رجل وزوجته يقتلان ابنتيهما الطفلتين خنقاً والطب العدلي كشفهما.. إليك أسرار جريمة عائلية تهز العراق مجدداً
انفوبلس/ تقرير
كثيرة هي الجرائم التي تتطرق لها شبكة "انفوبلس" في تقاريرها، لكن ما حدث في ناحية برطلة شرق الموصل بمحافظة نينوى، من جريمة صدمت الرأي العام في العراق بتفاصيلها، حيث أقدم رجل وزوجته على قتل ابنتيهما الطفلتين خنقاً باستخدام "حجاب"، وقد أنكرا ضلوعهما بالحادثة في البداية.
ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على تفاصيل الجريمة التي راح ضحيتها طفلتين خنقاً على يد أبويها
*مجلس القضاء الاعلى يكشف
كشف مجلس القضاء الأعلى العراقي، أمس الأربعاء 25 نيسان/ابريل 2024، تفاصيل جريمة قتل "مروعة" نفذها زوج وزوجته بحق ابنتيهما الطفلتين في ناحية برطلة شرق الموصل بمحافظة نينوى.
وعن تفاصيل الحادثة، تلقت شرطة نينوى الثلاثاء 23 نيسان 2023 بلاغا من المستشفى بتسجيل حالة وفاة لطفلة بعمر ثلاث سنوات في ناحية برطلة ضمن مناطق سهل نينوى، لكن الشرطة اكتشفت انها تلقت بلاغاً مشابها للعائلة ذاتها قبل قرابة أسبوع بوفاة طفلة بعمر سبع سنوات ادعت فيها العائلة نفسها انها توفيت، رواية نقلتها مصادر قضائية من داخل مجلس القضاء الاعلى لـ"انفوبلس".
المصادر ذكرت أن فريق التحقيق الذي تشكل لمعرفة ملابسات الحادثة، اكتشف بعد ورود تقرير الطب العدلي، أن وفاة لطفلتين كانتا قد خُنقتا باستخدام (وشاح) أو (حجاب)، حيث إنه في التحقيقات الاولية أنكر الأبوان ضلوعهما بالحادثة، مشيرة الى أنه بعد التعمق بالتحقيق وبعد مواجهتهما بالأدلة اعترفا بارتكاب الجريمتين.
وأوقف مجلس القضاء الأعلى، الأبوين وفق المادة 406 من قانون العقوبات العراقي، بحسب المصادر القضائية التي تحدثت لشبكة "انفوبلس".
وتعاقب المادة (406) من قانون العقوبات العراقي بالإعدام أو السجن المؤبد، كل من قتل نفساً عمداً أي "مع سبق الإصرار أو الترصد"، عبر استعمال مادة سامة أو مفرقعة أو متفجرة، أو إذا كان القتل لدافع "دنيء" أو مقابل أجر، أو إذا استعمل الجاني طرقاً وحشية في ارتكاب الفعل.
ويتصاعد العنف المنزلي في العراق، على نحو متسارع، إذ أصبحت جرائم القتل العائلية تتكرّر أسبوعياً، حتى باتت مثار قلق حقيقي في المجتمع العراقي. وبينما يؤكّد مختصون أنّ دوافع اقتصادية ونفسية تقف وراء تلك الجرائم، فإنهم حمّلوا الحكومة والجهات المختصّة مسؤولية إيجاد الحلول لتلك الأزمات، والبرلمان لتشريع قانون العنف الأسري المعلّق منذ سنوات.
وتسجّل المحافظات العراقية، بشكل عام، جرائم شبه يومية، داخل العائلة الواحدة، إذ يمكن أن تتطوّر الخلافات البسيطة حول قضايا الإرث أو أموال أو فسخ خطوبة أو انفصال بين زوج وزوجته مثلاً، إلى استعمال السلاح الناري أو غيره.
كما لا تتوقف أجهزة الأمن العراقية عن نشر أخبار تؤكد مقتل زوجة على يد زوجها أو العكس، أو امرأة على يد شقيقها، وابنة على يد أبيها، وارتكاب جرائم مروعة أخرى. وقد ارتفع عدد هذه الجرائم في الأعوام القليلة الماضية، في ظل توافر "الأرضية الخصبة" لارتكابها والمتمثلة في التأثيرات السلبية لحال الاحتقان اليومي الأمني والسياسي، وتردي الوضع الاقتصادي الذي يُدخل الأُسر في معاناة كبيرة، وتراجع مستوى التعليم، إضافة إلى انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات في شكل غير مسبوق.
يقول ضابط في الشرطة العراقية برتبة مقدم (طلب عدم الكشف عن هويته): "زادت جرائم القتل منذ أعوام، وبينها تلك العائلية التي يمكن وصفها اليوم بأنها باتت مرعبة، لأنها تهدد بناء المجتمع وأخلاقه وسلوكه".
ويضيف: "تظهر التحقيقات الخاصة بهذه الجرائم والتي اطلعتُ على عدد منها، أن ارتكابها يرتبط بتعاطي المخدرات والكحول والخلافات العائلية. وبعض منفذيها يبدأون بعد فترة من ارتكاب أفعالهم بالبكاء وإيذاء أنفسهم عبر ضرب رؤوسهم وصدورهم بأيديهم، ويؤكدون أنهم لم يكونوا في حالة وعي حين ارتكبوا فعلتهم كونهم تحت تأثير المخدرات. أما الأسباب التي تدفع إلى تعاطي المخدرات فترتبط أساساً بالبطالة الناتجة عن تردي الوضع الاقتصادي في بلدنا".
