حفل زفاف يتحول الى شجار مسلح.. لماذا أطلق ضابط برتبة "رائد" النار على شاب في الغزالية ببغداد؟
انفوبلس/ تقرير
كثيرة هي حالات إطلاق النار العشوائي خلال الأفراح والمناسبات في العاصمة بغداد والمحافظات الأخرى، لكن في منطقة الغزالية، تحول حفل زفاف الى "فاجعة" بعد حصول شجار بين قوة أمنية وأصحاب الحفل استُخدمت فيه الأسلحة أدى الى وقوع إصابات.
ليس الرصاص العشوائي ظاهرة جديدة في العراق، لكن الآونة الأخيرة شهدت البلاد زيادة في إطلاق النار العشوائي خلال الأفراح والمناسبات، إذ نادراً ما تخلو مناسبة من إطلاق نار، سواء احتفالاً أو حزناً على فقدان حبيب، وقد يصل الأمر إلى استخدام أسلحة متوسطة أيضاً.
ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، على ما حدث في منطقة الغزالية من شجار بين القوات الأمنية وأصحاب حفل زفاف
شهود عيان كشفوا لشبكة "انفوبلس"، اليوم السبت 27 نيسان/ ابريل 2024، أن حفل زفاف حصل في منطقة هياكل الغزالية بالعاصمة بغداد وحدث إطلاق نار تعبيراً عن الأحتفال مما أدى الى تدخل الشرطة الاتحادية وشرطة النجدة والاستخبارات لمنع وإيقاف الإطلاقات النارية.
وأثناء تدخل القوات الأمنية، حصل شجار مع أصحاب الزفاف مما أدى الى إصابة أحد المواطنين الحاضرين بالزفاف وهو شاب عمره 24 عاماً، وفق الشهود الذين أكدوا أن رائدا بالاستخبارات (الفوج الثاني اللواء السابع الفرقة الثانية) هو من قام بإطلاق النار بشكل مباشر على المدنيين (أصحاب حفل الزفاف)، دون التطرق الى اسمه.
وأضافوا، أن القوات الأمنية وبعد إصابة الشاب العشريني انسحبت من موقع الحادث، كما تم نقل المصاب الى المستشفى لتلقي العلاج، كما طالبوا بمحاسبة المقصرين وضرورة تشديد الإجراءات في أي منطقة تشهد إطلاق رصاص عشوائي.
لكن مصادر أمنية ذكرت لـ"انفوبلس"، أن من أطلق النار العشوائي خلال حفل الزفاف وعدد من المدنيين، قاموا بالاعتداء الى القوة الأمنية التي تدخلت لمنع وإيقاف الإطلاقات الناريّة، وهو ما تسبب بحدوث الشجار بينهم وإصابة شاب برصاص ضابط برتبة رائد بالاستخبارات.
في المقابل، طالب أهالي المنطقة التي وقعت بها الحادثة، عبر "انفوبلس"، بضرورة تشديد الإجراءات الأمنية على مطلقي العيارات النارية خلال الأفراح والمناسبات، وإلقاء القبض على كل من يقوم بمثل هذه الأفعال، وإحالتهم إلى المحاكم المختصة استناداً إلى قانون العقوبات العراقي.
وعلى الرغم من أن القانون العراقي يُعاقب على حمل السلاح من دون رخصة حيازة، وتصل عقوبة مطلقي النار في المناسبات إلى السجن مدة ثلاث سنوات، ما يزال إطلاق النار مستمراً.
وحسب أرقام صادرة عن وزارة الصحة، فإن إطلاق النار العشوائي في المناسبات تسبب بوقوع ما لا يقل عن 60 قتيلاً وعشرات الجرحى في مختلف المحافظات خلال العام 2023. ويكشف مسؤول في الوزارة أن "مناسبات الأعراس والعزاء وما يُعرف بـ(الدكة العشائرية) والمناوشات الحاصلة بين القبائل من حين إلى آخر تتصدر أسباب إطلاق النار الذي يؤدي إلى سقوط ضحايا"، مبيناً أن بغداد والبصرة وذي قار تتصدر محافظات العراق بعدد الضحايا.
ومؤخراً، أصدر وزير الداخلية عبد الأمير الشمري تعليمات مشددة باعتقال مطلقي العيارات النارية ومحاسبة المسؤولين الأمنيين في المناطق التي تشهد إطلاق نار في حال لم يتخذوا أية إجراءات بحق المتورطين.
