تصادم أولي بين أنقرة وواشنطن.. لماذا اعتقلت أميركا 3 عناصر من المخابرات التركية في مطار أربيل؟
انفوبلس/ تقارير
قبل أيام، أفادت وسائل إعلام بإقدام الجيش الأميركي على اعتقال 3 عناصر من جهاز المخابرات التركي في مطار أربيل إثر تجسسهم على نقل الدعم الى "قسد" وسط غياب تام لدولة البارزانيين، ليُفسَّر ما حدث بأنه تصادم أولي بين أنقرة وواشنطن، فهل تتسبب "قسد" بصراع بين أميركا وتركيا؟
ماذا حدث؟
قبل أيام، تداولت وسائل إعلام خبراً يفيد باعتقال 3 أشخاص في مطار أربيل، ومرَّ الخبر مرور الكرام نظراً لعدم اهميته في بادئ الأمر.
بعد ذلك ظهرت التفاصيل، وأظهرت أن الأشخاص الثلاثة هم عناصر في جهاز المخابرات التركي الـ" MİT".
أما عن تفاصيل الاعتقال وسببه، فهذا ما ستستعرضه انفوبلس في سياق التقرير.
تفاصيل الاعتقال
بالحديث عن تفاصيل الاعتقال، أظهرت المعلومات المتداولة أن الجيش الأميركي اعتقل ثلاثة عناصر من المخابرات التركية في مطار أربيل بكردستان كانوا يحاولون تعقب شحنة أسلحة أمريكية يتم إرسالها إلى قوات سوريا الديمقراطية "قسد".
ووفقاً لما نقله الصحفي التركي تورهان بوزكورت عن مصادر محلية، فإن العناصر الثلاثة كانوا متنكرين بزيّ البشمركة بهدف تتبع شحنة مساعدات عسكرية قدّمها الجيش الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” في سوريا.
وقال بوزكورت، إن هذه الحادثة تسلط الضوء على تصاعد التوترات الإقليمية والدور المتنامي للمساعدات الأمريكية لقسد في المنطقة.
محمد ارسلان: هذا ما تمثله عملية الاعتقال
وتعليقاً على ما حدث، قال الخبير في الشؤون الكردية والمحلل السياسي محمد أرسلان، إن هذه ليست المرة الاولى التي يتم القبض فيها على أعضاء المخابرات التركية في كردستان.
وأضاف في تصريح متلفز تابعته شبكة انفوبلس، "قبل عدة سنوات تم القبض على 8 من الجنود الأتراك في السليمانية يُعتقد أنهم ينتمون أيضا إلى المخابرات التركية، وكانت مهمة هؤلاء هي التجسس أيضا".
وتابع، "لكن اللافت هذه المرة هي تنكر هؤلاء العناصر الثلاثة بزيّ "الأسايش" وتواجدهم في مطار أربيل" متساءلاً: "كيف تواجدوا هناك؟ ومن أعطاهم الزيّ؟ ومن أوصلهم إلى المطار؟".
تغلغل المخابرات التركية في الإقليم
ويؤكد أرسلان، أن "تواجد المخابرات التركية في مدن الإقليم ومطاراته ليست وليدة اللحظة، إذ إنها متواجدة منذ سنوات وتراقب كل مسافر وعائد بل هناك تفاهم كبير بين الأسايش وجهاز المخابرات".
وأضاف، أن "التواجد التركي موجود في الإقليم منذ سنوات طويلة، وهناك قواعد عسكرية واستخباراتية للجيش التركي".
وأشار أرسلان، إلى أن "اعتقال عناصر جهاز المخابرات في مطار أربيل من قبل الجيش الأميركي يمثل ضربة للعلاقة بين الأسايش والمخابرات التركية، وفي ذات الوقت يظهر مدة العلاقة والتغلغل بينهم".
هل تتسبب "قسد" بصراع بين واشنطن وأنقرة؟
مع اكتمال فصول مشهد إسقاط نظام بشار الأسد في سوريا، تقف تركيا والولايات المتحدة أمام استحقاقات سياسية وأمنية معقدة في مناطق شرق الفرات، حيث تتمركز قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي لطالما كانت محور الخلاف بين أنقرة وواشنطن.
وفي حين تقول تركيا إن هذه القوات تهدد أمنها القومي باعتبارها امتداداً لحزب العمال الكردستاني، الذي يخوض صراعا مسلحا ضد الدولة التركية منذ ما يزيد عن 40 عاما، تعتبرها الولايات المتحدة شريكا أساسيا في حربها المزعومة ضد "داعش".
