من الوكالة إلى الأصالة.. مجلس الوزراء يثبّت 99 مديراً عاماً بينهم متهمون بالفساد.. تعرف على أبرزهم بالتفصيل
انفوبلس..
في إطار السعي لإنهاء ظاهرة الإدارة بالوكالة، أقرّ مجلس الوزراء تثبيت 99 مديراً عاماً وتحويل إدارتهم من الوكالة إلى الأصالة، ورغم كونها خطوة جيدة إلا أن العديد من الشوائب تتخللها، أبرزها أن بعض المثبتين الجدد متهمون بالفساد ويفرضون سطوتهم على المؤسسات التي يديرونها، ومن أبرزهم مديرة الشركة العامة لتجارة المواد الغذائية، والمدير العام للشركة العامة لتسويق الأدوية والمستلزمات الطبية (كيماديا)، ومدير عام شركة نفط البصرة.
وبجلسته المنعقدة، أمس الثلاثاء، ذكر مجلس الوزراء في بيانه، أنه "في مجال الإصلاح الإداري، وتقييم المديرين العامين وإنهاء ظاهرة الإدارة بالوكالة، وفق ما ورد في المادة (71) من قانون الموازنة العامة الاتحادية، أقر مجلس الوزراء تثبيت 99 مديرًا عامًّا، استنادًا إلى أحكام قانون الخدمة المدنية رقم (24 لسنة 1960)، وذلك بعد تقييمهم وفق الآليات والمعايير التي صادق عليها واعتمدها مجلس الوزراء.
وبحسب وثيقة متداولة فقد تم تثبيت 4 مديرين عامين في كل من وزارة الاتصالات ووزارة الصحة ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة المالية وديوان أوقاف الديانات المسيحية والايزيدية والصابئة المندائية، و9 مديرين في وزارة الإعمار والإسكان، و3 في كل من وزارة النقل ووزارة التجارة والهيئة العليا للحج والعمرة وديوان الوقف السني، و5 في كل من وزارة النفط ووزارة التربية ووزارة الداخلية وديوان الوقف الشيعي، و6 في كل من وزارة الصناعة ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والعلوم والتكنولوجيا، و2 في كل من وزارة الدفاع ووزارة الثقافة وهيئة التصنيع الحربي والهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة وهيئة النزاهة الاتحادية، و7 في ديوان الرقابة المالية الاتحادي، ومدير عام واحد في كل من وزارة التخطيط ووزارة الزراعة ووزارة الشباب والرياضة ووزارة الهجرة والمهجرين ومكتب رئيس مجلس الوزراء والأمانة العامة لمجلس الوزراء والبنك المركزي العراقي ومؤسسة السجناء السياسيين ومؤسسة الشهداء.
للاطلاع على الوثيقة التفصيلية اضغط هــنــا
ولعل من أبرز الأسماء المثيرة للجدل في قائمة المثبتين هم 3 مديرين عامين ذاع صيتهم بتهم الفساد وهم كل من: لمى هاشم حسين علي مديرة الشركة العامة لتجارة المواد الغذائية، وأحمد سامي عبد الستار الزبيدي المدير العام للشركة العامة لتسويق الأدوية والمستلزمات الطبية (كيماديا)، باسم عبد الكريم ناصر مدير عام شركة نفط البصرة.
لمى هاشم والسلة الغذائية
في تموز من عام 2021، كشف عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية النائب رياض التميمي، عن فساد في صفقة مشروع السلة الغذائية في العراق.
وقال التميمي في رسالة بعثها الى رئيس الوزراء وهيئة النزاهة، إنه "سجل ملاحظات التعاقد حول مشروع السلة الغذائية في العراق"، مبينا أن "تلك الملاحظات المكونة من سبع نقاط ذات أهمية فائقة في سبيل مكافحة الفساد والمفسدين، واسترجاع حقوق العراقيين".
وبحسب الرسالة فقد شخّص التميمي نقاطا وملاحظات عدة:
أولاً: إن العرض المقدَّم لتجهيز السلة الغذائية هو عرض وحيد مقدم من قبل شركة الاوس للتجارة والمقاولات العامة والتجهيزات الغذائية وتجارة الأدوية البيطرية المحدودة المرقم (1) في 2021/1/7 لمديرها المفوض فلاح فارس حسن عراقي الأصل أمريكي الجنسية، دون أن يمر بالإجراءات المرسومة بتعليمات تنفيذ العقود الحكومية رقم 2 لسنة 2014، وقرار مجلس الوزراء رقم 160لسنة2021 الذي كلف الشركة العامة لتجارة المواد الغذائية التعاقد مع أحدى الشركات المتخصصة وفقا لأفضل العروض المقدمة إليها وعلى وفق السياقات المتبعة، أي لم يتضمن القرار استثناء من تعليمات تنفيذ العقود الحكومية أو إجراءاتها.
