مقترح قانون "شراء الحرية" في العراق.. انفوبلس تفصّل الفقرات الجدلية وردود الفعل حوله
انفوبلس/ تقرير
منذ أن وافقت رئاسة مجلس النواب على إدراج مقترح قانون "شراء الحرية" على جدول أعمالها بهدف تقليل الاكتظاظ في السجون العراقية، بالإضافة لاعتباره مورداً إضافياً لخزينة الدولة، لا يزال اللغط مستمرا؛ لاحتوائه العديد من الفقرات الجدلية التي أثارت سخرية المدونين والمراقبين، حتى شبَّهوه بـ"الفصل العشائري".
وتعاني السجون العراقية من إهمال كبير ومن غياب للدور الرقابي المنوط بالجهات الحكومية وكذلك تلك المسؤولة عن حقوق الإنسان، في وقت يجري الحديث عن سيطرة بعض الجهات السياسية على السجون.
يقول عضو اللجنة القانونية النيابية، محمد جاسم الخفاجي، إن "العقوبة السالبة للحرية تعني الحبس وتحدُّ من حرية الفرد وتسمى هكذا وفق القانون"، مبينا أن "قانون شراء الحرية يشمل عقوبة الحبس فقط".
ويضيف، أن "هذا القانون حسب المقترح الوارد سابقاً من مجلس القضاء الأعلى يشمل الحبس لمدة ثلاث سنوات فما دون وتشمله وفق شروط أيضاً بأن يدفع غرامة مالية عن كل يوم متبقٍّ من محكوميته كأن تكون سنتين مثلاً".
ويوضح، أن "مشروع القانون يُشترط أن يكون قد أكمل جزءاً من محكوميته ولا يشمل جميع العقوبات وإنما العقوبات المرتكبة قبل تشريعه"، مبيناً أن "القانون ينصُّ على أن يدفع المحكوم مبلغاً مالياً عن كل يوم والمبلغ المقترح في القانون هو 10 آلاف دينار وهو مبلغ يعدُّ غير دقيق ويحتاج إلى إعادة النظر فيه لأن أصل فكرة العقوبة سوف تختفي".
وتابع، أن "الفكرة من القانون أن يشمل المحكومين من الفقراء وتقليص أعداد المسجونين إذ لدينا اكتظاظ بالسجون وأن جزءاً من الاكتظاظ بسبب عدم تنفيذ حكم الإعدام بآلاف من المشمولين به وفق قرارات قضائية باتّة".
ويبيّن الخفاجي، أن "القانون المقترح لم تتم قراءته إلى الآن وهنالك اعتراضات عليه منها أنه ينفي صفة العقوبة، بينما رأى معترضون آخرون أنه سيكون بديلاً لقانون العفو وبتشريعه لن نحتاج إلى تشريع قانون العفو، وهذا الأخير هو أشمل".
القانون عبارة عن مسودة واردة من مجلس القضاء الأعلى قبل أربع سنوات تم التعديل عليها داخل اللجنة القانونية
ويشير الى، أنه "من المستبعد في الوقت الحالي قراءته القراءة الأولى"، لافتا إلى أن "القانون عبارة عن مسودة واردة من مجلس القضاء الأعلى قبل أربع سنوات تم التعديل عليها داخل اللجنة القانونية ومرت عليه عدد من التعديلات وقدم باسم مجموعة من النواب".
ووفقًا للشروط المذكورة التي اطلعت عليها "انفوبلس"، فإن المحكوم بـ3 سنوات وبعد قضاء سنة من محكوميته، فإن شراء السنتين المتبقيتين من محكوميته تقابل دفع أكثر من 7 ملايين دينار عراقي.
وكانت رئاسة مجلس النواب قد وافقت، في 2 أيار/مايو الجاري 2024، على إدراج مقترح "شراء الحرية" على جدول أعمالها بهدف تقليل الاكتظاظ في السجون، ما دعا الشارع العراقي الى التخوف من نتائج القرار بانخراط بعض الجرائم تحت غطاء القانون. كما أثار سخرية مدونين ومراقبين، وشبَّهوه بـ"الفصل العشائري".
