الابتزاز الإلكتروني في العراق.. الحقل الأكثر صعوبة في مجال الأمن
انفوبلس/..
بينما كانت (ن.غ) جالسة على أريكة في منزلها الكائن بمنطقة السيدية جنوب غربي بغداد، تتصفح هاتفها تارة على تطبيق إنستغرام وتارة أخرى على تطبيق واتساب، تفاجأت بسلسلة رسائل تردها من (م.أ) وهو صديق قديم "لكن كان مقرّب جداً".
"انتابني فضول شديد عندما رأيت معرّفه في قائمة محادثاتي دفعني ذلك للدخول على محادثته لأنصدم بصوري القديمة التي كنتُ أرسلها إليه"، تقول الفتاة التي رفضت الكشف عن هويتها.
وتضيف: "سألته مباشرة عن سبب إرسال هذه الصور، لاسيما بعد انقطاع بيننا دام نحو 7 أشهر.. فأجاب بأنه يودّ علاقة جنسية أو دفع مبلغ مالي قدره 20 مليون دينار عراقي".
لكن لحسن الحظ، أن الفتاة لم تكن جاهلة لمكان عمله وسكنه، بالإضافة إلى أنها تحتفظ أيضاً ببعض صوره، تسلّحت بهذه الأدوات وجابهته بالتهديد: "لن أخضع لمساومتك.. سأبلّغ الأجهزة الأمنية ليتصرّفوا معك".
*جردة حسابية
يشهد العراق بشكل لافت تصاعداً مطرداً في جرائم الابتزاز الإلكتروني، تمارسها عصابات وأفراد، تجني من ورائها مئات الدولارات، لكن في المقابل، دائما ما تحبط الأجهزة الأمنية عمليات ابتزاز وتُطيح بمبتزّين في مناطق متفرقة من البلاد.
سجل العراق أكثر من 1500 حالة ابتزاز إلكتروني خلال عام 2022، وفق وزارة الداخلية، طالت معظمها نساء وفتيات صغار.
وقال مدير عام الشرطة المجتمعية العميد غالب العطية، إن "الابتزاز الإلكتروني أصبح ظاهرة خطيرة تهدد أمن المجتمع والأُسرة العراقية، وخلّف الكثير من المشاكل، منها ازدياد حالات الطلاق وإحداث الكثير من الجرائم، فضلاً عن هروب بعض الفتيات من أُسَرهم نتيجة تعرّضهنّ للابتزاز خوفاً على حياتهنّ، إلى جانب التسبب بزيادة حالات الانتحار".
وأوضح العطية، إن "دور الشرطة المجتمعية يكمن في معالجة مشاكل وقضايا الابتزاز الإلكتروني، حيث تمت معالجة أكثر من 1500 حالة خلال العام الحالي، وبواقع 80 بالمئة منها نساء وفتيات صغيرات في السن، بالإضافة إلى تنفيذ مئات الورش التوعوية في المدارس والجامعات والمؤسسات والوزارات بهدف التحذير من مخاطر الابتزاز وشرح آلية حماية الأفراد من الوقوع ضحية للابتزاز".
وأضاف، إن "القانون يحاسب مَن يقوم بعملية الابتزاز، وتصل العقوبة إلى السجن لمدة 7 سنوات". مشيراً إلى أن "الكثير من المواقع الإلكترونية ممن تقوم بممارسة عمليات الابتزاز تم إغلاقها بالتعاون مع الجهات المختصة من وزارة الاتصالات وهيئة الإعلام وملاحقة أصحابها ومحاسبتهم".
ويبدو أن جهل الكثير وخاصة النساء، في أمور مواقع التواصل الاجتماعي سهّل من اختراق الخصوصيات وبالتالي حدوث الابتزاز. ووفقاً لاستبيان أجرته منظمة "الخط الإنساني للتنمية المستدامة"، فإن أكثر من 90% من النساء لا يعلمن كيف يستخدمن برامج التواصل بصورة صحيحة.
