ملف الاستجوابات المعطل.. المساءلة رهينة التوافقات السياسية والمحاسبة مجرد شعارات

البرلمان يواصل العجز
ملف الاستجوابات المعطل.. المساءلة رهينة التوافقات السياسية والمحاسبة مجرد شعارات
انفوبلس/..
في الوقت الذي يواجه فيه العراق تحديات كبيرة على مختلف الأصعدة، يبقى ملف استجواب الوزراء واحدًا من أكثر القضايا المثيرة للجدل داخل أروقة البرلمان، حيث يعكس الصراع بين الرقابة والتأثيرات السياسية التي تُعرقل عمل المؤسسات التشريعية. فعلى الرغم من وجود العديد من الملفات المرتبطة بأداء الوزراء، والتي تستدعي استجوابهم تحت قبة البرلمان، إلا أن هذا الملف ما زال يراوح مكانه، وسط تساؤلات عن الأسباب الحقيقية وراء تعطيله، ومن المستفيد من إبقائه مجمّدًا.
*لا تقدُّم حتى الآن
استبعد عضو مجلس النواب جواد كظوم حصول تقدم في ملف استجواب الوزراء خاصة مع قرب انتهاء العمر التشريعي للبرلمان، فيما أكد انه في حال مطالبة بعض النواب لاستجواب بعض الوزراء فأن الامر لا يخلو من استهداف سياسي.
وقال كظوم، إن “مجموعة من النواب وقعوا على استجواب بعض الوزراء منذ فترة طويلة لكن لم يتم استجوابهم كون أن عمر المجلس لم يبق منه سوى سبعة اشهر تقريبا“، معربا عن اعتقاده بأن “البرلمان لا يستطيع الاستجواب خاصة وان أداء الحكومة الحالي يمكن وصفه بالجيدة ولم يتم رصد أي اخفاق واضح يمكن الوقوف بصدده“.
وأضاف، “لكن مع نهاية عمر المجلس وإقدام بعض النواب للمطالبة باستجواب شخصيات معينة يمكن ان نعده استهداف لبعض الكتل السياسية وربما لا يتم استجواب اي وزير رغم التلويح بذلك كون الوقت لا يسعف ففي حال اقالة وزير فمن سيحل محله خلال فترة الستة اشهر المقبلة من عمر الحكومة”.
وتابع أنه “لا يمكن التأكيد بشأن وجود استهداف سياسي او وجود تقصير فعلي في اداء بعض الوزراء “، مبديا استغرابه وراء الأسباب التي جعلت هذه الصحوة تأتي مع نهاية الفصل التشريعي ولحدث هذا السيل من المطالبات بالاستجواب التي من الممكن وراءها اهداف سياسية مبيتة خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات“.
*ملفات لن ترى النور
من جهته، أكد النائب محمد الزيادي، أن ملفات الاستجواب المقدمة ضد عدد من الوزراء والمسؤولين تواجه تعطيلًا مستمرًا نتيجة المجاملات والضغوط السياسية، مشيرًا إلى وجود ستة طلبات استجواب لم يتم تحريكها منذ فترة طويلة.
وقال الزيادي، إن "ملفات الاستجوابات المقدمة ضد عدد من الوزراء والمسؤولين تواجه تأخيرات مستمرة بسبب المجاملات والضغوطات السياسية، حيث لا تزال ستة طلبات استجواب عالقة دون أي تقدم لفترة طويلة".
وأضاف، إن "هناك شبه اتفاق بين بعض الأطراف السياسية المتنفذة على عرقلة هذه الملفات وعدم استكمال الإجراءات المتعلقة بها، مما ساهم في حالة الشلل التي يشهدها مجلس النواب بسبب الخلافات والصراعات السياسية، إضافة إلى الصفقات التي تحول دون انعقاد الجلسات منذ أكثر من شهر".