بينما يقول الباحث القانوني، أحمد يعرب الباوي، إنه "بعد فشل الكتل السياسية المنضوية تحت قبة البرلمان في إقرار قانون العفو العام جاء اليوم مقترح قانون شراء الحرية وهو قانون موازٍ أو بديل عنه".
ويضيف الباوي، أن "هذا المقترح لن يعالج الأزمة الحقيقية، بل يمكن أن يكون ضارّاً أكثر من نفعه، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه مطبّق في بعض دول الاتحاد الأوروبي، إلا أن البيئة المجتمعية العراقية تختلف جذريا عن البيئة في تلك الدول".
ويكمل، "بدلاً من أن تعالج الكتل أسباب ومسببات ارتكاب الجرائم ذهبت إلى أخذ بدل نقدي مقابل إطلاق سراح المجرم وهنا سيزداد المجرم إجراما، خاصة ممن يمتلك الأموال لأنه يعلم أن بإمكانه شراء حريته مقابل بدل مادي"، لافتا، إلى أنه "لمعالجة أزمة اكتظاظ السجون من المفترض بناء سجون جديدة والاهتمام أكثر بالمؤسسة الإصلاحية إلا أن ما يحصل هو العكس فالمجرم يخرج بعد انقضاء مدته أكثر جرماً ووحشية جراء ما شاهده من تعامل معه في السجن وهو يؤشر خللا كبيرا في هذه المؤسسة".
ويكشف، أن "مثل هكذا قوانين لها ظروف خاصة لا تنطبق حاليا على الواقع العراقي المتأزم فنحن بحاجة إلى مبدأ الثواب والعقاب بصورة صحيحة وعدم استخدام السجناء لأغراض انتخابية مبكرة"، منبهاً إلى "ضرورة دراسة القانون بصورة أكبر وإشراك وزارة العدل ومجلس شورى الدولة ومجلس القضاء الأعلى لإنضاج القانون وتجنب السلبيات التي من الممكن أن تكون ذات عواقب وخيمة على الواقع العراقي".
وتتجاوز الطاقة الاستيعابية للسجون في العراق الـ 300 بالمئة، في الوقت الذي ينفق فيه العراق 291 مليون دينار يومياً على الارهابيين المحكومين بالإعدام على مدى السنوات الخمس الماضية، بحسب تصريحات حكومية.
ويبلغ عدد السجون في عموم البلاد 30 سجنا، تضم نحو 60 ألف سجين بين محكوم وموقوف بجرائم جنائية أو بقضايا "الإرهاب"، ومن بين السجناء 1500 امرأة و1500 سجين عربي، إضافة إلى سجن آخر فدرالي يُعرف بسجن "سوسة" في محافظة السليمانية ضمن إقليم كردستان العراق المرتبط بوزارة العدل الاتحادية.
وكان وزير العدل خالد شواني قد أعلن في 4 أبريل/ نيسان الجاري 2024، عن إفراغ مدينة الكاظميَّة بشكل تام من السجون، مؤكدا أن اكتظاظ السجون العراقية سينتهي بحلول عام 2026.
من جانبه، يرى الخبير القانوني أحمد العبادي، أن "شراء الحرية للسجناء سيرفد الدولة بأموال طائلة ويقلل من الأعداد الهائلة التي تغصّ بها السجون العراقية، وهذان العاملان يتقدمان على الجانب السلبي في المقترح".
ويوضح العبادي، أن "الجانب السلبي للموضوع هو أن أشخاصا مجرمين سيغادرون السجن فقط لامتلاكهم الأموال بالوقت الذي من الممكن أن لا يمتلك سجين آخر الأموال الكافية لشراء حريته والخروج من السجن".
ويرى، أن "المعالجة الأفضل لاكتظاظ السجون هي إقرار قانون للعفو العام، يستثنى منه مرتكبو جرائم القتل العمد والإرهاب والجرائم الكبيرة الأخرى، من أجل التخفيف من نفقات الدولة على السجناء"، موضحا أن "العراق بحاجة إلى هذا القانون أكثر من شراء الحرية من قبل الذين يمتلكون أموالا فقط، لاسيما وأن الكثير ممن تتجاوز محكومياتهم الـ10 سنوات لا يشملهم هذا المقترح".