ويقول الناشط الحقوقي محمد المشهداني، إن "ظاهرة إطلاق النار العشوائي في الأفراح والأحزان والمناسبات أصبحت ثقافة سائدة في المجتمع العراقي، ذهبت ضحيتها أعداد كبيرة جداً من الأبرياء".
ويضيف، إن "سعر الذخيرة الرخيص وتوفر السلاح هما من بين الأسباب الذي جعله متوفراً بين المراهقين الذين يتسابقون لإطلاق الأعيرة النارية من دون الاكتراث لما قد تسببه هذه الأفعال من كوارث وقعت فعلاً في الكثير من المناطق". ويوضح، إن "بعض العشائر والشباب أصبحوا يتنافسون في ما بينهم في استخدام الأسلحة في الأفراح والمناسبات، حتى بات الأمر تقليداً لا يمكن الاستغناء عنه".
ويشير المشهداني إلى، أنه "لا توجد بيانات حقيقية حول أعداد ضحايا الرصاص العشوائي. لكن تظهر التقارير الطبية والأمنية أن الأعداد كبيرة جداً وتقدر بمئات القتلى والجرحى سنوياً"، لافتاً إلى أن "أعداد الضحايا في تزايد مستمر في ظل عجز القوات الأمنية عن الحد من هذه الظاهرة".
ويقول كاظم محسن، وهو أحد سكان ضواحي العاصمة بغداد، إن "إطلاق الرصاص الحي في الأفراح والمناسبات يحول قسم غير قليل من أفراح العراقيين إلى مآتم وفواجع. وكثيراً ما يستخدم السلاح مراهقون وشباب تتراوح أعمارهم في الغالب بين 15 و25 عاماً".
يضيف، إن "عدداً كبيراً من الأشخاص عديمي المسؤولية يطلقون الرصاص الحي بطريقة عشوائية من دون التفكير بما قد يلحق بالمواطنين الآمنين من مخاطر، وبالتالي لا يراعون حياة الأبرياء". ويشير إلى أن "ظاهرة إطلاق الرصاص في الأفراح والمناسبات اتسعت بعد عام 2003، وقد اعتاد العراقيون على سماع تلك الطلقات النارية بكثرة". ويتابع، أن "الأُسر العراقية باتت تُعبر عن فرحها في المناسبات كمناسبات الزفاف والختان أو فوز منتخب أو ليلة رأس السنة بإطلاق النار وكذلك تعبر عن حزنها بحالات الوفاة بإطلاق النار أيضاً".
وغالباً ما يسقط نتيجة "الرصاص الطائش" ضحايا مدنيين، وذلك لأن مطلق النار هو الآخر مدني ولم يحظ بتدريب عسكري حول كيفية استخدام السلاح، كما أن الرشقات النارية دائماً ما تُطلق من أسطح المنازل أو بين الأزقة الضيقة المكتظة بالسكان، فضلاً عن غياب قوانين "رادعة"، وفي حال وجودها فهناك تلكؤ بتنفيذها.
ويحمّل حقوقيون عراقيون السلطات الأمنية مسؤولية استفحال ظاهرة الرصاص العشوائي، ويؤكدون أن السلطات لا تقوم بتفعيل القوانين الخاصة بحظر استعمال الأسلحة داخل الأحياء السكنية. يقول القانوني العراقي كاظم السامرائي، إن "القانون العراقي القائم يعاقب المخالفين بالسجن حتى 3 سنوات، وفي حال تسبب في وقوع ضحايا قد تصل العقوبة إلى 15 عاماً، لكنه لا يتم تفعيل القانون، وبعض الأشخاص لا تستطيع الجهات الأمنية القبض عليهم لكونهم ينتمون إلى جهاز أمني أو عشائر، والمناسبات العشائرية يتكرر فيها إطلاق الرصاص بشكل مكثف، وتنكر العشيرة دائماً معرفة الفاعل".
ورغم أن العديد من هذه الظواهر يتم تصويرها في مقاطع فيديو، وتداولها بشكل واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي كنوع من التباهي، لكن السامرائي يؤكد أن "بعضها يجري إهماله لعدم قدرة الجهات الأمنية على تنفيذ المهمة لكون الفاعلين تحميهم إما العشيرة أو جهاز أمني".