منذ 1537 يوماً لم يغادروا المطعم التركي.. ماذا يفعل عناصر سرايا السلام في البناية المهجورة كل هذه المدة؟ وما موقف الحكومة من هذا الخرق الأمني الكبير؟
انفوبلس..
بعد أكثر من 4 أعوام على انطلاق احتجاجات تشرين التي شارك فيها التيار الصدري بطريقة متذبذبة ولأهداف سياسية خاصة، وقيامه بالعديد من الأعمال التي وثقتها سجلات هذه التظاهرة، من بينها قتاله المستميت بهدف السيطرة على بناية المطعم التركي المُطلّة على المنطقة الخضراء، وهو ما حدث فعلاً في حينها، ولكن التساؤل المتداول هو ما سبب بقاء قوات مسلحة تابعة لسرايا السلام في بناية المطعم التركي حتى هذه اللحظة؟
في الأول من شباط 2020، أفاد مصدر مطلع بسيطرة جماعات من التيار الصدري على المطعم التركي في ساحة التحرير وسط بغداد.
وقال المصدر، إن "أنصار التيار الصدري والقبعات الزرقاء، اقتحموا المطعم التركي بالقوة وسيطرت على منصة (جبل أحد) بالهراوات والعصي الكهربائية".
وتابع، إن "عملية الاقتحام جاءت بالتزامن مع إعلان وزير الاتصالات الأسبق محمد توفيق علاوي تكليفه بتشكيل الحكومة"، وهو أكثر المرشحين الذين دعمهم التيار الصدري لتولي المنصب.
ومنذ ذلك الحين خرج المطعم التركي من سيطرة المتظاهرين وسلطة القوات الأمنية حتى يومنا هذا.
مراقبون أكدوا وجود دوافع سياسية ومنطقية لما جرى في 2020، من بينها محاولة الصدر فرض هيمنته على الاحتجاج وتحول دفّتها لصالحه، بالإضافة إلى قمع المحتجين الذين هاجموه وتياره بشكل مباشر خلال الاحتجاج، فضلا عن بداية فكرة "التفرد بالسلطة" لدى الصدر عبر تشكيل حكومة (وحدة وطنية) يقودها بمفرده، وهو الأمر الذي فشل بتحقيقه لاحقاً وتسبب بانسحاب نوابه الـ73 من البرلمان.
وأضافوا: لكن اليوم، أصبح وجود قواته المسلحة في المطعم التركي غير منطقي بالمرة، على الرغم من يقينية وجود دوافع سياسية لهذا التمسك بالبناية لكن جميعها غامضة وغير واضحة وتعتمد على التكهنات فقط.
وبينوا، إن بقاء عناصر سرايا السلام في بناية المطعم التركي يشكل خطراً أمنياً حقيقياً وكبيراً خصوصاً مع ظهور بوادر عودة الصدر إلى العملية السياسية، فمن الممكن ان يتخذ المطعم التركي منطلقا للاعتداء على القوات الأمنية في حال قرر الصدر إخراج أتباعه بتظاهرات "ربما تكون مسلحة" تستهدف المنطقة الخضراء.
في السابع والعشرين من شباط من العام الماضي، نفت سرايا السلام الأنباء المتداولة عن تسليمها بناية المطعم التركي في بغداد الى أمن الحشد، مؤكدة ان بناية المطعم تحت ادارتها الأمنية بالشراكة والتنسيق مع قوات الامن.
وقال الناطق الرسمي باسم سرايا السلام مرتضى البهادلي إن "أنباء تسليم بناية المطعم التركي للحشد عارية عن الصحة ولا وجود لها وان المطعم تحت حماية وادارة سرايا السلام منذ انتهاء أحداث تشرين 2019 وحتى الآن".
وأضاف البهادلي، إن "البوابة الرئيسية لبناية المطعم كانت تحت حماية وإدارة قوات حفظ النظام وتم تسليمها إلى قوات الشرطة الاتحادية وبالشراكة أيضاً مع سرايا السلام" ، مؤكداً أن "قوات السرايا تدير البناية بسيطرة وتنسيق مع المنظومة الامنية للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي وقطع الطريق أمام أي محاولات لإثارة وزعزعة الوضع الداخلي".
وكان مصدر أمني أفاد، في حينها، بانتشار سرايا السلام عند المطعم التركي وسط بغداد، مبينا أن "سرية الانضباط العسكري انسحبت من المطعم التركي الواقع قرب جسر الجمهورية على جانب الرصافة واستلم الموقع من قبل قيادة الشرطة الاتحادية".
وأضاف، أنه "عند استلام الموقع من قبل الشرطة الاتحادية قامت مجاميع من سرايا السلام بالانتشار بالموقع واعتراض الشرطة الاتحادية ومنعهم من الدخول الى الموقع مدعين ان المطعم التركي ضمن قواطع سرايا السلام".
وفي 26 تموز الماضي، كشف قيادي بارز في التيار الصدري، عن أهمية السيطرة على بناية المطعم التركي وسط بغداد من قبل عناصر سرايا السلام.
وقال القيادي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن “عناصر سرايا السلام يتواجدون في بناية المطعم التركي منذ تظاهرات تشرين 2019، وأصبح هذا التواجد رسميا بالاتفاق مع الحكومة العراقية والهدف منه كان تأمين التظاهرات ومنع أي اعتداء على المتظاهرين، ومنع استغلال استخدام المطعم التركي للأعمال غير القانونية كمهاجمة القوات الأمنية وغيرها”.
