وزير العدل يقيل مدير سجن الحلة.. ملف التعذيب في السجون العراقية يعود إلى الواجهة: انتهاك وابتزاز وإعدام غير رسمي
انفوبلس..
بعد زيارة تفقدية مفاجئة أجراها وزير العدل خالد الشواني لسجن الحلة الإصلاحي، أصدر الوزير قراراً بإعفاء مدير السجن ومعاونيه ومدير قسم الشؤون الداخلية لإخلالهم بواجباتهم الوظيفية.
الوزارة ذكرت في بيان، أن الشواني وجه بإعفاء مدير سجن الحلة المركزي، ومعاونيه، ومدير قسم الشؤون الداخلية للسجن لإخلالهم بواجباتهم الوظيفية، وجرى ذلك خلال جولة تفتيشية مفاجئة أقامها الوزير.
وبحسب البيان، استمع الوزير إلى المشاكل التي يواجهها النزلاء وسرعة إجراءات إطلاق السراح لمن انتهت مدة محكوميتهم. وخلال جولته، اصطحب كادرا من دائرة التخطيط العدلي لتقييم المستوى الخدمي والصحي وسلامة البنى التحتية للسجن ومدى مطابقتها للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، ورفع التوصيات بالمستلزمات الضرورية لتحسين الأوضاع داخل السجن.
وأكد الشواني، أن الوزارة تعمل على الإيفاء بالتزاماتها كافة في تحسين الظروف الإنسانية داخل السجون بما ينسجم مع الاستراتيجية الحكومية بتطبيق المعايير الدولية لحقوق الانسان.
الإجراء السريع لوزير العدل، أعاد فتح ملف غاية بالأهمية وهو ملف السجون وما تحتويه من خروقات كبيرة تظهر بعضها في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر.
سجن الحلة سيئ الصيت
من الجدير بالذكر أنه في نهاية العام 2022، تلقى المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب مناشدة من معتقلي سجن الحلة بأنهم يتعرضون للتعذيب في السجن.
المركز كشف في بيان له، أنه تلقى "مناشدة من معتقلي سجن الحلة وتحديدا في كمب (آشور)، فقد تلقينا من مصادرنا الخاصة نداء إنسانيا من معتقلي سجن الحلة الذين يعانون الظلم في زنازينهم من قبل إدارة السجن، فيقول أحد السجناء (لم يرغب بذكر اسمه خوفًا على نفسه) إن السجناء بين أمرين لا ثالث لهما إن أراد العيش بدون مشاكل: الأمر الأول: هو أن يدفع كل سجين مبلغ من المال قدره (75) ألف دينار إلى إدارة السجن حتى تُبقيه الإدارة في قاعة غير مكتظّة بالمعتقلين، ويحجزون له مكانا عرضه (90سم) وطوله (متر ونصف) لمدة معينة، ومن ثم تقوم بترحيله إلى قاعات أخرى."
والأمر الآخر: إن لم ندفع لهم فإنهم سيقومون بوضعنا في قاعة طاقتها الاستيعابية (20) معتقلا، ولكنهم يضعون فيها أكثر من (70)، حيث نقوم بأعمالنا بالتناوب وأغلب الأحيان ننام وقوفا أو ونحن جالسون على أقدامنا.
ويتحدث سجين آخر عن الأوضاع الصحية فيقول: إن الأمراض الجلدية منتشرة بكثرة بين المعتقلين ولاسيما الجرب والتدرّن ونقص التغذية وفقدان الأدوية اللازمة لهذه الأمراض، ونحن مقبلون على أيام الشتاء فقد قاموا بسحب الأغطية والملابس منا، وقاموا بتكثيف التفتيش علينا يوميًا بحيث يسحبون منّا أي شيء يمكن أن يدفّئنا في هذه الأيام ومنع الأكل والشرب والاستحمام لفترات محددة.
وينقل سجين آخر فضّل عدم الكشف عن نفسه، أنّ كلّ هذه الأمور تجري علينا بعلم الإدارة والحكومة وفي بعض الأحيان يقولون لنا: “تستحقون أكثر من ذلك”، فضلاً عن غلاء الأسعار في حانوت السجن ومنع دخول الملابس والأدوية من أهلنا ويجبروننا على فعل أشياء كثيرة.
وينوّه المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب أنّ حالة هذا السجن ليست الوحيدة وإنما هذه سياسات متّبعة في جميع سجون العراق، وهي مخالفة للقوانين الدولية وخاصة (القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء)، ووثق المركز خلال هذا العام أكثر من (48) حالة وفاة لمعتقلين في السجون الحكومية إثر الإهمال الطبي والتعذيب.