ثانيا: إن الجهة التي تبنّت عرض الشركة أعلاه هي مكتب رئيس مجلس الوزراء حسب ما جاء بكتابها المرقم 649 في 2021/1/17 والمجلس الوزاري للاقتصاد ووزارة التجارة.
ثالثا: إن مفردات السلة تتكون من الرز والسكر ومعجون الطعام وزيت الطبخ وبقوليات التي ستكون كبديل عن الحصة التنفيذية.
رابعاً: قامت وزارة التجارة بالتعاقد مع شركة الاوس بموجب عقد مشاركة تستحوذ فيه الشركة العامة لتجارة المواد الغذائية على نسبة (1%) و (99%) للشركة المجهزة.
خامساً: تضمين العقد نصا بإعفاء الشركة المجهزة من الضرائب والرسوم كافة رغم أن الضرائب تُفرض بقانون ولا يجوز الإعفاء منها إلا بقانون.
سادساً: تم التعاقد مع الشركة على التجهيز لمدة (5) سنوات خلافا لأحكام قرار مجلس الوزراء رقم (160) لسنة 2021 الصادر بتاريخ 2021/5/5 الذي نص على تأمين التخصيصات المالية لمشروع تجهيز السلة الغذائية من وزارة المالية والتي تندرج في ضمن تخصيصات البطاقة التموينية المقررة بقانون الموازنة العامة الاتحادية للسنة المالية 2021.
سابعاً: العقد فيه فساد وهدر للمال العام بحدود (2) مليار دولار.
وفي نيسان من العام الماضي، كشف عضو مجلس النواب سعود الساعدي، تفاصيل ملفات فساد وهدر كبير للمال العام في ملف السلة الغذائية من قبل وزارة التجارة، فيما أكد إن هنالك تقصير وسرقة علنية لقوت الشعب العراقي في هذا الملف.
وقال الساعدي إن "ملف التعاقد مع شركة لتجهيز السلة الغذائية تم إقراره في حكومة الكاظمي قبل قرار مجلس الوزراء بـ "أربعة أشهر" عبر التعاقد مع شركة متلكئة تعاني من مشاكل في إجراءات التنفيذ"، مشيرا الى إن "هنالك ملف فساد وهدر للمال العام في السلة الغذائية، حيث تكلف السلة الواحدة 6 دولارات، لكن وزارة التجارة تشتريها بـ 9 دولارات".
وأردف: إن "السرقة في هذا الملف تصل الى 500 مليار دينار عراقي شهرياً جراء فارق الأسعار التي تتعاقد بها وزارة التجارة مع الشركات"، لافتا الى إن "هنالك مشاكل وخطر في مسألة الصلاحية أو سلامة إجراءات الشركة التي تم التعاقد معها لتجهيز السلة الغذائية".
وبشأن السلة الغذائية الخاصة بشهر رمضان، يبين الساعدي: إن هنالك العديد من المحافظات والمناطق لم توزع فيها السلة الغذائية لغاية الآن ويجب العمل على معالجة هذا التلكؤ لما فيه من آثار سلبية على قوت المواطن البسيط"، مبينا إن "هنالك تقصير فاضح وسرقة علنية لقوت الشعب العراقي في ملف السلة الغذائية".
أحمد سامي القابض على "كيماديا" بقوة
في تشرين الثاني من عام 2022، قرر وزير الصحة صالح مهدي الحسناوي، إعفاء مدير عام شركة كيماديا للأدوية علي حسن البلداوي من منصبه، وتكليف احمد سامي عبد الستار بديلا عنه.
وذكرت وثيقة أنه "بناء على مقتضيات مصلحة العمل واستناداً للصلاحيات المخولة إلينا، تقرر نقل رئيس صيادلة احمد سامي عبد الستار من دائرة صحة بغداد الرصافة الى مركز الوزارة"، وأضافت أنه "تقرر تكليف عبد الستار بمهام مدير عام الشركة العامة لتسويق الأدوية والمستلزمات الطبية".
وقبل نحو أسبوعين، أعلنت هيئة النزاهة الاتحادية، رصد 9 ملايين دولار كضرر بالمال العام في الشركة العامة لتسويق الأدوية والمستلزمات الطبية "كيماديا"، إضافة إلى 100 مليون دولار ديون مستحقة للشركة بذمة شركات عربية وأجنبية ومؤسسات.
