إرهابيو تونس في العراق.. أعداد كبيرة وتسهيلات حكومية
انفوبلس/ تقرير
منذ تولي حكومة قيس سعيد زمام السلطة في تونس، بدأ القضاء التونسي بفتح ملفات الحكومة السابقة والتي كانت بقيادة حزب النهضة، الحزب الذي يمثل التيار الإسلامي في تونس.
حركة النهضة العاملة منذ عام 1972 والمؤسَّسة رسمياً عام 1981، والتي لم تحصل على الاعتراف الرسمي (كحزب سياسي) إلا في عام 2011 وذلك بعد سقوط حكومة زين العابدين بن علي وتولي حكومة محمد الغنوشي زمام السلطة للفترة المؤقتة لحين إجراء الانتخابات التشريعية التي فاز فيها حزب الحركة بحصوله على 89 مقعدا من أصل 217 أي حوالي 42% من المقاعد نهاية عام 2011 وتشكلت حينها أول حكومة لتونس قادمة بواسطة الانتخابات.
أحد أبرز شخوص الحركة هو أمينها العام علي العريّض، القيادي الذي شغل منصب وزير الداخلية للفترة من 2011 لغاية 2013، ثم أصبح رئيساً للوزراء لمدة سنة وشهرين (آذار 2013-آيار2014) وهي الفترة التي تزامنت مع سطوع نجم تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق.
يواجه العريّض اليوم أمام القضاء التونسي مجموعة كبيرة من التُّهم، أبرزها في قضايا الإرهاب، حيث أصدرت محكمة تونسية أمرا بالسجن بحقه، في ما يُعرف بملف تسفير المقاتلين إلى بؤر التوتر في سوريا والعراق.
وبدأ التحقيق في هذه القضية بعد 25 تموز/يوليو 2021 اثر احتكار الرئيس قيس سعيّد السلطات في البلاد. وتتّهمه المعارضة، ولا سيّما حزب النهضة، بتصفية حسابات سياسية عبر توظيف القضاء. في حين يؤكد سعيّد بأنّ القضاء مستقل.
وتتلخص القضية، بقيام العريّض بتوفير التسهيلات والدعم للإرهابيين التونسيين الراغبين بالتوجه إلى العراق وسوريا والانضمام لتنظيم داعش دعماً منه لـ"الحركات الجهادية" ولما يمتلكه وحركته من خلفية "إسلامية" داعمة للحركات التكفيرية في العالم.
ومن الجدير بالذكر، أن المقاتلين التونسيين في تنظيم داعش يحتلون المركز الثالث من حيث عدد المنتمين للتنظيم الإرهابي بعد الجنسيتين العراقية والسورية، حيث بلغ عدد مقاتليهم أكثر من 6 آلاف، كما تشير التقارير الأمنية والصحفية إلى وصول جزء كبير منهم إلى مكانات قيادية كبيرة في التنظيم الإرهابي وصلت إلى حد قيام فئة منهم تُدعى "الحازميين" بتكفير زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي ما تسبب بانشقاقات داخلية كبيرة تزامنت مع تكبّد تنظيمهم خسائر فادحة أثناء معارك تحرير مدينة الموصل.
وفي القمة العربية التي عُقدت ببغداد عام 2012، قدّم الرئيس التونسي آنذاك، المُنصِف المرزوقي، اعتذاره للشعب العراقي عن المقاتلين والانتحاريين التونسيين الذين قَدِموا إلى العراق وانخرطوا ضمن الجماعات الإرهابية.
وقال المرزوقي حال وصوله مطار بغداد: "أقدّم اعتذاري للشعب العراقي، عن بعض التونسيين من الذين غُرِّر بهم وأقحموا أنفسهم بعمليات أضرّت بالعراقيين، وأقول للشعب العراقي إن هؤلاء لا يعبّرون عن الشعب التونسي الذي يتمنى للعراق الحياة والسعادة".
خلال تولي علي العريّض منصب رئيس الوزراء، اتهمته الأحزاب التونسية العلمانية بالانحياز لجذوره الإسلامية العائدة لحركة الإخوان المسلمين، فضلا عن وجود تعاون خفي مع شخوص تابعين للحركة في قطر ومصر وغيرها من البلدان، كما اتهمته بتوفير بيئة خصبة للفكر المتطرف والدفع بالشباب التونسي نحو الانضمام لجهات تنقلهم إلى سوريا والعراق للقتال بصفوف تنظيم داعش الإرهابي.
هذه الاتهامات والاتهامات التي يواجهها العريض اليوم أمام القضاء قوبلت بالرفض والإنكار من قبل حزب النهضة، معتبرين أن ما يجري هو عملية تصفية حسابات سياسية ضد المعارضين لحكومة قيس سعيد.
وشهد العام اللاحق لتولي العريّض رئاسة الوزراء صدور تقرير عن الأمم المتحدة، ذكرت فيه أن التونسيين هم الأكثر انضماما للجماعات الإرهابية، ولفت التقرير إلى أن عددهم وصل في عام 2015 إلى أكثر من 5.500 مقاتل، ودعت الأمم المتحدة تونس إلى منع التحاق مزيد من مواطنيها بهذه التنظيمات.
تاريخ "الجهاد" التونسي..
