خطة حكومية لشراء سلاح الأهالي.. هل تتخلى العشائر عن أهم أسباب سطوتها؟
إنفو بلس/..
قذائف وصواريخ ومسيّرات، هذا ما تملكه العشائر في العراق، أسلحة مختلفة ومعدات وذخائر كاملة، تُستخدم في أوقات النزاعات العشائرية التي لا يكاد يمرّ يوماً دونها، خاصة في مدن الجنوب، هذه المشكلة التي تُعد من الأخطر في البلاد أثرت بشكل كبير على الأمن المجتمعي.
الحكومات المتعاقبة جميعها كان تعي وتدرك مدى خطر السلاح المنفلت، وسعت إلى حصره، لكن تلك المساعي لم تكلل بالنجاح، ثم جاء الدور على الحكومة الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني الذي أخذ على عاتقه محاربة السلاح المنفلت وصولاً إلى حصره بشكل تام بيد الدولة، وهذا ما أكده في برنامجه الحكومي.
الأسلحة الموجودة ونزاعات العشائر والجرائم يجب التعامل معها بقوة القانون
وفي برنامجه الوزاري، أعلن السوداني أمام البرلمان حصر السلاح بيد الدولة باعتباره يمثل أساس المشاكل والأزمات التي تواجهها البلاد، فيما أكد قبل تكليفه رسمياً أن ملف حصر السلاح بيد الدولة مطلبه الشخصي، مشدداً على أن "الأسلحة الموجودة ونزاعات العشائر والجرائم يجب التعامل معها بقوة القانون".
*مليون قطعة
مبدئياً، قد تستهدف الدولة سحب ما لا يقل عن مليون قطعة سلاح متوسط بالمرحلة الأولى، في حال تم إقرار حكومة السوداني للخطوة، التي قد تستهوي رجال العشائر والمواطنين العاديين ببيع سلاحهم، بحسب مسؤول عراقي في بغداد.
ويقول المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، إن هناك نقاشات جدية داخل وزارة الداخلية ومع مكتب القائد العام للقوات المسلحة، لفتح مراكز لشراء الأسلحة من المواطنين، بغية دفعهم إلى تسليمها للدولة.
ويؤكد، إن المشروع قيد الدراسة الجدية، وفي حال الاتفاق عليه سيتم تخصيص أموال كبيرة لشراء السلاح من المواطنين مثل القاذفات ومدافع الهاون، والقنابل اليدوية، وبنادق الـ"بي كي سي" و"آر بي كي"، وأسلحة أخرى خطيرة.
ولا يوجد إحصاء رسمي بعدد قطع السلاح الموجود داخل المجتمع العراقي، لكن التقديرات تتحدّث عن أرقام متفاوتة بالعادة بين 13 إلى 15 مليون قطعة سلاح متوسط وخفيف، أبرزها بنادق الكلاشنكوف، و"بي كي سي"، و"آر بي كي"، إلى جانب مدافع الهاون وقذائف الـ "آر بي جي" التي باتت تُستخدم أخيراً بكثرة في النزاعات القبلية جنوب ووسط البلاد.
*إجراءات نظامية مشددة
في اجتماع جرت وقائعه بالعاصمة بغداد برئاسة وزير الداخلية عبد الأمير الشمري وحضور ممثلي الأجهزة الأمنية وسيمونيتا غراسي مديرة البرنامج العالمي للأسلحة النارية في مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات، تم الاتفاق على إجراءات نظامية وقانونية مشددة لتنفيذ حصر السلاح بيد الدولة وترخيص الأسلحة بشكل قانوني وردع استخدام غير المرخصة منها.
وبحسب بيان للداخلية، فإن الاجتماع الذي عُقد بتاريخ 5 آذار الجاري، شهد "عرض المقترحات والبرامج من قبل ممثلي مكتب الأمم المتحدة والتي يمكن الاستفادة منها بهدف حصر السلاح بيد الدولة".
ووجه الشمري، "بإقامة ورش عمل مستقبلية لاستحصال الموافقات الأصولية لتنفيذ البرامج التي طُرحت وبدعم المكتب ذاته، وتم الاتفاق على وضع برنامج لجميع الوزارات والمؤسسات الأمنية يكون متوافقاً مع الأمم المتحدة والأنظمة الدولية".
*آلية لحصر السلاح
في نهاية عام 2022، أشار مدير عام شؤون العشائر في الوزارة اللواء ناصر النوري، إلى قرب الإعلان عن آلية حصر السلاح بيد الدولة خلال المرحلة المقبلة، سواء عبر شرائه أو عبر تنبيه المـواطـنـين على ضــرورة تسليمه للسلطات المختصة.
وقال في تصريح للصحيفة الرسمية، إنــه "لدى المديرية هيئة رأي من جميع المكونات (فراضة)". مبيناً، "المديرية ثقّفت كثيراً بشأن سلبيات (الدكَة العشائرية) ما أدى إلى انخفاضها بنسبة 85%".
