الحكومة تسعى لشراء أسلحة المواطنين السوداني يخصص 15 مليار دينار لحصر السلاح بيد الدولة.. المرحلة الأولى تطمح لسحب 12 مليون قطعة سلاح في الشارع
انفوبلس..
قرر مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة، أمس الثلاثاء، تخصيص مبلغ 15 مليار دينار من أجل شراء الأسلحة من المواطنين ضمن سعيها لحصر السلاح بيد الدولة.
وذكر المكتب الإعلامي للمجلس في بيان، أن "المجلس صوت على تخصيص وزارة المالية مبلغ مليار دينار لكل محافظة، عدا محافظات إقليم كردستان العراق وبمجموع 15 مليار دينار، من احتياطي الطوارئ، استنادًا إلى أحكام قانون الموازنة العامة للسنوات المالية الثلاث، للمباشرة في شراء الأسلحة من المواطنين، تنفيذًا للبرنامج الحكومي، والمرحلة الأولى من السياسة الوطنية لتنظيم الأسلحة وحصرها بيد الدولة (مرحلة تسجيل أسلحة المواطنين)".
وفي يوم الأربعاء الماضي، كشف المتحدث باسم وزارة الداخلية العميد مقداد الموسوي عن استعدادات الوزارة لإطلاق مشروع حصر السلاح بيد الدولة والآلية التي ستُتبع في هذا الملف.
وقال الموسوي خلال مؤتمر صحافي، إن الأيام القليلة المقبلة ستشهد عقد مؤتمر بحضور رئيس الوزراء والوزراء واللجنة المعنية، يُعلن من خلاله إطلاق مشروع حصر السلاح بيد الدولة، عبر بوابة (أور) الإلكترونية، والقيام بشراء الأسلحة من المواطنين.
وأضاف، إن (697) مركزًا لشراء الأسلحة من المواطنين بات جاهزًا، وإن النافذة الإلكترونية جاهزة أيضًا، وفي الأسبوع المقبل سيتم اطلاع وسائل الإعلام بشأن المؤتمر.
بوادر المشروع
وبعد تكليفه بتشكيل الحكومة وعند طرح برنامجه الوزاري، أعلن السوداني أمام البرلمان، العمل على حصر السلاح بيد الدولة باعتباره يمثل أساس المشاكل والأزمات التي تواجهها البلاد، فيما أكد قبل تكليفه رسمياً أن ملف حصر السلاح بيد الدولة مطلبه الشخصي، مشدداً على أن "الأسلحة الموجودة ونزاعات العشائر والجرائم يجب التعامل معها بقوة القانون".
مبدئياً، قد تستهدف الدولة سحب ما لا يقل عن مليون قطعة سلاح متوسط بالمرحلة الأولى، في حال تم إقرار حكومة السوداني للخطوة، التي قد تستهوي رجال العشائر والمواطنين العاديين ببيع سلاحهم، بحسب مسؤول عراقي في بغداد.
وقال المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، إن هناك نقاشات جدية داخل وزارة الداخلية ومع مكتب القائد العام للقوات المسلحة، لفتح مراكز لشراء الأسلحة من المواطنين، بغية دفعهم إلى تسليمها للدولة.
ويؤكد، إن المشروع قيد الدراسة الجدية، وفي حال الاتفاق عليه سيتم تخصيص أموال كبيرة لشراء السلاح من المواطنين مثل القاذفات ومدافع الهاون، والقنابل اليدوية، وبنادق الـ"بي كي سي" و"آر بي كي"، وأسلحة أخرى خطيرة.
ولا يوجد إحصاء رسمي بعدد قطع السلاح الموجود داخل المجتمع العراقي، لكن التقديرات تتحدّث عن أرقام متفاوتة بالعادة بين 13 إلى 15 مليون قطعة سلاح متوسط وخفيف، أبرزها بنادق الكلاشنكوف، و"بي كي سي"، و"آر بي كي"، إلى جانب مدافع الهاون وقذائف الـ "آر بي جي" التي باتت تُستخدم أخيراً بكثرة في النزاعات القبلية جنوب ووسط البلاد.
