نواب يرفضون ضغوط السفارات الأجنبية لفرض قانون العنف الأسري بصيغته الحالية

تشريع برؤية أجنبية
انفوبلس/..
في ظل استمرار الجدل حول مشروع قانون العنف الأسري في العراق، كشفت لجنة المرأة والطفولة النيابية عن ضغوط خارجية تمارسها سفارات دول غربية، أبرزها الأسترالية والأميركية والسويدية، لدفع البرلمان نحو إقرار القانون بصيغته الحالية دون تعديلات.
وأكدت اللجنة وجود سوء فهم لمفهوم العنف الأسري، داعية إلى ضرورة مواءمة القانون مع القيم الدينية والاجتماعية. وتأتي هذه التصريحات وسط تصاعد الاتهامات لتلك السفارات بـ"التدخل في الشأن التشريعي" و"محاولة التأثير على هوية المجتمع العراقي".
في المقابل، يتمسّك معارضو القانون بوجود ثغرات جوهرية تستدعي المراجعة، محذرين من تداعيات تشريعه على تماسك الأسرة العراقية والنسيج المجتمعي.
سوء فهم عميق
وكشفت لجنة المرأة والطفولة النيابية عن أسباب الجدل الواسع حول تشريع قانون العنف الأسري في العراق، مشيرة إلى وجود تدخلات وضغوط من دول وسفارات أجنبية تسعى لتمرير القانون دون تعديل بعض فقراته المثيرة للجدل.
وقالت عضو اللجنة، النائبة مهدية اللامي، إن "هناك سوء فهم عميق لمعنى العنف الأسري، إذ لم يتم التمييز بين السلوك العدائي الذي يُجرَّم قانونًا، وبين طبيعة العلاقات الأسرية التي يجب أن تُراعى وفق منظومة القيم المجتمعية"، مضيفة أن "أي قانون يُقر داخل العراق يجب أن ينسجم مع الدستور ومع الثوابت القيمية والدينية والاجتماعية للمجتمع العراقي".
وأشارت إلى أن "سفارات أجنبية، مثل الأسترالية والأمريكية والسويدية، تضغط من أجل تمرير القانون بصيغته الحالية دون إجراء التعديلات المطلوبة".
وأضافت أن "اللجان البرلمانية قامت بدراسة مواد القانون بشكل مستفيض، وأُجريت قراءته الأولى، كما عُقدت العديد من ورش العمل واللقاءات لشرح أبعاده، ليُعاد في النهاية إلى الحكومة لإجراء تعديلات تتماشى مع الخصوصية العراقية"، مؤكدة أن "القانون لا يزال قيد المراجعة، وقد يُعاد إلى البرلمان بعد تعديل فقراته الخلافية".
وبيّنت اللامي أن "العديد من المواد بحاجة إلى تعديل أو حذف أو إضافة، استنادًا إلى التجارب الواقعية والمشاكل التي تُنقل إلى مكاتب النواب، والتي قد لا تكون ممثلة في النص الأصلي"، مشددة على أن "الهدف الأساسي يجب أن يكون الحفاظ على تماسك الأسرة العراقية وتحصينها قانونيًا دون المساس بالقيم الدينية والمجتمعية الراسخة".
تدخل سافر في الشأن العراقي
من جانبه، أعرب النائب أحمد طه الربيعي عن استغرابه من مشاركة سفراء دول غربية في مناقشة تشريع قانون العنف الأسري، معتبرًا ذلك تدخلاً سافرًا في الشأن التشريعي العراقي.
وأوضح الربيعي، في تصريح صحفي سابق، أن "لقاءً جمع بين رئيس اللجنة القانونية النيابية وسفيرة أستراليا في العراق، باولا كانلي، جرت خلاله مناقشة تشريع عدد من القوانين، من بينها قانون العنف الأسري"، متسائلًا: "ما علاقة سفيرة دولة أجنبية بقانون يُثير جدلاً واسعًا داخل العراق؟ وبأي مبرر تسمح اللجنة القانونية لنفسها بمناقشة مضامين هذا القانون مع سفيرة دولة خارجية؟".
وأكد أن "هذا الأمر يُعد انتهاكًا لسيادة العراق وتعديًا على دور السلطة التشريعية، فالتشريعات العراقية يجب أن تُبنى على أسس تنطلق من البيئة الاجتماعية والدينية للمجتمع العراقي، لا على نماذج مستوردة من مجتمعات تختلف تمامًا في بنيتها وقيمها".
وأشار الربيعي إلى أن رفض التدخل الخارجي لا يعني القبول بالعنف الأسري، مؤكداً موقفه الرافض له، والداعي إلى اعتماد أساليب تربوية سليمة، مضيفاً أن "قانون العقوبات العراقي النافذ يتضمن مواد كفيلة بمعاقبة المعتدين داخل الأسرة، حتى في الحالات التي لا تترك آثاراً جسدية ظاهرة".
