لم تجمع سوى 2%!.. أين وصلت خطة الداخلية لحصر وتنظيم السلاح بيد الدولة؟
انفوبلس تكشف آخر المستجدات
لم تجمع سوى 2%!.. أين وصلت خطة الداخلية لحصر وتنظيم السلاح بيد الدولة؟
انفوبلس / تقرير
في وقت سابق، حددت وزارة الداخلية مهلةً زمنية وآليات لشراء الأسلحة وتسجيلها، ومنحت المواطنين مهلةً حتى نهاية العام الجاري لتسجيل السلاح الخفيف، وبيع المتوسط إلى الدولة، وتسليم الثقيل، مهددة بالسجن المؤبد لكل من يُضبط لديه سلاح ثقيل بعد انتهاء الفترة المحددة، لكن تشير المعطيات أنها لم تجمع سوى 2%، فما هي الأسباب؟
يُعد العراق من بين أكثر 25 دولة حيازةً للسلاح، وهو ما تشير إليه دراسة أعدّها آرون كارب، المحاضر في جامعة دومينيون الأمريكية، والتي نُشرت عام 2018.
يشكل السلاح المنفلت تحدياً للسلم الأهلي واستقرار المجتمع، فيما باءت جميع المحاولات والوعود الحكومية بحصر السلاح بيد الدولة، بما فيها خطوة شراء السلاح من الأفراد، الذي تم تخصيص مبلغ 15 مليار دينار (أكثر من 10 ملايين دولار) له، وبواقع مليار دينار تقريبا لكل محافظة، عدا إقليم كردستان
*تهيئة 697 مركزا في 15 محافظة لشراء الأسلحة
وخلال آذار مارس الماضي، أعلنت وزارة الداخلية عن تهيئة 697 مركزا في 15 محافظة لشراء الأسلحة من الأهالي، في محاولة لضبط السلاح المنفلت، مع تخصيص نحو 16 مليار دينار للمشروع، فيما تزامنت هذه الإجراءات مع إجراء لجنة أخرى لحصر وتنظيم السلاح بيد الدولة، حيث باشرت بإصدار إجازات حيازة للمسجلين، عن طريق استمارة إلكترونية.
ويقول الخبير الأمني أحمد الشريفي، إن "مبادرة الحكومة بحصر السلاح بيد الدولة، هي إيجابية من حيث النوايا، إذ تسعى الحكومة بذلك لتحقيق مبدأ دولة المؤسسات، لكن لا يجب التعويل على النوايا فقط، بل في القدرة على تنفيذ القرار".
ويستبعد الشريفي، تطبيق هذا القرار، لأسباب عدة، أبرزها أن "العشائر تدرك قوتها، وأن تخليها عن سلاحها يضعفها، بما يتناقض مع توجهاتها ومصالح زعاماتها الشخصية".
ويتابع: "كما أن الكثير من الأشخاص الذين يزعمون أنهم شيوخ عشائر، هم صنيعة سياسية تخضع لأيديولوجيات معينة رسمت لهم أدوارهم بشكل مسبق"، لافتا إلى أن "هؤلاء لن يتخلوا بسهولة عن الامتيازات التي يتمتعون بها".
ويلفت الخبير الأمني، إلى أن "اختراق دول الجوار للمجتمع العراقي بهدف التأثير السياسي، جرى عبر عشائر باتت بعضها تمثل امتدادات إقليمية وتؤمن روافد مالية، وهذا يكسبها دورا في التأثير على صناعة القرار السياسي"، مستبعدا “تخلي أمثالها عن سلاحها ليتم احتواؤها بمشروع وطني يقطع أطراف التدخل الإقليمي".
