مئات الدبابات تغزو شمالي العراق والجيش التركي يتجول في دهوك.. هل تعلم حكومة السوداني؟
انفوبلس/ تقرير
بين الحين والآخر تتكشف معالم المخططات التركية لاحتلال أجزاء كبيرة بل محافظات كاملة من العراق، وذلك بعد التعزيزات العسكرية المهولة والتحركات المشبوهة للمدرعات والآليات التركية التي توغلت بشكل غريب في مناطق بعيدة كل البُعد عن حزب العمال الكردستاني الذي كان الفزاعة التي تبرر لتركيا اقتحام الأراضي العراقية في إقليم كردستان، فماذا كشفت التقارير الأمريكية وكذلك شهود عيان شمالي العراق؟
وتتواصل الانتهاكات التركية لشمال العراق منذ نحو عشرين عاماً، وسط صمت من قبل حكومتي بغداد وأربيل، اللتين لم تتخذا إجراءات رادعة لإيقاف تلك العمليات، التي ألقت بظلالها على حياة المدنيين، وأدت لسقوط مئات الضحايا، فضلاً عن الخسائر المادية.
تقرير أمريكي يفضح الأتراك
كشفت منظمة السلام العالمي الأميركية (CPT) أن القوات التركية نقلت أكثر من 300 دبابة خلال الأيام الـ 10 الماضية إلى قرى في محافظة دهوك، وتستعد لتنفيذ عملية عسكرية كبيرة شمالي العراق.
فريق كردستان العراق للمنظمة التي تعني بالانتهاكات التركية وتسجّل الضحايا الذين يسقطون جراءها، أشار في تقرير اطلعت عليه شبكة "أنفوبلس"، إلى أن "الجنود الأتراك شوهدوا وهم يتحركون سيراً على الأقدام في قرى كيسته، آردنا، جلكي، بابيري، أوره، سرَرو في ناحية كاني ماسي بمحافظة دهوك"، مبينا أن "تحرك القوات التركية أثار الذعر بين أهالي القرى في تلك المناطق التي لا يمكنهم رعي مواشيهم والزراعة".
من جانبه، قال عضو فريق المنظمة كامران عثمان، إن "الجيش التركي بدأ في 28 كانون الثاني 2024 شقّ طريق عسكري بين النقاط والمقرات التي أنشأتها عام 2021 في منطقة برواري بالا التابعة لناحية كاني ماسي"، موضحاً أن "الطريق يمتد بعمق 9 كيلومترات في أراضي إقليم كردستان".
وأضاف، إن الجيش التركي ردّ على إنشاء قوات حرس الحدود العراقية مقرَّين في قضاء باتيفا في نيسان، بـ"التحرك عسكرياً إلى داخل القرى في شرق قضاء باتيفا وقرى برواري بالا"، معتبراً أن بناء المقرين العسكريين العراقيين "أثار قلق" تركيا، على الرغم من أن مئات من أهالي قرى كشان، شيلان وبانكي وقرى أخرى "تمكنوا من العودة إلى قراهم وإعمارها بعد تشرّد دام 13 عاماً".
وبشأن طبيعة تحركات القوات التركية، بيّن أنها "نقلت 300 دبابة ومدرعة خلال الأيام الـ 10 الماضية إلى قرى أوره، سرَرو، آردنا، كيسته، جلكي وبابيري. ومنذ ثلاثة أيام يتنقل نحو 1000 جندي بين مقر كري باروخ (وهو الأكبر الذي أنشأته تركيا في إقليم كردستان منذ 1997) وجبل متين خلف منطقة بامرني".
كما أشارت المنظمة في تقريرها إلى أن الجيش التركي "أقام نقطة تفتيش بين قريتي بابيري وكاني بالافي منذ صباح يوم 25 حزيران، ويطالب أي مدني يتحرك في المنطقة بإبراز هوية تعريفية عراقية ويسمح له بالمرور بعد تدقيقها".
وقال المواطن من ناحية كاني ماسي ناصر علي: "كنت في طريق العودة إلى البيت عندما طلبوا مني باللغة التركية في السيطرة إبراز هويتي"، مضيفا، "في البدء لم أفهم ما طلبوه، ثم أعاد أحد الجنود الطلب باللغة الكردية، فقلت له أنا في بيتي ولا أحمل هوية، فرد بالقول: اذهب، ولكن احملها معك في المرة القادمة".
