معارك تشرين تشتعل مبكراً.. القضاء يُبرئ الحلبوسي والخارطة السياسية تستعد لتغييرات كبيرة

انفوبلس..
تستعد الساحة السياسية العراقية لمعركة انتخابية حاسمة مع اقتراب انتخابات 11 تشرين الثاني، وسط تحولات لافتة أبرزها تبرئة القضاء لرئيس حزب "تقدم" محمد الحلبوسي من التهم الموجهة إليه، ما يعزز حظوظه بالعودة إلى المشهد بقوة. ويأتي ذلك في ظل انقسامات سنية حادّة، وتحديات داخلية معقدة، وسباق إقليمي ودولي على النفوذ، مما يجعل الانتخابات المقبلة الأشد تعقيداً منذ سنوات.
وتخوض الكتل والأحزاب السياسية المتنفذة في العراق معركة وجود للبقاء ضمن النظام السياسي خلال الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في 11 تشرين الثاني نوفمبر المقبل.
وفي هذا الإطار، أعلن حزب تقدم، اليوم الإثنين، تبرئة القضاء العراقي، لزعيم الحزب محمد الحلبوسي، من جميع التهم الموجهة إليه سابقاً، مما يعني إمكانية خوضه الانتخابات، الأمر الذي أشعل موجة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي.
وانتقد ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، ما وصل إليه القضاء العراقي، فيما أشار البعض الآخر إلى تعرض القضاء للضغوط السياسية من أجل إسقاط التهم عن الحلبوسي.
وذكر المكتب الإعلامي للحزب، في بيان أن "القضاء العراقي برأ رئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي، من التهم الموجهة إليه سابقاً".
وأضاف أن "المحاكم المختصة، أصدرت قراراتها بردِّ الشكاوى وإلغاء التهم وغلق التحقيق مع الحلبوسي، وتمت مصادقة هذه القرارات من محكمة التمييز الاتحادية واكتسبت الدرجة القطعية".
إلى ذلك، رد رئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي، بتغريدة له عبر منصة (أكس)، "حين سكت أهل الحقِّ عن الباطل توهَّم أهل الباطل أنهم على حقٍّ".
وأكد أن "الحقُّ يعلو ولا يُعلى عليه"، معبراً عن شكره لـ"القضاء العراقي".
وفيما يلي يمكنك تصفّح الوثائق الكاملة لقرار البراءة:
فترة متوترة
ويأتي ذلك، في الوقت الذي تنشغل فيه الساحة السياسية بالتسريبات الصوتية المنسوبة لرئيس حزب السيادة خميس الخنجر، وهو يتحدث فيه بأسلوب "طائفي" عن مؤسسات الدولة والحكم في العراق بعد 2003، فيما أعلن النائب محمد الخفاجي، عن تحريك شكوى ضد الخنجر بشأن التسجيل المنسوب إليه.
وصوت مجلس الوزراء، الشهر الحالي، على تحديد 11 تشرين الثاني نوفمبر المقبل موعدا لإجراء الانتخابات البرلمانية، وذلك بعد تحديث سجلات الناخبين، حيث يحق لنحو 30 مليون عراقي الإدلاء بأصواتهم.
وتعد الانتخابات العراقية القادمة من أكثر الدورات تعقيدا منذ سنوات بحسب العديد من المراقبين، حيث بات العراقيون يواجهون العديد من المشكلات في اختيار ممثليهم، في ظل ارتفاع أعدادهم ووجود المال السياسي الذي يعيق وصول المستقلين للسلطة.
يأتي ذلك، بالتزامن مع سباق محموم، من قبل بعض القوى السياسية، لزيادة عدد المقاعد البرلمانية وفق التعداد السكاني، وتلويح البعض بتأجيل الانتخابات إذا لم يتم ذلك.
وأعلن ائتلاف إدارة الدولة، في 10 نيسان أبريل الجاري، الاتفاق على إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة في البلاد استناداً إلى القانون الحالي، دون إدخال أي تعديلات عليه.
رسم خارطة جديدة
ويمر العراق بتحديات كثيرة تحيط به، بدء من الصراع الأمريكي الإيراني وانعكاساته على الداخل العراقي وصولا إلى الخلافات السياسية حول الانتخابات المقرر إجراؤها في 11 تشرين الثاني نوفمبر المقبل والانقسام حول تعديل قانونها، فضلا عن تحديات أخرى اقتصادية وخدمية.
