جرائم ديالى لا تسقط بالتقادم.. أهالي كنعان يجددون رفضهم لعودة عوائل المتهمين بالعنف الطائفي بقرى "بني زيد"
انفوبلس..
مرة أخرى، جددت قبائل متضررة من التنظيمات الإرهابية في محافظة ديالى، رفضها عودة عشرات الأُسَر النازحة بين ديالى وبغداد بسبب تورّطها بأعمال القتل والتهجير، فيما دعت إلى ضرورة التدخل الحكومي لحسم ملف القرى النازحة وإنهاء المتعلقات الأمنية والعشائرية.
وقال عضو مجلس ناحية كنعان المنحل من قبيلة شمَّر سكوك جمال ناصر الشمري، إن أكثر من 40 قرية لقبيلة بني زيد وقبائل أخرى، ممنوعة من العودة إلى مناطقها جنوبي ناحية كنعان وحدود ناحية بُهرز لتورطها مع تنظيم القاعدة بأعمال القتل والتهجير للفترة من 2004 لغاية 2008.
وبيّن الشمري، إن تلك القرى كانت حواضن وبؤر للتنظيمات الإرهابية وانخرط معظم أبنائها ضمن صفوف التنظيمات وشاركوا بممارسات القتل والإبادة الطائفية دون أي رأفة أو اعتبارات للتعايش المجتمعي على مرّ السنوات والعقود، مضيفا أن عودة قرى بني زيد بحسم المتعلقات والثارات العشائرية وأداء الحقوق المتعارف عليها لذوي أكثر من 200 شهيد سقطوا آنذاك. مؤكدا، إن اهالي كنعان يسعون لتصفير الخلافات بما يضمن حقوق الضحايا والمتضررين وبسط الأمن والاستقرار.
وشدد الشمري على ضرورة التدخل الحكومي لحسم ملف القرى النازحة وإنهاء المتعلقات الأمنية والعشائرية وإغلاق الملف بالكامل وتسريع عودة آلاف الأُسر إلى مناطق سكناها.
بدوره أعرب مدير ناحية كنعان مهدي عبد الكريم الشمري، عن تضامنه مع مطالب أهالي كنعان وحسم الخلافات وإنهاء المتعلقات العشائرية لعودة النازحين. وقال الشمري، إن خاصرة ديالى مع بغداد الممتدة من كنعان وأطراف بهرز إلى جنوب بغداد كانت بؤر نار خلال السنوات الماضية وما زالت قنابل موقوتة وخطرا يهدد القرى والمناطق السكنية لخلوّها من السكان منذ سنوات.
وكشف عن نصب 4 كاميرات مراقبة بتبرعات الأهالي ودعم محافظ ديالى للسيطرة على القرى والبؤر الساخنة ورصد أي نشاطات أو تحركات تهدد أمن السكان أو تعيد الإرهاب إلى معاقله القديمة.
ونبّه إلى وجود عناصر وقيادات لداعش من سكان المناطق المهجورة تخطط وتدير العمليات وفقا لدرايتها الأمنية والجغرافية بالقرى المهجورة.
فيما أكد مسؤولون ومواطنون، أن القرى الواقعة بين حدود ناحيتي كنعان وبهرز والحدودية مع بغداد تحولت إلى ملاذ لبقايا لداعش بسبب خلوّها من السكان ونزوحهم منذ نحو 15 عاماً بسبب أحداث تنظيم القاعدة آنذاك.
أما المواطن ثامر الشمري من سكنة مناطق جنوب كنعان، فقد أكد أن أعدادا كبيرة من عشيرة شمّر استُشهِدوا وجُرِحوا نتيجة الأعمال الإرهابية خلال فترة نشاط تنظيمات القاعدة ولازالت مناطقهم غير آمنة حيث تظهر فقاعات بين فترة وأخرى ويتم السيطرة عليها من قبل القوات الأمنية والأهالي، مؤكدا أن هناك رعب لازال في نفوس الأهالي، داعيا في الوقت نفسه إلى وضع حلول عاجلة من قبل السلطات الحكومية لإنهاء الخلافات وعودة الأمن بالشكل التام.
وجرى خلال السنوات الأخيرة البحث من قبل الحكومات والقيادات الأمنية المتعاقبة في العديد من الحلول لإنهاء ملف هذه المناطق ومعالجة قضية النازحين، ففي عام 2021، أعلن مدير شؤون العشائر في ديالى العميد علي محمود الربيعي أن المديرية عقدت سلسلة لقاءات واجتماعات مكثفة مع الأطراف ذات العلاقة بملف قرى بني زيد في قاطع جنوب ناحية كنعان من أجل التوصل إلى حلول منصفة وعادلة لإعادة الأُسر النازحة إلى منازلها بعد مُضي 15 سنة على نزوحها بسبب الإرهاب والإشكالات التي خلقها بين العشائر.