وفي منتصف العام ذاته، أفاد مصدر أمني من محافظة بابل بوفاة أحد النُزلاء في سجن الحلة المركزي بسبب الإهمال الطبي، مؤكداً بأن النزيل توفي بسبب إصابته بوعكة صحية تأخرت إدارة السجن في إسعافه مما تسبب بوفاته في الحال.
وفي عام 2019، أكدت مفوضية حقوق الإنسان، أن سجن الحلة المركزي مكتظاَ بالنزلاء إلى حجم يفوق طاقته الاستيعابية.
وقال عضو المفوضية، هيمن باجلان، في بيان إنه "خلال زيارتنا إلى سجن الحلة المركزي، أشرنا اكتظاظاً في أعداد النزلاء يفوق الطاقة الاستيعابية".
وتقوم المفوضية بزيارات ميدانية تجريها فرق الرصد الخاصة من أجل متابعة الواقع الإنساني في السجون ومراكز الاحتجاز وفق قانون المفوضية المرقم 53 لسنة 2008، والذي يخولها بزيارة السجون ومراكز الاحتجاز دون إذن مسبق وإجراء لقاءات مباشرة مع السجناء والمعتقلين.
ملف التعذيب في السجون العراقية
المتحدث الرسمي باسم مرصد "أفاد" المعني بحقوق الإنسان، حسين دلي، كشف في عام 2021، أن المرصد "حصل على وثائق وشهادات تثبت وجود حالات تجويع وتعذيب ممنهجة، وتصفية لبعض السجناء داخل السجون العراقية". مؤكدا، أن "التعذيب ليست حالات فردية وأن قضية التعذيب وصل صداها إلى رئاسة الوزراء ورئاسة المجلس القضاء الأعلى في البلاد".
ونقل دلي شهادة إحدى النساء التي تتردد على السجن من أجل زيارة ابنها، وعند سؤالها عن حاله، ردّت عليها بأنه "جوعان"، وتصف الأم أن "جسد ابنها ظهر هزيلاً، كما أنه يعاني من سوء تغذية".
دلي أشار إلى أن "الكل يعرف أن التعذيب ليس في سجن واحد، حتى نقول إنه حالة فردية، كما يرتكب ضابط واحد مثل هذه الحالات، حتى يُقال حالات شاذة، وإنما هي في كل السجون العراقية وعلى رأسها سجن الحوت في الناصرية والتاجي وسجن الحلة سيئة الصيت، وسمعتها معروفة بإيذاء السجناء".
واضاف دلي، أن "مرصد أفاد يملك أدلة وشهادات بالعشرات خلال الستة أشهر الماضية على وجه الخصوص، حيث ازدادت حالات الإعدام بسبب رفض رئاسة الجمهورية التوقيع على بعضها فيتم إعدامهم بصورة غير رسمية"، وفقا إلى شهادات ذوي المعتقلين، "عن طريق حقنهم بأدوية معينة بحجة العلاج ثم يُكتشف بعد بضعة أسابيع تدهور صحة السجين وبالتالي تؤدي إلى الوفاة".
التوقيع على تسلّم الجثث بأسباب وفاة طبيعية
دلي أردف، أنه "يتم إجبار الأهالي على تسلّم الجثة بعد التوقيع على أسباب الوفاة التالية: أما الفشل الكلوي أو التدرّن أو مرض عضال، تخفي حقيقة ما يجري"، مشيرا، إلى أنه "لا يلاحظ ذوو المعتقلين عليها أثناء زيارتهم في السجن على وجود حالات مرضية في الفترات الماضية، لكنهم يتفاجؤون بوجود كدمات وضربات وآثار لصعق كهربائي على جسد المتوفى أثناء غسل الجثة".
وبحسب مرصد "أفاد" فإنه وثق أكثر من 60 حالة وفاة من شهر كانون الثاني إلى تموز من عام 2021، ويذكر دلي أن "هناك حالات أخرى قيد الرصد والإحصاء، وتُعد نسبة الزيادة في هذه الوفيات تختلف عن السنوات الماضية وهو ما يؤكد على شهادات ذوي المعتقلين، مما يشير إلى وجود اتجاه محدد في قضية التعذيب وأنها ليست حالات فردية على تصفية لبعض المعتقلين من قبل بعض إدارات السجون".
