عندنا كذّبت الأميركية جيسكا لينش بلادها بشأن قصة أسرها في العراق.. كيف اخترعت واشنطن بطلة على الورق؟
انفوبلس/ تقارير
أنا ما زلت لا أعرف لماذا اختاروا أن يكذبوا ويحاولوا أن يجعلوا مني أسطورة؟ من اللحظة التي استيقظتُ فيها في هذا المستشفى (الناصرية) لا أحد كان قد ضربني، لا أحد صفعني، لا أحد، لا شيء من هذا القبيل، أنا ممتنة جدا لهؤلاء الناس، لأن ذلك هو السبب في أنني على قيد الحياة اليوم.. بهذه العبارات ردّت المقاتلة في صفوف الجيش الأميركي جيسكا لينش، على مزاعم بلدها بتعرضها للاغتصاب والتعذيب عندما تم أسرها في مدينة الناصرية، بعد تجاوزها محنة الأسر وتغيير موقفها من غزو بلدها للعراق، فما هي تفاصيل القصة؟ وكيف سوّقت أميركا الأكاذيب وصدقتها؟.
*من هي جيسيكا لينش ؟
جيسيكا داون لينش من مواليد 26 أبريل 1983 هي جندي سابق في جيش الولايات المتحدة الذي غزا العراق عام 2003. يوم 23 مارس/ آذار، 2003، كانت لنج تخدم في فصيلة تابعة لوحدة عسكرية متخصصة في الإمداد والصيانة هي السريّة 507 عندما تعرض رتلها لكمين من قبل القوات العراقية خلال معركة الناصرية. أُصيبت لينش بجروح خطيرة وقُبض عليها، إنقاذها الذي تمّ من قبل قوات العمليات الخاصة الامريكية في 1 أبريل/ نيسان 2003، تلقى تغطية إعلامية كبيرة وكان أول إنقاذ ناجح لأسير حرب أمريكي منذ حرب فيتنام، وأول إنقاذ لامرأة منذ الحرب العالمية الثانية.
*معركة الناصرية
في 23 مارس 2003، تعرّض رتل لسريّة التموين 507 وعناصر من كتيبة الدعم القتالي الثالثة من جيش الولايات المتحدة لكمين في مدينة الناصرية في جنوب العراق. لقد أتبع الرتل عربة همفي تقودها "لوري بيستوا"، التي سارت في مسار خاطئ، وتعرضوا للكمين في الناصرية، وهي نقطة عبور رئيسية على نهر الفرات شمال غرب البصرة. كان من المفترض بالقافلة الالتفاف حول المدينة، وبدلا من ذلك دخلت مباشرة إلى المدينة، فوقعت في النهاية في الكمين. من غير المرجح أن الكمين تم إعداده مسبقا، لأن العراقيين لم يعرفوا أي مسار سوف تتخذه القافلة، بدأت النيران تنهمر على القافلة من كل جانب، العربة التي كانت لينش تركب فيها من نوع همر تعرضت لقذيفة صاروخية أدت إلى انقلابها واصطدامها بالجزء الخلفي من جرار ومقطورة فتحطمت وأُصيبت لينش بجروح بالغة.
تم أسر لينش من قبل القوات العراقية، واعتُبرت في البداية في عداد المفقودين في العمليات، قُتل أحد عشر جنديا أمريكيا آخر في الكمين، وتم أسر خمسة جنود آخرين، وتم إنقاذهم بعد 21 يوما.
*وشاية المحامي العراقي بمكانها
بعد بعض الوقت في عُهدة فوج من الجيش العراقي، سُلّمت لينش إلى مستشفى في الناصرية، وقد عرفت القوات الامريكية بمكان لينش من خلال محامٍ عراقي من أهالي الناصرية، قال لهم إنها قد تعرضت للتعذيب والضرب، ولكنها لا تزال على قيد الحياة، وقد حصل المحامي "محمد عودة الرهيف" البالغ من العمر 32 عاما، لاحقا، هو وعائلته، على وضع اللاجئ من قبل الولايات المتحدة.