وكان الناطق باسم وزارة الداخلية مقداد ميري، أعلن في 15 تشرين الأول أكتوبر الماضي، خلال مؤتمر صحفي، عن انطلاق عملية شراء الأسلحة المتوسطة من المواطنين في المحافظات العراقية كافة، باستثناء إقليم كردستان، وكشف عن تحديد سعر الشراء بمبلغ يبدأ من مليونين إلى أربعة ملايين دينار (بين 1330- 2700 دولار تقريبا)، اعتمادا على الحالة الفنية التي تقررها اللجنة، كما أن الأسلحة غير الصالحة للعمل يتم شراؤها بمبلغ 500 ألف دينار عراقي، على أن تكون متكاملة الأجزاء.
*أقل من 2٪
وبجردة حساب بسيطة تكشف جدوى المبالغ المرصودة لجمع الأسلحة المنتشرة بأيدي مواطنين، يظهر أن 16 مليار دينار سوف تكفي لشراء نحو 6000 قطعة سلاح في الحد الأعلى، إذا ما تم اعتماد أقل مبلغ مرصود لكل قطعة والبالغ 2 مليوني دينار.
وتظهر التقديرات غير الرسمية انتشار ما بين 13 و15 مليون قطعة سلاح غير مرخصة، الأمر الذي يظهر أن خطة الداخلية إذا ما نجحت بالكامل، فإنها سوف تجمع أقل من 2 بالمئة، وهذا يعني أنها لا جدوى منها، ولن تحد من خطتها في انتشار السلاح.
ويشهد البلد انتشارا كبيرا للسلاح المنفلت، سواء على مستوى الأفراد أو العشائر، ودائما ما يستخدم في النزاعات الشخصية أو السياسية أو العشائرية.
وسبق لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني، أن أورد في منهاجه الوزاري، فقرة تخص السيطرة على السلاح المنفلت وحصره بيد الدولة، وهي ذات الفقرة التي وردت في كافة البرامج الحكومية لرؤساء الحكومات السابقة، لكن لم تنفذ، لا سابقا ولا حاليا.
*العشائر تقول كلمتها
من جانبه، يبين الشيخ نافع فائق، وهو أحد شيوخ العشائر في المحافظات الجنوبية، أن "تجريد العشائر من سلاحها سيسلبها دورها بحفظ الأمن والنظام، فالعشائر تلعب دورا مهما في استقرار الوضع الأمني والدفاع عن الوطن، فيما لو استخدمت أسلحتها على النحو الصحيح".
ويستذكر فائق "فتوى الجهاد ضد تنظيم داعش واستخدام العشائر لأسلحتها في تلك المعارك الشرسة"، لافتا إلى أنه "من الممكن تسليم الأسلحة الثقيلة إلى وزارة الداخلية، فيما يتم تسجيل الأسلحة المتوسطة والخفيفة الأخرى، والاحتفاظ بها لدى العشائر".
وتعد النزاعات العشائرية المسلحة في مدن وسط وجنوب العراق من أبرز المشاكل الأمنية التي تعاني منها تلك المناطق، إذ تحصل من وقت لآخر مواجهات مسلحة توقع قتلى وجرحى بين العشائر المتقاتلة وفي صفوف مواطنين اخرين، دون أن تتمكن الأجهزة الأمنية من فض النزاعات العشائرية دون وقوع ضحايا.
وكان عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية مصطفى الورشان، أكد في تصريح سابق، أن المعلومات الأمنية والاستخباراتية تفيد بوجود سلاح ثقيل لدى الكثير من العشائر، ليس في مناطق الجنوب فقط، بل حتى في العاصمة بغداد والمناطق الشمالية والغربية أيضا.
كما يبين العميد المتقاعد عدنان الكناني أن "الأسلحة فوق المتوسطة يفترض تسليمها للدولة العراقية، وفي حالة عدم التسليم تعتبر عملية حيازة أسلحة غير مرخصة ويحال الحائز إلى المحاكم المختصة".
