يحتاجون للوصول إلى خدمات حكومية.
أما معدل الأمية الإلكترونية، فيقدر بين الشباب (15 عاماً -24 عاماً) بـ60% وفق منظمة "اليونيسف" التابعة للأمم المتحدة (يوليو 2022).
يقول رئيس مركز مؤسسة النهرين لدعم الشفافية، محمد الربيعي، إن "غالبية الوزارات لاسيما التي لها تماس مباشر بالمواطن، مثل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وهيئتي الضرائب والتقاعد العامة والعديد من المؤسسات الأخرى، لا تزال ضعيفة جداً من ناحية الأتمتة".
ويضيف الربيعي: "بعض المؤسسات يتم تقديم الطلبات فيها إلكترونيا، لكن إنجاز المعاملات لا يتم إلا عن طريق المراجعة الحضورية، أي إن عملية الحوكمة غير مكتملة لدى تلك المؤسسات".
وتفتقد جميع مؤسسات الدولة تقريبا - وفقا للعديد من المواطنين- إلى عملية الدفع الإلكتروني للمعاملات التي تتطلب رسوما مالية، ما يُجبر المراجعين على الذهاب للدفع بشكل شخصي.
ويبين الربيعي: "الأتمتة بشكلها المعروف دوليا هي دفع الفواتير إلكترونيا، وعدم أتمتة دفع الفواتير سببه فقد الدولة قاعدة بيانات وإحصائيات دقيقة للأموال وعدد المستخدمين".