وأكدت النزاهة في تقرير أعدته بعد زيارتها للشركة، عدم حسم الديون المترتبة بذمّة شركاتٍ عربيّةٍ وأجنبيّة ووزارات وجهات غير مرتبطة بوزارة والمؤسّسات الصحيّة المتعاقدة مع الشركة.
وكشفت الهيئة أن مجموع الديون المترتّبة بذمَّة شركات عربيّة وأجنبيٍّة بلغت (389,763,286) مليون دينار و(92,882,899) مليون دولار و(7,801,461) مليون يورو.
وأوضحت أن تلك الديون "تحقّقت بموجب (113)، حكماً قضائياً، ولم يتم حسم موضوعها؛ لعدم الاستدلال على مواقع الشركات الوسيطة والمكاتب المُتعاقد معها"، مضيفة بخصوص الديون المستحقّة لمصلحة الشركة داخلياً، أنها "قد بلغت (139,260,473,360) مليار دينار، لم يتم استحصالها؛ لضعف إجراءات المُطالبة".
وحثّت الهيئة على توقيع العقود الاستيراديّة مع الشركات المنتجة مباشرةً دون اللجوء للشركات الوسيطة والمكاتب العلميّة؛ لتقليل الكلف الماليّة وضمان سرعة التنفيذ والحقوق المُتبادلة للطرفين، وفق التقرير.
وذكرت الهيئة أنه تم رصد خزن كميات كبيرة من القناني الزجاجيّة المتروكة في معهد المصول واللقاح بظروف غير جيدة في محيط البناية.
وتابعت: تعرّض قسمٍ منها للكسر نتيجة تركها في العراء لمدّة تزيد على عشر سنوات"، مبينة أن الأمر أدى للإضرار بالمال العام بمبلغ (9,000,000) ملايين دولار، وفق التقرير.
ودعت الهيئة إلى "ضرورة إلزام الشركات المُجهّزة بتثبيت تاريخ صنع الأجهزة الطبيَّة والخدميَّة، وألا تتجاوز مدّة صنع الجهاز عن سنة واحدة عند فتح الاعتماد، وتثبيت ذلك في تقرير النصب والتشغيل والاستلام".
وطالبت وزارة الصحّة بـ "تفعيل المُتابعة والرقابة الصارمة على المؤسّسات الصحيّة كافة، ومُراقبة الأدوية والأجهزة التي تمَّ صرفها، وإلزام المُؤسَّسات الصحيّة باستلام حصَّتها من الأدوية والمُستلزمات وفق الاحتياج المُحدَّد وعدم التأخُّر في ذلك".
كما لاحظت الهيئة في تقريرها "عدم قيام الأقسام الاستيراديّة والقسم المالي في الشركة بتنزيل الأقيام الماليَّة للموادّ الفاشلة والمُنتهية المفعول وتعويضها من قبل المُجهّزين".
كما أنه "لاحظ تأخّر التخصيصات الماليّة لبعض العقود؛ ممّا يُؤثّر في سرعة تأمين الاحتياجات للمُؤسّسات الصحيَّة".
ورصدت الهيئة "عدم دقَّة الكلف التخمينيَّة التي يتمُّ إعدادها من قبل دائرة الأمور الفنيَّة واعتذار لجنة الكلف عن إعداد كلف بعض المواد المختبريّة".
وفي الخامس من تشرين الثاني الماضي، كشفت دائرة التحقيقات في هيئة النزاهة، مخالفات وتلاعب في تجهيز أدوية إلى دائرة صحَّة كركوك من قبل الشركة العامَّة لتسويق الأدوية والمستلزمات الطبيَّـة (كيماديا) التابعة لوزارة الصحَّة.
وذكرت الدائرة في بيان أنَّ "فريق عمل مكتب تحقيق الهيئة في كركوك ضبط أوليَّات تجهيز دائرة الصحَّة في المُحافظة بكميَّـةٍ من مادة (امبول فولتارين) بلغت (598,750) امبول، للأعوام (2020 و2021 و2022) بسعرٍ إجماليٍّ وصل إلى (134,718,750) مليون دينار، مُشيرةً إلى أنَّه تمَّ توزيع (433,136) امبول على المستشفيات والقطاعات الصحيَّة التابعة للدائرة، فيما تمَّ إيقاف توزيع الكميَّة المُتبقّية البالغة (165,614) امبول بعد ظهور تغييراتٍ فيزيائيَّةٍ عليها، بناءً على توجيهٍ صادرٍ عن وزارة الصحَّة - دائرة الأمور الفنيَّـة، لحين صدور قرارٍ بإتلافها أو استرجاعها".