وبحسب وسائل إعلام كردية، فإن الجيش التركي يقيم سيطرات وينفذ عمليات تفتيش في مناطق ناحية كاني ماسي وجبل متين منذ نحو أسبوعين، كما أن جنوده يتجولون في المنطقة رفقة أسلحتهم الثقيلة.
الجيش التركي سيضم 70% من دهوك لأراضيه!
CPT رأت أن من أهداف تركيا من مناورتها الحالية "الوصول إلى جبل حوت طبق في ناحية شيلادزي، ثم احتلال سلسلة جبال كارا بالكامل، وبذلك ستفقد حكومة إقليم كردستان 70-75% من الأراضي الخاضعة لسلطتها في محافظة دهوك".
وحذّر كامران عثمان من أن نجاح العملية التركية يعرّض العشرات من القرى والنواحي إلى النواحي ويشرد المئات من الأهالي والمواطنين المدنيين، كما أن "جزءاً مهماً من أراضي إقليم كردستان سيقع بيد الجيش التركي، ومن الصعب أن يعود لسيطرة حكومة إقليم كوردستان والعراق مرة أخرى".
وشنَّ الجيش التركي خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، 833 هجومًا وعملية قصف على أراضي إقليم كردستان، أسفرت عن مقتل 8 مواطنين، بحسب تقارير أجنبية اطلعت عليها شبكة "انفوبلس"، التي كشفت أن القوات التركية نفذت في عام 2023، 1548 هجوماً وتفجيراً في إقليم كردستان ومحافظة نينوى.
وعلى الرغم من حديث تركيا عن أن غايتها ملاحقة حزب العمال الكردستاني، فإن خبراء وسياسيين يرون أن الغاية الأساسية تبتعد عن ذلك، وتمثل محاولة لإنشاء وجود دائم لأنقرة في العراق.
خبراء أمنيون تحدثوا لـ"انفوبلس"، وأكدوا أن المخطط التركي لاحتلال أجزاء كبيرة بل محافظات كاملة من العراق، بدأ يُطبق على أرض الواقع، وخاصة بعد انتهاء فترة اتفاقية لوزان، وهذا الامر يجعلنا نرجع الى الوراء قبل عام 2023، وتحديدا في الانتخابات الرئاسية التركية، والتي كان فيها رجب طيب أردوغان يتوعد بحلول هذا العام (أي 2023)، وهو العام الذي تتحرر فيه تركيا من اتفاقية لوزان.
واتفاقية لوزان وُقعت قبل قرن من الزمن تقريبا بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية التي دام حكمها لما يقرب 600 سنة، فبعد نهاية الحرب العالمية الأولى تم توقيع معاهدة لوزان في 24 يوليو 1923 بين كل من تركيا من جهة ودول الحلفاء المنتصرة في الحرب العالمية الأولى من جهة ثانية والتي بموجبها -معاهدة لوزان- لم يعد هناك شيء اسمه الإمبراطورية العثمانية وبالمقابل حلَّت مكانها الجمهورية التركية القومية العلمانية وهذا كله تم من قبل مؤسس دولة تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك.
وقد كان من النتائج المترتبة عن معاهدة لوزان إعلان علمانية الدولة بعد أن كانت خلافة إسلامية عثمانية مباركة، ومصادرة جميع أموال الإمبراطورية العثمانية ونفي السلطان وعائلته خارج تركيا، وتنازل تركيا عن حقوقها في كل من السودان ومصر وتخليها عن سيادتها على قبرص وليبيا ومصر والسودان والعراق وبلاد الشام بعدما كانت هذه الدول تحت سيادة الإمبراطورية العثمانية، وترسيم حدود اليونان وبلغاريا مع الدولة التركية، واعتبار مضيق البوسفور ممرا مائيا دوليا ولا يحق لتركيا تحصيل أية رسوم.
وقال أردوغان، إن "حلول هذا التاريخ (أي 2023) هو أكثر من يوم عيد بالنسبة لدولة تركيا ففي هذا التاريخ ستتخلص من قيود هذه معاهدة، وكما توعد الرئيس رجب طيب أردوغان دول أوروبا والعالم بأنه بحلول 2023 ستولد دولة تركيا من جديد، لكن هل ستكون هذه الولادة عادية وخالية من أية مشاكل؟.