دلي يؤكد، أن "هناك إهمالاً من قبل الجهات العليا بحق متابعة قضية وضع التعذيب في السجون العراقية"، متهماً الرئاسات الثلاثة بغض النظر عن الإهمال الطبي والتجويع والتعذيب في السجون. مضيفا، أن "كل القيادات السياسية والامنية تعرف بالأمر، كما أن التجويع والانتهاكات بحق السجناء هو مستشرٍ ومتفشٍ في هذه السجون".
ونشر مرصد "أفاد" بياناً ذكر فيه توثيق "حالات جوع شديد بين نزلاء سجن التاجي شمالي العاصمة العراقية بغداد، دفعت بعدد من حراس السجن إلى ممارسة التجارة مع النزلاء ببيعهم قناني المياه النظيفة وبعض المعلبات والمواد الجافة لقاء مبالغ يصل بعضها 8 أضعاف سعرها الحقيقي في الأسواق المحلية".
ونقل البيان شهادات لذوي المعتقلين، "ووفقاً لثلاث شهادات لأهالي المعتقلين جرى مقاطعتها مع أحد حراس السجن الذي تحدث عبر الهاتف حول أوضاع السجن الذي يشهد هو الآخر ارتفاعا في معدلات الوفيات أسوةً بسجن الحوت سيئ الصيت جنوبي البلاد، فإن تلاعبا كبيرا في مُقدرات طعام السجناء أدت إلى تراجع كمية ما يقدَّم بوجبات الطعام ونوعيته أيضا، وهو على خلاف ما تدّعيه السلطات العراقية في هذا الإطار".
مرصد "أفاد" دعا الحكومة العراقية والمنظمات الحقوقية لفتح "تحقيق عاجل في أوضاع سجن التاجي ومن قبله سجن الحوت، إذ إن استمرار الإعلانات شبه اليومية عن الوفيات بين النزلاء داخل السجون دون أي تحرك حكومي أو حقوقي وبرلماني يجعلها متورطة في التستر على ما يحدث من كوارث إنسانية في سجون العراق".
غياب الرقابة على السجون
بدوره، قال الخبير في حقوق الإنسان علي البياتي، إن "التقارير لمفوضية حقوق الإنسان الموجود في مقرّها، والخاصة بالتزام العراق باتفاقية مناهضة التعذيب، تؤكد على وجود تعذيب وأيضاً سوء المعاملة". مردفاً، إن "التقرير الاخير الذي صدر من بعثة الأمم المتحدة اليونامي في العراق أيضا تطرق إلى تحقيق مع مجموعة من الأشخاص الذين تعرضوا للتعذيب وهذه التقارير تجتمع على حقيقة واحدة أن هناك اعتداءات أو شكاوى في التعذيب".
وأكد البياتي على أن "هناك أدلة أحياناً أمام غياب قانون يعالج الموضوع ويعرّف التعذيب ويضع عقوبات واضحة على من يقوم ويمارس التعذيب داخل السجون". لافتا إلى أن "هناك أيضا غياباً للإجراءات القانونية من تحقيق شفاف وواضح في هذه القضايا".
البياتي استدلّ بثلاث حالات حدثت في البصرة، حيث ادّعى ذوو المتوفين أن "أبناءهم قُتلوا جراء التعذيب وذلك خلال فترة التحقيق". مؤكداً، أنه "على الرغم من الوعود التي صدرت من جهة الحكومة بإجراء تحقيق، إلا أنه لم يصدر شيء حقيقي وشفاف، وأن مجلس القضاء الأعلى استنكر هذا الموضوع وتوعّد بتشكيل لجنة تحقيق بشأن تلك الانتهاكات في السجون".
ويُعتقد البياتي، أن "قضية التعذيب تحولت الى قضية رأي عام وتحتاج بشكل يومي أن يكون هناك تفاعل بين مؤسسات الدولة بمستوى هذا الحدث، وأن تكون هناك لجان سريعة تعمل بشكل شفاف وتعلن نتائج التحقيق بشكل سريع وتُدين من يقومون بعملية التعذيب".
مكتب مفوضية حقوق الإنسان تسلّم في سنة 2018 كتاباً من الادعاء العام يوضح فيه أن أبرز الشكاوى وصلت إلى 14 ألف حالة تعذيب، وأن مَن أُدينوا بقضية التعذيب "قليلون جدا".
وأشار البياتي إلى، ان "هناك تأكيدات على لسان مسؤولي الدولة أن هناك فسادا كبيرا في العراق وهناك سوء إدارة، وأن الرئاسات الثلاثة تتفق على ذلك".