وأضاف، أنه جرى الاتفاق على خارطة طريق تتألف من 3 مراحل مهمة وهي تحديد العوائل الملطّخة أيديها بالدماء وإجراء التدقيق الأمني الشامل للمشتبه بتورط أبنائها بأعمال إرهابية بالإضافة إلى تحديد العوائل ذات الموقف السليم، وانتظار إجابات القوات الأمنية المختصة.
وأشار إلى أن عدد قرى بني زيد النازحة تبلغ 11 قرية والمساعي جادة لإعادتهم بعد إكمال ملف التدقيق الأمني والمصالحات العشائرية لكل الأطراف المتضررة.
وبيّن، أن كل العشائر لديها موقف ايجابي من ملف العودة وإنهاء معاناة الأهالي مع ضمان حقوق الشهداء والجرحى والمتضررين من الأحداث السابقة.
ولكن حتى يومنا هذا لم يتم حل هذا الملف الشائك في محافظة هي الأكثر تعقيدا في جميع محافظات العراق منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003 حتى يومنا هذا.
قصة من الماضي
في عام 2007، كشف مواطن مخطوف يُدعى (خ.ع) من أهالي قرية خرنابات وأُفرِج عنه بمقايضة مالية النقاب عن "أن شيخ عشائر الزيدية في محافظة ديالى عطا هادي السعدون هو رئيس دولة العراق الإسلامية المعلنة في مدن محافظة ديالى".
وقال شقيق المواطن المخطوف، إن شقيقه واثنين من أبناء عمومته إضافة إلى خمسة آخرين من منطقة خرنابات اختُطِفوا من قبل مسلحين مجهولين ملثّمين في منطقة الحديد (منطقة الموت) شمال غرب بعقوبة، وبعد يومين تم العثور على جثث المخطوفين وقد مُثِّل بجثثهم بشكل فظيع إلا أن (خ.ع) لم يكن من بين الجثث واستمرّينا بالبحث عن شقيقي على أمل أن يكون بين الأحياء.
ويضيف: ذهبنا إلى القوات الأمنية من الشرطة والجيش وحتى إلى قادة قوات التحالف لعل هذا يجد نفعاً كما بحثنا في المستشفيات لعلنا نجده بين الجثث أو الراقدين في المستشفيات لكن دون جدوى, أجريننا عدة اتصالات بالعشائر المجاورة لنا، وبعد مرور قرابة الخمسين يوما على اختفائه بدأ الأمل يتضاءل يوما بعد يوم، إلا أن المفاجئة جاءت عندما قال أحد العارفين: ابحثوا أمر ابنكم مع الشيخ عطا هادي السعدون وهو شيخ عشيرة بني زيد المعروفة في مناطق كنعان وخان بني سعد وهو الوحيد الذي يمكنه أن يوصلكم إلى الحقيقة.
وتابع شقيق المختطف: نحن نعرف جيدا ارتباطات السعدون المشبوهة بالجماعات المسلحة ومنها القاعدة، كما نعرف بأنه اعتُقِل بسبب مسوؤليته عن عمليات التهجير القسري في خان بني سعد من قبل قوات الجيش إلا أن قوات التحالف تدخلت بالموضوع وأطلقت سبيله على الرغم من وجود عشرات الدلائل التي تؤكد تورطه بعمليات التهجير، فكيف الوصول إليه وهو في حماية الأمريكان؟
وفعلا تم الاتصال بالشيخ بصورة غير مباشرة عن طريق شخص آخر مقرّب منه، ونقل إلينا هذا الشخص موافقة الشيخ عطا على أن تكون هناك مقايضة بين الطرفين وهي أن يتم إطلاق شخص محتجز لدى القوات الأمنية وهو يساعدهم في عملية البحث عن ولدهم.
وقال: "رفضنا الأمر برمّته لأنه من غير المعقول أن نطالب القوى الأمنية بالإفراج عن مجرم وسفّاح من السجن، واقترحنا المقايضة بالمال فوافق الشيخ عطا وادعى أنه تم شراء شقيقي بمبلغ 25 دفتر أي 250000$ من مسلحين ينتمون إلى عشيرة المجمع وبدوره يريد ربح 5 دفاتر كي تتم الصفقة، فوافقنا على أن يُعقد لقاء للوقوف على أمر محدد من المطالب وفعلا جرى اللقاء في منطقة الجوبة قرب بعقوبة.