لكن الإحصائيات المعلنة بشأن حوادث الابتزاز الإلكتروني أقل بكثير من خفايا الأرقام الحقيقية، إذ إن أغلب الضحايا يفضلن السكوت وتلبية حاجة المبتز خشية "الفضيحة"، تقول ذلك سارة الحسني، عضو منظمة "ساندها" لحقوق المرأة.
وتمضي الحسني في حديثها، بالقول: "المنظمة تتلقى عبر صفحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي رسائل وإخطارات كثيرة لضحايا وقعنَ تحت طائلة الابتزاز، لكن أغلبيتهنّ يخشينَ الإبلاغ رسمياً وتقديم شكوى قضائية ضد المبتزين خوفاً من الأعراف الاجتماعية وما يترتب عليها من مواقف حادّة من قِبل الأهل والعشيرة".
*الجهات الأمنية التي تواجه الابتزاز
وتعليقا على تصاعد وتيرة جرائم الابتزاز الإلكترونية بالعراق وتداعياتها السلبية، قال مؤمل أحمد شكير الخبير المتخصّص في الأمن السيبراني، إن "جهاز الأمن الوطني في العراق يعتبر حاليا الملاذ الآمن لفئة كبيرة من المواطنين، لمواجهة ما يتعرضون له من ابتزاز، إضافة إلى الشرطة المجتمعية، وذلك من خلال عملياته المتواصلة دون هوادة للقبض على المبتزين".
وأوضح شكير شارحاً التعقيدات وراء تفشي هذه الظاهرة الخطيرة بالقول: "هناك عدد كبير من المواطني ـ والنساء بشكل خاص ـ لا يستطيعون اللجوء للأجهزة الأمنية بسبب الخوف من الأهل أو لأسباب تتعلق بطبيعة المجتمع وعاداته وتقاليده، ولذلك ثمة حالات ابتزاز للعديد من النساء دفعت بعضهنّ لحد الانتحار أو تعرّضهن للقتل من قبل ذويهن، كما حدثت حالات طلاق لنساء متزوجات قام بعض المبتزّين بنشر صورهنّ على مواقع التواصل".
عيّنت وزارة الداخلية العراقية وكالتَيْنِ لمتابعة ملف الابتزاز، وهما جهاز الأمن الوطني وقسم الجرائم الإلكترونية في مديرية تحقيقات الأدلة الجنائية، وخصّصت خطينِ ساخنينِ للإبلاغ عن أي جريمة إلكترونية في العراق، على 131 أو 533.
وبشكل متكرر، تكشف وزارة الداخلية عن وقوع حوادث يطالب فيها المبتزّون بمبالغ مالية يدفعها الضحايا تجنبا للفضيحة، أو يطالبونهم بالقيام بممارسات شائنة، عادة ما تنطوي على ممارسة أفعال جنسية.
وبشكل يومي تقريباً، تعلن الداخلية عن الإيقاع بأشخاص يقومون بالابتزاز الإلكتروني، وكذلك إنقاذ ضحايا ابتزاز من دفع مبالغ مالية، لكن مع ذلك لا تزال عمليات الابتزاز منتشرة بشكل ملحوظ في العراق.
*إجراءات قاصرة
ويعزو مراقبون ومختصون ارتفاع معدلات الابتزاز في العراق إلى غياب التشريعات والقوانين الرادعة التي من شأنها وضع حد لتلك الجرائم.
ورغم المعدلات المتصاعدة، لا يوجد في العراق أي قانون يخص جرائم "الابتزاز الإلكتروني"، ويجري التعامل معها وفق قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969.
وبحسب المادة 26 من قانون العقوبات، يُعاقَب المبتزّون بالحبس من 3 أشهر إلى 5 سنوات أو الغرامة التي تُحدَّد من الخبير القضائي وفقا للضرر.