ويرى مراقبون أن إعلان الصدر عدم خوض الانتخابات المقبلة من شأنه أن يُحدث فراغًا سياسيًا داخل البيت الشيعي، ويفتح الباب أمام قوى أخرى لإعادة رسم خارطة التوازنات، في وقت يمر فيه العراق بتحديات داخلية معقدة تتطلب حضورًا سياسيًا قويًا ومؤثرًا.
ويعتقد متابعون أن غياب التيار الصدري عن المنافسة الانتخابية القادمة، سيعيد تشكيل الخريطة السياسية في العراق على نحو غير مسبوق، لا سيما أن التيار كان يشكل ثقلاً نوعيًا داخل البرلمان، فضلاً عن تأثيره الشعبي والاجتماعي الواسع، ما سيمنح أطرافًا أخرى الفرصة لملء هذا الفراغ، خصوصًا تلك المتحالفة ضمن الإطار التنسيقي الذي يتطلع لتعزيز نفوذه.
البيت السني
وبحسب المراقبين، تعيد التبرئة من تهم التزوير ترتيب ملامح المشهد السياسي السني في العراق، الذي يعيش حالة من التشتت والانقسام منذ الانتخابات الأخيرة. ففي الوقت الذي تراجعت فيه مكانة بعض الزعامات التقليدية بسبب خلافات داخلية أو ملفات مثيرة للجدل، تتيح البراءة القضائية للحلبوسي فرصة استعادة زمام المبادرة وتوحيد الصفوف السنية تحت مظلة حزب "تقدم" أو من خلال تحالفات جديدة. ويبدو أن عودته إلى الواجهة ستُضعف موقف خصومه من داخل المكوّن ذاته، خصوصًا في ظل تراجع شعبية بعض الشخصيات السنية المرتبطة بتسجيلات وتسريبات أضعفت رصيدها السياسي والشعبي.
ويواجه المشهد السياسي السني مرحلة إعادة تشكيل، خصوصًا بعد التسريبات الصوتية الأخيرة المنسوبة إلى خميس الخنجر، زعيم حزب "السيادة"، والتي أثارت موجة من الجدل والغضب بسبب لهجته الطائفية.
هذه التسريبات أضعفت من موقف الخنجر وأحرجت حلفاءه، ما يدفع الكثير من القوى السنية إلى البحث عن قيادة أكثر توازنًا وتأثيرًا في المعادلة الوطنية، وهي المساحة التي يبدو أن الحلبوسي مستعد لملئها.
وفي ظل غياب المرجعية الموحدة للقوى السنية، فإن شخصية بحجم رئيس البرلمان السابق، تملك تجربة إدارية وتشريعية وسياسية، قد تكون الخيار الأنسب لإعادة إنتاج زعامة سنية مؤثرة في المرحلة المقبلة. كما أن موقعه في المشهد السياسي وعلاقاته المتوازنة مع قوى داخلية وخارجية، تجعله مرشحًا قويًا لتشكيل قطب سني فاعل، قادر على التفاوض من موقع قوة في التحالفات الكبرى، سواء لتشكيل الحكومة أو توزيع المناصب السيادية بعد الانتخابات. هذه المتغيرات من شأنها أن تعيد رسم التوازن داخل البيت السني، وتمنح الحلبوسي موقعًا محوريًا في معادلة الحكم المقبلة، وفقاً للمراقبين.
منعطف سياسي
وقرار تبرئته، الذي جاء بعد مصادقة محكمة التمييز الاتحادية، ليس مجرد حدث قانوني، بل يمثل منعطفًا سياسيًا كبيرًا سيعيد خلط أوراق اللعبة السياسية.
وقرار القضاء العراقي بردّ الشكاوى ضده وإلغاء التهم الموجهة إليه، بعد اتهامات بالتزوير قدمها النائب ليث الدليمي، يعيد له الاعتبار السياسي ويمنحه غطاءً قانونيًا قويًا للعودة إلى رئاسة البرلمان، إن قرر ذلك. وهذا ما أكده عدد من قيادات حزب "تقدم"، الذين أعلنوا أن رئيس البرلمان السابق بات قانونياً المرشح الأول للكتلة في العاصمة بغداد، وسيكون له حظوظ كبيرة في الفوز بمنصب رئيس البرلمان مجددًا في الدورة المقبلة.
