عشر سنوات على تحرير تكريت.. كيف غيّرت المعركة ميزان القوى ضد عصابات التكفير؟

انفوبلس/..
في الذكرى العاشرة لمعركة تحرير تكريت، نستذكر واحدة من أعظم الملاحم التي سطّرها الحشد الشعبي والقوات العراقية في مواجهة الإرهاب.
ففي ربيع عام 2015، انطلقت عملية عسكرية كبرى لاستعادة المدينة من قبضة تنظيم داعش الإرهابي، حيث خاض المقاتلون مواجهات شرسة وسط تحديات معقدة، من العبوات الناسفة إلى الكمائن الانتحارية.
وبفضل التنسيق العسكري العالي والتضحيات الكبيرة، تحقق النصر، ليكون محطة مفصلية في مسار تحرير المدن العراقية لاحقًا.
إعادة رسم للمشهد
في صيف عام 2014، سيطر تنظيم داعش على مدينة تكريت، مسقط رأس الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، مما جعلها هدفًا استراتيجيًا للقوات العراقية.
في 2 مارس/آذار 2015، أطلقت الحكومة العراقية عملية عسكرية واسعة لتحرير تكريت، بمشاركة قوات الجيش والشرطة العراقية، إلى جانب دور محوري لقوات الحشد الشعبي التي كانت في طليعة المواجهة، مسنودة ببعض العشائر العربية.
وخاض المقاتلون معارك شرسة وسط بيئة معقدة، حيث اعتمدت عصابات داعش الإرهابية على زرع العبوات الناسفة وتفخيخ المباني لإعاقة التقدم، ما تطلب تكتيكات حذرة لتقليل الخسائر البشرية.
قدّم طيران الجيش العراقي والقوة الجوية دعمًا مباشرًا، فيما نفّذ التحالف الدولي ضربات محدودة ضد بعض مواقع التنظيم.
في 5 مارس، حاولت عصابات داعش الإرهابية شن هجوم على القوات العراقية في قرية المعبيدي، شرق تكريت، لكن مقاتلي الحشد الشعبي تصدوا للهجوم بشجاعة، ودارت معارك ضارية انتهت بتقدم القوات نحو تل كصيبة ومشارف الدور والبوعجيل.
كما تمكن الحشد الشعبي والجيش العراقي من السيطرة على حقل عجيل النفطي، ما وجه ضربة قاصمة لعناصر الإرهاب بحرمانهم من أحد أهم مصادر تمويلهم.
ومع استمرار العمليات، فرضت القوات العراقية، بقيادة وتضحيات الحشد الشعبي، حصارًا محكمًا على تكريت من ثلاثة محاور، وبدأت باستعادة القرى الجنوبية، حيث كان للحشد دور أساسي في تنفيذ العمليات الميدانية، مستخدمًا المدفعية وراجمات الصواريخ لشلّ تحركات العدو.
التقدم والتحرير
وفي 10 مارس، تحقق تقدم استراتيجي كبير باستعادة بلدة العَلَم شمال تكريت، مما مهّد الطريق لمرحلة الهجوم الحاسم على المدينة. وبعدما أحكمت القوات قبضتها على جميع مداخل تكريت، تم توجيه إنذار نهائي لعصابات داعش الإرهابية بالاستسلام، لكن عناصرها اختاروا القتال حتى النهاية.
في 11 مارس، انطلقت معركة التحرير النهائية من أربعة محاور، وكان الحشد الشعبي في الخطوط الأمامية، يقاتل بشجاعة لاستئصال الإرهاب من المدينة، وتقدمت القوات من الشمال والجنوب، ونجحت في تحرير أجزاء واسعة من حي القادسية، بينما تحركت قوة أخرى من الجنوب باتجاه مركز المدينة.
لم تمضِ سوى ساعات حتى تمكنت قوات الحشد الشعبي والجيش من رفع العلم العراقي فوق المستشفى العام جنوب تكريت، إيذانًا بانهيار التنظيم الإرهابي، كما اقتحمت قوات الحشد منطقة القصور الرئاسية، أحد أهم معاقل داعش، وفرضت سيطرتها الكاملة عليها.
استمر القصف المدفعي والجوي على المناطق المتبقية التي تحصنت فيها عصابات داعش الإرهابية، فيما واصل الحشد الشعبي والجيش زحفهما عبر منطقة الديوم وصولًا إلى مركز تكريت.
وبحلول نهاية مارس، اكتمل التحرير التام للمدينة، في واحدة من أعظم معارك الحشد الشعبي والقوات العراقية، والتي مهّدت الطريق لمعارك التحرير اللاحقة، وصولًا إلى اجتثاث الإرهاب من المدن العراقية الأخرى.
التحديات والصعوبات
خلال معركة تحرير تكريت، واجهت القوات العراقية، وفي مقدمتها الحشد الشعبي، تحديات معقدة فرضتها عصابات داعش الإرهابية في محاولة لعرقلة التقدم وتأخير الهزيمة المحتومة، ورغم شراسة المواجهات، أظهرت القوات العراقية صمودًا استثنائيًا، متجاوزة هذه الصعوبات بروح قتالية عالية وتكتيكات عسكرية فعالة.
اعتمدت عصابات داعش الإرهابية على استراتيجية تفخيخ الطرق والمباني بزرع كميات هائلة من العبوات الناسفة، مما جعل التقدم العسكري محفوفًا بالمخاطر. وكان على فرق الهندسة العسكرية، خاصة التابعة للحشد الشعبي، العمل بحذر شديد لتفكيك الألغام وإزالة العوائق، مما ساعد في تقليل الخسائر وتأمين مسارات آمنة للقوات المتقدمة.