وأضافت، أنَّه "تمَّ رصد قيام شركة " كيماديا" بتزويد دائرة الصحَّة بكميَّة (104,100) من مادة Piaster) Zinc) بلاستر لاصق بسعرٍ إجماليٍّ بلغ (159,801,600) مليون دينارٍ، تمَّ توزيع جزءٍ منها بين المُستشفيات والدوائر الصحيَّة في المُحافظة، لافتةً إلى ضبط أوليَّاتها، بعد ظهور عيوبٍ تصنيعيَّةٍ؛ بسبب رداءة المادة المُجهّزة وصعوبة فتحها ولصقها".
وتابعت، أنَّه "تمَّ رصد نقصٍ في كميَّات مادة امبول (CLEXANE) تحت الجلد المُجهَّزة إلى مستشفى داقوق العام من قبل دائرة صحَّة كركوك التي بدورها تسلَّمت (868) علبة تحتوي كلُّ واحدةٍ منها امبولتين من الشركة العامَّة لتسويق الأدوية والمُستلزمات الطبيَّـة".
تاريخ من الفساد سبق المدير الحالي
في الأعوام القليلة الماضية بدأ الحديث بكثرة عن الشركة العامة لتسويق واستيراد الأدوية والمستلزمات الطبية، حيث كشف عضو مجلس النواب السابق جواد الموسوي عام 2019، عن "ضياع وهدر كبير" في المال العام بسبب اعتماد وزارة الصحة على "وسطاء ومجهِّزين ثانويين" في عقود الأدوية والأجهزة الطبية مع الدول المصنّعة، فيما أشار إلى قيام مصانع محلية بـ"استيراد أدوية ومستلزمات طبية جاهزة، وبيعها للوزارة على أنها منتج محلي".
وذكر أن "على وزارة الصحة أن تلجأ إلى إجراء عقود ذات صبغة سيادية مع بلدان المنشأ والدول المصنِّعة للأدوية والأجهزة الطبية، وبصورة مباشرة، وأن تبتعد عن العقود الثانوية والتجهيز عبر الوسطاء، وبذلك تتخلص من شبهات الفساد والأسعار العالية"، لافتا إلى أن "هناك الكثير من العقود الحالية لشركة (كيماديا) تمت عبر وسطاء وعن طريق مجهزين ثانويين، أدّت إلى ضياع وهدر كبير في المال العام".
وأضاف، أن "بعض مصانع الادوية المحلية تمارس عمليات استيراد لأدوية أو مستلزمات طبية جاهزة من الهند والصين وإعادة تجهيزها وبيعها الى وزارة الصحة على انها منتج محلي"، مبينا أن هذه "عملية غش واضحة ومرصودة".
وفي وقت لاحق من العام ذاته كشف النائب باسم خشان عن صفقة شراء أجهزة لحفظ الدواء بأسعار تفوق قيمتها الحقيقة في السوق بخمسة أضعاف على أقل تقدير.
ظهر النائب باسم خشان خلال حوار تلفزيوني، عرض خلاله صوراً لـ "الثلاجات" التي أنفقت دائرة صحة المثنى مليارات لشراء 160 منها، مع نسخة من العقد الموقَّع في عام 2013، مبينًا أن "الثلاجات جاءت بنوعين الأولى صغيرة بسعر 41 مليون و750 ألف دينار للثلاجة الواحدة، والثانية بقيمة 36 مليون و750 ألف دينار".
وأضاف خشان، أن "دائرة صحة المثنى اشترت 60 ثلاجة من النوع الصغير و100 من النوع الآخر بقيمة 6 مليارات و180 مليون دينار، وفق العقد المرقَّم 730 في عام 2013"، كما يُشير العقد إلى أن عددًا من موظفي الدائرة سافروا إلى الدنمارك لـ "التدرب" على استخدام "الثلاجات".
وعاد خشان في عام 2020، وتحدث عن أن "شركة كيماديا متورَّطة في أكبر عملية فساد في كل الوزرات، وتتحكم بأموال طائلة، ولديَّ دعوى قضائية ضدها أمام محكمة تحقيق النزاهة في الرصافة، بسبب تزويرهم صفقة عقود متعلقة بالثلاجات".
وأضاف خشان، أن "مراجعة عقود كيماديا ستوفر مليارات الدولارات التي تعود لخزينة الدولة"، مبيناً أن "وزير الصحة هو من يختار الاشخاص الذين يعيّنهم عن كيماديا لتمرير صفقاتهم، ويستفيد منها الوزير الحالي أو السابق".
