قراءات مُفصلة لخطاب المتحدث باسم داعش أبو حذيفة الأنصاري.. بمَ وصفه الخبراء؟ وما مغزى توقيته الحالي؟
انفوبلس/ تقارير
في الرابع من كانون الثاني الماضي، بثّ تنظيم داعش الإرهابي كلمةً للمتحدث باسمه، أبو حذيفة الأنصاري، تحت عنوان "واقتلوهم حيث ثقفتموهم"، حيث استغرق الخطاب 33 دقيقة، وهي الرسالة الثانية للمتحدث باسم التنظيم منذ توليه المنصب في أغسطس 2023، في أعقاب مقتل القرشي زعيم التنظيم الرابع. هذه الرسالة المُفاجِئة تطرح العديد من التساؤلات، لا سيما حول دلالات التوقيت، ومسارات التحركات المحتملة التي يمكن أن يقوم بها التنظيم خلال المرحلة المقبلة. انفوبلس سلّطت الضوء على هذا الخطاب وتناولت أبرز قراءات الخبراء له والتي رأت أغلبها بأن أبرز دلالة على ما جاء في الكلمة الصوتية هو الضعف والتوسل والإقرار بقرب نهاية خلافة التنظيم المزعومة.
*أبو رغيف: الخطاب يدل على الضعف والتوسل
وبهذا الصدد، رأى الخبير الأمني فاضل أبو رغيف، أن الخطاب الأخير للناطق باسم تنظيم داعش الإرهابي، دلالة على الضعف والتوسل وإقرار بقرب نهاية خلافة التنظيم المزعومة.
وقال أبو رغيف في تدوينة على موقع “أكس”، تابعتها “انفوبلس”، إن “خطاب الناطق باسم داعش الإرهابي (أبو حذيفة الأنصاري) كان خطاباً مطنباً ومتشعباً وفيه الكثير من الفقرات التي تثير الانتباه”.
وأضاف، إن “الإرهابي أبو حذيفة بدأ خطابه بوجوب الاستمرار على ذكر الله مقروناً بالهجرة إليه، وهي إشارة لتحريضهِ أتباعه للالتحاق بولايات التنظيم بالدول التي يتواجد فيها التنظيم، وألحَّ على التذكير بمرور عقدٍ من الزمن على تأسيس داعش منذ انبقارها من خاصرةِ القاعدة، فقد أعاد جملة (مضى عقد)، من الزمن قرابة الخمسِ مرات”، مبيناُ أنها “إشارة لتطلعه أن قوة التنظيم ببقائه واستمراره”.
*كيف قرأ أبو رغيف تنبيهات "ألانصاري" لإرهابييه؟
وأوضح أبو رغيف أن “تذكير الإرهابي بميثاق النبوة، وأن القابض الجمر وشكره للغُرباء النُزاع، يبين استجداءه الأجانب من غيرِ العرب للالتحاق بهم”.
وأردف، إن “الإتيان وبروحِ القانط ليُقرعهم إن قعدوا عن تنفيذ غزوة رمضان (والتي اعتاد التنظيم تنفيذها عند كل عام بهذا الشهر)، اجترار لتاريخ غزوات الإسلام بشهر رمضان (المعارك والمغازي)”.
ونوه أبو رغيف إلى، أن “الإرهابي نبَّه أعوانه من الإرهابيين على طريقهم الطويل وحملهم الثقيل، وعليهم تحمل ظنك العيش ولغب الحياة من أجل بقاء تنظيمهم”، مضيفا أنه “نضَّد بنحوٍ يشحذ همم شراذم أتباعه بولايات خراسان والصومال وباكستان وماراوي وسرت ووسط أفريقيا وليبيا وسيناء وشرق آسيا”.
و ذكَّر الإرهابي أتباعه بأن “تنظيمهم الإرهابي جاد وقدم أربع قرابين (وهم زعماء التنظيم)، وأسماهم بأنهم لم يموتوا حتف أنوفهم بل بساحات المراغمة قد قُتلوا”.
*جملة "الغرباء النزع".. قراءة موضوعية
وبين أبو رغيف، إن “تكرار جملة الغُرباء النُزع، في خطاب الإرهابي على مريديه الآفلين وكأنما يخاطب أشباحا غير موجودين، أظهر خِوار تنظيمه بأنهُ يشكو شحة العدد وقلة المدد وضعف العدة”.
ورأى، أن “التذكير المتكرر لسُننِ الابتلاء والمداولة، إقرار بانتهاء أجل التنظيم واندثاره”، مؤكداً أن “شكوى الإرهابي من أنهم على مضض حالهم وأنهم مسَّهم القرح والتمحيص والذي مسَّ القوم قبلهم إشارة بقرب النهاية”.
وأشار إلى، أن “وصيته لجماعته الإرهابية بالجماعة الجماعة، دلالة بيّنة على نهاية تنظيمهم الإرهابي”.
