نافذةُ العودةِ للسياسة.. منصّاتٌ صدرية تُحرّض و"محتجّون" يقطعونَ شوارعَ مدينةِ الصدر بالإطاراتِ المحترقة بحجّةِ المحاضرين
انفوبلس..
بدون مقدّمات ولا أسباب منطقية، أقدم محتجون في مدينة الصدر على قطع الطرق بالإطارات المشتعلة التي أحرقت بدورها بعض النخيل بساحة مظفر في تظاهرات عناوينها مطلبية لشريحة المحاضرين المجانيين، لكنها أخذت طابعاً سياسياً أصبح من الصعب إخفاءه خصوصاً بعد تعيين ملحق الرصافة الثالثة المثير للجدل وانتفاء سبب تلك التظاهرات من الأساس.
وفي السياق، أفاد مصدر أمنى، مساء أمس الاثنين، بانتشار كثيف لقوات حفظ القانون لوصول أعداد كبيرة من ملحق محاضري تربية الرصافة الثالثة بالقرب من بوابة التشريع في المنطقة الخضراء.
وتداولت صفحات على فيس بوك، الأحد، دعوات من ممثلي محاضري مدينة الصدر في الرصافة الثالثة، لـ"لاستنفار الشامل المطلق مع لبس الأكفان يوم الإثنين الساعة الخامسة عصراً، ويكون التجمع في منطقة العلاوي مع جلب سجادة ووجبة طعام بسيط".
وبحسب المنشورات، قرروا "افتراش الأرض لحين إقرار الموازنة مع خطوات مؤثرة جداً سنتخذها في يوم التظاهرة"، مطالبين "نواب مدينة الصدر وشرق القناة بالوقوف الجدي والحقيقي معهم".
وبحسب مراقبين، فإن تظاهرات المحاضرين وخصوصاً بمدينة الصدر تمثّل البوابة التي يسعى من خلالها التيار الصدري العودة للمشهد السياسي بعد انسحاب زعيمه منه بسبب عدم قدرته على تشكيل حكومة أغلبية بقيادته، الأمر الذي فسح المجال لقوى الإطار التنسيقي بشراكة قوى سياسية أخرى لتشكيل حكومة متوازنة تعمل بهدوء عكس سياق الحكومات السابقة التي كان يشوبها الكثير من الصراع ويتخللها القليل من العمل.
حتى الآن، لا يوجد موقف رسمي للتيار الصدري بخصوص التظاهرات أو دعمها أو المشاركة فيها، ولكن جميع منصاته وقنواته وشخوصه الثانويين يدعمونها بشكل كبير ويدعون جميع أنصارهم للمشاركة فيها، وهو بحسب وصف المراقبين، السياسة الثابتة التي يتبعها التيار الصدري منذ سنوات للتحرك في الشارع وهي الطريقة التي تمكّنه من الحصول على مكتسبات التظاهرات والبراءة من سلبياتها والتنصل عن خروقاتها.
زعيم المحاضرين قيادي في التيار
تصف وسائل الإعلام الصدرية والمقربة منها والمحايدة شخصاً يدعى "مالك هادي" بصفة "ممثل المتظاهرين المجانيين في العراق"، وهو شخص يدّعي الاستقلالية عُرف بتهديداته التصعيدية كالإضراب عن الدوام وشل عمل المؤسسات التربوية في العراق وقطع بوابات وزارة التربية بالإطارات والتوجه سيراً على الاقدام من وزارة التربية لبوابة التخطيط عبوراً لجسر الجمهورية والتلويح بـ"التصعيد الأكبر"، وهو صاحب دعوة المحاضرين للبس الأكفان خلال التظاهرات الأخيرة.
العديد من المحاضرين المجانيين "الفعليين" أكدوا عدم معرفتهم بهذا الشخص الذي ظهر فجأة وترأس تظاهراتهم أصبح ممثلاً عنها، مؤكدين أن تلك التظاهرات أصبحت مخترقة بشكل كبير ما دفع أغلب أصحابها إلى تركها وعدم حضورها لتجنب أن يكونوا ورقة سياسية لتنفيذ أجندات مالك هادي ومن يقف خلفه.
العودة للمشهد السياسي
قبل 10 أيام من الآن، عاد التيار الصدري إلى الحديث السياسي المباشر، بعد أشهر على الاعتزال، بقرار من زعيمه مقتدى الصدر، بجملة "احذروا غضب الحليم". في رسالة تحذيرية للقوى والأحزاب وما أسماها بـ"الطبقة السياسية العليا"، فيما لا زالت التكهنات حول عودته من عدمها غير معلومة، وليس هناك تصور واضح عنها.
وخلال خطبة صلاة الجمعة المركزية في مسجد الكوفة، قال خطيب الجمعة هادي الدنيناوي، إنّ "الطبقة العُليا السياسية التهت بسنّ القوانين التي تخدم مصالحها الحزبية والفئوية والشخصية"، مضيفًا "نحن نعتقد أن سبب هذا كله هو (سكون الحليم) وليس سكوته فَـ(آل الصدر) لا يسكتون واحذروا غضبة الحليم إذا غَضِب"، كما حذر الدنيناوي أيضًا من "استغفال" القوى السياسية لموقف التيار، مؤكدًا أنه "يراقب عن كثب ما يجري في الساحة السياسية".