الخبيرة الاقتصادية، سلام سميسم، أشارت في وقت سابق، إلى أن وزارة الصحة تشهد استقتالا بين مختلف الأطراف لاقتسام المواقع الحسّاسة، لأنها مرتبطة بصفقات الأدوية وبيعها.
وأضافت أن تسويق الأدوية في وزارة الصحة هو المنفذ الأساسي لفساد الوزارة وفساد ملف خطير جدا في العراق، ألا وهو ملف الدواء.
وأوضحت أن شركة كيماديا تتعامل مع شركات لاستيراد وتوزيع الأدوية في العراق، يستوردون ولديهم مخصصات للاستيراد وخاصة لأمراض السرطان والأمراض المستعصية المتعلقة بالإشعاع والأدوية الباهظة، مبينة أن الحكومة تتكفل بتأمين الموارد المالية لعمليات الاستيراد، عبر تخصيص جزء من الموازنة، ولكن في حقيقة الأمر الأدوية غير متوفرة.
وفي تقرير نشرته "رويترز" عام 2020، ذكر وزير الصحة الأسبق علاء الدين علوان أن نسبة تتجاوز 85 في المئة من أصناف الدواء على قوائم الأدوية الأساسية في العراق كانت إما موضع نقص في الإمدادات أو غير متوفرة على الإطلاق في 2018.
وأدوية السرطان من أندرها وأكثرها عرضة للتهريب لأسباب منها ارتفاع أثمانها.
ويقول مسؤولون بجهات تنظيمية ومستوردون من القطاع الخاص إن بعض الشركات الدولية تتجنب إبرام تعاملات مباشرة مع الحكومة العراقية بسبب الفساد وعدم الاستقرار.
وسلّم علوان وزير الصحة السابق بخطورة الفساد فقال "بكل صراحة أيضا قضية الفساد الإداري الموجود في العراق تشكل عقبة في هذا المجال".
وتستورد الحكومة الدواء والمعدات الطبية من خلال الشركة العامة لتسويق الأدوية والمستلزمات الطبية المعروفة باسم كيماديا.
وأصرّ مدير عام الشركة على أن العلاقة مع شركات الأدوية طيبة لكنه سلّم بأن كيماديا شركة عتيقة ولا تحظى بتمويل كافٍ وتفشل في كثير من الأحيان في تلبية الطلب.
وقال مدير عام الشركة مظفر عباس الذي استعان به الوزير السابق علوان لتطوير العمل بها "تأخير إقرار الميزانية ممكن أن يؤثر على تأخر الدراسة لأنه لا يجوز البدء بالدراسة والإحالة ما لم تكن هناك تغطية مالية".
وأضاف، وفقاً لرويترز "واحد من العوامل التي تسبب تأخير الدراسة لما يكون هناك تذبذب في الاحتياج أو تغيير في الاحتياج يؤثر على الدراسة". وتمتلئ الصيدليات بالأدوية المهرّبة التي ربما تجاوز بعضها تاريخ الصلاحية أو أصبح استخدامه غير مأمون العواقب.
ولا يستطيع العراق أيضا التعويل على الصناعة المحلية في إنتاج الأدوية، فقد اختلف الوضع اختلافاً كبيراً عما كان عليه في الستينيات والسبعينيات عندما كانت الرعاية الصحية بالعراق موضع حسد في منطقة الشرق الأوسط.
فقد كان العراق ثاني دولة بعد مصر تدخل مرحلة تصنيع الدواء، أما الآن فيقف مصنعان كبيران مملوكان للدولة شاهداً على مدى الانحطاط الذي حلّ بالصناعة، حيث يقع المصنع الأول في الموصل وقد لحق به الدمار بسبب سيطرة تنظيم داعش على المنطقة، أما الثاني فيقع في سامراء شمالي بغداد ويعمل بمعدات عتيقة، وتتولى عاملات تجميع مستلزمات علاج البثور بأشرطة مطاطية بينما يتولى عمال من الرجال تعبئة العُلب يدوياً.
وفي عام 2022، كشفت هيئة النزاهة في بيان أنها "تمكنت من ضبط العقود والمُستندات الخاصَّة بقيام وزارة الصحَّة بشراء كميَّاتٍ كبيرةٍ من جهاز ماسك سيباب (cpap) (قناع وجه) صيني المنشأ"، مُبيّنةً أنَّ "قيمة تلك الكميَّات بلغت (24,050,000) مليون دولارٍ أمريكيٍّ".