وأضاف، إن "الحكومة الحالية لم يتبقَّ من عمرها سوى أشهر قليلة"، مؤكدًا أن "غياب الإرادة السياسية الحقيقية في محاسبة المسؤولين المقصرين يجعل من غير المرجح أن يتم تمرير أي من طلبات الاستجواب خلال الفترة المتبقية".
يُشار إلى أن عددًا من النواب أعربوا عن عزمهم تقديم استجوابات لبعض الوزراء بسبب ضعف أدائهم في تنفيذ مهامهم وواجباتهم الرسمية خلال الفصل التشريعي الجاري.
*ألف ليلة وليلة
في يوم الخميس (13 آذار 2025)، وصفت النائب سوزان منصور، توقيت استجوابات الوزراء في العراق بأنه يسير وفق مبدأ “ألف ليلة وليلة”، مؤكدة أن هذه الآلية تثير علامات استفهام عديدة، فيما دعت رئيس الحكومة محمد شياع السوداني إلى التدخل لكسر الجمود الحاصل.
وقالت منصور إن: “الاستجواب يمثل أحد أهم أدوات الرقابة البرلمانية، ويهدف إلى كشف الحقائق أمام الرأي العام وضمان الشفافية في عمل المؤسسات الحكومية”.
وأشارت إلى أنها “خاضت مسارا معقدا منذ ثلاث سنوات لاستجواب رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار، ورغم استيفاء جميع الإجراءات ومرور الملف عبر عدة لجان، فإنه لا يزال معلقا منذ ثلاثة أشهر في انتظار توقيع النائب الأول والنائب الثاني لرئيس مجلس النواب”.
وأضافت منصور أن “التأخير الممنهج للاستجوابات يثير الشكوك، خاصة مع تزايد الاتهامات بالابتزاز كلما تم فتح ملف رقابي”، معتبرة أن “هذه الاتهامات تهدف إلى شل دور البرلمان وتضليل الرأي العام”.
كما دعت رئيس الوزراء إلى “التدخل القانوني ضد محاولات عرقلة الاستجوابات وعدم السماح بالتلاعب بهذه الأداة الدستورية”، متسائلة: “إذا كانت أوراق الشركات والمقاولين سليمة، فلماذا يخضعون للابتزاز كما يُزعم؟”.
وأوضحت أن “النواب يسعون لأداء دورهم الرقابي وفق القانون، لكن الاستجوابات أصبحت تخضع لمعادلة أضعف الإيمان والتمني، في ظل وجود فيتو غير معلن يمنع مساءلة بعض الوزراء والمديرين”، مطالبة بـ”الوضوح في هذا الملف حتى لا يُهدر جهد النواب لسنوات في انتظار قرارات قد لا تأتي”.
وأكدت منصور أنها ماضية في استجواب رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار رغم العراقيل، مستندة إلى الملفات التي جمعتها خلال السنوات الثلاث الماضية.
ويُعد الاستجواب البرلماني أحد أهم الأدوات الدستورية التي تمتلكها السلطة التشريعية لمساءلة الحكومة وكشف مواطن الخلل في أداء الوزارات والمؤسسات الرسمية. ومع ذلك، يواجه هذا الإجراء في العراق تحديات كبيرة تتراوح بين العرقلة السياسية والتدخلات الخارجية، مما يفرغه من محتواه الرقابي.
*التأخير والتعقيدات البيروقراطية
منذ سنوات، باتت استجوابات الوزراء والمسؤولين الكبار تمر بمسار طويل مليء بالتعقيدات، إذ تُحال الطلبات إلى عدة لجان، وتُراجع من قبل هيئة رئاسة البرلمان، قبل أن يُسمح بإدراجها على جدول الأعمال. هذا المسار غالبا ما يتوقف عند نقطة انتظار موافقات رسمية قد تستغرق شهورا أو حتى سنوات، مما يعطل الدور الرقابي للبرلمان.
