للحصول على "أتاوات" أو فرض التوظيف.. القوات الأمنية تعتقل مبتزين هاجموا شركة في البصرة.. تعرّف على تاريخ هذا الملف
انفوبلس..
ضمن قائمة طويلة من عمليات الابتزاز، وسنوات من فرض "الأتاوات" على الشركات المحلية والعالمية العاملة في العراق، تعرضت شركة "أهوار ثغر الوطن" إلى هجوم من قبل مجموعة خارجة عن القانون بعد رفضها الابتزاز أثناء عملها على مشروع حيوي في محافظة البصرة، ولكن هذه المرة كانت القوات الأمنية بالمرصاد وألقت القبض على المعتدين.
اتحاد المقاولين العراقيين/ فرع البصرة، كشف عن تعرض إحدى الشركات العاملة في البصرة الى اعتداء بسبب امتناعها عن "دفع أتاوات".
وقال نائب رئيس اتحاد مقاولي البصرة، حسين المالكي، في بيان إن "إحدى الشركات العاملة في البصرة تعرضت الى اعتداء جديد بهدف الحصول على أموال دون وجه حق وذلك خلال تنفيذها لمشروع حيوي، ألا وهي شركة (أهوار ثغر الوطن)، خلال تنفيذها لمشروع سوق القبلة النموذجي الذي من شأنه القضاء على عشوائيات الباعة المتجولين وتوفير مئات فرص العمل للشباب العاطلين".
وطالب المالكي "بتوفير الحماية لمقر الشركة والعاملين فيها وللمشروع الذي تنفذه في منطقة القبلة، لضمان عدم تكرار هكذا اعتداءات آثمة الغاية منها الحصول على أموال بطرق ابتزازية غير مشروعة من خلال التلويح باستخدام القوة تجاه الشركات العاملة في البصرة".
كما شكر المالكي في البيان محافظ البصرة وقائد شرطة المحافظة والقوات الأمنية لاتخاذهم الإجراءات القانونية والقبض على المعتدين.
ملف كبير
وبحسب مراقبين، فإن ملف ابتزاز الشركات يُعد من أشهر وأبرز ملفات الفساد التي تسعى الحكومة الحالية إلى مكافحتها والقضاء عليها لتوفير بيئة آمنة للمستثمرين من جهة، وتسريع عمليات الإعمار وإنجار المشاريع التي يحتاجها المواطنون من جهة أخرى، وتجفيف منابع ومصادر تمويل الجهات المبتزة وخفض مستوى نفوذها من جهة ثالثة.
وفي حادثة مشابهة، وخلال شهر أيار/ مايو الماضي، اعتقلت وكالة الاستخبارات ومكافحة الإرهاب في البصرة شخصا قام بإطلاق نار على إحدى الشركات العاملة في قضاء القرنة لأكثر من مرة بهدف الابتزاز وأخذ "الأتاوات".
وذكر مصدر أمني، أنه تم تشكيل فريق أمني داهم قضاء القرنة شمال المحافظة لاعتقال المتورطين بالحادث حيث تمكنت بعد مطاردة من اعتقال شخص ضمن مجموعة هددت إحدى الشركات وجاري التحقيق معه وعرضه على القضاء.
أما في شباط/ فبراير، من العام الحالي، فقد كشفت إدارة الشركة المنفذة لمشروع مَد أنابيب الماء ضمن مشروع “ماء البصرة الكبير” إلى مركز مدينة البصرة وجزء من قضاء “الهارثة”، أن نسبة إنجاز المشروع بلغت 60% وأن مَد الأنابيب سيكتمل خلال الأشهر الـ 6 المقبلة، ليتم تزويد هذه المناطق بالماء العذب، مؤكدة في الوقت نفسه أن هنالك العديد من المعرقلات التي تتعرض لها الشركة أبرزها العمل في بيئة عشائرية ما يدفع بعض المتنفذين إلى الابتزاز ومحاولة الحصول على "أتاوات" الأمر الذي يؤخر إنجاز جميع المشاريع في المحافظة.