الناشطة الحقوقية بشرى العبيدي ترى أن القانون العراقي ما زال يحاكم جرائم الابتزاز الالكترونية بعقلية مشرِّعي ما قبل 5 عقود دون تحديث البنود التشريعية واللوائح بما يتماشى مع ما أفرزته التقنيات من مخاطر.
وتشدّد العبيدي على أن "الجريمة الإلكترونية لها وضعها الخاص ومدى أثرها وتأثيرها وبالتالي لا يمكن ملاحقتها بقوانين خرجت ما قبل العصر الإلكتروني". منوهةً إلى، "نحن اليوم بحاجة إلى قوانين صارمة وعقوبات كبيرة فضلاً عن فضح أسماء ووجوه المبتزّين علانية أمام الرأي العام دون مواربة وخشية".
*مشروع قانون.. مؤبّد وإعدام
الخبير القانوني علي التميمي يوضح بأن هناك مشروع قانون الجرائم الإلكترونية الذي يتكون من 31 مادة، تركز على أنواع هذه الجرائم وطريقة الوصول لها وكيفية معالجتها.
ويقول التميمي، إن "العقوبات التي تحدثتُ عنها المادة 3 من المشروع والتي تصل إلى المؤبّد والإعدام، ومن هذه الجرائم الماسّة بأمن البلد أو انتحال الصفات والاستدراك والاحتيال والقرصنة واختراق الحسابات..الخ، ويُلاحظ أن الجرائم مستوحاة من قانون العقوبات وقوانين أخرى وغسيل الأموال، والقانون ركز على الواجبات دون الحقوق".
ويكمل حديثه، "لا مشكلة في التكييف القانوني للأفعال، لكن المشكلة في التحقيق وطرق الوصول إلى الجرائم التي تحتاج إلى متخصّصين تحقيقياً ومحاكمة". مشيراً إلى أنه "قد صدر مثل هذا القانون في مصر والأردن وفلسطين وعُرِض فيها على الرأي العام وأشبع آراء حتى شُرِّع".
وعمّا يحتاجه هذا القانون، يقول "إنه يحتاج أن لا يخالف الدستور في الحقوق المدنية والسياسية، وأن لا يخالف المواثيق الدولية (الإعلان العالمي، والميثاق الدولي)، وأن يستضيف البرلمان مختصّين قبل تشريعه".
*أسباب الانتشار
يعزو المتحدث باسم وزارة الداخلية خالد المحنا، أسباب انتشار ظاهرة الابتزاز الإلكتروني إلى "كثرة التقنيات والأجهزة الحديثة، فضلا عن تعدد برامج التواصل الاجتماعي". مشيراً إلى أنه "من ضمن الأسباب التي وسّعت هذه الظاهرة في المجتمع هو قلّة الوعي في كيفية استخدام هذه البرامج، خاصة لصغار السن وثقتهم بالأشخاص الآخرين على العالم الافتراضي".
ويُضيف المتحدث، أن "تخلخل القيم الأخلاقية في جزء من المجتمع أدى إلى وصول هذه الظاهرة إلى البيئات الريفية التي كانت بعيدة كل البعد عن هكذا ظواهر".
ويوضح، إن "القوات الأمنية لديها الكثير من الإجراءات، وتتبنّى هكذا قضايا عدة جهات، كمكافحة الإجرام، والاستخبارات، والشرطة المجتمعية". لافتاً إلى أن "هناك إجراءات تتخذها الشرطة المجتمعية بالنسبة للأشخاص الذين يشعرون بالخوف من أو الذين يحاولون حل القضية دون علم الأهل، من خلال الاتصال مباشرة بالشرطة المجتمعية بهدف التعاون وإلقاء القبض على المبتز".
ويردف المحنا، إن "القضاء دؤوب في العمل على هذه القضايا". مشيرا إلى أن "هناك أحكاما وصلت إلى السجن لمدة 14 سنة بسبب الابتزاز الالكتروني".