وعلى الرغم من أن القرار النهائي بشأن ترشحه مجددًا لم يُحسم بعد، إلا أن معطيات الساحة تشير إلى أن الحلبوسي يدرس العودة بقوة، مدعومًا بكتلة سياسية تضررت كثيرا في الفترة الأخيرة لكنها لم تنهار كلياً، وبرصيد من العلاقات الإقليمية والدولية التي عززت من حضوره خلال السنوات الماضية.
وتبرئة الحلبوسي تأتي في وقت يعيد فيه "الإطار التنسيقي" ترتيب أوراقه حيث تنوي كتله السياسية من دخول الانتخابات المقبلة بقوائم منفردة ومن ثمة إعادة التحالف بعد الانتخابات، إضافة إلى الغموض الذي خلفه إعلان مقتدى الصدر عدم خوض الانتخابات المقبلة، ما يُحدث فراغًا سياسيًا كبيرًا داخل البيت الشيعي.
هذه التفاصيل قد تمنح الحلبوسي فرصة ذهبية للعودة إلى رئاسة البرلمان، إذ سيحتاج التحالف الشيعي إلى دعم كتلة سنية قوية لتمرير مرشح لرئاسة الوزراء، وهو ما قد يجعل من "تقدم" وحلفائه رقماً صعبًا في معادلة اختيار الرئاسات الثلاث.
حليف مثالي لأمريكا والسعودية والإمارات
ومن المتوقع أن يلعب الحلبوسي دورًا محوريًا في الانتخابات البرلمانية المقررة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. ووفقاً لمراقبين، فإن زعيم "تقدم" سيكون في طليعة المرشحين في بغداد، مع إمكانيات كبيرة لحصد عدد مؤثر من المقاعد، لا سيما في المناطق السنية الغربية، حيث ما زال يتمتع بشعبية واضحة.
وبحسب أرقام مفوضية الانتخابات، فإن نحو 30 مليون عراقي يحق لهم التصويت، في دورة يُتوقع أن تكون من الأكثر تعقيدًا منذ سنوات، مع اشتداد المنافسة، وتزايد الحديث عن تدخلات خارجية، وانتشار المال السياسي، وصعوبات تواجه المستقلين في الوصول إلى البرلمان.
ولا يمكن فصل تبرئة الحلبوسي وتداعياتها عن السياق الإقليمي والدولي. إذ تُمارس الولايات المتحدة ضغوطاً متزايدة على الحكومة والقوى الشيعية في العراق، في وقت تمثل القوى السنية والكردية الجانب الصديق للولايات المتحدة في البلاد.
كما أن دولًا عربية فاعلة، مثل الإمارات والسعودية، ما زالت تتابع الوضع في العراق عن كثب، وتبحث عن حلفاء سياسيين يمكنهم المساهمة في تحقيق ما يطمحون له البلاد. في هذا السياق، فإن عودة الحلبوسي إلى المشهد البرلماني قد تحظى بدعم إقليمي واضح، لا سيما إذا تبنّى خطاباً متناغماً مع مصالح تلك الدول في المرحلة المقبلة.
وفي حال قرر العودة فعليًا إلى رئاسة البرلمان، فسيواجه تحديات كبيرة، على رأسها الحاجة إلى بناء تحالف واسع في ظل التوازنات الهشة داخل البرلمان المقبل. لكن المعطيات تشير إلى أنه قد يستخدم تبرئته كمنصة لاستعادة دوره القيادي، سواء داخل البرلمان أو في المفاوضات حول تشكيل الحكومة.
كما أن دخوله على خط التوازنات مجددًا قد يعيد رسم خطوط اللعبة السياسية، خصوصًا إذا ما نجح في تجميع القوى السنية تحت مظلته، أو التحالف مع أطراف من الإطار التنسيقي أو من القوى الكردية، ما يجعل منه رقماً صعبًا لا يمكن تجاهله في أي تسوية سياسية قادمة، في حال نجاحه بتلك الخطوات.