سلطة "قسد" الهشة وخطر المعتقلين في سجونها.. ماذا لو فقدت السيطرة؟
انفوبلس..
منذ تأسيسها عام 2015، تُهيمن قوات سوريا الديموقراطية "قسد" على مساحات واسعة من سوريا وتمتلك نفوذا عسكريا كبيراً في البلاد، فضلا عن كونها مدعومة بشكل مباشر من قبل القوات الأمريكية والتحالف الدولي وعدد من الأطراف الإقليمية، في المقابل تبقى سلطتها هشّة، فهي ولدت نتيجة صراع ويمكن أنت تنتهي في أية لحظة نتيجة توافق إقليمي ودولي.
وعلى الرغم من مقاتلتها لعصابات داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية في سوريا، إلا أنها لا تمتلك شرعية كاملة، فهي مليشيات مُشكَّلة خارج إطار الدولة تعمل لتنفيذ أجندة خاصة، وهذا ما يجعلها طرفا قلقا يمكن أن يكون قنبلة موقوتة تنعكس أضرارها المباشرة وغير المباشرة على المنطقة برمتها وبضمنها العراق.
لدى قسد عدة سجون في سوريا، تحتجز فيها آلاف الأشخاص، أغلبهم إرهابيون تابعون لداعش والنصرة والقاعدة وغيرهم، ففي مطلع عام 2022، أعلن مستشار الامن القومي العراقي قاسم الأعرجي، وجود أكثر من 10 آلاف إرهابي في سجون قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
وقال الأعرجي في تغريدة على تويتر: "شددنا خلال لقائنا مع الناتو وسفراء الدنمارك والنرويج والسويد على ضرورة قيام الدول بمحاكمة رعاياها من الدواعش في بلدانهم، وهم أكثر من عشرة آلاف إرهابي، تابعين لأكثر من 50 دولة"، مضيفاً، إن "هؤلاء الارهابيين متواجدون حاليا في سجون (قسد) بالحسكة، شمال شرق سوريا"، موضحاً "إنهم يشكلون تهديدا حقيقيا للمنطقة والعالم".
ويوم أمس الأحد، حذرت الحكومة العراقية، من "المخاطر المحدقة" على استقرار البلاد، نتيجة استمرار وجود سجون لـ"قسد" تحتجز فيها عناصر من عصابات "داعش"، إلى جانب مخاطر مخيم الهول السوري الواقع قرب الحدود الشمالية الغربية.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد زار مخيم "الجدعة"، جنوبي الموصل، شمالي العراق، في الثاني من آذار/ مارس الجاري، والذي يضم عائدين من مخيم الهول.
ودعا غوتيريش خلال الزيارة: وفقاً لبيان أممي، كل الدول التي لديها رعايا في مخيم الهول إلى استعادتهم، مُحذراً من "مخاطر محدقة بالأمن والاستقرار"، مشيرًا إلى أن نصف سكان المخيم تقل أعمارهم عن 12 عاما، وهم عالقون في حالة من اليأس لا يرون لها مخرجا في ظل المعاناة من الحرمان من حقوقهم ومن الاستضعاف والتهميش.
وأكد مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، الذي رافق غوتيريش في الزيارة، أن "الأمم المتحدة تقف وبقوة لمساعدة العراق في هذا الجانب الإنساني، وترى كذلك أن بقاء الوضع في مخيم الهول على ما هو عليه خطر للغاية، ويجب إيجاد حل دولي يسمح بعودة الرعايا إلى بلدانهم".
من جهته، أكد الناطق العسكري باسم الحكومة العراقية اللواء يحيى رسول، تسلم العراق 6 دفعات من العائلات العائدة من المخيم بعد إجراء عمليات التدقيق الأمني لأفرادها وتأهيلهم في مخيم الجدعة، وإعادتهم إلى مناطقهم مُجدداً ودمجهم فيها، مشيرًا إلى وجود نحو 30 ألف عائلة من النساء والأطفال داخل المخيم.
واعتبر أن الموجودين داخل المخيم هم "بمثابة قنبلة موقوتة من الممكن أن تنفجر في أي وقت، لأن فيه متطرّفين يغذّون الموجودين، وخاصة جيل الشباب والمراهقين والأطفال، بأفكار (داعش)، وهي مادة تعليمهم الأساسية، وربما يولد جيل أكثر خطراً من التنظيم الذي نعرفه".
وتابع، "الحكومة العراقية تؤكد على المجتمع الدولي ضرورة الإسراع بتفكيك مخيم الهول وإعادة رعاياه إلى بلدانهم ومحاكمة المتورطين أمنيا.. للأسف، ما زال تحرك الدول التي أتى منها هؤلاء خجولا ولا يرقى لمستوى حساسية الموضوع".