خطبة التيار السياسية جاءت بعد أسابيع من إعلان الصدر عن تجميد التيار لمدة عام، بدءًا من موعد إعلان هذا القرار في يوم الجمعة 14 نيسان/أبريل 2023، وذلك لـمحاربة من سماهم بـ "المفسدين" داخل مفاصل التيار.
وكان أحد أسباب إعلان الصدر لتجميد التيار هو ظهور جماعة تطلق على نفسها "أصحاب القضية" وتروّج إلى أن الصدر هو "المهدي المنتظر"، والذي أثار غضب الكثير من الصدريين تجاههم، ليتم إلقاء القبض على عدد كبير منهم من قبل الأجهزة الأمنية.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، رجح مراقبون عودة التيار الصدري إلى العملية السياسية والتحضير للمشاركة في الانتخابات المحلية المزمع أن تجرى في نهاية العام الجاري، لكن آخرين توقعوا تجهيز التيار الصدري للعودة إلى الشارع وإطلاق تظاهرات جديدة، فيما جاء هذا التوقع بعد أن فندت قوى الإطار التنسيقي وجود أي توجه لإجراء انتخابات مبكرة، كما اشترط الصدر عليها ذلك قبيل تشكيل الحكومة الحالية.
وبينما لم يصرّح أعضاء التيار الصدري بما يحصل داخل التيار من توجهات للمرحلة المقبلة وما هو مصيرهم السياسي، يعتقد مراقبون أنّ الصدريين يجهزون لبداية مرحلة جديدة بعد منح الحكومة الحالية وقتًا إضافيًا لتقييم عملها ثم العودة للمشهد السياسي.
واتخذ التيار الصدري عدة إجراءات خلال الآونة الأخيرة، منها عدم حضور السياسيين من غير التيار في احتفالاتهم وأيضًا في فحوى البصمة بالدم للصدر، وعودة بعض الصفحات وتوجيهات ما يُعرف بوزير القائد.
زاوية إطارية للمشهد
القيادي في الإطار التنسيقي جاسم محمد البياتي، قال إنّ "ما قاله خطيب الجمعة في الكوفة هي غاية في نفس يعقوب، وما يصدر عن خطيب الجمعة لا يعني بالضرورة أنه صادر عن الصدر".
والصدر ـ بالنسبة للبياتي ـ "قريب من الشارع والقوى السياسية، ويستطيع أن يرسل رسائله بصورة مباشرة وعلنية وليس بطرق غير مباشرة".
وعن التوقعات بعودة الحراك الشعبي ضد حكومة السوداني، يرى البياتي أنّ "الحكومة تسير وفق المنهج الذي وضعته، وفي حال التلكؤ والخطأ فهناك كتل سياسية تبنت دعمها وهي ستقوّم عمل الحكومة".
وأضاف البياتي أنّ "حكومة السوداني لغاية الآن لم تتلكأ في عملها، بل فتحت وعالجت الكثير من الملفات، والسوداني يمتلك رغبة كبيرة من الشعب واستطاع عبور الفخاخ التي وُضعت أمام عمله وهناك ارتياح كبير تجاه حكومته".
تحليل سياسي لمؤشرات الصدر
المحلل السياسي أحمد المياحي، رأى في خطبة الكوفة الأخيرة، تحذيراً لأتباع التيار الصدري وبعض السياسيين فيه، وهم من الذين "قد يريدون الانشقاق عن التيار وتشكيل كتلة سياسية جديدة للمشاركة في الانتخابات بعد أن أيقنوا أن الصدر لن يشارك في الانتخابات المقبلة".
الصدر، وخلال إعلان اعتزاله العمل السياسي، قال إنه لن يشارك في الانتخابات المقبلة "بوجود الفاسدين وهذا عهد بيني وبين الله وبيني وبينكم، ومع شعبي"، وذلك جاء خلال لقائه الكتلة الصدرية في 15 حزيران/يونيو 2022.
ويؤشر المحلّل المياحي وجود حالة من عدم الاستقرار داخل التيار بعد قرار التجميد، كما يقول إنّ "التيار الصدري يبدو في حالة انعدام وزن بعد قرار الصدر بتجميد جميع مفاصل التيار"، كما بيّن أنّ "رسالة الخطيب ليست للحكومة أو القوى السياسية، بل هي للأتباع ومفادها إياكم والذهاب باتجاه تلك القوى، وبالوقت نفسه تحذير مبطن لتلك القوى من مغازلة الذين لديهم الاستعداد للذهاب باتجاه قوى الإطار أو مستقلين".
ويعتقد المياحي بوجود "ضغط كبير من بعض قيادات التيار للعودة إلى العملية السياسية بأي ثمن وهذا ما لا يرغب به الصدر الآن".
وحول موقف الصدر من الحكومة الحالية، يرى المياحي أن "لا مساحة كافية في الوقت الحالي لتعطيل عمل الحكومة بعد ازدياد شعبية السوداني والعمل بشكل جدي لحل أزمة الكهرباء وتخفيف الضغط على كاهل المواطن".