ويوضح متخصصون في الطب النفسي أن "تعاطي المخدرات والظروف التي تدفع الى ارتكاب جرائم قتل، خصوصاً تلك العائلية، ناتجة من الضغوط التي يعاني منها القاتل، والتي تدفعه إلى ارتكاب أبشع الجرائم وأكثرها قسوة بلا دراية كاملة بما يفعله".
ويقول الاختصاصي في الطب النفسي الدكتور محمد الزبيدي: "وراء كل جريمة قتل هناك حالة نفسية معينة وفّرت أسباب ارتكابها. وليس ضرورياً أن يكون الفقر والعامل الاقتصادي والانتقام وراء جرائم القتل، إذ قد تلعب عوامل أخرى دوراً، مثل العقد النفسية التي تبرر لصاحبها مسبقاً ارتكابها".
وفي حال الجرائم العائلية، يقول الزبيدي: "تفيد التحقيقات بأن غالبية الجرائم وقعت تحت تأثير المخدرات أو بسبب خلافات عائلية أو ظروف اقتصادية. والخلافات العائلية تنتج دائما غالباً من تردي الظروف الاقتصادية، لكننا نرى أيضاً أن المخدرات تنتشر بين أفراد المجتمع من مختلف المستويات".
ويتابع: "لا أنكر أن المخدرات تدفع المتعاطين إلى ارتكاب الجرائم، لكن جرائم عائلية عدة ارتبطت بأشخاص لم يكونوا تحت تأثيرها، ونفذوا أفعالهم غير القانونية بهدف غسل العار والانتقام والثأر. ومن يرتكب هذه الجرائم يفقد الشعور بالذنب والندم، ما يعني أنهم يعانون من اضطرابات نفسية. ودور الأُسرة مهم جداً في رصد هذه الحالات، ومحاولة علاجها عبر عرضها على أطباء اختصاصيين".
واللافت أنّ عراقيين كُثراً يعتقدون بأن القانون المطبق يضع حداً صارماً لهذه الجرائم، باستثناء تلك التي يثبت ارتباطها بالحفاظ على الشرف التي تخفف الأحكام القضائية فيها. لكنهم يرون أيضاً أن من الضروري إيجاد حل لهذه الجرائم التي تصفها الباحثة الاجتماعية أنوار طه بأنها "كارثة حلّت بالعراق".
وتبين الباحثة الاجتماعية: "يهدد التفكك المنظومة الاجتماعية التي عرفت بترابطها وقوتها خلال كل الأزمنة والظروف الصعبة الكثيرة التي مرّ بها العراق. وما يحدث اليوم لم نراه في تاريخ البلاد". وتضيف: "يجب أن تتخذ السلطات تدابير لوقف التدهور المجتمعي. ويمكن وضع خطط تتبناها كل الوزارات وتتعاون في تنفيذها مع المنظمات المدنية والأجهزة الأمنية تبدأ من الحدود العراقية عبر ضبط المنافذ البرية والبحرية لمنع دخول المخدرات، مروراً بإنشاء بنى تحتية كافية ومؤهلة وحديثة للتأهيل النفسي، وهو أمر يصعب تحقيقه إذا لم يترافق مع تحسين مستوى الخدمات والمعيشة، والقضاء على الفقر والبطالة".
يُشار إلى أن العراق احتلّ المرتبة الـ 72 عالمياً والعاشرة عربياً على مؤشر الدول الآمنة لعام 2023 (معدل الجريمة) وفقا لقاعدة البيانات "نامبيو" (Numbeo).
وتهتم "نامبيو" بتقييم درجة الأمان في دول العالم، وتُصدِر تقاريرها سنويا منذ عام 2009، اعتمادا على رصد معدلات الجريمة وفقا لقوانين كل دولة.
*تزايد "القتل الجنائي في العراق" منذ مطلع العام الحالي 2024!
شهدت الساحة العراقية الامنية، ومنذ مطلع العام الحالي 2024، تزايدًا بأحداث القتل الجنائية، ولاتزال بعض الحوادث ماكثة في الذاكرة، من بينها حادثة مريدي والطريقة السينمائية التي تم الاشتباك بها والتي انتهت بمقتل شخص على الفور قبل أسابيع.
وبنفس الطريقة شهدت محافظات مختلفة حوادث مماثلة في ديالى وميسان، وكذلك من بين الحوادث التي لاتزال ماكثة في الذاكرة، حادثة بغداد الجديدة ومقتل أحد الاشخاص داخل محله.
ولم تكن هذه الاحداث ومدى تسارعها وتزايدها ملحوظا فقط، بل ان احصائها يكشف بالفعل عن ارتفاع حالات القتل الجنائية في العراق خلال الأشهر الماضية اي مع حلول 2024، حيث ان عدد حوادث القتل في شهر يناير/كانون الثاني 2024، بلغ 46 حالة قتل، اما في فبراير/شباط اي الشهر الذي بعده، بلغت حوادث القتل 44 حالة، وفقًا لبيانات تم تجميعها من مواقع عالمية مختصة.
وتأتي هذه الارقام مقارنة بـ34 حالة قتل فقط في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، و28 حالة قتل فقط في ديسمبر/كانون الاول 2023، وهذا يعني ان عدد حوادث القتل في الشهرين الماضيين بلغ مجموعها 90 حالة، مقارنة بـ62 حالة فقط مع الشهرين السابقين لهما، اي اخر شهرين في 2023، اي ان نسبة حوادث القتل ارتفعت 45%.