معرقلات استثمارية
في عام 2019، أوقفت تسع شركات عراقية وأجنبية عملها نهائياً في مناطق عدة من العراق منذ مطلع العام، ونحو 20 شركة أخرى حولت أعمالها إلى مقاولين أو شركات ثانوية لاستكمال ما بدأت لتجنب مضايقات عشائرية وجهات خارجة عن القانون.
وبحسب مصدر مطلع، فإن تلك الشركات تعمل بمجال الطاقة والإسكان والبنى التحتية في جنوب ووسط وغرب العراق، كما سجلت بغداد حوادث إغلاق شركات غادرت البلاد وأخرى سلمت أعمالها لمقاولين من الباطن بمناطق شرق العاصمة.
نجم الربيعي، وهو مدير شركة مقاولات إنشائية في بغداد، يقول إنّ أي مشروع يتوجهون للتنافس على أخذه من الحكومة يجب عليهم أن يعرفوا مسبقاً هل هو خاضع لنفوذ عشائري أم لا؟ مؤكدا أن هذه هي أهم خطوة للحصول على أي مشروع يراد الاستثمار فيه.
ويضيف الربيعي: للأسف هذه الحقيقة، والمناطق الشعبية في المدن الرئيسية عادة ما تكون فيها عدة سلطات عشائرية ومسلحة وكل واحدة منها تريد حصة إما مبالغ محدّدة كأتاوة تدفعها الشركة لتتمكن من الاستمرار في العمل، أو أن تفرض توظيف عدد من أبنائها أو المحسوبين عليها.
ويؤكد أنّ بعض العشائر تطالب بمبالغ مالية شهرية، وبعضها تطالب بحصص من الأرباح، مقابل موافقتهم على عمل الشركات بمناطقهم وعدم التعرض لعامليها أو مقرات تواجدها التي تشيدها في تلك المناطق.
وأشار الربيعي إلى أنه في بعض الأحيان كل عشيرة تعمل بمعزل عن الأخرى، وكل منها يسعى للحصول على مكاسبه، وهذا خطر حقيقي يهدد الاستثمار والتقدم بالعراق لا يقل عن خطر الإرهاب.
الأقل جذباً للاستثمار
وكشف تقرير الاستثمار الأجنبي المباشر الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد"، في عام 2019، أن العراق الأقل جذباً للاستثمارات الأجنبية في المنطقة العربية.
من جانبه، حذر الخبير الاقتصادي عدنان عبد الستار، من مخاطر عدم وضع حد للانفلات العشائري في البلاد، مبيناً أنّ "استمرار هذه الحالة يؤثر بشكل واضح على إعمار واقتصاد وخدمات البلاد، إذ إنّ كل جهة من تلك الجهات تسعى لتحقيق أرباح خاصة لها على حساب المصلحة العامة، الأمر الذي بدأت آثاره تتضح جلياً، من خلال انعدام الخدمات وتعطل عمل الشركات".
وأضاف عبد الستار: "يجب أن يوضع قانون صارم للحد من ذلك، وعلى الحكومة تحمل مسؤوليتها إزاء هذا الوضع غير المطمئن"، مشيراً إلى أنّه "في حال استمرار التجاهل الحكومي، فإنّ ملفات الاستثمار والخدمات ستكون رهينة بيد العشائر والمليشيات، ما يعني تدهور هذه القطاعات بشكل كبير جداً، وخروجها عن سيطرة الدولة".
ابتزاز مدعوم سياسياً
مستشار محافظ البصرة لشؤون العشائر محمد الزيداوي، كشف في وقت سابق، عن تفشي ظاهرة ابتزاز الشركات العاملة في المحافظة من قبل "مدّعي المشيخة" بدعم من مسؤولين في بغداد.
وذكر الزيداوي، أن "هؤلاء كانوا يرقصون للنظام المباد وتسلقوا مجددا وحظَوا بمكانات لدى بعض المسؤولين في بغداد والبصرة، ويعملون على حلب الشركات العاملة في المحافظة بعد تهديدها".