وفي اجتماع عُقد في آذار الماضي، وجرت وقائعه بالعاصمة بغداد برئاسة وزير الداخلية عبد الأمير الشمري وحضور ممثلي الأجهزة الأمنية وسيمونيتا غراسي مديرة البرنامج العالمي للأسلحة النارية في مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات، تم الاتفاق على إجراءات نظامية وقانونية مشددة لتنفيذ حصر السلاح بيد الدولة وترخيص الأسلحة بشكل قانوني وردع استخدام غير المرخصة منها.
وبحسب بيان للداخلية، فإن الاجتماع الذي عُقد بتاريخ 5 آذار الماضي، شهد "عرض المقترحات والبرامج من قبل ممثلي مكتب الأمم المتحدة والتي يمكن الاستفادة منها بهدف حصر السلاح بيد الدولة".
ووجه الشمري، "بإقامة ورش عمل مستقبلية لاستحصال الموافقات الأصولية لتنفيذ البرامج التي طُرحت وبدعم المكتب ذاته، وتم الاتفاق على وضع برنامج لجميع الوزارات والمؤسسات الأمنية يكون متوافقاً مع الأمم المتحدة والأنظمة الدولية".
آلية لحصر السلاح
في نهاية عام 2022، أشار مدير عام شؤون العشائر في الوزارة اللواء ناصر النوري، إلى قرب الإعلان عن آلية حصر السلاح بيد الدولة خلال المرحلة المقبلة، سواء عبر شرائه أو عبر تنبيه المـواطنين على ضرورة تسليمه للسلطات المختصة.
وقال في تصريح، إنه "لدى المديرية هيئة رأي من جميع المكونات (فراضة)". مبيناً، "المديرية ثقّفت كثيراً بشأن سلبيات (الدكَة العشائرية) ما أدى إلى انخفاضها بنسبة 85%".
وزيـر الداخلية عبد الأمير الشمري وجه قادة الشرطة ومديري الاستخبارات بمطاردة أي جناة بتهم الدكة العشائرية والقبض عليهم لإنهاء المشكلة في حال اندلاعها، وفق ما ذكره النوري الذي رجح المباشرة بمداهمات من قبل القطعات الماسكة للأرض لمصادرة الأسلحة غير المرخصة، بعد أن قدّم قادة الأجهزة الأمنية والحشد الشعبي وباقي الوزارات ذات العلاقة قاعدة بياناتها لكل الأسلحة الموجودة واتجاهاتها.
خطوات فعلية
باشرت قيادات الشرطة في محافظات الوسط والجنوب، في بداية عام 2023 الماضي، العمل على تشكيل لجان داخل المدن والبلدات في المحافظات المختلفة، للحد من ظاهرة السلاح المنفلت، ففي منتصف شباط المنصرم، أعلنت قيادة عمليات ميسان، تنفيذ آلية حصر السلاح بيد الدولة.
وذكرت القيادة في بيان لها، أنه "تنفيذاً لأوامر وزير الداخلية سنُباشر، قريباً بالمرحلة الأولى لحصر السلاح بيد الدولة عبر تسجيل الأسلحة الخفيفة في مراكز الشرطة من قبل لجان مشكَّلة لهذا الغرض، بهدف الحد من خطورة حيازة الأسلحة دون علم الأجهزة الأمنية". معتبرةً إياها "آفة خطرة لا تقل عن خطورة المخدرات والإرهاب".
وأضافت، "على المواطنين تسجيل أسلحتهم الخفيفة بالموعد الذي سنبلّغكم في تحديده". مبينة، أنه "في حال ضبط أي سلاح غير مُسجَّل في مراكز الشرطة خلال المداهمات التي ستنفذها الأجهزة الأمنية، يتحمل حائزها المسؤولية القانونية ويكون محل اشتباه في حال حدوث أي خرق أمني ضمن قواطع المسؤولية".
من جهته، المتحدث باسم قيادة شرطة محافظة المثنى جنوبي العراق، العميد علي نجم قال، إنهم باشروا منذ مدة، بالتنسيق مع وزارة الداخلية في العاصمة بغداد، بحملة توعية وتحذير واسعة من مشكلة السلاح، وانتقلوا إلى توزيع (كتيبات)، وزيارة مضايف العشائر والدواوين في هذا الخصوص.