وأشارت إلى أن "فريق عمل مُديريَّة تحقيق بغداد، الذي انتقل إلى وزارة الصحة – شركة كيماديا، بضبط أصل ثلاثة عقود لشراء أجهزة ماسك"، مُوضحةً أنَّ "العقد الأول يخصُّ دائرة صحَّة ميسان بقيمة (5,200,000) ملايين دولارٍ، أمَّا العقد الثاني الخاصُّ بدائرة صحَّة النجف فتبلغ قيمته (9,100,000) ملايين دولارٍ، فيما يعود العقد الثالث البالغة قيمته (9,750,000) ملايين دولار لدائرة صحَّة المثنى".
وأضافت: "تمَّ تجهيز دوائر الصحَّة في مُحافظات صلاح الدين والمُثنى والنجف بـ(350,000) ألف قناعٍ لكلٍّ منها، فيما تمَّ تجهيز دائرة صحَّة ميسان بـ(200,000) ألف قناعٍ"، مُنوِّهةً بأنَّ "بعض المُستشفيات في تلك المحافظات رفضت تسلُّم الكميَّات الكبيرة من الأقنعة؛ لعدم الحاجة إليها، الأمر الذي تسبَّب بحصول هدرٍ كبيرٍ في المال العام".
وذكر البيان، أن "الهيئة سبق أن أعلنت عن تنفيذ عدَّة عمليَّات في المُحافظات لضبط أجهزة ماسكٍ، حيث ضبطت في المثنى (160,000) ألف جهاز، إضافة إلى تجهيز (250,000) ألف جهازٍ في كربلاء، ممَّا أدَّى إلى هدر (8,493,750,000) مليارات دينارٍ، أمَّا في محافظة صلاح الدين، فقد أصدرت المحاكم المُختصَّة أمرًا باستقدام المُدير العام لدائرة الصحَّة في صلاح الدين سابقًا؛ لقيامه بتجهيز كميَّاتٍ كبيرةٍ من أجهزة سيباب بقيمة (7,238,400,000) مليارات دينارٍ دون الحاجة الفعلية لها".
وفي نهاية العام الماضي، كشفت الهيئة أن "عمليات التفتيش التي قام بها فريق تحقيق ذي قار في مستشفى الحسين التعليمي أكد وجود حاويات كبيرة تحوي أجهزة طبية بقيمة 8 ملايين و448 ألف و862 دولار تعاقدت على تجهيزها الشركة العامة لتسويق الأدوية والمستلزمات الطبية كيماديا مع شركة (HT) الألمانية" مبينةً أن "الاجهزة متروكة في المستشفى منذ عام 2014".
وأشارت إلى أن "قاضي التحقيق المختص قرّر مفاتحة وزارة الصحة لإجراء التحقيق الإداري، لبيان وجود مخالفات بعملية التجهيز، وعدم إدخال المواد مخزنياً".
من جانب آخر، أفادت الدائرة بـ"ضبط أوليات جهاز SCAN PET لم يتم إدخاله الخدمة منذ شرائه عام 2019"، لافتة إلى أن "الجهاز الذي تم شراؤه بمبلغ مليارين و290 مليون دينار تعرض للاندثار؛ لعدم استفادة الدائرة منه؛ نتيجة عدم إدخاله للخدمة منذ تجهيزه ونصبه، الأمر الذي أدى إلى إلحاق الضرر بالمال العام".
وكشفت عن "وجود تلاعب وتزوير في كتب مزعوم صدورها عن قسم الحماية الاجتماعية في ذي قار، وقام إثر ذلك بإجراء التحري في قسم الحماية الاجتماعية وشركة (كي كارد)"، مؤكداً أن "الفريق تمكن من ضبط 30 كتابا مزعوما صدوره عن القسـم معنونا إلى شـركـة كي كارد - مركز خـدمة الزبائن؛ لغرض إصدار بطاقات ذكية لمستفيدي شبكة الحماية الاجتماعيـة".
ولفتت الدائرة إلى "ضبط أختام وكتب ومخاطبات تعود لعدة دوائر، ووصولات ومعاملات قطع أراض وأختام لأشخاص ومحال تجارية في دار رئيس لجنة المتابعة في ديوان محافظة ذي قار"، موضحة "قيام المتهم بتزوير أختام واستعمالها في إصدار محررات رسمية ووصولات استلام معاملات قطع أراض، وترويج معاملات لمواطنين لقاء مبالغ مالية".
باسم عبد الكريم متربعاً على عرش نفط البصرة
في أواخر أيام عام 2023، أعلنت هيئة النزاهة، تنفيذ عمليَّات ضبطٍ لمُخالفاتٍ في تجزئة مناقصةٍ بقيمة 85 مليون دولارٍ، ومغالاة في الأسعار وهدرٍ للمال العام وشبهات فسادٍ في شركة نفط البصرة.