وأشار إلى أنهم "يستعينون بجهات حزبية ودينية نافذة لتهديد الشركات وإجبارها على دفع الأموال، ومنح المناصب الوظيفية لأشخاص لا يستحقونها".
حصص ضخمة
النائب السابق عن محافظ البصرة، وائل عبد اللطيف، كشف أن بعض العشائر في محافظة البصرة تفرض أتاوات على الشركات وسيارات الحمل، كما أنها تقوم بالترويج للمخدرات في المحافظة.
وقال عبد اللطيف بتصريحات متلفزة عام 2019، إن "العشائر تريد أن يكون لها دور سلطوي في البصرة، كما أن الزعامات العشائرية أثّرت على القضاء بالتهديد والوعيد".
وأضاف، إن "بعض الزعامات العشائرية تحول إلى مقاول ثانوي، ومنهم من أخذ مبالغ كبيرة من الشركات النفطية"، مؤكدا أن "الأتاوات العشائرية تصل إلى 200 ألف دولار يومياً"، فيما أشار إلى أن "الحكومة غير قادرة على كبح جماح العشائر، التي لا تؤمن بفتاوى المرجعية الدينية ولاسيما في مسألة الديّة".
وزاد أنه "لا يوجد مشروع يمضي من دون أن يكون للعشائر حصة، حيث باتت تحكم القضاء والمجتمع المدني والتجارة".
وعن الأسلحة المتوفرة لدى العشائر، أفاد النائب السابق عن البصرة بأنه "لم يحاكم أي شخص من حملة تطويق الأسلحة المتوسطة المبذولة في الشارع البصري، ولابد لمقتني الأسلحة أن يُعاقَبوا بالسجن المؤبد".
حرب طويلة
منذ عام 2008، بدأت الجهود الأمنية والحكومية لفرض القانون ومنع سيطرة الجهات المبتزة على منافذ وموانئ العراق والشركات العاملة فيه.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة الشرق الأوسط في ذلك العام، أكد اللواء عبد الكريم خلف الذي كان يشغل منصب المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية العراقية، استمرار عمليات «صولة الفرسان» الهادفة إلى تطبيق القانون في مدينة البصرة، مشيرا إلى أن «الدعوة التي أطلقها رئيس الوزراء بأن تكون البصرة منزوعة السلاح، يجب أن تتحقق حيث تقوم القوات الأمنية العراقية بتفتيش البيوت بحثا عن الأسلحة والمجرمين الفارين من وجه العدالة، كما تم تحرير الموانئ العراقية من سيطرة العصابات وإخضاعها أمنياً لأجهزة وزارة الداخلية».
وقال اللواء خلف، إن «أهم ما في الموضوع هو أن المواطنين تجاوزوا حاجز الخوف وبدأوا يتعاونون مع الأجهزة الأمنية في الكشف عن عناوين المجرمين ومخابئ أسلحتهم، وتقديم شكاوى رسمية على مجرمين بأسمائهم بعد أن كانوا مهددين من قبل المجرمين، كما أن الشرطة صارت تلاحق عُتاة المجرمين بين الأزقة للقبض عليهم».
وأكد، «تحرير الموانئ العراقية من سيطرة العصابات التي كانت تديرها أو تسيطر عليها بصورة غير مشروعة وهي الآن تحت سيطرة قواتنا الأمنية»، منوها بأن «أية ممارسات خارجة عن القانون مثل تقاضي أجور إضافية على الموانئ ستتم ملاحقتها إذا تم الكشف عنها باعتبارها خارج القانون والدستور».
من جهته كشف المتحدث باسم وزارة الداخلية آنذاك قائلا، «لقد تم استحداث لواء جديد ضمن قوات وزارة الداخلية حمل تسمية (لواء صولة الفرسان) ووضع تحت قيادة مدير شرطة البصرة، وإذا استدعى الأمر سوف نشكل قوات إضافية أخرى»، نافيا أن «تكون القوات الأميركية أو البريطانية قد شاركت أو تشارك في عمليات صولة الفرسان، وأن القوات العراقية من جيش وشرطة وإسناد جوي هي وحدها التي تعمل على فرض القانون في البصرة».