وفي وقت سابق، قال عضو اللجنة القانونية النيابية رائد المالكي، إن رئاسة مجلس النواب وافقت على المقترح وأدرجته في جدول الأعمال، مبينا أن مقترح القانون يتضمن منح المحكوم بعقوبة الحبس ثلاث سنوات الحق بطلب استبدال المتبقي من مدة محكوميته بمبلغ مالي كغرامة، تم تقديره بـ10 آلاف دينار عن كل يوم.
وأشار الى ان المقترح اشترط أن يكون المحكوم مداناً بجرائم بسيطة، مع شرط التنازل من أصحاب الحقّ الشخصي، بينما تم استثناء المشمولين بقانون العفو سابقاً، والمحكومين بجرائم الاتجار بالمخدرات، والفساد وجرائم أخرى.
من جهته، يؤكد الباحث الاجتماعي أحمد مهودر، أن "مشروع قانون شراء الحرية الذي حصل على موافقة رئاسة مجلس النواب لإدراجه ضمن جلساته يشمل المحكومين بمدد لا تتجاوز ثلاثا إلى خمس سنوات، سيشجع المجرمين على ارتكاب الجرائم".
وينوه مهودر، إلى أن "هذا المقترح يشرع للفساد والجريمة ويشجع الأفراد على ارتكاب الجرائم دون أن يكون هنالك رادع أو مانع لهم باعتبار أنه أصبح بالإمكان شراء مدة المحكومية بمبالغ مالية زهيدة".
ويلفت مهودر، إلى أن "الخزينة العراقية لا تحتاج هذا القانون، لكي تزود بالأموال وإنما هي بالأساس خزينة ثقيلة بما يحتويه العراق من خيرات نفطية وغير نفطية"، مشيرا إلى أن "هذا القانون سنته الأحزاب أو تحاول أن تسنه الطبقة السياسية حتى يساعدون الفاسدين والمفسدين والذين اختلسوا وسرقوا المال العام على الإفلات من العقوبة مقابل مبالغ مالية، حيث أن الصفقات بملايين الدولارات أو بعشرات الملايين من الدولارات وبالتالي يدفع مبلغ بسيط وينفذ من العقوبة والسجن".
وكان المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب قد كشف في تقرير له، نهاية العام الماضي، وفاة نحو 50 معتقلاً نتيجة "عمليات التعذيب والإهمال الطبي في السجون التابعة لحكومة بغداد"، مبينا أنّه ما بين يناير كانون الثاني الماضي وأغسطس آب الماضي توفّي 49 معتقلاً، 39 منهم في سجن الناصرية المركزي، وثمانية في سجن التاجي (شمالي بغداد)، بالإضافة إلى توثيق حالة انتحار في مراكز شرطة إجرام الموصل في محافظة نينوى (شمال)، ووفاة واحدة في مركز تابع لمكافحة الإجرام في العاصمة بغداد.
وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قد دعا في العام 2023 ضحايا عمليات التعذيب في السجون والمراكز الأمنية إلى رفع شكاوى معززة بالأدلة، وخصص بريدا إلكترونيا لاستلام الشكاوى.
كما أنه وفي تموز/ يوليو 2023، أقرّت وزارة العدل العراقية بانتشار أمراض في السجون، بسبب الاكتظاظ الكبير فيها، مبينة أنها تسعى إلى التنسيق مع وزارة الصحة لمتابعة أوضاع السجناء الصحية، وسط دعوات لإيجاد حلول للواقع المؤلم في داخل السجون.
ويعلّق ذوو المعتقلين في سجون العراق آمالاً على وعود وخطط أطلقتها الحكومة الاتحادية، لتحسين واقع السجون، والتي تشمل التطوير والتوسيع ومن ثم إعادة توزيع السجناء بحسب المحافظات، وتفعيل دور الرقابة داخل السجون، ومتابعة الانتهاكات التي تسجل فيها، وتفعيل المحاسبة القانونية لأي مخالفات.