ويبدو أن الخطوة الأولى بعد انتهاء هذه المعاهدة كانت في العراق من خلال التحركات العسكرية التركية المشبوهة، والتي أوضحتها إحدى المنظمات الامريكية في تقريرها أعلاه، بحسب الخبراء.
ورغم خطورة هذا المخطط الكبير، إلا أنه سيكون معرضاً للفشل، لأن العراق بالأمس ليس عراق اليوم، وخاصة بوجود قواته الأمنية والحشد الشعبي وباقي التشكيلات التي أثبتت قوتها وخبرتها في المواجهات المباشرة وغير المباشرة، بحسب الخبراء الذي تساءلوا عن موقف الحكومة العراقية من هذا التوغل التركي، فهل ستصمت كما صمتت في مواقف سابقة، أم إنها ستقول كلمتها بقوة؟
ووفق تقرير صحافي، نشرته صحيفة "يني شفق" التركية، المقرّبة من حزب العدالة والتنمية، فإن "حزب العمال الكردستاني حصل مؤخراً على منظومات دفاع جوي وطائرات مسيّرة عبر مطار السليمانية، كما حصل عناصر الحزب على تدريبات في المطار، وتمّ اتّخاذ قرار حاسم بالنسبة لمطار السليمانية الذي تحوّل إلى قاعدة لوجستية لحزب العمال، وفيما إذا اكتشفت تركيا شحنة جديدة، فإنها ستتصرف".
لكن القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني غياث سورجي، اعتبر أن تركيا تريد "توريط جهات عراقية سياسية وأمنية، في سبيل خلق الحجج وضرب مناطق عراقية وفي إقليم كردستان، من ضمنها السليمانية التي تتهمها بدعم العمال الكردستاني"، موضحاً، أن تركيا تسعى إلى ما وصفه بـ"إخضاع السليمانية، ومن واجب بغداد أن تضع حلاً لهذا التوتر".
وأكمل سورجي، أن "الاتحاد الوطني الكردستاني عبر عن موقفه إزاء العمال الكردستاني وخاطب تركيا في أكثر من مرة، كما أن قوباد طالباني نائب رئيس حكومة إقليم كردستان والأخ الأصغر لبافل طالباني، زعيم حزب الاتحاد الوطني، زار أنقرة وتحدث مع المسؤولين هناك، لكن هناك إصرارا تركيا على ضرب مناطق في إقليم كردستان، وأخيراً تحدثت عن ضرب منابع التمويل للعمال الكردستاني"، مشيراً إلى أن "الحكومة العراقية لابد أن تكون على علم بأي إجراء تركي، خصوصاً بعد التفاهم الأخير بين بغداد وأنقرة، وهذه الأخيرة، تقع ضحية معلومات مغلوطة توفرها جهات كردية مع كل الأسف".
وفي زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى بغداد، في إبريل/ نيسان الماضي، وقع خلال الزيارة، وفق بيان الحكومة العراقية، "اتفاق الإطار الاستراتيجي الثنائي"، إلى جانب توقيع "26 مذكرة تفاهم مشتركة لمختلف المؤسسات بين البلدين". واعتبرت الحكومة أن ذلك "سينعكس على الشراكة الاقتصادية والتنموية". وجاء فيها بنود مهمة، من ضمنها حصول تركيا على تفويض لتنفيذ عملية عسكرية في إقليم كردستان شمالي العراق، وضمن عمق يزيد على 40 كيلومتراً، لضرب جيوب ومواقع مسلحي حزب العمال الكردستاني ضمن المناطق الخالية من السكان، وذلك خلال تفاهمات مع المسؤولين في بغداد وأربيل.
كما أن تركيا تتعرض لانتقادات "واسعة" من داخل العراق وخارجه بسبب التدخلات العسكرية واستهداف قرى في جبال دهوك والسليمانية، فضلا عن الانتهاكات الجسيمة.
*انتشار القوات التركية في العراق
يقول جبار الياور، وزير البيشمركة السابق في حكومة إقليم كردستان بين عامي 2014 و2022، إن "عدد القواعد العسكرية التركية الموجودة شمالي العراق يبلغ نحو 80 قاعدة، وهي متنوعة بين معسكر كبير وصغير، وموزعة بين أربيل ودهوك ونينوى، على طول الحدود العراقية ــ التركية".