وحذّر الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة قائلا، "هناك 3 آلاف إرهابي عراقي في سجن الحسكة شمال شرقي سوريا، والذي لا يبعد سوى 8 كم عن الأراضي العراقية، يضم عُتاة الإرهابيين، وبعضهم بحسب معلوماتنا تورّط بقتل ما يزيد عن ألف شخص.. وقبل مدة، هاجم مسلحو (داعش) السجن لإطلاق سراح الموجودين فيه، ما يعني أنه يمثل تهديداً حقيقاً للعراق، ورغم ذلك، نحن حصّنا الحدود العراقية المحاذية لمناطق شمال شرق سوريا ومستمرون بمنع أية محاولات تسلل".
بدوره، قال وكيل وزارة الهجرة العراقية كريم النوري، إن "زيارة الأمين العام للأمم المتحدة إلى مخيم الجدعة، الذي يضم رعايا عائدين من مخيم الهول، وحثّه الدول التي لديها مواطنون في المخيم على استعادتهم لإخلائه، يؤكدان استشعار المنظمة الدولية خطر بقائهم هناك وتعرّض أبنائهم للأفكار المتطرفة، ما يجعلهم قنابل موقوتة في المستقبل تهدد أمن سوريا والعراق".
وأضاف، إن "زيارة غوتيريش تؤكد أن هنالك تحركاً حقيقياً لمعالجة هذا الملف، الذي يتعاظم خطره بتأخر المعالجة، والعراق يأمل أن تتفاعل الدول المعنية مع دعوات الأمين العام للأمم المتحدة بوصفه أرفع مسؤول دولي يزور العراق ويتطرق إلى هذا الملف، إذ إن هؤلاء الرعايا يزيد عددهم عن 60 ألفاً، وغالبيتهم من النساء والأطفال، ويجب أن يعودوا إلى بلدانهم ويجرى إدماجهم بالمجتمع، وتجربة العراق في هذا المجال رائدة ومن الممكن الاستفادة منها، وهي حظيت بإشادة الأمين العام".
وتابع: "العراق أعاد أكثر من 1700 عائلة من مخيم الهول في آخر تحديث، بعد إجراء عملية التدقيق الأمني لأفرادها والتأكد من عدم تورطهم بقضايا إرهابية، والأمر يجب أن تطبقه بقية الدول ممن لديها رعايا في المخيم لتفكيكه، ومن يثبت أن عليه تهماً، فالقضاء سيكون هو الفيصل".
استغلال داعش لسجون قسد..
قناة "ايه بي سي" الأمريكية نقلت في تقرير لها عن وكيل الأمين العام فلاديمير فورونكوف المسؤول عن مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة، قوله إن "التهديد الذي يشكله متطرفو (داعش)، لا يزال مرتفعاً وقد ازداد في مناطق الصراع وحولها، وأن انتشار التنظيم مثير القلق بشكل خاص في مناطق وسط أفريقيا وجنوبها ومنطقة الساحل الافريقي".
جاء ذلك خلال تصريحات أدلى بها فورونكوف أمام جلسة لمجلس الأمن الدولي، حيث حذر المسؤول الأممي من أن "(داعش) ما يزال يستخدم الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو ومنصات الألعاب بهدف "توسيع نطاق دعايته المتطرفة وتجنيد الموالين الجدد".
ونقل التقرير عن فورونكوف قوله إن "استخدام (داعش) للتقنيات الجديدة والحديثة لا يزال يشكل مصدراً لقلق رئيسي"، مشيراً أيضاً الى أن "(داعش) يستخدم الطائرات المسيّرة من أجل المراقبة والاستطلاع، بالإضافة إلى الأصول الافتراضية بهدف جمع المال".
وبسبب التهديد الكبير والمستمر لـ(داعش) والجماعات التابعة له بما في ذلك التمدد في أفريقيا، أوضح فورونكوف أن ذلك يؤكد على "ضرورة اتباع نهج متعددة الجوانب وعدم الاكتفاء بالتركيز على الجانب الأمني، وإنما التركيز على الإجراءات الوقائية بما في ذلك منع اندلاع النزاعات".
وبعدما لفت التقرير إلى إعلان هزيمة (داعش) في العام 2017 بعد معركة دامية، أشار إلى أنه "لا يزال هناك حوالي 65600 من أعضاء (داعش) المشتبه بهم وعائلاتهم، بما في ذلك من السوريين والأجانب، محتجزين في معسكرات وسجون في شمال شرق سوريا تحت إدارة القوى الكوردية التي تدعمها الولايات المتحدة".