*اتهامات بالابتزاز وتصفية الحسابات
أصبحت استجوابات بعض المسؤولين في العراق محل جدل، حيث يُتهم بعض النواب باستخدامها كورقة ضغط لتحقيق مكاسب سياسية أو شخصية، بينما يرى آخرون أن هذه الادعاءات مجرد وسيلة لتعطيل الدور الرقابي للبرلمان وحماية شخصيات نافذة من المساءلة. هذه الاتهامات المتبادلة، وفقا لمراقبين، تضعف ثقة الشارع العراقي في جدية الاستجوابات ومدى استقلاليتها.
وفي ظل تعثر التعديل الوزاري واستمرار غياب التوافق بين الكتل السياسية، يبقى ملف استجواب الوزراء اختبارًا حاسمًا لجدية البرلمان والحكومة في تحقيق الإصلاحات المطلوبة.
*استجوابات متأخرة
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة المستنصرية أوضح أن هناك وزراء أخفقوا من الناحية العملية، فالمفروض أن يتخذ البرلمان في شأن هؤلاء المقصرين قراراً بعد ستة أشهر من تشكيل الحكومة ولا ينتظر قرار وزارة السوداني، لأن السلطة التشريعية واجبها المراقبة والتشريع، مطالباً النواب بالمبادرة لاستجواب كل الوزراء بغض النظر عن دينهم ومذهبهم وقوميتهم وأحزابهم.
ورأى عصام الفيلي أن المشكلة في العراق هو شكل النظام السياسي القائم على أساس المحاصصة بالتالي فإن هذه الكتل السياسية إذا اقتنعت أن يكون البديل منها حصراً فإنها من الممكن أن توافق على الاستجواب والإقالة، منبهاً إلى أن الاستجوابات أشبه ما تكون بصراع الخصوم الذي تحول إلى الانتقام والانتقام المضاد مع قرب الانتخابات ومحاولة إظهار أن هذا الطرف لا يقدم الوزراء الأكفاء.
ونوه إلى أن المشهداني يريد إثبات قوته في فترة الاستجوابات لترتيب مرحلة سياسية جديدة أمام متغيرات حتى داخل الإطار التنسيقي الذي يعد قريباً منه في الأساس، موضحاً أن الاستجوابات تساعد في مسألة التعديل الوزاري الذي أعلنه رئيس الوزراء وقد يكون سابقة لدحض إجراءات التعديل المنتظر حينما لا يحصل الإجماع على إقالة الوزير وهناك عدد من الشخصيات التي ستشمل ضمن هذا الإجراء، وبذلك تكون خطوة استباقية لإقصاء من يريدون استبعادهم والإبقاء على آخرين.
*الدفاع والاتصالات والتربية
هنا رجح مدير مركز العراق للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل أن تشمل الاستجوابات وزراء الدفاع والاتصالات والتربية، مشيراً إلى أن هذا الإجراء سيكون بمثابة تمهيد للتعديل الوزاري، وقال فيصل “الاستجوابات ستمهد للتغير الوزاري إذا انتهت الاستجوابات بنتائج سلبية وإثباتات ومعطيات تدين الوزير والوزارة بالفساد المالي”.
وأوضح أن في مقدمة الوزراء الذين سيطلبون للاستجواب وهو وزير الدفاع بسبب حجم النقود والفساد المالي، لكن أيضاً هذا كله ستتضح معالمه أثناء المواجهة وطرح الأسئلة من أعضاء مجلس النواب، وإذا ما ثبتت الادعاءات وصدق الوثائق التي يدور الحديث عنها فستتم إقالته له ومسؤولين آخرين بالوزارة، وقد يجري إحالتهم إلى القضاء بعد أن تسحب الحصانة السياسية منهم.
وبين أن هناك أسماء أخرى لم يتم تداولها بصورة واسعة مثل وزيري الاتصالات والتربية وربما وزراء آخرين، مشيراً إلى أنه ستتم إقالة الوزير وتغييره وبذلك الأحزاب لا يحق لها الاعتراض لأنه موضوع قضائي، وعليها ترشيح شخصيات بديلة طبقاً للإجراءات الدستورية.