وبين أن “التيار الصدري يرى هناك أهمية كبيرة في تواجده في المطعم التركي، وهذا التواجد هو استراتيجي لحماية أي تظاهرة للصدريين قد تخرج امام المنطقة الخضراء ولمنع استخدام هذا المطعم الاستراتيجي كمقر لقمع المتظاهرين”.
وأشار القيادي الى أنه “قبل أيام تم رفض الانسحاب من المطعم، او جعله بيد القوات الأمنية دون وجود عناصر سرايا السلام”.
وتُعد بناية المطعم التركي، عند مدخل جسر الجمهورية أمام ساحة التحرير، المطلة على المنطقة الخضراء، واحدة من رموز الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد في تشرين الأول/أكتوبر 2019.
وفي تموز الماضي، جرى استعراض للقوة بين القوات الأمنية وسرايا السلام، ما شكل نقطة اختلاف بين المراقبين، فهناك من وجده “فشلا واضحا” للحكومة، وآخر رفض إصدار أية أحكام في أول اختبار من نوعه، إلا أن آخرين كانوا أكثر حدة حينما دعوا بشدة لفرض القانون على كل من يخرقه مهما كان، بهدف عدم التشويش على “الإنجازات الخدمية التي حققتها الحكومة”.
وفي حينها صعّد التيار من تظاهراته بعنوان “نصرة القرآن”، الأمر الذي عده متتبعون مدخلا للعودة إلى الساحة السياسية وإرسال رسائل لخصومه، ليثبت أنه ما زال موجودًا على الأرض، بعد قرار إيقاف نشاط التيار بالكامل، الذي اتخذه الصدر قبل أشهر عدة.
المحلل السياسي أحمد الشريفي، قال في تموز الماضي، إن “السوداني لا يستطيع حصر السلاح بيد الدولة بشكل حقيقي، وهذا السلاح سيبقى يهدد وجود الدولة العراقية والسلم الأهلي والمجتمعي”.
يذكر أن منطقة الباب الشرقي وسط بغداد، شهدت بشكل مفاجئ، انتشاراً مكثفاً للقوات الأمنية، وبمختلف صنوفها، وحاولت السيطرة على بناية المطعم التركي، تحسبا لأي طارئ ممكن أن يستخدم فيه المطعم منطلقا لاستهداف المنطقة الخضراء.
وبعد دقائق فقط، انتشرت قوات سرايا السلام التابعة للتيار الصدري في المنطقة ذاتها، واستعرضت بكامل قوتها من قاذفات وأسلحة متوسطة أخرى، وتمكنت من فرض سيطرتها على المطعم، وبعد ذلك رفعت صور زعيم التيار مقتدى الصدر عليه.
ويضيف الشريفي، إن “فقدان الحكومة للسيطرة على السلاح المنفلت، ربما يكون له تداعيات خطيرة وكبيرة، خصوصاً وأن هذا السلاح كان سبباً رئيساً بما حصل من اشتباكات في المنطقة الخضراء قبل تشكيل الحكومة الحالية، وتكرار هذه الأحداث ممكن يسبب فقدان السيطرة على السلاح خارج إطار الدولة”.
إلى ذلك، يبين الباحث في الشأن الأمني سرمد البياتي، أن “ما جرى في المطعم التركي، صعب أن نحكم من خلاله على حكومة محمد شياع السوداني بالفشل في ما يخص ملف حصر السلاح بيد الدولة، خصوصا أن هذه المشكلة منذ عام 2003 ولغاية اليوم”.
ويضيف البياتي، أن “حصر السلاح بيد الدولة والسيطرة على السلاح المنفلت، هو اختبار حقيقي لحكومة السوداني، لكن هناك من يحاول أن يسعى لخلق فتنة ما بين القوات الأمنية وبعض الفصائل المسلحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والدفع بالسوداني لمرحلة مواجهة قضايا تخل بالأمن العام”، مبينا أن “الجهات الحكومية والأمنية المختصة عليها نزع السلاح المنفلت من الجميع، فالكل يجب أن يخضع بشكل حقيقي للقائد العام للقوات المسلحة، وهذا هو الحل الوحيد لحصر السلاح بيد الدولة”.
ويتابع “بخلاف سيطرة الدولة على السلاح، لا تستطيع أية حكومة السيطرة على المشهد الأمني بصورة كاملة، خصوصاً وأن الإخفاق بذلك ربما تكون له تداعيات خطيرة في المستقبل القريب أو البعيد”.
بالمقابل، يبين المحلل السياسي علي فضل الله أن “رئيس الوزراء محمد شياع السوداني منذ تسلمه رئاسة الوزراء، لا يريد أي صدامات مع أي جهة سياسية، خصوصاً التي قاطعت حكومته ولم تشارك فيها، من أجل الحفاظ على الاستقرار السياسي، الذي حصل بعد تشكيل حكومته”.
ويلفت إلى أنه، “من الواضح أن تلك الجهات السياسية تتربص بالحكومة، وتريد جرّ العراق إلى ساحة الفوضى، وهنا يفترض على الحكومة التعامل مع تلك الجهات وفق المعايير الدستورية والقانونية، فأي جهة سياسية مهما كانت إذا لم تحترم القوانين، فيجب التعامل معها بالقوة من خلال القانون”.
ويستطرد انه “بخلاف ذلك سوف تتحول العاصمة بغداد وباقي المحافظات، إلى ساحة للصراعات، وهذا ما سيلغي جهود الحكومة الخدمية، مع بروز تلك الجهود العبثية، لذا نحن بحاجة إلى قوة وثقة بالنفس للتعامل مع أي جهة منفلتة لا تحترم سلطة القانون، فالأمن سلعة غالية الثمن، يفترض أن نحافظ عليها من خلال إرساء لغة القانون على الجميع”.