وأضاف، إنهم الآن "دخلوا في مرحلة تفتيش المناطق الساخنة (ذات المشاكل العشائرية المرتفعة)، إلى جانب تفتيش الدور السكنية وأماكن وجود الأسلحة، والحد من هذه الظاهرة".
هل تسلِّم العشائر سلاحها؟
التحركات الحكومية لحصر السلاح بيد الدولة، عبر شراء سلاح الأهالي، تدفع إلى تساؤلات حول إمكانية تخلي العشائر عن سلاحها الذي يعد ربما أحد أهم أسباب سطوتها في الوقت الحاضر.
العشائر تحاول أن تحسَّن صورتها بعد النزاعات المتزايدة مؤخراً لذا فمن الممكن أن تتجاوب مع الحكومة بملف حصر السلاح
وعن ذلك، يقول أستاذ العلوم السياسية نجم العذاري، إن "العشائر تحاول أن تحسَّن صورتها بعد النزاعات التي حدثت في السنوات الأخيرة، والتي رسمت صورة سيئة عنها، فهي الآن من الممكن أن تتجاوب مع الحكومة بهذا المجال".
من جهته، يشير أمير قبيلة بني مالك الشيخ ضرغام عرمش المالكي (وهو نائب في البرلمان العراقي) إلى أن حصر السلاح ليس صعباً، خصوصاً أن غالبية الأسلحة عند العشائر غير مرخصة وليست قانونية، وبالتالي يمكن سحبها بالقانون، ومن يعترض من العشائر في الجنوب يُعرّض نفسه للمساءلة والعقوبة".
تعتبر العشائر في العراق السلاح أحد مقومات وجودها، وهذا أصبح مبدأ مع انعدام الأمن وضعف الدولة خاصة عقب الغزو الأميركي للبلاد. يقول ذلك الخبير الأمني سعيد المياحي.
وأكد المياحي، إن "بعض العشائر تمتلك صواريخ يصل مداها إلى أكثر من 20 كلم، ومدافع 120 ملم ومدافع ميدان ومضادات طيران، والدولة تحتاج إلى حملة قد تضطر قوات الجيش للدخول في مشاكل من أجل انتزاعها من العشائر".
تسجيل الأسلحة
سكرتير ومقرر اللجنة الوطنية لتنظيم الأسلحة وحصرها بيد الدولة، منصور علي سلطان أعلن في شهر تشرين الثاني الماضي قرب فتح 620 مكتباً في عموم العراق لتسجيل الأسلحة.
وقال سلطان إن "اللجنة شكلت بموجب السياسة الوطنية لتنظيم الأسلحة والسيطرة عليها وصدر قرار في شأنه من مجلس الأمن القومي رقم 21 لسنة 2021 وانبثقت عدة قرارات بهذا الشأن آخرها بعد تشكيل الحكومة العراقية المتضمن تنظيم الأسلحة والسيطرة عليها ووضع الضوابط لتنظيم هذا الأمر".
وأضاف أن الأسلحة تقسم إلى أنواع عدة: خفيفة ومتوسطة وثقيلة، ويتم منذ الأول من يناير (كانون الثاني) من عام 2021 لغاية 31 ديسمبر (كانون الأول) 2024 عميلة تسجيل أسلحة المواطنين، مبيناً أنه وفق المقياس العالمي فإن أسلحة المواطنين تشكل 85 في المئة مما هو موجود في البلدان و12 في المئة هو لقوات جيش، والباقي قوات أمنية، والعراق يدخل ضمن هذه المقاييس العالمية.
ولفت إلى أن المرحلة الأولى من عملية تنظيم السلاح هو التوجه لأسلحة المواطنين الموجودة في المنازل، ولكن هناك إجراءات استباقية لتنظيم قاعدة بيانات موحدة مع الجهات ذات العلاقة بجميع هذه الأسلحة، مشيراً إلى أن اللجنة وصلت إلى 70 في المئة من قاعدة البيانات.
وبين سلطان أن من حق المواطنين امتلاك قطعة سلاح أو قطعتي سلاح بشرط موافقة جهة الإصدار الذي هو وزير الداخلية، لافتاً إلى أن تجارة الأسلحة غير مسموح بها، وتم إغلاق 420 متجراً، منها 119 متجراً مجازاً، فضلاً عن تعقب بيع الأسلحة في مواقع التواصل الاجتماعي.