ويضيف الكناني، أن "المواطنين لم يأخذوا هذا الموضوع بعين الاعتبار حتى الآن"، لافتا إلى أن "تجار السلاح قاموا بتسليم الدولة أسلحة مكدسة لديهم أصلا، بمعنى غير مباعة، وبالتالي سهلت عملية بيع وشراء الأسلحة التي يتاجرون بها، لذا يفترض أن ترافقها خطوات إضافية من قبيل إقامة برامج توعوية".
ويدعو في ذات الوقت، إلى "معالجة موضوع الدكات العشائرية (النزاعات المسلحة بين العشائر)، فبعض العشائر تخرج سلاحها أوقات الخلاف مع عشيرة أخرى، وهذا واجب القطعات الماسكة للأرض".
يذكر أن قانون 57 لسنة 2017 ينظم حيازة وتجارة الأسلحة، إذ ينص على عقوبات مشددة على كل من هرّب أو صنع أو تاجر بالأسلحة أو عتادها من دون إجازة، حيث تصل إلى السجن المؤبد والإعدام، أما حمل السلاح وحيازته دون إجازة فالعقاب هو الحبس سنة وغرامة لا تزيد عن مليون دينار.
*انتعاش سوق السلاح
في الأثناء، يؤشر تاجر سلاح رفض الكشف عن هويته، أن "سوق الأسلحة شهد نشاطا واسعا منذ إعلان وزارة الداخلية عن نيتها لشراء الأسلحة".
ويوضح التاجر الذي ينشط في بيع السلاح منذ سبع سنوات بمنطقة الفضيلية شرقي العاصمة بغداد، أن “الطلب على الأسلحة الخفيفة خاصة من نوع كلاشنكوف، ارتفع في الآونة الأخيرة”، لافتا إلى أن “سعر الكلاشنكوف الروسية المستخدمة والقديمة في السوق السوداء، ارتفع من 700 ألف دينار (نحو 500 دولار) إلى 900 ألف دينار (نحو 650 دولار) في الفترة الماضية".
ويسترسل بالقول، إن "سوق مريدي، داخل مدينة الصدر (الثورة سابقا) الواقعة في شرق بغداد، يعتبر المكان الأشهر لتجارة السلاح، ونحن نجهز بعض زبائننا من هناك، حيث يمكن الآن شراء أي قطعة بسهولة، لكن تجار السوق لا يتعاملون مع الزبائن غير المعروفين، إلا من خلال وسطاء موثوقين لتجنب الملاحقة الأمنية والقانونية".
يشكل السلاح المنفلت أحد المظاهر الرائجة في عراق ما بعد 2003، وعلى رغم الجهود الحكومية للحد من انتشاره فإنه يبقى ظاهرة لافتة للنظر في مجتمع بلاد الرافدين، مما تسبب في تردي الأوضاع الأمنية وتزايد معدلات الجريمة.
وتنتشر أسواق بيع الأسلحة في جميع المحافظات العراقية، بعض تلك الأسواق علني وتُعرض موجوداته من أسلحة وأعتدة في متاجر خاصة، والبعض الآخر سري يخفي ما يبيعه، وتُجرى عمليات البيع والشراء عبر تجار ووسطاء يتواصلون مع بعضهم البعض عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ومن بين أشهر أسواق السلاح في البلاد، سوق (مريدي) في بغداد، وسوق الأسلحة في محافظة ذي قار جنوب البلاد، حيث يمكنك أن تشتري كل ما تريد من أسلحة، وفق ما يقوله باعة.
ولا يوجد إحصاء رسمي بعدد قطع السلاح الموجودة داخل المجتمع العراقي، لكن التقديرات تتحدّث عن أرقام متفاوتة بالعادة بين 13 و15 مليون قطعة سلاح متوسط وخفيف، أبرزها بنادق “كلاشنكوف” و”بي كي سي” و”آر بي كي” الروسية، إلى جانب مدافع “هاون” وقذائف “آر بي جي” التي باتت تُستخدم أخيرا بكثرة في النزاعات العشائرية جنوبي ووسط البلاد.