وأشارت التقارير الأولية إلى أن زوجة الرهيف، كانت ممرضة اسمها "إيمان" في المستشفى حيث كانت لينش محتجزة كأسيرة، وأن الرهيف في أثناء زيارته لزوجته في المستشفى، لاحظ تصاعد الإجراءات الأمنية وأنه استفسر عن السبب. ولكن، أكد موظفو المستشفى في وقت لاحق أن الجزء الوحيد من قصة الرهيف هو أنه قد زار المستشفى بالفعل، ولكن زوجته لم تكن ممرضة هناك، ولم يكن هناك أي ممرضة باسم إيمان تعمل هناك.
وقد اختلف الأطباء العاملون في المستشفى مع قصة الرهيف، فهم يقولون إن لينش كانت محمية ومصونة من قبل العاملين في المستشفى وتلقت معاملة جيدة طوال فترة إقامتها. قصة لينش الخاصة تتفق مع هذه الاعتراضات، فقد قالت لينش إنها كانت تُعامل معاملة إنسانية، مع وجود ممرضة كانت تقوم حتى بالغناء لها.
وعلاوة على ذلك، ووفقا للتقارير، وفي يوم 30 مارس، حاول الأطباء تسليم لينش لقوات الولايات المتحدة، من خلال إرسالها بسيارة إسعاف يرافقها طبيب، ولكن المحاولة فشلت عندما أطلق الجنود الأمريكيون النار على سيارة الإسعاف العراقية بمجرد محاولة اقترابها من نقطة السيطرة.
ووفقا لرواية الرهيف للأحداث التي أدت إلى إنقاذ لينش، قال إنه مشى ستة أميال إلى نقطة تفتيش تابعة للبحرية الأمريكية لإبلاغ القوات الأمريكية أنه يعرف أين كانت لينش محتجزة، وبعد التحدث مع مشاة البحرية، تم إرسال الرهيف إلى المستشفى من جديد لجمع مزيد من المعلومات، التي كانت تُستخدم للتخطيط لإنقاذ لينش.
وحسب زعمه، عاد الرهيف إلى الأمريكان مع خمس خرائط مختلفة للمستشفى وتفاصيل خطة الأمن، وخطة رد فعل، وتوقيتات المناوبات.
ذكر الجيش الامريكي أنه علم عن موقع لينش من العديد من المخبرين، واحد منهم كان الرهيف. بعد وصول الرهيف، وتأكيده لموقع لينش، قام المسؤولون في وكالة الاستخبارات الدفاعية بتجهيز وتدريب مخبر مجهول، وزودوه بكاميرا خفية. في يوم الغارة، مشى المخبر حول المستشفى، وقام بتصوير المداخل والطريق إلى غرفة لينش سرّاً.
*يكذّبون أنفسهم بأنفسهم
وكلمحة سريعة من كتاب براج هذا نلتقط مقطعا قصيرا يناقض نفسه ويصطدم مع الأكاذيب والمبالغات التي فبركها البنتاغون والصحافة حول بطولات جيسيكا لينش، فقد جاء في الصفحة 78 ما يلي :
جيسي ، تجلس القرفصاء في المقعد الخلفي، ذراعاها حول كتفيها، جبينها على ركبتيها.. آخر شيء تذكرته هو أنها كانت تصلي.. "يا الله، أخرجنا من هنا" (أنا جندي، أيضا، ص 78).
فإذا كانت لينش تختض وترتعد وتبتهل إلى الله بأن ينقذها من هذه المحنة، فكيف قاتلت كاللبوة حتى آخر طلقة؟!
*لينش تكذّب بلادها: لم أطلق طلقة واحدة من سلاحي!
التقارير الرسمية الأولية عن التقاط لينش وإنقاذها في العراق كانت غير صحيحة. في 24 أبريل 2007، أدلت لينش بشهادتها أمام الكونغرس وقالت إنها لم تكن قد أطلقت أي طلقة من سلاحها كانت تحمل بندقية M16 ، وأنها قد أُغمي عليها عندما تحطمت سيارتها. كانت لينش تتحدث بصراحة في انتقادها للقصص التي تحدثت عن خبرتها القتالية. وردّاً على سؤال حول وصفها كبطلة، قالت "لم يكن هذا أنا، وأنا لست على استعداد للحصول على صيتٍ لشيء لم أفعله... أنا مجرد واحدة من الناجين".
عائلة لينش كانت مشوّشة حول القضية. قالت للصحافة أولا إن ابنتهم لم تُصب بأي أعيرة نارية (ظهرت الحقيقة بعد أسابيع وهي أن لينش لم تُصب بطعنة ولا برصاصة واحدة، وكانت إصاباتها بسبب سقوطها من سيارتها). في وقت لاحق، رفض والدا لينش الحديث إلى الصحافة، موضحين أنهما أُخبرا بأن "لا يتحدثا عن الموضوع".