وذكر بيان للنزاهة بأنَّ فريق عمل مُديريَّة تحقيق البصرة الذي انتقل إلى هيئة تشغيل حقل الزبير النفطيّ التابع إلى شركة نفط البصرة كشف عن قيام الهيئة بتوقيع عقدٍ بكلفة 17 مليون دولار لتنفيذ أنابيب الجريان لحقن المياه لآبار النفط بعد تجزئة مناقصةٍ تبلغ قيمتها الإجماليَّة 85 مليون دولارٍ خلافاً للقانون وتجاوز الصلاحيَّات من قبل مدير قسم المشاريع في الهيئة للتهرُّب من مُوافقات مجلس الطاقة المركزيّ في العقود خارج الصلاحيَّات.
وأشار إلى وجود زيادةٍ في أسعار تنفيذ أعمال الأنابيب والتركيبات الميكانيكيَّة في هيئة تشغيل حقل الزبير، مُبيّنةً أنَّه تمَّت زيادة الأسعار بحجة تغيير المُخطَّطات في العقد الأصليّ البالغة قيمته 5 ملايين دولارٍ المُبرم مع شركةٍ إيطاليَّةٍ، مُنوّهةً برصد مُخالفاتٍ ماليَّةٍ وإداريَّةٍ بهيئة التشغيل حيث تمَّ استغلال المبالغ المُخصَّصة لربط رؤوس آبارٍ نفطيَّةٍ في أعمال أخرى، لافتةً إلى صرف مبلغ 224950 دولاراً لربط (15) بئراً، في حين إنَّ المبلغ المُخصَّص لها يبلغ 49500 دولار.
وأضاف البيان، إنَّه تمَّ رصد هدرٍ للمال العام في عقد صيانة وتأهيل مبنى هيئة تشغيل حقل الزبير الذي تمَّ توقيعه مع شركةٍ إيطاليَّةٍ، مُوضحةً أنَّ العقد تضمَّن صرف مبلغ 74 ألف دولارٍ لمُدَّة ثلاث سنواتٍ، سواءٌ كانت هناك صيانة أو لم تكن، كما تمَّت ملاحظة وجود شركةٍ مصريَّةٍ مسؤولةٍ عن صيانة المباني بالرغم من وجود ملاكاتٍ في الهيئة مُتخصِّصةٍ بالصيانة.
وتابع، إن الفريق الذي قام بالانتقال إلى قسم تدقيق عقود التراخيص في شركة نفط البصرة، قام بضبط أوليَّات محطة حقن ماء النخيلة في الرميلة الشماليَّـة، بعد أن بيَّنت أعمال المُتابعة والتحرّي أنَّ عمليَّة تجهيزها كانت مُخالفةً للمُواصفات المطلوبة، مشيراً إلى وجود شبهات فسادٍ ماليٍّ وإداريٍّ في عقد إنشاء معرضٍ تسويقيٍّ للسلع المنزليَّة الذي تمَّ بموجبه تأجير مساحةٍ خضراء داخل موقع الشركة، مُنوّهةً بضبط الأوليَّات الخاصَّة بالعقد.
وفي الرابع من شهر تشرين الثاني الماضي، أعلنت هيئة النزاهة، فتح ملفات فساد تتعلق بشركات نفط في البصرة، من بينها ملف يتعلق بشركة أسترالية أشهرت إفلاسها.
وتتعلق القضايا، وفق بيان للهيئة، بـ "مستندات صرف وهدر للمال العام ومخالفاتٍ في عددٍ من الشركات النفطية في البصرة".
وقالت الهيئة إنّ فريق تحقيق اكتشف "تلاعبًا في 20 مستند صرف داخل شركة ناقلات النفط العراقية، بقيمة مبالغ تصل إلى 4 مليارات دينار، من مبالغ المنافع الاجتماعيّة المخصصة من قبل الشركة لمشاريع الخدمة العامّة المختلفة في المحافظة".
وفي شركة نفط البصرة، اكتشفت الهيئة "عدم قيام الشركة باستيفاء مبالغ مالية لمصلحتها مترتبة بذمة شركة أسترالية تم التعاقد معها؛ لتنفيذ مشروع تصعيد الطاقة".
وقالت الهيئة، إنّ "هذا التراخي والإهمال في متابعة استيفاء المبالغ أدى إلى إلحاق الضرر بالمال العام بعد إعلان إفلاس الشركة الأسترالية"، مشيرة أيضًا إلى "ضبط الملفات المتعلقة بالتعويض الرضائي لحقل غرب القرنة/1 التابع لشركة نفط البصرة، لغرض استخدام الأراضي التي تم تعويضها كآبارٍ نفطية".