*قاعدة بيانات ومداهمات مرتقبة
وزيـر الداخلية عبدالأمير الشمري وجه قادة الشرطة ومديري الاستخبارات بمطاردة أي جناة بتهم الدكة العشائرية والقبض عليهم لإنهاء المشكلة في حال اندلاعها، وفق ما ذكره النوري الذي رجح المباشرة بمداهمات من قبل القطعات الماسكة للأرض لمصادرة الأسلحة غير المرخصة، بعد أن قدّم قادة الأجهزة الأمنية والحشد الشعبي وباقي الوزارات ذات العلاقة قاعدة بياناتها لكل الأسلحة الموجودة واتجاهاتها.
*خطوات فعلية
باشرت قيادات الشرطة في محافظات الوسط والجنوب، منذ أيام، العمل على تشكيل لجان داخل المدن والبلدات في المحافظات المختلفة، للحد من ظاهرة السلاح المنفلت، ففي منتصف شباط المنصرم، أعلنت قيادة عمليات ميسان، تنفيذ آلية حصر السلاح بيد الدولة.
وذكرت القيادة في بيان لها، أنه "تنفيذاً لأوامر وزير الداخلية سنُباشر، قريباً بالمرحلة الأولى لحصر السلاح بيد الدولة عبر تسجيل الأسلحة الخفيفة في مراكز الشرطة من قبل لجان مشكَّلة لهذا الغرض، بهدف الحد من خطورة حيازة الأسلحة دون علم الأجهزة الأمنية". معتبرةً إياها "آفة خطرة لا تقل عن خطورة المخدرات والإرهاب".
وأضافت، "على المواطنين تسجيل أسلحتهم الخفيفة بالموعد الذي سنبلّغكم في تحديده". مبينة، أنه "في حال ضبط أي سلاح غير مُسجَّل في مراكز الشرطة خلال المداهمات التي ستنفذها الأجهزة الأمنية، يتحمل حائزها المسؤولية القانونية ويكون محل اشتباه في حال حدوث أي خرق أمني ضمن قواطع المسؤولية".
من جهته، المتحدث باسم قيادة شرطة محافظة المثنى جنوبي العراق، العميد علي نجم قال، إنهم باشروا منذ مدة، بالتنسيق مع وزارة الداخلية في العاصمة بغداد، بحملة توعية وتحذير واسعة من مشكلة السلاح، وانتقلوا إلى توزيع (كتيبات)، وزيارة مضايف العشائر والدواوين في هذا الخصوص.
وأضاف، إنهم الآن "دخلوا في مرحلة تفتيش المناطق الساخنة (ذات المشاكل العشائرية المرتفعة)، إلى جانب تفتيش الدور السكنية وأماكن وجود الأسلحة، والحد من هذه الظاهرة".
*هل تسلِّم العشائر سلاحها؟
التحركات الحكومية لحصر السلاح بيد الدولة، عبر شراء سلاح الأهالي، تدفع إلى تساؤلات حول إمكانية تخلي العشائر عن سلاحها الذي يعد ربما أحد أهم أسباب سطوتها في الوقت الحاضر.
العشائر تحاول أن تحسَّن صورتها بعد النزاعات المتزايدة مؤخراً لذا فمن الممكن أن تتجاوب مع الحكومة بملف حصر السلاح
وعن ذلك، يقول أستاذ العلوم السياسية نجم العذاري، إن "العشائر تحاول أن تحسَّن صورتها بعد النزاعات التي حدثت في السنوات الأخيرة، والتي رسمت صورة سيئة عنها، فهي الآن من الممكن أن تتجاوب مع الحكومة بهذا المجال".
من جهته، يشير أمير قبيلة بني مالك الشيخ ضرغام عرمش المالكي (وهو نائب في البرلمان العراقي) إلى أن حصر السلاح ليس صعباً، خصوصاً أن غالبية الأسلحة عند العشائر غير مرخصة وليست قانونية، وبالتالي يمكن سحبها بالقانون، ومن يعترض من العشائر في الجنوب يُعرّض نفسه للمساءلة والعقوبة".
تعتبر العشائر في العراق السلاح أحد مقومات وجودها، وهذا أصبح مبدأ مع انعدام الأمن وضعف الدولة خاصة عقب الغزو الأميركي للبلاد. يقول ذلك الخبير الأمني سعيد المياحي.
وأكد المياحي، إن "بعض العشائر تمتلك صواريخ يصل مداها إلى أكثر من 20 كلم، ومدافع 120 ملم ومدافع ميدان ومضادات طيران، والدولة تحتاج إلى حملة قد تضطر قوات الجيش للدخول في مشاكل من أجل انتزاعها من العشائر".