ولفت أبو رغيف إلى أن “تأكيد الإرهابي لأول مرة على عدم ترك ساحة المناجزة (ويعني الإعلام)، يؤكد عجزهم عن تنفيذ اي عملية نوعية”، مبيناً أنه “أوصاهم بإعادة عرض عملياتهم السابقة وهذا يعني عجزهم عن العودة إبان جيل رعيلهم الأول”.
*دلالات رئيسية
أما الباحث المتخصص في شؤون الإرهاب أحمد البحيري فقد أكد أن كلمة المتحدث الرسمي باسم تنظيم داعش، أبو حذيفة الأنصاري، المُفاجِئة جاءت في توقيت يتنامى فيه نشاط التنظيم العملياتي مرة أخرى بشكل ملحوظ خلال الأشهر الماضية، في أغلب دول الارتكاز للتنظيم، وذلك بالتوازي مع دخول الحرب الصهيونية على قطاع غزة شهرها الثالث – الخامس الآن -، وهو ما يشير إلى أن توقيت الكلمة – الرابع من كانون الثاني الماضي - يمثل النقطة الأهم في الفهم والتحليل أكثر من مضمونها نفسه، حيث يرتبط بالعديد من الأهداف والرسائل التي يحاول التنظيم تحقيقها وتوجيهها، وهو ما يمكن تناوله في قادم الأسطر.
* محاولة إحياء التنظيم ورفع مستوى عملياته الإرهابية
ويبدأ البحيري بسرد الأهداف والرسائل التي يحاول التنظيم تحقيقها وتوجيهها، حيث يؤكد أن الهدف الأول للتسجيل هو محاولة إحياء التنظيم ورفع مستوى عملياته الإرهابية حيث إن الكلمة جاءت بعد ساعات من إعلان التنظيم ما أطلق عليه غزوة "واقتلوهم حيث ثقفتموهم"، والتي بدأت بالعملية الإرهابية في إيران وأسفرت عن استشهاد ٨٤ شخصا وإصابة العشرات، وهى العملية الثانية في إيران من قبل تتظيم داعش، منذ تولي أبي حفص الهاشمي القرشي مسؤولية التنظيم في 3 أغسطس 2023.
وتابع، "تزامنت هذه العملية الإرهابية في إيران مع سلسلة من العمليات الإرهابية التي قام التنظيم بتنفيذها في أغلب مناطق ارتكازه من شرق آسيا وصولاً إلى غرب ووسط أفريقيا، حيث وصل عدد العمليات الإرهابية التي نفذها التنظيم خلال يومي 3 و4 كانون الثاني إلى ما يقرب من 33 عملية إرهابية، في 9 دول، وهي النسبة الأكبر من حيث تنفيذ التنظيم لعملياته الإرهابية خلال 24 ساعة منذ عام 2022.
ويضيف الباحث المتخصص في شؤون الإرهاب، "من هنا، جاءت كلمة المتحدث باسم التنظيم لتعلن عن بداية جديدة محتملة لاتساع نطاق عملياته الإرهابية خلال المرحلة المقبلة، مع التأكيد على استمرار التنظيم في تنفيذ قاعدة "أولويات الاستهداف" المرتبطة بما يطلق عليه "العدو القريب".
*محاولة السيطرة على ما تبقى من أفرع تنظيم القاعدة
وعن الهدف الآخر يقول البحيري، إن خطاب الأنصاري يهدف إلى محاولة السيطرة على ما تبقى من أفرع تنظيم القاعدة الذي يشهد حالة من الارتباك منذ مقتل زعيمه السابق أيمن الظواهري، في 31 يوليو 2022، وعدم الإعلان الرسمي عن قائد جديد للتنظيم.
ويتابع، "تنامت الخلافات الداخلية خلال الفترة الأخيرة على إثر إعادة طرح تنظيم القاعدة مفهوم "العدو"، وهو ما دفع بعض أفرع التنظيم، وخصوصاً في اليمن وسوريا، إلى إصدار كتيّب حول إيران بعنوان "غزة في نظر إيران"، بقلم أواب الجنوبي، والذي صدر في منتصف ديسمبر 2023، وشنَّ هجوماً عنيفاً على إيران واقترب من مفهوم داعش باعتبارها "العدو القريب".
*خطاب الأنصاري والعملية الإرهابية في إيران
ويمضي البحيري بالقول، "ربما يقدم ذلك تفسيراً آخر حول أسباب قيام تنظيم داعش في هذا التوقيت بتنفيذ العملية الإرهابية في إيران، إذ يسعى إلى استقطاب العناصر القاعدية، وخصوصاً في سوريا واليمن، عبر استغلال حالة التناقض الفكري والعملياتي بين عناصر التنظيم القاعدي، حيث تعتبر قضية "العدو القريب والعدو البعيد" إحدى أبرز نقاط الخلاف بين تنظيم القاعدة وداعش، بل تعتبر النقطة الأبرز في انفصال تنظيم داعش عن تنظيم القاعدة في عام 2014".