في كتاب "مقتطفات داعشية: نصوص بارزة لتنظيم "الدولة الإسلامية"، يرِد ذكر موجز لتونسيّ اشتُهِر بكنية أبو أسامة التونسي، والذي وصل إلى العراق في أوائل عام 2004 على أبعد تقدير وحارب في معارك الفلوجة حيث ساهمت علاقته الوثيقة مع كل من أبو مصعب الزرقاوي وأبو حمزة المهاجر في ارتقائه في التنظيم: أولاً كالقائد العسكري لحزام بغداد الجنوبي، ولاحقاً كقائد عملية المقاتلين الأجانب بالكامل التي نفذها «مجلس شورى المجاهدين»/ تنظيم "داعش". وقد تساعد علاقته المقرّبة من الزرقاوي والمهاجر أيضاً على شرح سبب ظهور أبو أسامة كأحد الأفراد المقنّعين في الفيديو الذي أظهر قطع رأس الأمريكي نيكولاس بيرغ في أيار/ مايو 2004. والأهم من ذلك، يشرح واقع تبوّء التونسيين مناصب رفيعة، لا سيما تلك المتعلقة بالقتال الخارجي، السبب الذي دفع لاحقاً بالعديد من التونسيين للارتباط بهذه الشبكات التي ساعدت في تجنيد أشخاص للقتال في العراق وليبيا وسوريا بعد عام 2011. وفي نهاية المطاف، قُتل أبو أسامة بضربة جوية أمريكية في مدينة المسيّب بمحافظة بابل في 25 أيلول/ سبتمبر 2007 مع عدد من كبار قادة تنظيم «دولة العراق الإسلامية».
وعلى الرغم من أن العديد من التونسيين انضموا إلى الجهاد قبل حرب العراق، إلا إن الحرب ألهمت جيلاً وكادراً جديدين من الأفراد، فعلى سبيل المثال، حسن البريك، الذي أصبح المسؤول عن مكتب "الدعوة" في «أنصار الشريعة في تونس» بعد الثورة التونسية عام 2011، كان قد سافر إلى العراق عام 2003. ومثل كثيرين آخرين، لم يصل فعلياً إلى العراق، بل بالأحرى تولّى المسؤولية عن منزل آمن في سوريا يجري فيه التدقيق بالأفراد قبل السفر إلى العراق، وبالنسبة للتونسيين الذين نجَوا، تمّ اعتقال العديد منهم، بمن فيهم البريك، في سوريا (ودول أخرى) وأُعيدوا إلى تونس كي يقضوا عقوبة في السجن، وكانت سجون تونس خلال السنوات السبعة إلى الثمانية التي سبقت الثورة أساسية في الجمع بين الجيل الأول من الجهاديين التونسيين المرتبطين بأفغانستان والشبكات القائمة في أوروبا، والجيل الثاني الذي كان أكثر ارتباطاً بالعراق وشبكتي «الجماعة السلفية للدعوة والقتال»/ تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». ووفّر تبادل السجون بين الجيلين الأول والثاني من الجهاديين التونسيين قاعدة أنشطة «أنصار الشريعة في تونس» بعد ثورة 2011 ولاحقاً لتجنيد المقاتلين الأجانب إلى العراق وليبيا وسوريا إما للانضمام إلى «أنصار الشريعة في ليبيا" و "جبهة النصرة"، أو تنظيم "الدولة الإسلامية".
وليس من المستغرب أن تكون إحدى أولى الحوادث الجهادية المرتبطة بتونسيين في أعقاب الثورة التونسية عام 2011 قد أسفرت عن اعتقال مجموعة من التونسيين والليبيين في مصر كانوا يحاولون القتال في العراق إلى جانب تنظيم "داعش" في 25 كانون الثاني/يناير 2011. لذلك، بغض النظر عن الثورة، من المرجّح أن يكون التونسيون قد واصلوا انخراطهم في القتال الخارجي والجهاد. والفرق الوحيد، هو أنه كانت هناك بدلاً من ذلك مجموعة أكبر من المجنّدين المقاتلين الأجانب نتيجة للانفتاح المجتمعي الذي حفّزته الثورة. وبالتالي، عاد في النهاية بعض السجناء المُفرَج عنهم بعد الثورة إلى القتال وانضموا إلى الجماعات الجهادية في سوريا.
وفي حين أن معظم الباحثين يقرّون أن الشبكات والجماعات الجهادية بدأت بتجنيد الأفراد للانضمام إلى الجهاد السوري في عام 2012، إلّا إن التجنيد للقتال في العراق كان قائماً قبل ذلك، وهي ديناميكية لم تحظَ بالتقدير الكافي. ونتيجةً لذلك، تمّ بسهولة تعديل الجهود للانضمام إلى تنظيم «دولة العراق الإسلامية» من أجل الانضمام بدلاً من ذلك إلى جماعة الواجهة التابعة لهذا التنظيم في سوريا، أي «جبهة النصرة» في ذلك الوقت. ونظراً إلى أن معظم الساعين إلى الانضمام إلى تنظيم «دولة العراق الإسلامية» في العراق سافروا عادةً عبر تركيا وسوريا، كان التوجه إلى سوريا يستلزم خطوة أقل، مما جعل الأمر أقل خطورة، ولكنه سمح أيضاً لنفس شبكات التجنيد، والتسهيل، والخدمات اللوجستية بالاستفادة من الفرصة التاريخية التي قد توفرها سوريا كنتيجة للرد الشرس لنظام بشار الأسد على المسلحين المتمردين في البلاد.