وصعّدت تركيا لهجتها تجاه القوات الكردية في سوريا، حيث أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأسبوع الماضي، أن بلاده "ستسحق المنظمات الإرهابية في أقرب وقت ممكن".
وفي السياق نفسه، شدد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في مقابلة تلفزيونية، أن هدف تركيا الإستراتيجي يتمثل في إنهاء وجود وحدات حماية الشعب الكردية، معتبرا أنها أمام خيارين، إما أن تحل نفسها أو تواجه القضاء عليها بالقوة.
وأوضح فيدان، أن الموقف التركي من التنظيمات الكردية في سوريا يمثل قضية "وجودية" تتعلق بالأمن القومي التركي، وفق تعبيره.
في المقابل، أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، خلال مؤتمر صحفي لدى وصوله الأردن في مستهل جولته بالمنطقة، لبحث التطورات في سوريا، على أهمية الدور الذي تلعبه قوات سوريا الديمقراطية في منع عودة تنظيم الدولة، ووصف بلينكن هذا الدور بأنه "حيوي" لاستقرار سوريا بعد سنوات من الصراع مع التنظيم، بحسب قوله.
أوراق ضغط
يرى الباحث السياسي أحمد أوزغور أن تركيا لا تراهن على المحادثات الجارية مع الإدارة الأميركية الحالية، بل تنتظر تولي الرئيس المنتخب دونالد ترامب السلطة، ولفت إلى أن تصريحات ترامب السابقة، التي قال فيها إن "هذه ليست معركتنا في سوريا"، فيها إشارة واضحة إلى أن واشنطن قد تتجه إلى تقليص دعمها للقوات الكردية.
وأوضح أوزغور، أن قوات سوريا الديمقراطية باتت في موقف ضعيف، مستدلاً على ذلك بالاتفاق الذي أُبرم بين تركيا والولايات المتحدة، والذي تضمن انسحاباً آمناً لعناصر قسد من مدينة منبج شمال شرقي حلب، مؤكدا أن "تركيا لن تُضحي بأمنها القومي لحساب علاقاتها مع الولايات المتحدة، ولن تقبل ببقاء حزب العمال الكردستاني في شمال سوريا كقوة دائمة".
وفي رأيه فإن تركيا تمتلك أوراق ضغط قوية في هذه المرحلة، لا سيما بعد سقوط النظام السوري، ما جعلها في موقع أكبر الرابحين إقليميا، وقد تتمكن من التفاهم مع القيادة السورية الجديدة لفرض كلمتها في مواجهة القوى الأخرى، يضيف.
ورجّح الباحث أن تتمكن تركيا من إقناع الولايات المتحدة بقدرتها على السيطرة على المنطقة وعدم السماح بعودة تنظيم الدولة، مما يتيح لها تأمين حدودها والقضاء على "القوات الإرهابية" هناك.
وختم أوزغور بأن تركيا قد تلجأ إلى الخيار العسكري في حال أصرّت قوات قسد على البقاء في المنطقة، ولم يستبعد أن تستعين تركيا بقوات "هيئة تحرير الشام" لتنفيذ عملية عسكرية لتأمين مصالحها.
صراع إقليمي
من جهته، يرى المحلل السياسي طه عودة أوغلو أن ما يحدث في شمال سوريا منذ سقوط نظام الأسد يعكس تطورات متسارعة للصراع بين تركيا وقسد الذي لم يعد يقتصر على الأطراف المحلية، بل تحول إلى صراع إقليمي ودولي دخلت فيه قوى مثل واشنطن وفرنسا، مما يجعل الوضع الحالي نقطة محورية في رسم مستقبل سوريا والمنطقة، خاصة مع وصول الإدارة السورية الجديدة إلى السلطة.
وقال أوغلو، إن التهديدات التركية الأخيرة تأتي ضمن استراتيجية الضغط باستخدام أوراق القوة التي تمتلكها أنقرة، حيث أسهم تراجع النفوذ الروسي والإيراني في تعزيز موقعها كأحد أبرز الفاعلين على الساحة السورية.
وأضاف، إن وصول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى السلطة سيزيد من تعقيد المشهد، حيث يُتوقع أن تكون هناك مفاوضات مباشرة بين أنقرة وواشنطن لتحديد مستقبل شمال سوريا.