ويوضح الياور، إن "قسماً من القواعد العسكرية التركية، منتشر بعمق 10 كيلومترات في بعض الأراضي العراقية، وبنحو 40 كيلومتراً في مواقع أخرى، على امتداد 200 كيلومتر على طول حدود البلدين".
وبحسب الياور، فإن "عديد القوات التركية في العراق لا يقل عن 5 آلاف جندي، في قواعد يحوي بعضها آليات عسكرية مختلفة من المدفعية والمدرعات وغيرها، وبعضها الآخر يمتلك مهابط للطيران المروحي، وأماكن مخصصة للطائرات المسيّرة".
ويلفت إلى، أنه "بحسب آخر المعلومات التي لدينا، فإن القوات التركية فتحت طرقا برية جديدة على الحدود التركية العراقية باتجاه بعض قواعدها العسكرية، وتقوم بعمليات عسكرية برية بشكل يومي في تلك المناطق، إضافة إلى العمليات الجوية بالطيران أو القصف المدفعي".
ويؤكد الياور، أنْ "لا وجود لأي اتفاق أمني أو عسكري بين حكومة إقليم كردستان وتركيا بشأن بناء تلك القواعد أو دخول القوات التركية الأراضي العراقية". ويعتبر أن "ملف الحدود وحمايتها من مهام القوات الاتحادية (القوات العراقية المرتبطة ببغداد)، لكن هناك مناطق حدودية لم تصل إليها القوات العراقية لغاية الآن، بسبب الانتشار العسكري التركي، إضافة إلى وجود حزب العمال الكردستاني والقتال المستمر، بالتالي، ما زالت القوات الاتحادية بعيدة جداً عن الخط الصفري الحدودي. إنه فراغ أمني كبير يستغله الجيش التركي في دخوله وخروجه من العراق".
ومنذ منتصف عام 2021، تستهدف العمليات العسكرية التركية البرية والجوية مناطق شمالي العراق بحجة محاربة مسلحي حزب العمال الكردستاني في الشمال العراقي، وتحديداً مناطق ضمن إقليم كردستان، وتقع غالبيتها بمحاذاة الحدود مع تركيا، حيث تدعي تركيا أن الحزب يتخذ منها منطلقاً لشن اعتداءات مسلحة في الداخل التركي.
ويتحدث برهان شيخ رؤوف، القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني في مدينة السليمانية، عن معلومات مقاربة لمعلومات الياور، مشيراً إلى أن "هناك ما بين 65 و70 قاعدة ومعسكراً داخل العراق، أغلبها بين محافظتي أربيل ودهوك، وبعضها قواعد عسكرية كبيرة وفيها معدات عسكرية مختلفة، لكن عدد الجنود غير معلوم وهو متغير بشكل يومي".
ويرى شيخ رؤوف، أن هناك "تنسيقاً" بين القوات التركية في العراق والحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في أربيل، معتبراً أنه "لغرض تسهيل مهمة تلك القوات في الدخول إلى الأراضي العراقية وبناء القواعد العسكرية، كما أن هناك قاعدة عسكرية كبيرة للجيش التركي وهي عبارة عن مطار عراقي في منطقة بامرني بمحافظة دهوك يُعدّ من أكبر القواعد العسكرية بعد قاعدة بعشيقة، التي تنتشر فيها القوات التركية في العراق وتحديداً في شرق مدينة الموصل". ويرى أن "إخراج القوات التركية من شمال العراق من مهام الحكومة العراقية ببغداد".
وتعتبر محافظة دهوك، التابعة لإقليم كردستان، أكثر المناطق التي تتعرّض بشكل شبه يومي للقصف التركي، كونها محافظة مجاورة للحدود التركية، فضلاً عن أن تركيا تعتبرها منطقة استراتيجية، للتمدد نحو محافظتي نينوى وكركوك.
وخلال الأعوام الأخيرة، تحولت تركيا إلى لاعب مؤثر داخل العملية السياسية العراقية، عبر فرض سطوتها على بعض الكتل السياسية السُنية وتحكمها بقرارهم السياسي، ما أدى إلى عرقلة أي خطوات عراقية حقيقية لوقف انتهاكات تركيا للأراضي العراقية.