وفي بداية اللقاء تحدث الشيخ عطا زاعما بأنه لم يجد الدليل على بقائه حيا، وعندها أشهر أحد أقربائنا السلاح بوجه الشيخ عطا وهدّده بالقتل، وبحركة سريعة جدا تم اعتقاله مع اثنين من مرافقيه كرهائن إلى منطقة في شمال بعقوبة، وهناك قلنا له نريد ولدنا لا نريد منك شيئا آخر نريد معرفة مصيره، وحينها طلب منا وسيلة اتصال (ثريا) وأجرى عدة اتصالات بعناصر لديها أسماء إسلامية مثل أبي حفصة وأبي أسامة وهكذا، وطلب أن يتم إطلاق أحد المرافقين له من أجل أن يعمل على جلب ولدهم المخطوف وتم بالفعل إطلاق سراح المدعو مزهر, بعد مكوث الشيخ عطا 3 أيام في ضيافتنا, واتصالاته المتواصلة مع مجاميعه تم إطلاق سراح شقيقي (خ.ع) وهو في حالة يُرثى لها.
قلنا للمُفرَج عنه خ .ع صِفْ لنا مشاهداتك في وكر الخاطفين ومنطقتهم، فأشار إلى هول ما شاهده قائلا: كنتُ محجوزا لمدة شهرين في سراديب تحت الأرض (سجون) تعود إلى دولة العراق الإسلامية (المجلس الشرعي للدولة الإسلامية) لم أكن وحدي بل العشرات من المدنيين، كان التعذيب والإجهاد النفسي مُخيفاً، كل يوم يتم إعدام عدد من الأبرياء أمام أعيننا، ومن بين الذين شاهدتهم الشيخ علي مجيد شلال شيخ عشيرة الزهيرية في ديالى المخطوف لدى دولة العراق الإسلامية.
ويضيف خ ع، إن موقع السراديب يقع في منطقة نائية قرب المطار في منطقة عرب جبار في خان بني سعد، و يوجد المئات من المسلحين في بساتينها وهم يهربون عند أي مداهمة إلى قرى النقيب في الضفة الأخرى لنهر ديالى، وهناك ساحات تدريب وغُرف إعدامات، شاهدتُ البعض منها عندما نزع اللثام عن عيني في إحدى المرات، وأغلب المسؤولين عليها من البدو (عشيرة بني زيد), أنا لحد الآن لا أعرف سبب قتل أبناء عمومتي وتركي حيّاً، يبدو أن قدري أن أبقى حيّاً لأروي هذه القصة لكم، وعندما تم إطلاق سراحي قال سجّاني إن السيد الرئيس أمر بالإفراج عنك، ولا أعرف حينها من هو هذا السيد الرئيس وعندما أوصلوني إلى أهلي عرفتُ أن السيد الرئيس المقصود هو الإرهابي عطا هادي السعدون لا غيره.
ولكن، من هو السيد الرئيس عطا هادي السعدون؟ ورئيسُ مَن؟ فقد كان الرجل قبل أيام قلائل في ضيافة محافظ ديالى وقبله ضيف عزيز على قوات متعددة الجنسيات.
أجابنا خ.ع، كنتُ لا أعرف عنه شيئا، أما الآن فقد عرفتُ بأنه كان ضابط استخبارات برتبة مقدّم أو أكثر، لا أعرف، في إحدى أجهزة البطش الصدامية وبعد سقوط صدام ترك بزّته العسكرية وارتدى ثوبا أبيض قصيرا، واتخذ مواقف معادية للنظام الجديد منذ البداية، وبعد تطور الأحداث عقب تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء تولى مع تنظيماته التي أسّسها بحملة تهجير واسعة للشيعة والكورد من مناطق بني سعد وكنعان وبعقوبة، وسبق للفرقة الخامسة العراقية وأن اعتقلته في الصفحة الأولى من حملة الرد السريع في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2006، إلا أن قوة أمريكية خاصة اقتحمت المعسكر عنوةً وأفرجت عنه.
كما تجدر الإشارة إلى أن بدايات موجة العنف الطائفي كانت في منطقة الصدور بمحافظة ديالى، وهي المنطقة التي نزح إليها سكّان المناطق التي قام عطا السعدون ومجاميعه بتهجيرهم، حيث كانت هويات المهجرين وخلفياتهم مختلفة، ففيهم الشيعي والسني والكردي، الأمر الذي ولد احتكاكات دامية بدأت في المنطقة واتسعت لتشمل كل ديالى وبقية المحافظات العراقية.