وتابع سلطان أن اللجنة ستفتتح 620 مكتباً لتسجيل الأسلحة في أنحاء العراق باستثناء إقليم كردستان، وتم تنظيم الكوادر لهذه العملية، خصوصاً أن القانون العراقي يشير إلى إمكانية حيازة رب الأسرة قطعة سلاح واحدة، لافتاً إلى أن الأسبوع المقبل سيتم إطلاق الاستمارة الإلكترونية لتسجيل السلاح.
وأوضح "اللجنة ستقوم بتدقيق السلاح وعائديته، ولدينا قاعدة بيانات لجميع الأسلحة، كما أن الأسلحة غير الموجودة بقاعدة البيانات إذا لم يكن عليها مصدر جرمي مسموح للمواطن بامتلاكها، مؤكداً أن اللجنة ماضية بشراء الأسلحة المتوسطة، وستكون هناك لجان فنية لتقييم أسعارها".
السلاح مرخص
وقال المتخصص في الشأن القانوني علي التميمي إن قانون الأسلحة العراقي رقم 51 لسنة 2017 أجاز بيع الأسلحة في المتاجر، ولم يتشدد في عقوبة الحيازة، فيما أشار إلى أن القانون يحتاج إلى تعديل.
وأضاف أن "نزع السلاح من المواطنين يحتاج إلى قيام الدولة بإعلان شراء الأسلحة من الناس مقابل المال لتكون بوابة لسحبها".
وأشار إلى أن القانون العراقي يجيز لكل عائلة امتلاك قطعة سلاح واحدة لحماية نفسها، لكن يجب أن تحظى بالإجازة الصادرة من وزير الداخلية.
غياب الردع
وأوضح التميمي أن "قانون الأسلحة النارية أجاز بيع السلاح بالمتاجر والأسواق العامة، وهذا يخالف القيم والأعراف الموجودة في المجتمع العراقي، لكون بغداد ليست إحدى المدن الأميركية"، مبيناً أن "العقوبة في القانون القديم لسنة 1993 كانت تعتبر حيازة السلاح جناية، لكن اليوم تحولت إلى جنحة".
وأشار التميمي إلى أن هذا الأمر أدى إلى "غياب الردع في العقوبات والقانون أحدث هذه المشكلات في العراق".
دعوة نيابية
وفي التاسع من أيلول من عام 2020، طرح عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، النائب عبد الخالق العزاوي، مقترحاً لشراء الأسلحة من الأهالي، للحد من انتشاره، فيما أكد أن السلاح المنفلت في العراق كافٍ لتسليح فرق عسكرية كاملة.
وقال العزاوي إن "السلاح المنفلت بكل عناوينه مصدر تحدي وقلق في العراق، خاصة في ظل استخدامه بالنزاعات العشائرية والتي تؤدي إلى سقوط ضحايا كثر، وخلق حالة من الفزع والخوف، لأن أغلب الأحيان تستخدم أسلحة ثقيلة كالهاونات والأحاديات، وكأننا أمام ساحة معركة عنيفة".
وأضاف، أن "الحكومة لديها تجربة في معالجة ملف السلاح المنفلت، من خلال فتح مراكز لشرائها في بعض المحافظات ونجحت في الحد من خطورته بنسبة معينة، ويمكن إعادة التجربة إذا تم التوافق عليها"، مؤكداً أن "حجم السلاح كبير جداً، وهو كافٍ لتسليح فرق عسكرية كاملة، ما يظهر خطورة وفرة هذه الكمية في المجتمع".
وأشار إلى أن "شراء الأسلحة بالطبع يستلزم أموالاً طائلة، لكنها أهون من بقائها في المجتمع، لأنها ستبقى مصدر تهديد وتحدي، خاصة مع كثرة استخدامها في النزاعات".
ولفت إلى أن "وفرة السلاح جاءت لأسباب متعددة، أبرزها أحداث حزيران 2014، ودخول كميات كبيرة من الأسلحة للعراق، بالإضافة إلى الأسلحة التي تمت مصادرتها من داعش، ناهيك عن وجود سلاح وبكميات كبيرة لدى العشائر بالأساس خاصة في الفرات الأوسط والجنوب، والذي يكون واضحاً خلال النزاعات، والتي تستخدم بها مختلف الأسلحة ويسقط ضحايا".