وأوضحت، أنّ "الشركة قامت بشمول أراضٍ غير زراعية وأخرى وهمية بالتعويض"، كما أكّدت "رصد مخالفات رافقت عملية توزيع الوحدات السكنية التابعة لشركة مصافي الجنوب، منها منح وحدات سكنية للمدير العام للشركة، وعدد من الموظفين دون استحقاقهم الحقيقي، وقيام المدير بإسكان ابنه في الدار التي تسلمها؛ رغم كونه غير منتسب للشركة".
وفي الشركة العامّة لتوزيع المنتجات النفطية، قالت الهيئة إنّها "ضبط أوليات عقدين تمّ إبرامهما هذا العام، لنقل المنتجات النفطية لمصلحة شركات الاستخراج ضمن جولات التراخيص مع شركة نقلٍ أهلية"، مبينة أنّ "أعمال التحرّي والتدقيق والمُتابعة بينت أن الشركة قامت بنقل المنتجات لشركات التراخيص بواسطة سيارات حكومية، دون التعاقد مع شركاتٍ أهلية".
وفي تشرين الأول الماضي، أعلنت دائرة التحقيقات في هيئة النزاهة، يوم الاثنين، تنفيذها 4 عمليات ضبط منفصلة في شركة نفط البصرة جنوبي البلاد، لحالات هدر للمال العام ومخالفات، مؤكدة رصدها هدر 50 مليون دولار.
وقالت الدائرة، في بيان إن ملاكات مديرية تحقيق البصرة، التي انتقلت إلى شركة نفط البصرة، قامت بعد التحري برصد هدر (50) مليون دولار بعد إيقاف عقد أبرمته الشركة مع شركة "ماموت" الإيطاليـة لانتشال الغارق "عمورية"، موضحة أن الشركة الإيطالية لجأت إلى التحكيم الدولي؛ للمطالبة بالتعويض عن الخسائر المترتبة على إيقاف العقد دون مسوغ قانوني، مشيرة إلى صدور حكم بإلزام شركة نفط البصرة بدفع مبلغ (50) مليون دولار؛ تعويضا للشركة الإيطالية، إضافة إلى دفع نفقات الاستشاري على تنفيذ العقد، منبهة إلى أن شركة نفط البصرة سبق أن قامت بتعديل العقد الموقع في العام 2013 بكلفة (61,000,000) مليون دولار، ورفع المبلغ لـ(95,000,000) مليون دولار خلال العام 2015.
وأضافت إن الملاكات كشفت مخالفات في ثلاثة عقود لهيئة تشغيل حقل الزبير النفطي التابع إلى شركة نفط البصرة، لافتة إلى وجود مخالفات في عملية إحالة المناقصات وعقدين إلى شركة "ايني" الإيطالية، فيما قامت هيئة تشغيل حقل الزبير باستبعاد إحدى الشركات من العرض التجاري لمناقصة مشروع (ربط آبار حقن الماء) ؛ بغية السماح لشركات أخرى لا تنطبق عليها الشروط والضوابط للمشاركة بالمناقصة، مشيرة إلى ملاحظة مخالفات في عقد تجهيز(أذرع تحميل) لأحد أرصفة ميناء العمية النفطي التابع لشركة نفط البصرة، موضحة أن عملية التجهيز تمت من خلال شركة احتكاريـة واحدة.
وتابعت الدائرة إن ملاكات المديرية تمكنت من ضبط أوليات احتساب الغرامات التأخيرية بعقد تجهيز ونصب خزانات نفط في مستودع الفاو النفطي، وأوليات تأليف لجان تحقيق وتضمين جديدة؛ لتنزيل مبلغ تضمين مدير قسم الإخراج المركزي وموظف آخر مبلغ (626,272,991) مليون دينار؛ لإهمالهما المتعمد وتسببهم بتأخير إخراج مواد الشحنة الثالثة التي تمت المصادقة عليها من قبل وزير النفط.
وفي حزيران الماضي، أفادت دائرة التحقيقات في الهيئة بتنفيذها عمليَّات ضبطٍ في شركة نفط البصرة، حيث رصد فريق عمل مُديريَّة تحقيق البصرة هدراً للمال العام في الشركة عبر قيام قسم هندسة المكائن في هيئة الحقول باستحداث شعبٍ جديدةٍ، وهي (الزبير، الرميلة، غرب القرنة، السيبة، والرقع الاستكشافيَّة) خُصِّصَت لها حوافز ومُخصَّصات كبيرة غير مُسوَّغةٍ، على الرغم من عدم وجود حاجةٍ فعليَّةٍ لاستحداثها.