*الشهادة أمام الكونغرس
في 24 أبريل 2007، قدمت لينش شهادتها في الكونغرس أمام لجنة مجلس النواب للرقابة والإصلاح الحكومي حيث قالت إن وزارة الدفاع الأمريكية قد صورتها بشكل خاطئ وكأنها "رامبو من تلال غرب فرجينيا". في حين أنها في الواقع، لم تطلق رصاصة واحدة بعد أن وقعت وحدتها في الكمين وانقلبت شاحنتها.
بدأت شهادتها بالإشارة إلى أن ظهورها لم يكن بدوافع سياسية، وفي بيان مُعدّ سلفا، قالت:
• أعتقد أن هذا ليس الوقت المناسب لتوجيه أصابع الاتهام، لقد حان الوقت لمعرفة الحقيقة، كل الحقيقة، مقابل الضجيج والتضليل.
• أنا ما زالت لا أعرف لماذا اختاروا أن يكذبوا ويحاولوا أن يجعلوا مني أسطورة؟!.
• حقيقة الحرب ليس دائما من السهل الاستماع لها ، ولكنها دائما أكثر بطولة من هذا الضجيج."
*الغارديان تفضح الكذبة .. والواشنطن بوست تعدّل
نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تفنيدا لرواية "القتال حتى الموت" للأحداث، وقالت: "إن عملية إنقاذ لينش سوف تمضي باعتبارها واحدة من أكثر القطع إثارة في إدارة الأخبار، إنها تقدم نظرة رائعة للتأثير الحقيقي لمنتجي هوليوود على مديري وسائل الإعلام التابعة للبنتاجون، إنها تنتج قالباً تأمل أن يكون نموذجا لحروب أمريكا في المستقبل".
وبعده بأيام، بثت بي بي سي فيلما وثائقيا يستعرض الحادث في العمق. اضطرت واشنطن بوست يوم 17 يونيو إلى أن تشتغل من جديد لتنشر مقالة فيها تصريح لمسؤول عسكري مجهول يدحض معظم ما ظهر عن القصة في 3 أبريل.
*شهادة طبيب عراقي : الإنقاذ كان مثل فيلم من "هوليوود"
وكان الجانب الأكثر إثارة للدهشة في العملية الحكومية المحيطة بمحنة لينش هو الانطلاق لنجدتها، التقارير العسكرية المقدّمة للصحافة أشارت إلى أن أفراد القوات الخاصة قد خاطروا بحياتهم تحت النيران المعادية التي انصبت عليهم من القوات العراقية في المستشفى، وقد تم تصوير العملية بالكامل من قبل الجيش بكاميرات للرؤية الليلية، ثم تم تحرير الفيلم وإخراجه وصدر إلى وسائل الإعلام كدليل على عملية إنقاذ جريئة.
الطبيب العراقي (ا. ع)، الذي كان في المستشفى في ذلك الوقت، اعترض مباشرة على ما جاء في عملية الإنقاذ هذه، وقال في مقابلة لفيلم وثائقي لبي بي سي إنه "لم يكن هناك أي جيش عراقي، ولم يكن هناك جنود عراقيون في المستشفى، وما حصل مثل أفلام هوليوود، القوات الأمريكية تصرخ: اذهب اذهب، اذهب،go .. go .. go ..مع البنادق والعيارات الفارغة ودوي الانفجارات، وقدموا عرضا للهجوم الأمريكي على المستشفى مثل أفلام الحركة التي بطلها سيلفستر ستالون أو جاكي شان".
تم بث لقطات فيلم إنقاذ لينش على نطاق واسع في تلفزيون الولايات المتحدة باعتبارها واحدة من عدد قليل من قصص "الأنباء الطيبة" التي تأتي من العراق الذي مزّقته الحرب في الأيام الأولى للغزو، وذلك في محاولة لحشد التأييد في الداخل لسياسات إدارة بوش. ومع ذلك، فإن الحكومة كانت عازمة على الاستفادة من قصة جيسيكا لينش لرفع الروح المعنوية بين الجنود في العراق وتعزيز غريزة القتال بين صفوفهم.