كما تمركز القناصة في مواقع استراتيجية داخل المدينة، واستُخدمت أساليب قتال عنيفة مثل الهجمات الانتحارية والمفخخات، في محاولة لإبطاء تقدم القوات العراقية، لكن بفضل تكتيكات الحشد الشعبي، تم تحييد هذه التهديدات عبر عمليات اقتحام منسقة، وكمائن مضادة، ما أدى إلى سحق عناصر العدو وتحرير الأحياء تباعًا.
وحاولت عصابات داعش الإرهابية بثّ الرعب من خلال حملات إعلامية دعائية، مستغلة مواقع التواصل الاجتماعي لبث مقاطع فيديو تهدف إلى التأثير على معنويات القوات العراقية، غير أن الحشد الشعبي والقوات الأمنية واجهوا هذه الحرب النفسية بإرادة صلبة، مستخدمين الإعلام المضاد لنقل الانتصارات وتعزيز الروح القتالية لدى المقاتلين والمدنيين على حد سواء.
ورغم كل هذه التحديات، نجح الحشد الشعبي والقوات العراقية في فرض سيطرتهم على ساحة المعركة، مستفيدين من التخطيط المحكم والقدرة على التكيف مع أساليب العدو.
كانت معركة تكريت اختبارًا حقيقيًا للإرادة الوطنية، وقد سجل المقاتلون العراقيون فيها ملحمة بطولية أعادت الأمل بتحرير العراق بالكامل من براثن الإرهاب.
المحاور القتالية في المعركة
انطلقت معركة تحرير تكريت وفق خطة عسكرية محكمة، حيث تقدمت القوات العراقية والحشد الشعبي من عدة محاور رئيسية، بهدف محاصرة عصابات داعش الإرهابية وشلّ تحركاتها داخل المدينة.
المحور الجنوبي: تقدمت القوات من منطقة الديوم باتجاه مركز المدينة، حيث خاضت مواجهات شرسة، انتهت بالسيطرة على مستشفى تكريت العام ورفع العلم العراقي فوقه، في إشارة رمزية لانهيار التنظيم الإرهابي.
المحور الشمالي: تقدمت القوات عبر حي القادسية، مخترقة تحصينات العدو وصولًا إلى عمق تكريت، مما ساهم في إضعاف دفاعاته.
المحور الشرقي: شهد اقتحام القصور الرئاسية، أحد أهم معاقل داعش، حيث تمكنت القوات العراقية والحشد الشعبي من تطهيرها بالكامل.
كان التنسيق العالي بين القطاعات العسكرية، إلى جانب الإسناد الجوي المكثف، عاملًا حاسمًا في تسريع وتيرة الحسم العسكري.
حجم الأضرار في المدينة
بعد تحرير تكريت، كشفت عمليات التقييم عن أن حجم الدمار الذي لحق بالمدينة كان أقل مقارنة بما شهدته مدينتا الرمادي والموصل، ورغم تعرض بعض المباني والمرافق العامة لأضرار متفاوتة، إلا أن البنية الأساسية للمدينة بقيت متماسكة إلى حد كبير، ما سهّل عملية إعادة الإعمار وعودة الحياة إلى طبيعتها بسرعة نسبية.
في المقابل، تعرضت الرمادي لدمار واسع النطاق نتيجة المعارك العنيفة التي شهدتها، حيث دُمرت أحياء بأكملها وتضررت بنيتها التحتية بشكل كبير، أما الموصل، فقد شهدت أكبر حجم من الدمار، خاصة في المدينة القديمة، حيث تساوت بعض الأحياء بالأرض بفعل الاشتباكات الضارية والقصف المكثف.
كان تحرير تكريت نقطة تحول استراتيجية في الحرب ضد عصابات داعش الإرهابية، إذ أثبت هذا النصر قدرة القوات العراقية، وعلى رأسها الحشد الشعبي، على استعادة الأراضي وتحرير المدن من الإرهاب. كما عزّز الانتصار، الثقة في الجيش العراقي ومؤسساته الأمنية، ومهّد الطريق لتحرير الرمادي والموصل لاحقًا.
إلى جانب الأهمية العسكرية، لعب تحرير تكريت دورًا كبيرًا في تعزيز الوحدة الوطنية، إذ شاركت في العملية قوات من الجيش والشرطة والحشد الشعبي، إلى جانب مقاتلي بعض العشائر في صلاح الدين، مما أكد أن العراقيين قادرون على التكاتف لعبور المحن والتصدي للتحديات المشتركة.
من شهداء التحرير
قدّمت قوات الحشد الشعبي العديد من التضحيات خلال معركة تحرير تكريت، وكان من بين الشهداء الأبطال الذين سطّروا أروع ملاحم الفداء، الشهيد حقي إسماعيل، أحد مقاتلي لواء علي الأكبر، الذي استُشهد أثناء التصدي لعصابات داعش الإرهابية.
كما زفّ الحشد الشعبي القائد الميداني علي الموسوي، المعروف بـ"أبو حسنين الموسوي"، أحد قادة كتائب الإمام علي، والذي نال وسام الشهادة خلال المعارك.
ومن الشهداء الذين خلّدوا أسماءهم بدمائهم، القائد المجاهد مهدي خادم عليوي الكناني، الذي وُلد في بغداد عام 1965، والذي استشهد في 4 آذار 2015 في قرية البو عجيل بمحافظة صلاح الدين.