ومن هنا، جاءت كلمة المتحدث باسم تنظيم داعش في هذا التوقيت كمحاولة لتعزيز القدرة على استقطاب العناصر القاعدية التي أصدرت هذه الرسالة على خلاف مع تكتيك تنظيم القاعدة المستمر منذ أسامة بن لادن في أعقاب الغزو الأمريكي لأفغانستان في عام 2001.
*محاولة إحياء الخلافة المكانية واستغلال الانشغال الدولي بحروب أخرى
وعن الهدف الآخر قال البحيري، إنه محاولة إحياء الخلافة المكانية واستغلال الانشغال الدولي بحروب أخرى: فمنذ أن فقد داعش آخر جزء جغرافي فيما يسمى "الخلافة المكانية" بعد الهزيمة التي تعرض لها في الباغوز السورية في مارس 2019، يسعى التنظيم إلى إعادة السيطرة مره أخرى على بعض المناطق الجغرافية في سوريا، إذ تمكن التنظيم خلال الأشهر الماضية من إعادة السيطرة على بعض مناطق البادية وإعادة نشاطه في مناطق الجزيرة وغرب وشرق نهر الفرات، مستغلاً انشغال المجتمع الدولي بأزمات وحروب أخرى، على نحو أسفر عن تراجع ملحوظ في جهود مكافحة الإرهاب من قبل التحالف الدولي لمكافحة داعش في العراق وسوريا خلال الأشهر الثلاثة الماضية، مع شبه توقف لفاعلية القوات الروسية الداعمة في عمليات مكافحة الإرهاب بالتنسيق مع النظام السوري منذ بدء الحرب الروسية- الأوكرانية.
وتابع المتخصص في شؤون الإرهاب، "هذا الفراغ في مكافحة الإرهاب ضد التنظيم في سوريا دفع داعش خلال الأشهر الماضية، ومنذ تولي أبي حفص الهاشمي القرشي زعامة التنظيم، إلى إعادة محاولة إحياء "الخلافة المكانية" بسوريا، وجاءت الكلمة الأخيرة للمتحدث باسم تنظيم داعش بعد أيام من تمكن التنظيم الإرهابي من السيطرة على بعض المناطق بالقرب من مقر "الخلافة المكانية" المنهارة في عام 2019".
*استغلال الحرب الصهيونية على غزة
ركزت كلمة أبو حذيفة الأنصاري وفق البحيري على الحرب الصهيونية بقطاع غزة في محاولة لمزيد من الاستقطاب والتجنيد، وهى المحاولة الرابعة منذ 7 أكتوبر 2023، حيث استغل التنظيمُ، الحربَ، وقام بنشر أربع رسائل مباشرة حول غزة عبر الافتتاحية الرئيسية لصحيفة "النبأ" الداعشية.
الرسالة الأولى كما يقول البحيري كانت في 19 أكتوبر 2023 تحت عنوان "خطوات عملية لقتال اليهود"، والأمر نفسه بالنسبة للإصدارات الثلاثة التالية وآخرها في العدد رقم 417 الصادر يوم الخميس 16 نوفمبر الماضي، بعنوان "قاتلوا الذين يلونكم من الكفار"، وهو التناول الأقرب لوضع استراتيجية للتنظيم للتعامل مع الحرب وليس طرح وجهة نظر تجاه الأحداث، من حيث شكل العمليات الإرهابية القادمة للتنظيم، والتي ظهرت ملامحها خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة وتنامت خلال الأيام الماضية منذ تنفيذ العملية الإرهابية في إيران.
*استراتيجية جديدة للتنظيم للعمليات الإرهابية
يؤكد البحيري، أن المتحدث باسم تنظيم داعش كشف في كلمته عن تصور محدد لتحركات التنظيم الإرهابية، عبر ما يمكن أن يطلق عليه "استراتيجية جديدة"، وهى أقرب إلى استراتيجية "الفترات الابتدائية"، أو ما يمكن أن يسمى "فترات ما قبل التمكين"، والتي تعتمد بصورة أكبر على "الذئاب المنفردة" أو بشكل أدق "الذئاب الغاضبة"، ويمكن أن يفسر لجوء التنظيم إلى هذا التكتيك في ضوء رغبته في إثبات الوجود، مع التحايل على الحصار الأمني عبر الاعتماد على ما يوفره هذا التكتيك من صعوبة في تعقب العمليات الإرهابية أو التنبؤ بحدوثها.
*ملخص
تأتي كلمة المتحدث باسم تنظيم داعش، أبو حذيفة الأنصاري، كمحاولة جديدة للتنظيم لتوظيف الأحداث المتسارعة على المستويين الإقليمي والدولي، وعلى رأسها الحرب الصهيونية على غزة، في سياق سعيه لإعادة التموضع والارتكاز مرة أخرى، وإحياء نشاطه بعد عامين من التراجع داخل دول الارتكاز القديمة (سوريا والعراق)، مع مزيد من الاستقطابات الجديدة والتجنيد. وذلك وفق البحيري.