وفي هذا الإطار، نقل التقرير عن فورونكوف تحذيره من أن وتيرة الترحيل واستعادة الحكومات لمواطنيها، لا تزال شديدة البطء، في حين أن "المقاتلين الإرهابيين الاجانب" الذين كانوا قد التحقوا بالتنظيم لا يقتصرون على العراق وسوريا، وإنما "يتنقلون بين ساحات النزاعات المختلفة".
وأوضح المسؤول الاممي، إن "المقاتلين الإرهابيين الأجانب المتمتعين بالخبرة في ميدان المعركة، ينتقلون إلى بلدانهم أو إلى دول ثالثة، ما يعزز من تفاقم التهديد" الذي يمثله (داعش).
من جهته، قال القائم بأعمال رئيس المديرية التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن ويشيونغ تشين، أمام أعضاء مجلس الأمن في نيويورك، إن "الفشل في إعادة الأفراد الأجانب من المعسكرات، يؤمّن لـ(داعش) الفرص المستمرة من أجل التجنيد من المعسكرات والسجون وتسهيل التطرف والعنف والإرهاب".
ونقل التقرير عن ويشيونغ تشين، قوله إن "الخطر الذي يمثله (داعش) يعكس تهديداً معقداً ومتطوراً ومستمراً في كل من مناطق النزاع والمناطق التي لا تشهد نزاعات".
إلا أن المسؤول الاممي أوضح أن "(داعش) مستمر في استغلال حالات الهشاشة المحلية والتوترات الطائفية، خصوصا في العراق وسوريا وبعض مناطق افريقيا وتوسيع الفروع التابعة له خصوصا في مناطق وسط وجنوب وغرب أفريقيا.
وتناول شين كيفية قيام (داعش) بـ"جمع الأموال عبر وسائل عديدة بما فيها الابتزاز والنهب والتهريب والضرائب والتبرعات والخطف من أجل فدية، إلى جانب اعتماده على وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الألعاب الالكترونية"، ولفت المسؤول الأممي إلى أن "الوسيلة الأكثر اعتمادا من جانب (داعش) لعمليات نقل الأموال لا تزال تتمثل في شبكات التحويل غير الرسمية وخدمات تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول".
كما حذر تشين من ان (داعش) "لا تزال لديه الامكانية على الوصول إلى أسلحة تقليدية بما في ذلك مكونات أنظمة الطائرات المسيرة وتقنيات المعلومات والاتصالات، وهو ما يعني أن التهديد الإرهابي لا يزال قائماً".
هشاشة سلطة قسد وخطر المحتجزين..
بين الحين والآخر يشن عناصر تابعين لعصابات داعش هجمات متكررة على سجون قسد في محاولات نجح بعضها لتهريب عناصر التنظيم المعتقلين لدى قوات سوريا الديموقراطية، وبالرغم من حصانة السجون إلا أنها ليست رصينة بالشكل الكافي لاحتجاز ارهابيين بهذا المستوى من الخطورة، ففي شهر كانون الثاني/يناير من عام 2022، هاجمت عصابات داعش (سجن الصناعة) شمال سوريا، والذي يضم 3500-5000 سجين أغلبهم من داعش.
السجن كان في السابق بناية مدرسية، جدرانها رقيقة غير مناسبة لتتحول إلى سجن يضم إرهابيين، وبعد الهجوم الإرهابي الداعشي على السجن المتهالك حدثت معركة كبيرة أطلق خلالها مسلحو داعش سراح مئات المعتقلين. وكانت العواقب وخيمة، حيث قُتل حوالي 500 شخص، بمن فيهم مدنيون وموظفو السجن ومسلحون يشتبه في أنهم من داعش، في معركة لتأمين المبنى، بينما نزح عشرات الآلاف من الأشخاص الذين كانوا يعيشون في المنطقة المحيطة كما قاتلت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة (قسد) لمدة 10 أيام من أجل استعادة السيطرة.
داخل السجن، قام عناصر داعش بأعمال شغب. وأظهرت مقاطع فيديو أنهم كانوا مسلحون بالسكاكين والبنادق وأسلحة أخرى بدائية الصنع. قال الحراس إن السجناء أشعلوا النار أيضًا في أي شيء عثروا عليه، بما في ذلك البطانيات والملابس.
هذه الحادثة ومثيلاتها تنذر بخطر كبير محدق بسوريا والعراق خصوصاً والمنطقة عموماً، فهو سيناريو محتمل لعودة عصابات داعش بقوة في حال فقدت "قسد" سيطرتها على السجون، أو تعاونت بشكل مشبوه مع أطراف تسعى لاستمرار التوتر في المنطقة عبر ورقة المعتقلين في سجونها وغيرها العديد من الاحتمالات الكارثية التي يسعى العراق خلال السنوات الأخيرة إلى تجنبها قبل حدوثها عبر محادثات مستمرة مع الأمم المتحدة وغيرها من الأطراف ذات الصلة.