يُشار إلى أن اللجنة القانونية النيابية كانت قد أعلنت، عبر الموقع الرسمي لمجلس النواب، أن رئيسها عقد اجتماعًا رسميًا مع السفيرة الأسترالية لمناقشة تشريع قانون العنف الأسري، والعمل على إزالة المعوقات التي تحول دون إقراره.
جدل مستمر منذ سنوات
يستمر الجدل داخل العراق منذ عام 2017 حول تشريع قانون مناهضة العنف الأسري، بين مؤيدين يرونه ضرورة لحماية الضحايا وتجريم العنف داخل الأسرة، ومعارضين يعتبرون أن بعض نصوصه تمس القيم المجتمعية والدينية.
وبينما تطالب منظمات مدنية ومفوضية حقوق الإنسان بالإسراع بإقراره، ترى قوى سياسية أن القانون بحاجة إلى تعديلات جوهرية تضمن انسجامه مع الخصوصية العراقية.
أسباب التأخير والتعطيل
ورغم مضي سنوات على إحالة مسودة القانون من الحكومة إلى البرلمان، لم يتم التصويت عليه حتى الآن. وتُعزى أسباب التأخير، بحسب رئيسة لجنة المرأة والأسرة والطفولة في البرلمان السابق، ميسون الساعدي، إلى ثلاث نقاط رئيسية. أولها ما وصفته بـ"العنوان المفتوح" للقانون، والذي قد يفسّر بأن تأديب الوالد لأطفاله يمثل عنفًا، ما يثير تحفظات دينية واجتماعية.
أما السبب الثاني فيكمن في الإبلاغات التي تعتمد على "المخبر السري"، والتي قد تُستخدم بشكل كيدي ضد أفراد العائلة، خصوصًا رب الأسرة. والسبب الثالث يرتبط بفكرة "دور الإيواء" للمعنفات، إذ يسمح القانون بإنشائها من قبل أي جهة تمتلك الإمكانيات، بعد موافقة وزارتي الداخلية والعدل، ما يفتح الباب لاستغلال تلك الدور من جهات غير رسمية.
ثغرات قانونية وواقعية
مشروع القانون أغفل قضايا جوهرية، أبرزها ما ورد في المادة الحادية عشرة، والتي تجيز إبعاد من يُخشى ارتكابه للعنف من منزله لمدة 48 ساعة قابلة للتمديد
ويرى الخبير القانوني علي التميمي أن مشروع القانون أغفل قضايا جوهرية، أبرزها ما ورد في المادة الحادية عشرة، والتي تجيز إبعاد من يُخشى ارتكابه للعنف من منزله لمدة 48 ساعة قابلة للتمديد. ويصف التميمي هذه المادة بأنها غير قابلة للتطبيق في مجتمع تحكمه الأعراف والتقاليد، مشددًا على أن القانون لا يمكن أن يُبنى على النوايا بل على الأفعال والركن المادي للجريمة.
وأضاف التميمي أن مشروع القانون لم يحدد نوع العقوبات عند وقوع جرائم مثل الإيذاء أو التسبب بعاهة مستديمة، وهي أمور منصوص عليها أصلًا في قانون العقوبات العراقي، كما لم يتطرق إلى معالجة الجوانب النفسية والاجتماعية التي تؤدي إلى تفاقم ظاهرة العنف داخل الأسر.
تدخلات أجنبية
بعض البنود في القانون تتضمن عبارات "فضفاضة" قد تُستخدم لاحقًا للتأثير على بنية الأسرة العراقية، وفتح الباب أمام ثقافات وقيم دخيلة
من جهتها، وجّهت أطراف سياسية اتهامات مباشرة إلى الولايات المتحدة ودول غربية أخرى بمحاولة تمرير القانون بصيغته الحالية، عبر دعم منظمات محلية وتمويل برامج تهدف – بحسب قولهم – إلى "ضرب الهوية الثقافية والدينية" للعراق. وتذهب تلك الأطراف إلى أن بعض البنود في القانون تتضمن عبارات "فضفاضة" قد تُستخدم لاحقًا للتأثير على بنية الأسرة العراقية، وفتح الباب أمام ثقافات وقيم دخيلة.
واعتبرت تلك الأطراف أن بعض دور الإيواء المخصصة للمعنفات لا تخضع لرقابة حكومية كافية، بل تُدار بدعم مباشر من مؤسسات أجنبية، وعلى رأسها السفارة الأمريكية، ما يثير مخاوف من توظيف القانون في أجندات سياسية أو اجتماعية لا تنسجم مع النسيج العراقي.