أما بخصوص أسباب تزايد الانتهاكات في السجون فيردّ البياتي إلى أن السجون العراقية "لا تخضع إلى رقابة حكومية". مضيفا، أنها "تكون بعيدة عن الإعلام والرأي العام، وبحسب القانون العراقي فإن الجهة الرسمية الوحيدة التي لها الحق في زيارة السجون وأماكن الاحتجاز هي مفوضية حقوق الإنسان".
يُشار إلى أنه تم تعليق عمل مفوضية حقوق الإنسان في العراق منذ 2 آب 2021 وعدم تشكيل مجلس جديد، ما ألغى الرقابة على هذه السجون.
وردّاً على الاتهامات بشأن تجويع السجناء، قال البياتي، إن "هناك حقوقاً مكفولة للسجين حسب الدستور والقوانين، كما أن هناك تخصيصات لدى وزارة العدل للنزلاء او الوزارات الأخرى التي لديها أماكن احتجاز بتزويد المتهم أو السجين بظروف حياتية كريمة ومن ضمنها الغذاء".
وأضاف البياتي، إن "هناك آلية يتم اعتمادها هي أن السجين لديه رصيد يمكن لأهل النزيل او المتهم إرسال أموال لغرض استخدامها في شراء الطعام والأمور الأخرى". مؤكدا على أن "قضية الغذاء الذي يعتمد على الشراء سيكون فيه تميز، فهناك من يكون لديه القدرة على شراء الطعام والآخر لا يستطيع أن يوفر قوت يومه، وذلك بسبب أن النزلاء ليسوا بالمستوى الاقتصادي الواحد".
البياتي، رأى أن "هذا الأمر مخالف للقوانين التي تمنع دخول أي نقود إلى السجن باعتبار أنه قد يُساء استخدامه، وذلك أن الدولة هي المسؤولة عن توفير حقوق السجين كافة".
وكانت مفوضية حقوق الإنسان في العراق، قد حذرت في بيان لها، من حالات التعذيب في السجون ومراكز التحقيق.
وقالت المفوضية في بيان: "نعرب عن بالغ أسفنا، لتكرار حالات التعذيب والانتهاكات اللاإنسانية في مواقف الاحتجاز والسجون وأثناء التحقيقات، ومنها ما هو مؤشَّر على حصول حالتي انتهاك ووفاة لموقوفين في محافظة البصرة".
المفوضية أضافت، إن "تكرار مثل هذه الانتهاكات، يعطي انطباعاً سلبياً عن سمعة العراق محلياً ودولياً، ويخلق حالة من القلق لدى المنظمات الإنسانية المعنية، بشأن استمرار مؤشرات تزايد حالات الانتهاك داخل مواقف الاحتجاز وفي مراحل التحقيق الأولي، إضافة إلى أنه يقوّض جهود العراق والتزاماته محليا ودوليا، بما يخص اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية لسنة 1984".
وتابعت، إنه "وبالرغم من كل الجهود المبذولة من الجانب الحكومي أو من قبل المؤسسات والمنظمات الإنسانية والقانونية، في مجال التوعية وتعزيز الحقوق وعدم اللجوء للتعامل اللاإنساني بانتزاع الاعترافات والاعتماد على الدلائل والإثباتات الجرمية بدلا عن ذلك".
المفوضية أشارت إلى أنه "في الوقت الذي تُبدي المفوضية العليا لحقوق الإنسان قلقها مما ورد، فإنها تطالب الجهات المعنية باتخاذ إجراءات رادعة وحقيقية لمنع تكرار ذلك ومحاسبة من يثبت ارتكابه".
ودعت المفوضية إلى "تشكيل لجنة تحقيقية، تضم ممثلين من الجهات الأمنية المختصة بالإضافة لوزارتي العدل والصحة ومجلس القضاء الأعلى ونقابة المحامين العراقيين، ويكون للمفوضية العليا لحقوق الإنسان دور مراقب فيها، للتحقق من هذه الانتهاكات". مؤكدة، بأنها ستواصل رصدها ومتابعتها لأوضاع السجون ومواقف الاحتجاز وترسل فرقها الرصدية حيثما دعت الحاجة.
وحثت المفوضية الجهات كافة، لاختيار المحققين الأكفاء والنزيهين، بما يساهم في الحد من الانتهاكات والتعذيب والحفاظ على كرامة الإنسان.